بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 نوفمبر 2022

شهداء السلالة المنسية العلامة المختار السوسي والكلاب الاذيب باللغة الفرنسية محمد خير الدين

Tamazalt
محمد المختار ومحمد خيرالدين، الأول توفي يوم 17 نونبر 1963 والثاني في 18 نونبر 1995...أجود وأفضل ما انتجته أرض جزولة في القرن العشرين، المختار في إلغ ندو گادير، وخيرالدين ولد في أزرو واضو بأملن تافراوت، لا تفصل بينهما إلا بضعة كيلومترات قليلة...
الغوص في ما انتجه المختار وخير الدين وتجارب حياتهما لن تكفينا سنوات من الكلام والكتابة...
إنهما يمثلان الشخصية الأمازيغية الدفينة خلال القرن العشرين التي عاشت تحولات تاريخية بنيوية عميقة... هي مرحلة تاريخية قاسية وصعبة اصطدم فيها الامازيغ بالآخر بعد سلسلة طويلة ومتتالية من الصدمات التي خلفت جروحا غائرة في الذات والأعماق... إنها فترة إنفجرت فيها الشخصية الثقافية الأمازيغية بسبب الهزة الكبيرة المزلزة التي تعرضت لها...
المختار السوسي يمثل المرحلة الأولى التي عاشت فيها الشخصية الأمازيغية ( التي تحولت إلى الحركة الأمازيغية فيما بعد الاستقلال) مخاض الاستعمار وصراعه مع السلفية التي خرج منها المختار منتصرا في المعركتين معا، ضد الاستعمار وضد السلفية نفسها (التي تزعمتها بورجوازية فاس) ، ونحت لنفسه وللمغرب نسقا ثقافيا جديدا يمزج بين الثقافة الأمازيغية وتمظهرات إصلاح من داخل التراث فرضتها السياقات التاريخية التي كبر فيها وعاشها المختار خاصة بعد سنة 1920.. ذالك ما نسميه حاليا بالاسلام الامازيغي الذي يعتمد عليه المغرب حاليا على المستوى الرسمي للحفاظ على التوازن الإقليمي والسياسي لمواجهة الظاهرة الإسلاموية...المختار السوسي الذي واجه تقلبات عصره بكثير من الصبر والجهد الفكري والثقافي والأدبي بعد ابعاده من الحركة الوطنية بسبب انتمائه الامازيغي وبسبب كتابته لتاريخ سوس... وبدأ في وضع لبنات أساسية لتأسيس حركة أمازيغية لتحمل الشخصية الأمازيغية في مرحلة ما بعد الاستقلال... وبدأ مشروعه الفكري والسياسي بتأسيس المعهد الإسلامي في تارودانت سنة 1957 بعد خلقه جمعية علماء سوس لتمويل المعهد من أموال التجار السوسيون، وبعد تأسيس المعهد الإسلامي دخل بعض نخب فاس على السلطان محمد الخامس وحذروه من المعهد ومن السوسي، وطلبوا منه إغلاق المعهد وعدم فتحه لأنه سيؤدي إلى ظهور "الموحدون الجدد في سوس"، ومن المعهد تخرجت جميع أطر ونخب الحركة الأمازيغية الحسين جهادي احمد الدغرني محمد المستاوي حسن ادبلقاسم احمد ارحموش وآخرون..
وقام المختار السوسي بعمل كبير في خلخلة الأنساق الثقافية في الاشتغال على مفهوم الوحدة في التنوع منذ بداية الستينيات القرن الماضي والذي تبنته الجامعة الصيفية في أولى دوراتها سنة 1980 و 1981 والتي طالها المنع... والجامعة الصيفية في الحقيقة تجمع فكري وثقافي لخريجي المعهد الإسلامي لتارودانت حيث يلتقون فيها الذين اشتغلوا في التعليم والمحاماة والقضاء لمناقشة قضايا الثقافة الأمازيغية بمختلف أشكالها، كما نحت المختار السوسي نظرية التبادل الثقافي في حواره الفكري والثقافي مع محمد الفاسي، وهي النظرية التي حاولت فعاليات أمازيغية شابة تقعيدها والأشتغال بها حين أسسوا الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي سنة 1967... وأغلبهم ينتمي إلى سوس، كأخياط والمستاوي وازايكو والتوفيق، ( وزير الاوقاف حاليا) الذي يمكن اعتباره الوريث الشرعي والأصلي لفكر وتجربة المختار السوسي...
لهذا، يمكن اعتبار المختار السوسي من بين المؤسسين الحقيقيين للحركة الأمازيغية بالمغرب...
اما خيرالدين فإنه يمثل المرحلة الثانية للشخصية الأمازيغية في القرن العشرين، أي ما بعد الاستقلال، وبالتالي فهو يمثل الجيل الأول للحركة الأمازيغية، فهو الوجه الحداثي للشخصية الامازيغية ما بعد الاستعمار، فهو منتوج خالص لفترة الحماية، يناقض ويعاكس الفترة السابقة التي يمثلها المختار السوسي، إن لم نقل يناهضها.. فكريا وثقافيا وفلسفيا بل شن ثورة عليها وعلى حمولتها الثقافية..
فاذا كان المختار السوسي القادم من بوادي سوس دخل إلى جامعة القرويين في فاس، وتفوق بشكل كبير على كل أبناء البيوت الفاسية الكبرى في جميع ضروب العلم والفقه واللغة والنحو والأدب وغيرها... وأصبح طالبا آفاقيا لا ينافسه أحد في اللغة العربية... فإن محمد خيرالدين القادم هو الآخر من سوس فقد دخل إلى العاصمة الفرنسية باريس وهدم كل أسوارها وابراجها العالية بلغة فرنسية بديعة وراقية وجميلة، يكتب نصوصا أدبية وأشعار باللغة الفرنسية التي يعجز كبار الفرنسيين وشعراء باريس على فهمها وبالأخرى الاتيان بمثلها... قوة اللغة الفرنسية وتماسك جمالها هي التي جعلت كبار فلاسفة فرنسا وكتابها يعترف بعبقرية محمد خيرالدين ونبوغه في الأدب الفرنسي وفي اللغة الفرنسية... وهو القادم من دوار صغير جدا على سفوح الاطلس الصغير...
وبالرغم من كتابته باللغة الفرنسية فإن خيرالدين بدأ اول إنتاجه الأدبي برواية وضع لها عنوان "أگادير " التي تحدث فيها عن الدمار الذي لحق المدينة بعد الزلزال... ومن هذا العنوان يظهر أن خيرالدين يتحدث عن بداية الخراب والنسيان الذي بدأ يدب في أكبر مؤسسة اجتماعية وسياسية واقتصادية وبنكية في الحضارة الأمازيغية، بعد الاستعمار....وزاد خيرالدين يوضح مشروعه الفكري والثقافي، في رواية أكنشيش حيث دعا إلى ضرورة إنقاذ الثقافة واللغة الامازبغية من التحولات الجارفة التي فرضتها الحداثة وسيرورتها التي تزحف على الخصوصيات والانماط الثقافية الأمازيغية.. فلابد من الفهم الجيد للمقدمة المطولة التي وضعها خيرالدين لرؤيته أسطورة وحياة أگونشيش الذي قاوم  وخاض عدة معارك شديدة وقاسية من أجل "الشرف"، خيرالدين وهو يغوص في الثقافة الأمازيغية مذكرا باسطورة حمواونامير وهو يصعد إلى السماء، يصرح أن المعارك القادمة لن تكون معارك السلاح وإنما تكون معارك حضارية وثقافية...
خيرالدين بدأ بأگادير وانتهى بأكنشيش.. بعد عودته من المنفى في فرنسا وضع شعارا  لتجربته تحت عنوان "زمن الرفض" أعلن فيه التمرد على كل التقاليد العتيقة والمحافظة وجعل فكره وابداعه يعبر عن الغضب الدائم...
خيرالدين والسوسي هما وجهان لعملة واحدة... هي الشخصية الأمازيغية التي تعرضت للانكسار والاصطدام... لكنها عملة حاولت أن تفرض نفسها في حقل يهيمن عليه الصراع...

ليست هناك تعليقات: