للخروج من براثين التخلف والغوغائية التي باثت واقع مجتمعنا التالويني في مختلف المجالات ،استدعينا الذاكرة واستوقفتنا عند شخصية فنية تالوينية متوفاة بعنوان عريض الأستاذ المشمول برحمته تعالى شكري محمود الكبير ،العنوان الأبرز في الفن والموسيقى وغداء الروح المؤمن بالمعاني العليا للفن في وسط يملأه الجهل بكل قيم الجمال المنغمس في جهل فضيع .
الاستاذ محمود الكبير شكري المولود بتالوين والمنحدر من اصل دوار تماروت بجماعة زكموزن ،حيث استقر بوالده المرحوم مولاي الحسن بحي تاكركوست وتربى الطفل محمود الكبير في كنف رعاية والده التاجر ،وفتحت له تجارة والده الاطلاع على احوال الحواضر من مراكش وتارودانت وفاس ومنها عزم المرحوم مولاي الحسن في رعاية ابنائه الابرار وتعليمهم وفق القيم الاصيلة المغربية في محبة العلم واهل العلم والحكمة .
وفي الخمسينيات ارسل مولاي الحسن الابن محمود الكبير الى القروين لدراسة والتعمق في العلوم والفنون الشرعية .
وما ان وطئت اقدام الطالب محمود الكبير جامعة القروين حتى نبغ نجمه في دروس الامداح والمقامات والفنون ودراسة مخارج الاصوات ودلالات الصواتية ومعنى الحروف ،ونهل الشاب من منابع الثقافة الاسلامية في الموسيقى واعمدتها في العصر الدهبي الاسلامي الاندلسي والفاسي وارتوت روح الشاب من ينابيع فكرية وادبية وشعرية عدبة .
ومنها اخد العود والكمان والاركانون وكل الالات الموسقية ومختلف التعبيرات المسرحية والاصواتية درسا وعلما ومعرفة وقانونا وروحا .
وفي عودة الشاب من رحلة الدراسة والبحث الجدي ،وجد نفسه بين مجتمع يسود فيه الجهل والتخلف وتبخيس كل ماهو جميل وحدى بهم لغوهم الى متاهات واراجيف لا يستسيغها عارف وعاقل برمي الشاب بنعوت الانحراف والخروج عن معارف القروين الجامعة لكل اصناف العلوم المرتبطة بالفقه والادب والفن والمنطق ،مقزمين قيمة العلوم الى فرائض الوضوء ومبطلاته وعداب القبر وما يرونه اداء اركان الاسلام الخمسة .
ولم يسلم الشاب من ترهات الجهل وقدحهم ووسوسة ضعاف النفوس في تأليب والده عليه واهله .لكن كل ذلك باطل اريد به حق ،وهل يستوي من قضى سنوات في دروب القرويين مع من لم يجاور قط متعة العلم والفنون والاداب ؟؟واليس من البهتان من يرى في احكامهم القصيرة النظر جرم في حق شخصية لها كل الوزن في المعرفة والتي تجاوزت مضامين الركام التقليدي القديم للمعرفة في البوادي والتي لا تأخد بمصادر التحضر الانساني والمجتمعي والثقافي!!
لقد بدا واضحا وبالملموس ان المرحوم الاستاذ شكري محمود الكبير انه على حق وما مسعاه وتضحيته في تلقين جيل من الستينات والسبعينات من الاطفال ذكورا وانات تكوينات ومعارف ودروس فنية رائعة من الموسيقى والغناء والمقامات والنوطات والمسرح والشعر ،الا برهان على ان الرجل لم يجانب الطريق بل شكل دعامة في التربية والتنشئة خارج اسوار المدارس على قيم ومعاني وروح كونية سماء تدعوا الى التواصل والحوار وفيض من المشاعر والوجدان القويم .
بعد رحيل المرحوم الاستاذ الكبير تبين ان مجهوده لم يدهب في مهب الريح بل استطاع ان يبلغ رسالة حملها من دراسته ومعرفته وصدقه وايمانه العميق ،بأن للفن والادب والعلم وقيم الجمال دور في بناء الذوات ،واليوم بيننا كهول وشباب ما زالوا في طريق الدعوة الى مادهبت اليه فطنة المرحوم .
ومن خلال هذه الاطالة الطفيفة ندعوا كل القوى الحية والضمائر التي تسعى الى نشر قيم الجمال للعمل على توشيح المشمول برحمته بباقة من الرحمات والخلود والجنة لروحه الطاهرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق