بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 14 يونيو 2016

رقية قبوز مذكرات الملحمة الخالدة لاطلاق سراح معتقل الرأي سابقا للقضية الامازيغية المقيد بشروط “حميد اعضوش”


مذكرات الملحمة الخالدة لاطلاق سراح معتقل الرأي سابقا للقضية الامازيغية المقيد بشروط “حميد اعضوش”

مركزتيفاوت الإعلامي
رقية قبوز املاكو
المذكرة الأولى :


بعد وصولنا إلى” كلميمة ” قرابة الساعة العاشرة صباحا، ومع ارتفاع حرارة الشمس اتجهنا مسرعين قاصدين محطة سيارات الأجرة الرابطة بين” تاديغوست ” و مدينة ” كلميمة ” و القرى الأخرى للاستعلام عن وسيلة نقل إلى قرية “املاكو”، البعيدة عن المدينة ب 46 كيلومتر تقريبا و أيضا من اجل الاختباء من أشعة الشمس الحارقة .
في المحطة وجدنا سوقا مغطاة صغيرة بقربها، فسألناهم عن موقع وسائل نقل “لاملاكو” الوجهة المقصودة لحج بيت معتقل الرأي سابقا للقضية الامازيغية “حميد اعضوش” و مشاركة الفرحة مع العائلة الصغيرة و الكبيرة لحامل شعلة الحرية، سؤال لقى الصدر الرحب لدى البائعين لسببين أولهم أنهم يعرفون سبب ذهابنا إلى القرية و فرحهم بهذا الخبر و ثانيا لان أبناء الجنوب الشرقي و تمازغا عموما هم هكذا يساعدون الغريب فما بالك من مثلهم، أرشدونا لسيارة أجرة تركن قرابة المسجد متمنيين لنا سفرا آمنا .
اتجهنا نحو السائق لنتأكد منه من وجود أمكنة لنا في السيارة فأجاب لنا بالإيجاب طالبا منا انتظار استكمال عدد الركاب لينطلق بنا، بعد نصف ساعة بدأ بمناداة الركاب المتجهين إلى القرية طالبا منا الركوب. هكذا بدأنا غمار الحج . في داخل سيارة الأجرة أخذنا نتبادل أطراف الحديث عن المتداول أي الحرارة المفرطة و التساقطات لننتقل بعدها إلى القضية الامازيغية وصولا لخبر إطلاق سراح معتقلينا “مصطفى اوساي ،حميد اعضوش “، مناسبة أسعدت و أثلجت صدور و قلوب كل الامازيغيين و كل من يؤمن بخطاب الحق و الحرية و الكرامة و المساواة و العدالة …. عند الوصول إلى القرية أخد الركاب يرحبون بنا عندهم تاركين لنا أرقام هواتفهم لدى الحاجة، اجل هكذا نحن كرماء مع الكل.
قبل نزولنا من السيارة شكرناهم على كل شيء لنسألهم عن المنزل فنطق السائق قائلا: لا تخافوا المنزل سيريكم نفسه بنفسه وهو مبتسم، مضيفا يكفيكم إتباع هذا الطريق المعبد وصولا إلى النهر هناك سترون المنزل و ستعرفونه من زينته الامازيغية الجميلة التي كلها هبة و وقار و وجود.

المذكرة الثانية :

بعد وصولنا إلى القرية قرابة الواحدة زوالا، استنشقنا هواء الحرية منذ الوهلة الأولى فوق هاته الأرض، تقيدنا بإرشدات السائق فسلكنا تلك الطريق المعبدة التي كانت أمامنا، كانت حرارة الشمس اقل هنا بسبب الجبال الحاضنة “لاغرم” و أيضا لتواجد الماء في النهر.
أخذنا نتبادل أطراف الحديث عن المناسبة و تشوقنا لعناق رموز الحرية هناك ومشاركتهم فرحتهم لاعتناقهم للحرية و مغادرتهم لأساور السجن بعد سنوات من التعذيب ظلما و بهتانا عبر محضر جريمة مفبركة من نظام يرغب في إسكات كل شعلة امازيغية ترغب في الصراخ و التنديد بالإقصاء و التهميش الممارس علينا.
غير بعيد عن الطريق الرئيسية تظهر لك راية الأحرار وهي ترفرف عاليا في السماء حاضنة جبالا هي التاريخ نفسه، راية هي الانتماء و التواجد وضعت على منزل معتقل الرأي سابقا “حميد أعضوش” معلنة عن استقبال كل صوت حر يؤمن بالقضية و مشروعيتها قدم لحضور الملحمة الخالدة لاستقبال المعتقل السابق. سعدنا بذاك المنضر فقد التحمت من جديد شرائح الشعب الامازيغي، انصهار و إتحاد تبين لنا قبل أيام أنه بالفعل يخيف النظام عبر آلياته و هذا واضح في إطلاق سراح المناضل في ظروف غامضة و مقيد بشروط .
قرار مخزني مفاجئ طبق على معتقلنا سابقا هو بمثابة آخر الأوراق المكشوفة التي استطاع اللعب بها في ضل ما وصلت إليه القضية و ما حققته في هاته الأواخر من تلاحم و توافق بضرورة التشبث أكثر بمبادئنا و حقوقنا فوق أرضنا، و بالرغم من صعوبته إلا انه لم يكسر من عزيمتنا بضرورة تنظيم احتفال يليق بالمناسبة فزين المنزل بأحلى حلة ليقول لكل مار هذا أنا منزل المناضل فمرحبا بكم.
عندما ترمي بنظرك نحو السماء تجد منزلا بحلة جديدة فريدة من نوعها وضع عليه زينة و لا أحلى كعروس مقبلة للقاء عريسيها، تغطي خصلات شعرها براية ألوان الحياة تزيد من جماليتها، على جبينها راية أحرار ثانية تضيف إليها وقارا و هبة و على وجنتيها بعض من ألوان الحياة و الطبيعة و العطاء، على شفتيها لون احمر من دماء شهداء قدموا حياتهم قربانا من اجل الأرض و اللغة و الإنسان الامازيغي، احمر قاتم من دماء من أعطوا الكثير فقط لشيء واحد هو إيمانهم بحقوقهم وتشبعهم بضرورة العيش الكريم فوق أرضهم و التمتع بشكل كامل بثرواته، احمر قاتم من دماء أحفادهم الذين هم على خطاهم سائرون، عروس على جنبها اسود هم من صرخوا بضرورة التواجد منذ ولادتهم يحرصونها من كل سوء: الشهيد عمر ازم بابتسامته التي كانت ولازالت كلها أمل في غد أفضل، الثائر معتوب لوناس، الدكتور اللساني بوجمعة هباز، الشهيد قاضي قدور، الثائر معتوب لوناس ..
منزل عروس استقبل قبل ايام عريسها بالتمر و الحليب و الزغاريد و الصيحات، عريس استقبلته بالأحضان و القبلات، عريس بكت على فراقه لسنوات، في جنبات المنزل حديقة صغيرة فيها اطفال صغار يركضون هنا وهناك ،يلعبون و يصرخون ،يبتسمون في وجه كل قادم .

المذكرة الثالثة:
على عتبة المنزل تعالت الصيحات و الزغاريد و الدموع بين النساء، فرحا لحفل استقبالهن لفلذة كبدهن الذي سرقت منه سنوات ريعان شبابه لأنه فقط امازيغي بما تعنيه الكلمة ،امازيغي حر لا ينحني و لا يركع ، امازيغي يصرخ من أجل أرضه و حقوقه. في بهو المنزل امرأة عجوز جالسة تستقبل كل زائر و مار بابتسامة بريئة كالتي لا تفارق محيى ابنها، سعدت لقدومنا فجلسنا إلى جانبها لنشاركها سعادتها و نقتسم معها كل لحظة من هذا العرس الامازيغي، تبادلنا أطراف الحديث فإغرورقت عيونها بالدموع فرحا لعودة فلذة كبدها .
مسحت دموعها وهي قائلة حميد بني هو أصغر أولادي، عنيت كثيرا في ولادته بسبب الظروف الصعبة لأنه وقتها لم يكن هناك مستوصف قريب مني، ابني منذ طفولته كان متخلقا لا يؤدي أحدا فما بالك ارتكاب جريمة قتل، ابني عرف باجتهاده و نبوغه و احترامه للكل، ابني ليس لصا و لا قاتلا و لا منعدم الضمير، ابني ربيته أحسن تربية مع إخوته و غرست فيه قيامنا و مبادئنا و أخلاقنا، ابني لم أراه يكبر أمامي كالآخرين، ابني لم اشبع منه في كل المناسبات التي تمر علينا كالأيام الأخرى بسبب غيابه بيننا، ابني لم يسرقوا منه السنوات إنما أكثر من ذالك، ابني لم أفرح له لزواجه و تكوين أسرته، ابني لم أرى أولاده ككل أقرانه، ابني لم يتشاجر يوما مع أحد أو ينطق بكلمة سوء عن أحد، ابني سرقوا منه الحياة .
ابني الصغير أعرفه جيدا أكثر من نفسي هو لن يقتل أحد لأنه وبكل بساطة يدافع عن حقوق غيره فكيف يسرق حق الحياة منه. لقد عنينا كثيرا بسبب غيابه، لم تكن حالتنا الصحية تسمح لنا بزيارته كثيرا وهذا زاد من حر الشوق، في كل ركن من المنزل ذكرى من ذكرياته تجعل من الحياة أصعب و أمر، إن الجور الذي عنى منه ابني لأنه فقط أمازيغي يدافع عن قضية مشروعة في سبيل نيل الحقوق التي تتمثل في العيش الكريم وسط ما تزخر بها أرضنا من ثروات لن ننساه أبدا.
ابني اليوم قد ولد من جديد وسنحتفل به، لقد وضعت الحناء اليوم فرحا لمغادرته قضبان السجن، سنقتسم معا كل المراسم لأنكم تقاسمتم معنا كل سنوات الحداد تلك، سنفرح الآن و يوما ما سنلتقي في عرسه من جديد فمرحبا بكل من أتى من قريب وبعيد ،أبواب منزلنا مفتوحة في كل ساعة ،هذا عرسنا كلنا …..

المذكرة الرابعة :
كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء، جموع من الناس مكدسة أمام الباب في انتظار انطلاق الموكب نحو الطريق الرئيسية الرابطة بين “املاكو” و “كلميمة” لاستقبال قافلة الحرية و هدية “ايت خباش” المتمثلة في “الناقة ” التي لها رمزية معنوية أكثر من مجرد هدية في تاريخ قبائل الجنوب الشرقي، موكب اختلطت فيه جميع الأعمار و الأجناس :نساء بلباسهن التقليدي ، أطفال صغار رجال و شباب …. الكل يستعد لعناق و تقبيل رموز الحرية .
انطلقنا في موكب مهيب نحو الطريق الرئيسية بشتى الطرق: في السيارات و الدرجات النارية و حتى مشيا على الأقدام رغم الظروف الصعبة، فشهر رمضان و ارتفاع درجة الحرارة لم يشكل عائقا مع مرادنا لأنه وببساطة كانت القوة الداخلية اكبر بكثير من الرضوخ للظروف، لقد اتخذ الموكب ألوان الحياة بسبب أعلام الحرية التي كانت منتشرة فوق ظهور الحجاج .
عند وصولنا لجانب الطريق، كان الكل يترقب وصول القافلة، فتسارعت دقات القلوب للقاء الأحرار، الكل كان يبتسم سعيدا بهاته اللحظة، انتظارنا لم يدم طويلا فبعد مدة قليلة بدأت القافلة تظهر لنا بوادرها من بعيد، هي بالفعل كانت و ستضل لحظة تاريخية بامتياز، مئات السيارات و ألاف المناضلين من كل البقاع في موكب احتفالي أمازيغي غفير علت فيه الأعلام الامازيغية في السماء معلنة وصول الأحرار، تعالت الزغاريد و الأهازيج معلنة بداية العرس الامازيغي الخالد الذي لم يسبق “لاملاكو” وأن احتفلت به . كان الخشوع و الافتخار هو سيد تلك اللحظة التاريخية، علت الابتسامات و دموع الفرح لقدومهم إلى أحضان أسرهم أولا ثم الشعب الامازيغي ككل.
عند الوصول إلى المنزل انتشرت الجموع في كل بقاع المنزل من اجل وجبة الفطور، الكل كان سعيدا و فرحا بالمناسبة، كانت كل ساكنة “املاكو” هناك في المنزل أتت لتأخذ معها بعضا من الضيوف من أجل مشاركة الفطور و اقتسام الفرحة ، هي عادة من أخلاق الامازيغ ألا وهي كرم الضيافة مع الكل و الوقوف إلى جانب صاحب العرس بشتى الطرق .
بعد وجبة الفطور عدنا للاحتفال بالعرس الامازيغي، فقد كان البرنامج المعد لتلك الليلة غنيا بداية بكلمات أصحاب المحاضرة المعدة أولهم كلمة معتقل الرأي للقضية الامازيغية السابق “حميد أعضوش” ثم كلمة “مصطفى اوساي” و ايضا كلمة “حساين خالق” و كل الأحرار الذين لم يبخلوا علينا بمداخلتهم الفكرية، البرنامج أيضا عرف غنى على مستوى مشاركة المواهب الشابة في الحفل ، فوقفنا بجانب المنصة نستمتع بكلمات كل الأحرار و الموسيقى الملتزمة إلى أن أشرقت الشمس .

المذكرة الخامسة:

من بين المواقع المسطرة لزيارتها في البرنامج المعد لاستقبال معتقل الرأي سابقا للقضية الامازيغية “حميد أعضوش” كان بدايته موقع “أمكناس” مرورا بزيارة قبر صاحب الريشة المناضلة “محند السعيدي امزيان” بميدلت ثم موقع “إمتغرن” وصولا إلى “أملاكو” مسقط راس المناضل الذي سيقام فيه الاحتفال، و أخيرا زيارة قبر الشهيد صاحب الحنجرة الذهبية في الأغنية الملتزمة الذي أعطى الكثير و أيضا صاحب الريشة المناضلة و الحضور الوازن فكريا داخل الساحات الجامعية قبل وفاته إنه “مبارك اولعربي” أو “نبا” الثائر كما نفضل تسميته.
اجتمعت القافلة كالعادة صباحا و تسلحت بالفكر التنويري التحرري و بعلم ألوان الحياة و اتجهت نحو مسقط رأس الشهيد “ملعب” بالرغم من كل الظروف المتمثلة في الحرارة المفرطة التي تتسم بها رقعتنا الجغرافية التي تزامن معها شهر رمضان .
عند الوصول إلى “ملعب” أخر محطة في البرنامج كانت المفاجأة اكبر، أولا في الحضور المكثف لاستقبال الأحرار،عدد لم تكن القافلة تنتظره، ثم أمر أخر هو حضور كل شرائح ساكنة المدينة من نساء و أطفال صغار وهم حاملين لعلم الأحرار و هذا إن دل على شيئ إنما دليل على أن الوعي بمشروعية القضية قد انتشر على نطاق واسع ولم يعد يقتصر على الفئة التي تلج الجامعات.
بالفعل أمر جميل أن تتعدى صرختنا أسوار الجامعة لتصل إلى الشعب بكل شرائحه وخصوصا المرأة الامازيغية كمثال والدة المعتقل سابقا يونس الهجا التي كانت حاضرة وبقوة في الكلمة التي ألقتها على مسامع الأحرار و هي بين شعلتي الأمل التي غادرتا أسوار السجن “بامكناس” . على جنبات قبر الشهيد وقف المناضلين خاشعين مترحمين على روح الشعلة الذي غادرنا فجأة، هي لحظة تاريخية اتسمت بتكامل الثلاثي حيث دار حوار بينهما فالثنائي حزين و سعيد في الآن نفسه و الثائر يشكرهما على الزيارة طالبا منهما الاستمرار في طريق النضال .
كانت كلمة “حميد أعضوش ” في حق المرحوم الذي كان صديقا و أخا له إبان الدراسة أكثر من عرفان بأخلاق و مشوار نضالي أتسم بالتألق و المشروعية لشاب أعطى للأغنية و القضية الامازيغية الكثير و الكثير.

مذكرات من تغطية لحدث إطلاق سراح المقيد بشروط لمعتقل الرأي السابق للقضية الامازيغية حميد أعضوش
“تمازيغت إتودرت ،تودرت إتمازيغت”

ليست هناك تعليقات: