بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 13 يونيو 2015

علاقة الشعانبة الجزائريين بالإستعمار الفرنسي


مركزتيفاوت الإعلامي
وثيقة تاريخية تفوق أضعاف وزنها ذهبا !!
قلت هذه العبارة بعد الاطّلاع على وثيقة أفادني بها أحد الإخوان، هي موضوع هذا المقال، وإنّها لكذلك وأكثر، وللأخ الشكر الجزيل على حفاظه على هذه التّحفة، وعلى إبرازها في اللحظة التاريخية الحاسمة.


هذه الوثيقة رسالة من قيّاد الشعانبة وأعيان عروشهم إلى حاكم ملحقة غرداية، مؤرّخة في سنة 1928، موضوعها الصراع القائم آنذاك بين عروش الشعانبة وبين أولاد يعقوب حول أراضي وادي زرقون، أو "ابلان (Plan) زرقون" كما أسموه في الرسالة.

وأهمية هذه الوثيقة التي لم يكتبها لا المزابيّون ولا الفرنسيّون، وتحمل إمضاءات قيّاد الشعانبة وأعيان عروشهم، تفتح السبيل واسعا لتعميق الدراسة حول علاقتهم الخاصّة جدّا بالدولة الفرنسية الاستعمارية، وهي علاقة استثمروها في تحصيل ما يدّعون لأنفسهم من حقوق، فكانت استراتجية مارسوها في العهد الاستعماري معتمدين على الخدمات الجليلة التي قدّموها للاستعمار الفرنسيّ لعقود طويلة، وواصلوها بعد الاستقلال مع الدولة الوطنية اعتمادا على تضخيم مشاركتهم في الثورة التحريرية، وحجب ما كان من دورهم في التمكين للاستعمار في الصحراء الكبرى عموما، وليس في الصحراء الجزائرية فحسب، وبما أنّ الوثيقة كانت بخصوص الأرض، فلا نستغرب والحال هذه مساحة بلدية متليلي الحالية مقارنة ببلديات بني مزاب، ومع ذلك ما زال الشعانبة يرغبون في المزيد، ولو على حساب جيرانهم.

ثمّ إنّه من واجب باحثينا أن يدركوا أنّ هذه الوثيقة لا يمكن أن تكون بأيّ حال من الأحوال فريدة من نوعها، وعليه يتوجّب عليهم التنقيب عن مثل هذا الأرشيف وإبرازه، للإسهام في إعادة كتابة تاريخ منطقة غرداية في مختلف مراحله، باعتماد مصادر حقيقية موثّقة.

أعرض هذه الوثيقة التاريخية كما كتبها أصحابها، وأترك التعليق للقراء الكرام، في انتظار عودة متأنّية -منّي أو من غيري- لدراستها في دقائقها وتفاصيلها وأبعادها.

أنقل النصّ حرفا بحرف، بأخطائه مهما كان نوعها؛ وما كان فيه لبس بسبب عاميته شكلته، أو كتبت بعده مقابلَه من الترجمة الفرنسية للوثيقة:

«الحمد لله وحده.

يوم 18 جانفي سنة 1928.

سعادة السيد القبطان حاكم ملحقات غرداية، السلام عليك من خدّمك قياد شعانبة بلدة متليلي، وأعيان عروشهم، الواضعين خطوط أيديهم أسفل.

وبعد، إنّنا شَاكْيِينْ لله، وثمّ إليك، لتبلّغ شكايتنا إلى السيد سموا [يعني: الوالي] العام بالجزائر. وبعد أخبرك سيدنا بما سنذكره أسفل من تقييد الوطن متاع ابلان زرقون الذي نحن به حَالِّينَ من سالف أجدادنا إلى الآن، مبيّنًا حدّا ورسما، وبيان مقابر مَوْتِينَا المدفونين به، وبيان الاعقل مْتَاوَعْ المياه، وبيان الأبيار الذين عن شمال الوادي المذكور، وبيان العسّة الذي كنّا دائما نعسّ به من سالف أجدادنا في السنين الفارطة، لأجل كنّا ندافع عن أنفسنا وأولادنا وأموالنا من أولاد الحرام الذي كانت متعدية علينا، مثل أولاد ادليم (Les oulad Delaïn)، وادْوِي امْنِيع (Les Doui Menia)، والبِرَابَر (Les Berabers)، واجْدِيرات (Les Djedaïra)، والتوارق، وغيرهم، وكلّ ما وقع لنا من الموتى الآتي ذكرهم بالوادي المذكور غربا وشرقا إلاّ من كثرة المدافعة والسكنان بتلك الوادي، قُتلوا هناك إلاّ القليل من مات من غير شيء، ونحن مْبَارْحِينْ به، ونكابد عن أنفسنا، وصابرون على ما أصابنا من الضرر السالف من أولاد الحرام المذكورين، ولا قدرنا نخرج منه من أجل ليس عندنا وطن غيره لنسكنوه، وفي كلّ شهر تنتهب أموالنا منه، ويموتوا أولادنا من ملاقية العدوّ المذكور، ولا زلنا على تلك الحال حتّى أكرمنا الله بتمام العافية والهناء بالدولة الافرنصاوية الذي صار حكمها بالعدل منشور على سائر الأقطار في رعيتها، فسعت لنا في ذلك، واجتهدت غاية جهدها بالدفع لعدونا، ورتّبت لنا العسّة بوادي زرقون في كلّ شهر على مدّة السنة في كلّ عسّة يزيد عن مائة وثمانون نفر ما بين خيالة (Cavaliers) ومهراي (Méharistes)، كلّها من عروشنا، تربط العسّة من عقلة المنية (Ogla Elmenia) إلى زباشة (Zebacha)، بإمارة الشيخ بن احديد، ومحمد بن موسى، كانوا ذلك الوقت قيّاد مخزن تحت حكم الدولة، ونحن على هاته الحالة إلى أن سكنت حَرَاكَةْ العدوّ (Harkas ennemies)، وصار الذِيبْ خِلاًّ للغنم، لا يضرّ الآخر بصاحبه، كلّ هذا من سعادة الدولة الافرنصاوية، صانها الله من جميع الآفات، وكلّ ما ذكرناه وسنذكره له دلائل واضحة.

واليوم سيّدنا إنّنا تحت حكم الدولة، وإنّنا نخدم فيها بالنصح: منّا كذا اسبايس (Spahis) خياله، وكذا اسبايس سحريان (Sahariens)، وكذا عصكر تريون (Tirailleurs)، وليس منّا من هو كارها ولا عاصيا لخدمة الدولة فعلا.

هذا نريد من سعادتها أن تجيبنا لمطلوبنا، ولا تخيب سعينا، لما نريده منها من نجح مآربنا، وتمام قصدنا. وإذا لم تسعى لنا في ذلك تركتنا عالة في الآفاق، ليعلم ساداتنا بأنّنا لا عندنا وطن ترعى فيه مواشينا، سيّما [الصواب: سوى] وادي زرقون، لأنّ الشبكة المحيطة ببلدتنا ليس تنبت شيء من الخصب إلاّ الحجر الجلمود هو نبتها، ولا يخفاك سيدنا أن الماشية ما تَنْمَى إلاّ بكثرة الخصب، وجميع أهل الآفاق عندها بلدان حرث وجروز ومياه جارية على وجه الأرض، ونحن بخلاف ذلك، سيّما [الصواب: سوى] وادي زرقون ترعى فيه مواشينا، ونحن ما تربينا إلاّ به، ولا عندنا وطن غيره، ولو كان لهؤلاء الزاعمين واد زرقون لكان ذكرهم به، كما هو ذكرنا به، ولو كانت موتاهم منتشرة به كمثل أمواتنا، ولو كان لهم لكانت خدمتهم مؤثرة به، كما كانت خدمتنا لها تأثير واضح، من أعلى الوادي إلى أسفله، وكلّ ذلك له شهود وبيان لا يخفى عن أعين الناظرين، والبينة كافية عن التوليج.

فحيث تنظر ذلك سيدنا يظهر لك ثبوت الشيء أو عدمه، ونحن تحت كفالة الله، وكفالة الدولة الافرنصاوية، فلا ترضى لنا بالمضرّة، لأنّ ما زعموا به عروش أولاد يعقوب من ملكية بلان زرقون إلاّ افتراء وزور وبهتان، وكلامهم كلّه إلاّ عن غير الصواب، والدولة تنظر الحقّ من الباطل، ونحن تحت حمايتها.

وأيضا سيّدنا عندنا سيرات سابقا مع بعض ساداتنا الحكّام:

أوّلا: سرنا في عدد 400 أربعمائة مهري إلى "اجديرات" (Djeïrat)، في سنة 1876.

ثانيا: اخْدَمْنَا "برج الامنيعة" (Bordj de El-Goléa) في 1887.

3- قَارُوا علينا اتوارق، والْحَقْنَاهُمْ في سنة 1888.

4- اخْدَمْنَا "برج ماكماع" (Bordj de Mac-Mahon) في ﭬُومْ عديدة مع السيد "كشار" (Crochard) في سنة 1893.

5- وفي سنة 1894، في عدد ثمانون مهري، مع السيّد الدكتور "ميرانت" (Mirante) الترجمان.

6- وفي سنة 1899 سرنا مع السيّد الكماندات "بوقرطن" (Beaumgarten) إلى عين صالح.

7- وفي سنة 1900 سرنا في ﭬُومْ عديدة مع الجنرال "منستريل" (Menestrel) إلى تيميمون.

8- وفي سنة 1901 سرنا مع السيد الجنرال "ميرستان" (Merstein!)، إلى اتوات، و"الامطارف" (El Meterfa)، و"اتسبيت" (Atsibit)، و"شروين" (Chenouin)، صحبة السيّد محمد الطيّب في "خطرة اعميره" (Combat de Ameïra).

9- وفي سنة 1918 ركبنا في ﭬُومْ عديدة، وتفرقنا ما بين الامنيعة وعين صالح وورقلة، في عين الفلاقة [الترجمة الفرنسية للعبارة كالآتي: Pour poursuivre les fellagas].

10- وفي سنة 1916، سرنا مع السيد الكماندات "دورا" (Durand) نحو "جانت" ونواحيها، وماتوا أولادنا هناك.

11- وكذلك ساروا أولادنا مع السيّد "فُورُ"، والسيّد الكماندات "لاَمِ" (Mission Fourreau-Lamy)، إلى "السدان" (Soudan)، بلاد رابح.

وعندنا عصاكر تريون (Tirailleurs)، واسبايس خياله (Spahis)، وسحريان (Sahariens)، يزيد عن عدد 220، كلّها موجودة في خدمة الدولة، دون الموتى، ودون الـﭭُومية، ودون المخزن.

وإنّنا اليوم نرجوا ساداتنا أن لا يخيب سعينا على أيّ وجه كان، ونظر الدولة أعلى وأحسن، وذلك من جميع عرش الشعانبة كبير وصغير، كلّنا عن آخرنا طالبين إلى ساداتنا أن يجيبنا لما نحن طالبين له من سعادتهم، والسلام.

وشهد كاتبه عبد الرحمن بن محمد على علامة الواضعين كَرْوَتْهُمْ (Croix): أوّلا الحاج عبد القادر بن الأحرش، واغويدر بن اعمير، والاخضر بن زرقون، ودحمان بن الشيخ، ومحمد بن الحاج الدين، ومعطالله بن موسى، والحاج الشيخ بن شنتير، ومسعود بن الحاج اعمر، ومحمد بن الساسي بن الجديد، وعباس بن فرج الله، والحاج اعمر بن اغويدر، وسليمان بن محمد بن اعيش. جميع هؤلاء وضعوا خطوط أيديهم، شهد محمد بن الحاج على كَرْوَتْ الوضعين اكْرَوِيهُمْ (Croix)».

وتوجد معها أسماء مكتوبة بخطوط أصحابها، هي إمضاءاتهم، بعضها غير واضح استعنت في كتابتها بالترجمة الفرنسية: «علي بن الحاج أحمد بن حروز. الشيخ بن عمر. محمد بن حاج المؤذن. الحاج يحي بن الحاج سليمان. جلول بن سعد. محمد بن المبروك زهواني. محمد بن الحاج أحمد، شيخ فرقة أولاد إبراهيم. محمد بن الحاج الدين. المبروك بن حمني (Hamouni)، شيخ فرقة أولاد عيسى بن موسى. وسليمان بن امبارك بن دحمان».
مزاب في 26 ماي 2015

ليست هناك تعليقات: