بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 يوليو 2016

من يبيع الوهمَ لِمَنْ ..؟


من يبيع الوهمَ لِمَنْ ..؟
مركزتيفاوت الإعلامي
محمد بودويك


( على هامش البرنامج التلفزي الذي يعده الإعلامي عبد الرحمان العدوي، يوم الثلاثاء 5 يوليوز 2016 )

ينبغي الإقرار ، منذ البدء ، بأن الندوة / الحلقة، كانت حلقة قولا وفعلا، حلقة بالمعنى الشعبوي المبتذل لكلمة حلقة. حلقة غصت بالضجيج والعجيج، والكلام المنفلت، و" الشتائم " المغلفة، والأخذ والرد المملول، وصراع الديكة المرذول الذي يحملك على الرثاء لحال هؤلاء الممثلين الفاشلين في قبة شِيءَ لها أن تكون قبة تعكس تطلعات، وطموحات، وانتظارات " الأمة "، والشعب المغربي قاطبة.

لم يقل أحد من هؤلاء شيئا مذكورا، شيئا ذا بال، شيئا يحرض على إعمال العقل، ويقف عند المنجزات المعلقة، والتدبير الفاشل للشأن العام على جميع الأصعدة، وفي كل المجالات، والقطاعات، والميادين.

لم يقنعنا عبد الله بوانو الذي هو صوت الحزب أولا وأخيرا، وصوت انتخابوي يُبَوِّقُ ـ منذ الآن ـ لاستحقاقات أكتوبر القادم، مراهنا على تصدر الانتخابات، وفوز حزبه بها. يقول ذلك من دون أن يطرف له جفن، كأن حزبه حرر المغرب من ضائقته المالية، والاقتصادية، وانحباسه الاجتماعي والتعليمي، والسياسي. وكأنه ـ كما ردد مرات في البرنامج ـ وقد وجد من يسنده ويشهد له بالزور، ولي أعناق الكلام، ممثلا في حزب التقدم والاشتراكية، عائد بقوة الأشياء حيث إن الناس وثقوا به وصدقوه، ولمسوا فيه بغيتهم. والحال أنهم مع حلفائهم يُرْغُون ويُزْبِدون، ويخرجون " السيوف " من الأغماد الصدئة، في مشهد دونكيشوطي مُؤَسٍّ يثير الشفقة، من أجل الكراسي دون اعتبار لحال البلاد التي أخفقوا في مداواتها، والتي يقولون عنها أنها لولاهم لسقطت في الفوضى وفي ما لاتحمد عقباه. إنه كلام رئيس الحكومة وصحبه، وتابعيهم بإحسان في الحكومة الذين يرددون ، آناء الليل وأطراف النهارمنذ 2011، أن البلاد تعرف بفضلهم، الأمن والأمان، والاستقرار، ضاربين بعرض الحائط بتاريخية إرساء هياكل البلاد، وتوازناتها السياسية والاجتماعية، والاقتصادية إلى حد ما، التي يعود الفضل في إرسائها إلى التكتل الوطني الديمقراطي، وإلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عندما كان مثقفا عضويا بالمفهوم الغرامشي، وكان مدرسة ناشبة في المجتمع على كل المستويات، وفي مختلف التمثيليات، وحزبا ديمقراطيا يقوده أبناء بررة رائدهم التحليل الملموس للواقع الملموس، والفكر المتنور، والسياسة اليقظة، والانحياز إلى الفئات المغبونة بحق.

فالاستقرار هو ثمرة نضال مرير ومستميت ضد سياسة لاشعبية، لاديمقراطية سادت البلاد فترة طالت أوشكت معها البلاد على الغرق والفوضى، و" السكتة" القلبية" التي تحدث عنها الراحل الحسن الثاني في خطاب إلى البرلمان. وهو ثمرة معركة شرسة بين قوى التقدم والتنويروالنهوض، وقوى الاستعباد، والامتيازات الفيودالية، والأوليغارشية، والتحكم في مقدرات البلاد، ونهب ثرواتها، ومص دمها إلى آخر قطرة في ضرعها.

الاستقرار لم يأت به حزب العدالة والتنمية، ولا شركاؤه في التدبير السياسي الأهوج والأعرج، والذي لم يقدم ، إلى الآن، بديلا عن سياسات الحكومات السابقة التي قيل فيها ما لم يقله مالك في الخمر.

ومن ثمَّ، فالبرنامج كان تهريجا على تهريج: عنف في اللغة والتعبير، وفظاظة في مقارعة الخصم وإنزال الهزيمة به، ولَيٌّ لعنق الحقائق، وكذب على المتفرجين، وتغابٍ ما بعده من تَغابٍ، وغباوة ساطعة.

فجميعهم تكالبوا على ميلودة حازب رئيسة فريق الأصالة والمعاصرة بالبرلمان، همزا ولمزا وغمزا، ومصارحة، ووقاحة حتى. كما لو أن الحكومة الحالية أنقذت البلاد من " السكتة " المعلومة، وخلصتها من الضرائب الجائرة والظالمة التي يكتوي بها أبناء الشعب، ووضعت التعليم على السكة الصحيحة، والطريق السوي، وأقامت البنيات الصحية والتطبيبية في طول البلاد وعرضها. وكما لو أنها حررتنا من دين خارجي ثقيل هو الأكثرفداحة ومصيبة قياسا إلى العهدين الحكوميين السابقين حصرا للتاريخ القريب.

يقول ثلاثتهم بلغة واحدة، وبلفظ سَمْج لا معنى له بتاتا: " ما نبيعوش الوهم لّمْغاربة "، في محاولة يائسة منهم ـ كل على حدة ـ لتبرئة ذمة من يمثله بإبعاده عما يمكن أن يلصق به من تهمة الهدر لزمنية التدبير العام، وقضاء خمس سنين في البناء على " دخان ورمل "، يقبضون على الأزِمَّة لتسيير عربة الحصان الحرون، من دون أن تفرج الأزْمَة. وكأن أحزابهم الحاكمة قامت بما ينبغي وأكثر، إذ سمعنا البرلماني عبد الله بوانو ينفخ في الرماد، وفي كير اللغة الخاوية، وهو يعدد " نجاحات " حزبه في التسيير والتدبير في كل الميادين كما قال، جاحظ العينين وهو يخاطبنا جميعا، ومفندا " مزاعم " البرلمانية ميلودة حازب. والحال أن ما قالته رئيسة الفريق كان قويا ومسنودا لأنها تملك المعطيات، وقدمتها مسلسلة كما في شريط، واضعة اليد على ضعف التدبير، والتخبط في التسيير، ضاربة الأمثلة على تضييع خمس سنوات من عمر البلاد في البهرجة، والكلام المنمق، والمكر اللغوي، والاحتيال والتباكي.

أقول هذا من دون أن ألمِّع وجه حزب على حساب حزب آخر، ولكنها الحقيقة الدامغة التي يعرفها الخاص والعام إلا من عَمِيَ، وأصبته " لوثة " الثقة في التباكي، والنواح المستمر، والإشارة المملة إلى الموانع والكوابح، وجيوب المقاومة، و" لَمْزَاوْكَة " في الناس لإعادتهم إلى سدة الحكم، وإلى الكراسي الوثيرة، والأرائك والطنافس الناعمة. هو ذا ما يبكيهم، ويجعلهم يصرخون ويتصايحون لأنهم ـ كما قلت في كثير من مقالاتي ـ يخافون أن يفيقوا غدا من حلم ما حلموا به أبدا، وواقع لا يزال أمامهم مغبشا، عصيا على التصديق، لأن من جاء بهم، صدَّقَ دعاواهم في أنهم سيستأصلون الفساد، ويحاربون المفسدين، ويخرجون البلاد مما هي فيه من إفلاس في كثير من القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كما يعرف الجميع.

فأنتم من يبيع الوهم للناس، وتتفنون في تقديمه، وتزيين عرضه، ورشه بالسكروالأماني والميتافيزيقا، ومعسول الكلام، طمعا في العودة إلى الكراسي. وقد تعودون.. يعيدكم من لم يُقَدِّرْبعد ضياع الزمن في المراواحات والمراوغات، والشقشقات اللفظية، واللغوية الفارغة. وفي كل الأحوال، فالبلاد هي الضائعة، والشعب هو من سيدفع ثمن الضياع الذي تسببتم فيه، وتتسببون فيه.

ليست هناك تعليقات: