بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 مايو 2021

ارتكاب الشر باسم الخير(1)

مركزتيفاوت الإعلامي
أوندريه كانت سبونفيل
ترجمة يوسف اسحيردة
قصة الذبح المُقرر لإسحاق في سفر التكوين، هي من بين أكثر النصوص رعبا في التوراة الذي لا يفتقد إلى مثل هذه الأشياء . أعرف جيدا أن الإله سيعترض على الأمر في نهاية المطاف مُستبدلا الطفل بكبش. ومع ذلك فإبراهيم كان قد شرع في تهيئة حطب المحرقة، كما " أمسك بالسكين من أجل نحر ابنه"...والإله الذي لم تذهله الواقعة، هَنَّأهُ قائلا : " لأنك لم تمسك ابنك الوحيد عني، فسوف أغمرك بالرحمات"...إبراهيم قد وضع الإله في مرتبة أعلى من الجميع، لذلك فهو " بطل الإيمان" في نظر سورين كيركجارد، والشاهد الأزلي على مخاطره. أن يضع المرء الإله في مرتبة أعلى من نفسه؟ أمر جيد. لكن، أن يضعه في مرتبة أعلى من الأخلاق؟ أعلى من الحياة؟ أعلى من الحب؟ أعلى من طفل؟ الأمر فيه نظر.

 قد يعترض أحدهم بالقول أن الأخلاق، الحياة والحب، كلها أشياء لا تملك وجودا مطلقا إلا في الإله. ربما. لكن، هذا الإله، إن وُجد حقا، من بإمكانه ادعاء إدراكه بشكل مطلق؟ في سبيل أي شيء، نضع أوامره، عندما تصدمنا، فوق ضوابط القلب والعقل؟ في سبيل الإله، أي في سبيل الإيمان، أي في سبيل عقيدة مشكوك في أمرها، كما هو الأمر مع كل العقائد....من يضمن لنا بأن هذا الإله هو الإله الحق؟ الوحي. من يضمن لنا بأن هذا الوحي هو الوحي الحق؟ لأنه ينبع من الإله الحق. إنها حلقة الإيمان التي تجعله مرعبا حين يكتسي طابع الوثوقية. لو  شَكَّ إبراهيم، لَمَا أقدم على حمل السكين. لكنه لو شك، لما استحق لقب "بطل الإيمان". 

لا يجب علينا تحميل الأديان أكثر من طاقتها. الديانات لا تحتكر لوحدها العنف، الذوغمائية والتعصب. الأجدر بنا أن نفكر قليلا في الدروس المستقاة من تاريخها الطويل والمؤلم: بوسعنا فعل الشر أيضا في سبيل الخير، وحتى أن نسمح، عن طيب خاطر، بأسوأ السيناريوهات، في سبيل خير، من المفترض، أنه مطلق...الأنانية، رغم أنها الأكثر انتشار، فهي لا تشكل مصدر خوف إذا ما قورنت بالتعصب. قليلون هم من يقدمون على القتل بدافع مصالح شخصية. في نهاية المطاف، ما الذي سيجنيه المرء من ارتكاب المجازر؟ لكن ارتكابها في سبيل الإله، أو الثورة، أو الأمة، يعني الشيء الكثير. لا يحتاج الإنسان أن يكون شريرا حتى يرتكب الفظائع، الحماس وحده يكفي. لنأخذ مثال الحروب الصليبية أو الجهاد، روبيسبير أو ستالين، هتلر أو بول بوت، القاعدة أو داعش. منطق المطلق، حين ندعي معرفته، هو منطق الإرهاب.
 
لا أحد يرتكب الشر بدافع الشر. "رايخ الألف عام"، عند هتلر، كان بهدف فعل الخير، تماما كما كانت الثورة بالنسبة لروبسبيير أو ورثته المخيفين، وكما كانت العقيدة الصحيحة بالنسبة لمحاكم التفتيش. " أقتلوهم جميعا، فالإله أو الثورة سيميزون أبناءهم.." أي وغد عادي، سيكون أقل إثارة للخوف. فباعتباره لا يتصرف إلا بدافع الأنانية، فيما سيفيده مضاعفةالمجازر؟

نعود الآن إلى إسحاق. هذه القصة التي نعثر على مثيلتها في القرآن، ترمز إلى تخلي الديانات التوحيدية عن التضحية بالبشر. لا يمكن للمرء إلا أن يسعد بهذا الأمر، مع الإشارة إلى أن ذلك لم يكن كافيا لوضع حد للحروب الدينية، ولا حتى لتثبيط عزيمة القَتلَة الأتقياء جدا، كما تشهد على ذلك الأخبار اليومية عبر وسائل الإعلام الدولية. هل لخلل في فهمهم لدينهم؟ هذا ما يُعتبر ادعاؤه  صوابا  سياسيا، على الأقل عندنا، وأعتبره أنا مدعاة للريبة ( يا لكثرة الدعوات إلى القتل في التوراة أو القرآن !) . لكن، في نهاية المطاف، المسيح نفسه الذي ما فتئ يُذَكِّر بسلمية رسالته، قال "ما جئت لألقي سلاما بل سيفا". فهل يُدين ذلك رسالته؟ ليس بالضرورة، لأن دائما هناك حروب عادلة أو عنف لابد منه. وليس بالكامل،  لأن المسيح كان يدعو أيضا إلى المحبة والوداعة. هذا الأمر يُؤكد ألا قيمة لأي رسالة بمنأى عن التأويل الذي يُراد لها. لكن هذا التأويل يظل بشريا، أي قابلا للخطأ، حتى عندما تكون الرسالة غير قابلة لذلك. في هذا الموضوع، كلام المؤرخين والفيلولوجيين يملك على الأقل نفس أهمية كلام علماء الدين. فقط يجب على هؤلاء، أو أتباعهم، أن يرتضوا الاستماع إليهم. علم السياق ليس اختيارا. إنه التاريخ نفسه. كما هو حال التأويل بالنسبة للفيلولوجيا.     

أن يكون الإله مطلقا، أبديا، أزليا، فهذا جزء لا يتجزأ من تعريفه. بيد أن الديانات تظل نسبية، تاريخية، محدودة، وبالتالي قابلة للنقاش. بيد أن المؤمنين يظلون بشرا، وبالتالي مُعرضين للخطأ والسخافة، قادرين على إثارة الضحك (على حسابهم) كما الخوف.  وهذا ما يُزعج المتعصبين :  يغضبون لكونهم ليسوا الإله.

(1) .  Le monde des religions n°75 janvier-février 2016, Le mal au non de dieu

ليست هناك تعليقات: