عايشنا خلال الآونة الأخيرة، مؤامرات شرسة وحربا ضروسا على الأمازيغ والأمازيغية. حرب تم التخطيط لها على شكل مؤامرات وتمثيليات وضيعة تناوبت على نسج سيناريوهاتها وإخراج مشاهدها المبتذلة كل من التنظيمات العروبية والإسلاموية والتنظيمات الإدارية السابحة في فلك المخزن على حد سواء. غير أن ما يحز في النفس هو أن نشاهد بعضا من رفاقنا (إمدوكال) يشاركون - إما بسذاجة مخجلة أو بصفاقة واعية - في الظهور على الركح أملا في إضفاء شرعية مستعصية على بنائها الدرامي مع الاكتفاء بتشخيص أدوار الكومبارس فيها ليس إلا.
ضمن هذا السياق المعلول، وفي إطار هذا الشرط التاريخي السقيم، ارتأيت أن أدلي بدلوي في ما يقع (عبر سلسلة من التدوينات والمقالات)، وذلك من موقع المتتبع عن كثب تارة ومن موقع المعايش تارة أخرى. وذلك من منطلق أننا قد نكون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في مسيس الحاجة إلى نقد ذاتي جريء يشخص الأورام والأسقام ويسهم في اجتراح الوصفات الكفيلة بإخراج الحركة الأمازيغية من حالة التوعك والاعتلال إلى حالة الصحة والإبلال.
وتبعا لما سلف، سأحاول من خلال التدوينات الأولى مقاربة المحورين التاليين:
1- النقابات: المنصات الناعمة للتضبيع
اتسم العمل النقابي الأمازيغي (في ظل عدم وجود حاضنة سياسية مستقلة) بغير قليل من الفرقة والتشرذم، حيث توزع الشتات النقابي الأمازيغي على مختلف (العشائر والقبائل النقابية)، مما جعله عرضة للاستباحة والانتهاك (نموذج ذلك ما وقع في نقابة حزب النهج العروبي الذي ما جمعنا به يوما إلا داء الضرائر). لكن ما إن استفاق هذا الشتات على هول الصدمة وقرر أن ينسق جهوده ويوحدها حتى برزت كيانات نقابية كانت على أهبة الاستعداد للانقضاض على ورقة "الشرعية الأمازيغية" لتوظيفها سياسويا دون أية مراجعة لماضيها وحاضرها الأسودين بخصوص الأمازيغية مقابل تواطؤ بضعة مناضلين كانوا للمناصب والمكاسب أجوع من كلبة حَوْمَلَ كما يقال. والحال أنهم إنما طمعوا في ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل ولا يغني من اللهب. (فما الذي وقع بالضبط؟)
2 - الأحزاب: استرتيجية التمييع والتركيع
ما يقع في الجسم النقابي يحتاج بالتأكيد إلى تشريح مفصل، لكن هل يمكننا فصله عن المؤامرات المفضوحة التي حاكتها وما تزال، بعض الأحزاب السياسية الحالية؟ المؤشرات الكثيرة الماثلة بين ناظرينا تجعلنا للأسف مجبرين على الإقرار بوجود علاقة تلازم بين المؤامرتين.
فالمؤامرة النقابية ليست في الواقع إلا امتدادا وتصريفا ناعما لما عجزت تلك الأحزاب عن تحقيقه في سعيها الفاشل وراء تركيع الحركة الأمازيغية واستيعابها، بل وتضبيعها وفق تعبير السوسيولوجي محمد كسوس، وذلك عبر تعويم المفاهيم وتمطيط المصطلحات وإغواء بعض المناضلين بمناصب ومكاسب شخصية زائفة نظير الاشتغال على تبييض صورتها القاتمة في التعاطي مع القضية الأمازيغية. ووسيلتها في تحقيق غايتها - وفق رؤية ميكيافيلية محكمة - هي الاستعانة ببعض الكومبارس من الأمازيغ قصد خلط الحابل بالنابل والخاثر بالزُّباد والمرعِيّ بالهمَل في أفق حمل مناضلي الحركة الأمازيغية على أن يتركوا لهم الحبل على الغارب. تحت شعار (احْمِلِ العَبْدَ عَلَى فَرَسٍ، فإِنْ هَلَكَ هَلَكَ وإِنْ عَاشَ فَلَكَ). (فما الذي وقع بالظبط؟)
ليبقى السؤال الإشكالي الذي يجب على كل مناضل أمازيغي أن يطرحه بشكل محايث لعملية التشخيص هاته معلقا في انتظار الإجابة عنه، وهو: هل ابتلاع الطعم والركض وراء من جاءنا بقرني حمار هو خيارنا الصائب؟ أم أن خيارنا الحقيقي إنما يكمن في الاعتصام بمبادئ الحركة الأمازيغية ورد كيل الصاع بالصاع وحَذْوَ النعل بالنعل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق