بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 13 يوليو 2016

الهوية ورؤيتنا إلى العالم في تصور حسن أوريد


Résultat de recherche d'images pour "‫رشيد الحاحي‬‎"
مركزتيفاوت الإعلامي
رشيد الحاحي

انطلق الأستاذ حسن أوريد في تقديم تصوره لسؤال الهوية والصيرورة وبناء رؤيتنا إلى العالم، في نص كثيف زاوج بين النظرة الأنتربولوجية العميقة والتأمل الفكري – نص العرض الذي قدمه في افتتاح الدورة 11 للجامعة الصيفية بأكادير-، انطلق من تأكيد الأهمية المركزية للمجال في تحديد هويات الشعوب وتشكل شخصياتها الثقافية والحضارية ورؤيتها إلى الكون.

فاستشهد بأرنست برونان في قوله بالأساس الجغرافي وأسبقية المجال الترابي، وذلك ليثمن قوله بأنه في البداية كانت الجغرافيا، وليخلص إلى أن والوطن، كما يقول رونان، هو محصلة زواج مجموعة بشرية بالأرض، فالأرض هي الرحم والإنسان هو البدرة التي تخصبه.

عملا بهذا الاختيار المنهجي، ولتناول هوية الشعب المغربي والمغاربي وصيرورة وجوده، ذكر الباحث بهذا المجال المعروف طوال الزمن باسم بلاد البربر Berbérie التي هي الإطار المجالي الذي عاش ولا يزال يعيش فيه الأمازيغ، ومسرح وجودهم، كما عرفه الإغريق والفنيقيين والرومان والعرب والقوى الأوروبية، فهو يمتد من واحة سوى بمصر إلى تخوم الأطلسي وجزر الكنري، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى بالجنوب.

فما هي مميزات هذا الوجود الترابي التي تحدد مقومات كياننا المغاربي وإفريقيا الصغرى، كما يسميها الكاتب؟ الوسم الأول المميز لهذا الانتماء المجالي ، يقول الباحث بكل تأكيد، هو اللغة التي تعبر عن عبقرية الشعب وتفاعلاته مع وسطه.

بيد أنه ثمة وسم آخر لهذا الوجود والانتماء. فإذا كان فعلا مجال تداول اللغة يعبر عن الحدود الجغرافية ، فإنه من المعلوم أن الشعوب تخضع لموجات الهجرة والتأثيرات الثقافية، حيث أنه عندما تغيب اللغة أو تنحصر تبقى "الطوبونوميا" هي التعبير والوسم المميز للمجال والذي يحمل أثر اللغة والثقافة والإنسان. هكذا يدعونا حسن أوريد لنشر الخريطة وإلقاء النظر على أسماء الأمكنة بما فيها التي لا أو لم تعد تتحدث ساكنتها اللغة الأمازيغية، وسنتعرف أمازيغية الموطن الجغرافي وقاطنيه: فاس، تطوان، أنفا، تازروالت، لاغوات، تابورا...

وفي علاقة اللغة بالكيان الاجتماعي وبهوية الشعوب ونظرتها إلى العالم، يشير الباحث إلى كيف أن اللغات تتطور والألسن يمكن أن تتبدل، كما يمكن أن تغير الشعوب لغاتها نظرا لعدة عوامل، لكن لا يمكنها إلا نادرا أن تغير طريقة إحساسها وعيشها. فالإيطالي اليوم لا يتحدث اللغة اللاتينية لغة أجداده، لكنه لا يزال يحمل باستمرار عبقرية اللاتينية. المصري أيضا، رغم أنه غير عبر ألاف السنوات لغاته، فيبقى دائما متميزا بما يسميه نعام تشومسكي "البنية العميقة" أو ما يسميه طه حسين ب"الشخصية المصرية".

ففعلا، يؤكد أوريد، اللغة هي مسكن عبقرية الشعب وذاكرته، وأيضا هي الشفرة الجينية والثقافية التي تحمل رؤيته للعالم. لكن الإنسان المغاربي والشمال إفريقي وإن لم يكن أمازيغفونيا فهو يتحدث الأمازيغية من حيث لا يدري، وهو يحمل بدوره تميزه الأمازيغي في شخصيته سواء كان يتحدث اللغة الأمازيغية أو لا، سواء من خلال الدارجة التي تحمل في تركيبتها ومعجمها هذا التميز الأمازيغي، أو في طريقة تفكيره وسلوكه.

وفي سياق الحبكة الاستعارية التي اعتمدها الباحث في بسط تصوره وتكثيف دلالات عناصره ومقوماته، شبه الفاعل الرئيسي في هذه الخطاطة وهو الشعب بمجرى المياه في نهر أبدي، وعليه معرفة من أين أتى وإلى أين يتجه؟

فالمكانين والزمنين الهامين بالنسبة للنهر هما منبعه ومصبه، والمصب هو الذي يمنح المنبع قيمته، وفي مجراه نحو البحر يتأكد وفاء النهر لمنبعه.

الشعب، وينبغى تمييزه عن الحشد، هو مفهوم مجرد، لكن هو الذي يمنح الروح للمتعدد من خلال ترسيخ ترابي، ووعي تاريخي، وصيرورته.

فالفاعل والمشخص هو الشعب، والمسرح هو الموطن الجغرافي، ولكن ماذا عن القطعة التي علينا أن نؤديها؟ فالنص ينتظر كتابته، وهذا يتطلب مراعاة اعتبارين أساسيين، في تقدير حسن أوريد: الحامل التاريخي ورؤية إلى العالم.

فالقاعدة التاريخية تقوم أولا على الإنتماء الجغرافي، فالمغاربة هم أفارقة تربطنا علاقات أفقية بجوارنا. لكن الأساس التاريخي يذكرنا بما هو أهم، فنحن نمتلك أيضا بنية ذهنية إغريقية تمتد إلى تاريخ بعيد. والمطالبة بالإرث الإغريقي الروماني ليس مجرد نزوة جديدة، فقد كانت إفريقيا الصغيرة في زمن ما رومانية أكثر من بلاد الغال.

يضيف، واللغة الفرنسية التي نتحدثها كما نتحدث عدة لغات أخرى عبر تاريخنا، لعبت دور الرابط في تأكيد وتمديد هذا الانتماء، ولا ينبغي أن يطرح لنا ذلك أي مشكل، ولا داعي للتذكير بقولة كاتب ياسين بأن الفرنسية هي غنيمة حرب، وأني أتحدث الفرنسية لأقول للفرنسيين بأنني لست فرنسيا.

ويجب أيضا التأكيد على أن الجسد والروح بالنسبة لنا، كما في الثقافة الإغريقية، يجب أن لا يديرا الظهر لبعضهما.

هذا جانب من الأساس التاريخي والمجالي، فكيف يمكن بناء رؤية للعالم؟ يجيب أوريد بأنه لا يمكن نسج قماش من دون حبكات، وحبكاتنا هي القيم. والقيم التي يجب أن ننخرط فيها هي أولا الحرية، بالمعنى الذي منحه إياها والتر بنيامين، أي القدرة على الفعل والمشاركة في السلطة. وثانيا العدالة، بالمعنى الذي حدده جونز روولز، أي التشاركية وتقاسم الثروات. وأخيرا العقلانية أو العلم، أي اعتماد العلم في العلاقة مع الأشياء وعلوم الاجتماع في العلاقة مع الظواهر والكائنات . بالنسبة للنوع الأخير، يستلهم الكاتب جون جاك روسو، للتأكيد على أهمية التعاقد الاجتماعي في تحرير الإرادة العامة ووضع الإطار التربوي لبناء إنسان جديد.

وفي الأخير، يؤكد حسن أوريد بأنه ليس من قوة في هذه المرحلة أكثر من قوة الفكر. فدعا لجعله سلاحنا، والتوجه إلى حاملي الفكر الحر والتواقين إليه، وإلى الذين يتحدثون لغة بقاعنا الأصلية لأن يكونوا أحرارا في فكرهم.

وعلى نبض استشرافي، أنهى حسن أوريد نصه المليء بإشراقات إنسية وفكرية، على كلمات بليغة وتوقظ الهمم:

أيها الإنسان الحر، من بلاد الأحرار، أنت على موعد مع التاريخ. فكن كما ينبغي أن تكون.

قم يا ابن الأمازيغي

فشمسنا قد أشرقت.

ليست هناك تعليقات: