خميس بوتقمانت :
اطلعت هذا الصباح على مقالة الأستاذ المقتدر محمد بودهان "انتصر التطبيع على التضبيع"، و أجدني ملزما على تسجيل بعض الملاحظات، و ليعذرني الأستاذ بودهان على مخاطبته مخاطبة الإبن للأب لمكانته الكبيرة و للحب الذي أكنه لشخصه، فلا يتجاسر على شخصه إلا لئيم لما قدمه للأمازيغية بنكران ذات فلولا بودهان و العديد من أمثاله من جيل الحركة الأمازيغية الأول لما اوتيحت لنا الفرصة اليوم للتطرق لموضوع كهذا اعتبره الآخرون من الطابوهات و سيجوه بألغام الدين و القومية لا يقبل إلا نظرة واحدة مسلّمة غير قابلة للنقاش.
أورد الاستاذ بودهان في مقاله "أن الحركة الأمازيغية طالبت على الدوام للتطبيع مع اسرائيل لما في الامر من مصلحة للدولة...."، و أجدني هنا مستغربا متسائلا مع الاستاذ الكريم، متى حدث ذلك؟ إذ حسب علمي ان الحركة الأمازيغية خاضت و حاججت في مسألة عدم اعتبار القضية الفلسطينية كقضية وطنية كما سلّم بذلك القوميون و الإسلاميون حتى صارت من المسلمات قبل طرح الحركة الأمازيغي، أما ان تكون الحركة الأمازيغية قد طالبت الدولة بالتطبيع فهذا لم أسمع به و كل ما هنالك هي وجهات نظر شخصية و فردية لبعض المناضلين توجت بسفريات و منها ما عرف بجمعية الصداقة الامازيغية الاسرائلية، و اعتُبر الأمر أنذاك شأنا فرديا لا يلزم الحركة في شيء انضباطا للمرجعية الحقوقية التي تقر بحق الأفراد في السفر و التنقل.
لكن، ان يقول أستاذنا الفاضل أن الحركة الأمازيغية كان من مطالبها مطلب التطبيع، فذلك لو حدث سيكون ضربا في الأسس المرجعية للحركة، إذ كيف سيستقيم أن نكون حركة ديمقراطية و تحررية نطالب بالحرية لشعبنا الأمازيغي و في الآن نفسه نتخذ من تكتل دولتي قائم على الشمولية و امتلاك الأرض بأدوات الهيمنة المادية لأهداف استعمارية، في نظري فالعكس هو القويم، إذ ان الحركة الأمازيغية كانت داعمة للشعب الفلسطيني و هذا الدعم يتضمن إدانة لخصم المتضامَن معه.
و إني أستغرب من قامة فكرية كقامة الأستاذ بودهان ان يعتبر موقف المخزن الرسمي "فتحا"، و هو العارف أن مولدات الموقف كان صفقة و ابتزاز، بنفس تمظهرات الابتزاز التي أشار إليها في المقال و هو يشير لمعنى التضبيع الناجم عن اعتبار - الآخرين- لقضية فلسطين كقضية وطنية و تجلياته من طرف اليسار القومي و الاسلاميين.
في اعتقادي لا يمكن لنظام ولد من رحم الكولونيالية و مشروع الهيمنة الاستعمارية لفرنسا ان يعبر عن موقف ولد بهندسة أمريكية ان يكون هو الطرف الرابح من الموقف/الصفقة بدل أمريكا، و أعتقد أن هذا الموقف لا يختلف في شيء عن مواقف تبني القضية الفلسطينية بشمولية من قبل بضغوطات أنظمة البترودولار التي كانت تضع في الكفة الأخرى الدعم مقابل موقف وطنية فلسطين، إذن ففي كلا الموقفين ابتزاز و انهزامية و مقايضة مصالح تحت الضغط.
ثم إن القول بصيغة استعارية بضرورة متابعة مناهضي القرار الأخير وفق مواد القانون الجنائي الخاصة بالعمالة الاجنبية و التآمر و التجسس ، هو قول غير مقبول و يتنافى مع مرجعية حقوق الانسان اللبنة المحورية التي انبنى عليها الخطاب الأمازيغي الديمقراطي المطالب باستمرار بالحق في التعبير، ولم يكن أبدا شموليا حتى يبتغي غاية اجتثاث الأصوات و الرؤى التي لا تتقاطع معه، بل كرس التعددية و التنوع و تقديس حق الآخر في الإدلاء برأيه مهما كان عكس ما ذهب إليه الأستاذ بودهان، فالقول بمتابعة مناهضي القرار يتنافى مع الخطاب الأمازيغي او يدل على وجود هامش منه يتضمن قابلية الاجتثاث و الاستعباد و الولاء المطلق للأحادية بدل غاية احقاق الدولة الديمقراطية و المواطنة الحقة و سمو الفرد و حقه في التعبير و صون قيمة الحرية المقدسة و الحريات العامة التي تنبثق عنها.
إن قوة الخطاب الأمازيغي في قوة حجته و متانة تشكّل نسقه الجدالي و الترافعي بالاستناد لعصارة الفكر الانساني و المنهج العلمي بعيدا عن الإختزالية و صوغ مواقف بالاعتماد على التوصيف دون العودة للعلل و الاعتماد على الثابت في الدوافع المولدة لظرفيته بدل تحيين الموقف مع المتغيرات الظرفية التي لا ينجم عنها إلا التيه و فقدان بوصلة التمييز.
و أعود الى أهم ما كان يركز عليه الاستاذ بودهان في كثير من كتاباته و هو تحليله لظهير 16 ماي 1930 الذي اعتبره بمثابة الحجر الأساس لانطلاق مشروع التحول الجنسي للحركة الوطنية الامازيغوفوبية، و اظن ان نفس الشيء ينطبق على حالة اسرائيل فالاشكالية ليست في واقع اليوم على الارض و الخريطة بقدر ما هي في ماهية هذا الواقع الذي ولد من رحم الفلسفة الاستعمارية البريطانية و تتويجا لمشروع الصيهونية الذي ابتدأت تشكلاته قبل 1948 بقرنين، لذلك فموقفنا كحركة ديمقراطية يستوجب أولا إدانة اغتصاب حرية و ارض شعب مستعمَر انسجاما مع الاساس التحرري لخطابنا، ثم تحصين ذاتنا الأمازيغية بمكوناتنا الترابية و المجالية و الثقافية و اللسنية و النفسية من التأثيرات الشرقانية الخارجية حتى لا نسقط في نفس مطب خطاب القومية العربية و هذا افرز موقف التضامن مع الشعب الفلسطيني و اعتبار قضيته انسانية عادلة بعيدا عن التأثر بما تعبر عنه الاطياف السياسية لهذا الشعب التي تعتبر بحد ذاتها عاملا مساهما في عدم تحرره بانتهازيتها و قابلية التحكم فيها و شرائها و اغوائها، أما ان تفاعلنا مع تلك التعبيرات فلن تكون الحصيلة إلا موقف نفسي غير ثابت و متغير بتغير تعبيرات الاطياف الفلسطسنية و تلك شخصنة للموقف و إخراج له من حركية التاريخ و سيرورته.
كل ما قلته أعلاه، قلته بعيدا عن المزايدات فطينة بودهان أكبر و اعلى ان يزايد عليه كان، قلته و أنا استحضر افتخاري أنني من جيل "ثاويزا" و من جيل ساهم الأستاذ بودهان في صنعه، و من الجيل الذي ابتدأ مفتخرا بانسحاب الاستاذ بودهان من ليركام، و أعلم يقينا أن هناك الكثير يتربص أي سقطة للاستاذ للتجاسر و الانتقاص و محاولة النيل منه، لهذا ارتأيت ان أتقاسم معه هذه النقاط لتفادي التطبيع مع تكييف خطاب الحركة الامازيغية مع متغيرات و مستجدات لها خلفيات تتناقض مع مبادئ الديمقراطية و قيم الحرية و العدالة، فخطابنا حافظ على سموه بانكبابه على التركيز على ملحاحية و ضرورة إحقاق حريتنا أولا و تحرر شعبنا من أشكال الاستلاب و التبعية و التقييد، كل ما نبتغيه لذاتنا ملزمين ان نبتغيه لمن يتقاسم معنا نفس مظاهر القهر و التسلط بعيدا عن اي شحنات نفسية او اختزالية، و الا سنكون قد حكمنا على أنفسنا بالتجرد من القيم الانسانية النبيلة و السامية لننزوي لهامش التاريخ حيث يطغى الاقتباس و النقل على التحليل و التفكيك و تهيمن المنفعية لتحجب الرؤية عن افق التسامح و العدل و الكرامة و الحرية.
قوة خطابنا في وصف الواقع و تحليله و تسمية مسببات و حواجز إحقاق الحرية، و لم يكن ابدا خطابنا مبنيا على زلات فرقاء سياسيين و حماة مشاريع الأدلجة، كان خطابا من حركية التاريخ سلاحه العلم و العقل للعبور لغد ديمقراطي و حر لنا و لكافة الشعوب التي تشاركنا هذه الغايات و التطلعات. ولا يمكن في اي حال ان ندافع عن الامازيغية من نفس منطلقات التعربيين الاختزالية فتلك اساءة لها و لنا.
تحية حب و سلام
خميس بوتقمانت
اطلعت هذا الصباح على مقالة الأستاذ المقتدر محمد بودهان "انتصر التطبيع على التضبيع"، و أجدني ملزما على تسجيل بعض الملاحظات، و ليعذرني الأستاذ بودهان على مخاطبته مخاطبة الإبن للأب لمكانته الكبيرة و للحب الذي أكنه لشخصه، فلا يتجاسر على شخصه إلا لئيم لما قدمه للأمازيغية بنكران ذات فلولا بودهان و العديد من أمثاله من جيل الحركة الأمازيغية الأول لما اوتيحت لنا الفرصة اليوم للتطرق لموضوع كهذا اعتبره الآخرون من الطابوهات و سيجوه بألغام الدين و القومية لا يقبل إلا نظرة واحدة مسلّمة غير قابلة للنقاش.
أورد الاستاذ بودهان في مقاله "أن الحركة الأمازيغية طالبت على الدوام للتطبيع مع اسرائيل لما في الامر من مصلحة للدولة...."، و أجدني هنا مستغربا متسائلا مع الاستاذ الكريم، متى حدث ذلك؟ إذ حسب علمي ان الحركة الأمازيغية خاضت و حاججت في مسألة عدم اعتبار القضية الفلسطينية كقضية وطنية كما سلّم بذلك القوميون و الإسلاميون حتى صارت من المسلمات قبل طرح الحركة الأمازيغي، أما ان تكون الحركة الأمازيغية قد طالبت الدولة بالتطبيع فهذا لم أسمع به و كل ما هنالك هي وجهات نظر شخصية و فردية لبعض المناضلين توجت بسفريات و منها ما عرف بجمعية الصداقة الامازيغية الاسرائلية، و اعتُبر الأمر أنذاك شأنا فرديا لا يلزم الحركة في شيء انضباطا للمرجعية الحقوقية التي تقر بحق الأفراد في السفر و التنقل.
لكن، ان يقول أستاذنا الفاضل أن الحركة الأمازيغية كان من مطالبها مطلب التطبيع، فذلك لو حدث سيكون ضربا في الأسس المرجعية للحركة، إذ كيف سيستقيم أن نكون حركة ديمقراطية و تحررية نطالب بالحرية لشعبنا الأمازيغي و في الآن نفسه نتخذ من تكتل دولتي قائم على الشمولية و امتلاك الأرض بأدوات الهيمنة المادية لأهداف استعمارية، في نظري فالعكس هو القويم، إذ ان الحركة الأمازيغية كانت داعمة للشعب الفلسطيني و هذا الدعم يتضمن إدانة لخصم المتضامَن معه.
و إني أستغرب من قامة فكرية كقامة الأستاذ بودهان ان يعتبر موقف المخزن الرسمي "فتحا"، و هو العارف أن مولدات الموقف كان صفقة و ابتزاز، بنفس تمظهرات الابتزاز التي أشار إليها في المقال و هو يشير لمعنى التضبيع الناجم عن اعتبار - الآخرين- لقضية فلسطين كقضية وطنية و تجلياته من طرف اليسار القومي و الاسلاميين.
في اعتقادي لا يمكن لنظام ولد من رحم الكولونيالية و مشروع الهيمنة الاستعمارية لفرنسا ان يعبر عن موقف ولد بهندسة أمريكية ان يكون هو الطرف الرابح من الموقف/الصفقة بدل أمريكا، و أعتقد أن هذا الموقف لا يختلف في شيء عن مواقف تبني القضية الفلسطينية بشمولية من قبل بضغوطات أنظمة البترودولار التي كانت تضع في الكفة الأخرى الدعم مقابل موقف وطنية فلسطين، إذن ففي كلا الموقفين ابتزاز و انهزامية و مقايضة مصالح تحت الضغط.
ثم إن القول بصيغة استعارية بضرورة متابعة مناهضي القرار الأخير وفق مواد القانون الجنائي الخاصة بالعمالة الاجنبية و التآمر و التجسس ، هو قول غير مقبول و يتنافى مع مرجعية حقوق الانسان اللبنة المحورية التي انبنى عليها الخطاب الأمازيغي الديمقراطي المطالب باستمرار بالحق في التعبير، ولم يكن أبدا شموليا حتى يبتغي غاية اجتثاث الأصوات و الرؤى التي لا تتقاطع معه، بل كرس التعددية و التنوع و تقديس حق الآخر في الإدلاء برأيه مهما كان عكس ما ذهب إليه الأستاذ بودهان، فالقول بمتابعة مناهضي القرار يتنافى مع الخطاب الأمازيغي او يدل على وجود هامش منه يتضمن قابلية الاجتثاث و الاستعباد و الولاء المطلق للأحادية بدل غاية احقاق الدولة الديمقراطية و المواطنة الحقة و سمو الفرد و حقه في التعبير و صون قيمة الحرية المقدسة و الحريات العامة التي تنبثق عنها.
إن قوة الخطاب الأمازيغي في قوة حجته و متانة تشكّل نسقه الجدالي و الترافعي بالاستناد لعصارة الفكر الانساني و المنهج العلمي بعيدا عن الإختزالية و صوغ مواقف بالاعتماد على التوصيف دون العودة للعلل و الاعتماد على الثابت في الدوافع المولدة لظرفيته بدل تحيين الموقف مع المتغيرات الظرفية التي لا ينجم عنها إلا التيه و فقدان بوصلة التمييز.
و أعود الى أهم ما كان يركز عليه الاستاذ بودهان في كثير من كتاباته و هو تحليله لظهير 16 ماي 1930 الذي اعتبره بمثابة الحجر الأساس لانطلاق مشروع التحول الجنسي للحركة الوطنية الامازيغوفوبية، و اظن ان نفس الشيء ينطبق على حالة اسرائيل فالاشكالية ليست في واقع اليوم على الارض و الخريطة بقدر ما هي في ماهية هذا الواقع الذي ولد من رحم الفلسفة الاستعمارية البريطانية و تتويجا لمشروع الصيهونية الذي ابتدأت تشكلاته قبل 1948 بقرنين، لذلك فموقفنا كحركة ديمقراطية يستوجب أولا إدانة اغتصاب حرية و ارض شعب مستعمَر انسجاما مع الاساس التحرري لخطابنا، ثم تحصين ذاتنا الأمازيغية بمكوناتنا الترابية و المجالية و الثقافية و اللسنية و النفسية من التأثيرات الشرقانية الخارجية حتى لا نسقط في نفس مطب خطاب القومية العربية و هذا افرز موقف التضامن مع الشعب الفلسطيني و اعتبار قضيته انسانية عادلة بعيدا عن التأثر بما تعبر عنه الاطياف السياسية لهذا الشعب التي تعتبر بحد ذاتها عاملا مساهما في عدم تحرره بانتهازيتها و قابلية التحكم فيها و شرائها و اغوائها، أما ان تفاعلنا مع تلك التعبيرات فلن تكون الحصيلة إلا موقف نفسي غير ثابت و متغير بتغير تعبيرات الاطياف الفلسطسنية و تلك شخصنة للموقف و إخراج له من حركية التاريخ و سيرورته.
كل ما قلته أعلاه، قلته بعيدا عن المزايدات فطينة بودهان أكبر و اعلى ان يزايد عليه كان، قلته و أنا استحضر افتخاري أنني من جيل "ثاويزا" و من جيل ساهم الأستاذ بودهان في صنعه، و من الجيل الذي ابتدأ مفتخرا بانسحاب الاستاذ بودهان من ليركام، و أعلم يقينا أن هناك الكثير يتربص أي سقطة للاستاذ للتجاسر و الانتقاص و محاولة النيل منه، لهذا ارتأيت ان أتقاسم معه هذه النقاط لتفادي التطبيع مع تكييف خطاب الحركة الامازيغية مع متغيرات و مستجدات لها خلفيات تتناقض مع مبادئ الديمقراطية و قيم الحرية و العدالة، فخطابنا حافظ على سموه بانكبابه على التركيز على ملحاحية و ضرورة إحقاق حريتنا أولا و تحرر شعبنا من أشكال الاستلاب و التبعية و التقييد، كل ما نبتغيه لذاتنا ملزمين ان نبتغيه لمن يتقاسم معنا نفس مظاهر القهر و التسلط بعيدا عن اي شحنات نفسية او اختزالية، و الا سنكون قد حكمنا على أنفسنا بالتجرد من القيم الانسانية النبيلة و السامية لننزوي لهامش التاريخ حيث يطغى الاقتباس و النقل على التحليل و التفكيك و تهيمن المنفعية لتحجب الرؤية عن افق التسامح و العدل و الكرامة و الحرية.
قوة خطابنا في وصف الواقع و تحليله و تسمية مسببات و حواجز إحقاق الحرية، و لم يكن ابدا خطابنا مبنيا على زلات فرقاء سياسيين و حماة مشاريع الأدلجة، كان خطابا من حركية التاريخ سلاحه العلم و العقل للعبور لغد ديمقراطي و حر لنا و لكافة الشعوب التي تشاركنا هذه الغايات و التطلعات. ولا يمكن في اي حال ان ندافع عن الامازيغية من نفس منطلقات التعربيين الاختزالية فتلك اساءة لها و لنا.
تحية حب و سلام
خميس بوتقمانت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق