تعيش الفرق النيابية بالبرلمان على وقع خلافات حادة، وذلك على بعد أيام قليلة فقط من تقديم ترشيحات ستة أعضاء لشغل مناصب قضاة بالمحكمة الدستورية، وخصوصا حول الشروط التي على المرشح أن تتوفر فيه، في ظل حديث عن سعي المؤسسة التشريعية إلى تسييس مجال قضائي تفترض فيه الحيادية بنص الدستور.
ويرتقب أن يبدأ مكتب مجلس النواب في تلقي ترشيحات الفرق البرلمانية، بعدما تم تقسيم "كعكة" المناصب الستة بين الفرق البرلمانية الكبرى في الغرفتين، التابعة لأحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والأصالة والمعاصرة، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي.
وينص الدستور المغربي على أن تتألف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضوا، يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، ستة أعضاء يعينهم الملك، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، مضيفا أن "ستة أعضاء يُنتخب نصفهم من قبل مجلس النواب، وينتخب النصف الآخر من قبل مجلس المستشارين، من بين المترشحين الذين يقدمهم مكتب كل مجلس، وذلك بعد التصويت بالاقتراع السري وبأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل مجلس".
وفي الوقت الذي وضعت الفرق البرلمانية شروطا تعجيزية في وجه غير المنتمين سياسيا، اقترحت المسطرة المقترحة داخل البرلمان ضرورة مرور أي مرشح عبر الفرق، في مخالفة صريحة للدستور والقانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، اللذين ربطا تقديم المرشحين بمكتب كل مجلس وليس بالأحزاب السياسية.
ورغم تأكيد القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية أن اختيار المرشحين بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة، إلا أن هناك خلافات بين رئيسي مجلسي النواب والمستشارين حول الشهادة المعتمدة، بين الدكتوراه التي اقترحها الطالبي العلمي، والإجازة التي اقترحها حكيم بنشماس.
الدكتور عبد الرحيم منار اسليمي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى في تصريح لهسبريس أن طريقة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية بالبرلمان تطرح العديد من الإشكالات، مؤكدا أن أولها يتجسد في عدم التطابق بين النظاميين الداخليين للنواب والمستشارين في ما يخص المسطرة.
ونبه اسليمي إلى أن المجلس الدستوري ارتكب خطأ عندما سمح بمرور هذه المسطرة، والإقرار بأن هذين النظاميين ليس فيهما ما يخالف الدستور في هذه المادة تحديدا، متسائلا حول "من يعطي الحق؟ وبناء على أي مرجعية يتم فيها تحديد مسطرة الاختيار؟".
وأكد الأستاذ الجامعي أن "الترشيحات تمر بالضرورة عبر الأحزاب السياسية، وهو ما يجعل غير المنتمين لها خارج دائرة الترشيح"، مسجلا أنه كان الأجدر "لو أسندت المهمة إلى مكتب مجلس النواب لتلقي الترشيحات ومدارستها، بعيدا عن التوافقات الحزبية والتصويت عليها في الجلسة العامة".
"النص الدستوري يتحدث عن تكوين عال، وهذا التكوين قد يرى البعض أنه ليس الشهادة، وهو ما سيفتح الصراع حول تأويل هذا الباب"، يقول اسليمي، الذي أكد أن "التجرد والنزاهة، المقصود به الحيادية، وهو ما يتناقض مع المسطرة المقترحة"، مبرزا أن "مسألة مسطرة التصويت تقضي على كل الترشيحات التي قد تأتي من الأشخاص غير الحزبيين".
وشدد المتحدث نفسه على أننا أمام خرق دستوري يتمثل في إقصاء جزء من المغاربة غير المنتمين حزبيا، موضحا أنه "سيكون من الصعب على مرشحين من خارج الأحزاب السياسية أن يتمثلوا في المحكمة من البرلمان، وهو ما يطرح إشكالية حول مدى أحقية المغاربة في الترشيح".
جدير بالذكر أن الوثيقة الدستورية تنص على أنه "إذا تعذر على المجلسين أو على أحدهما انتخاب هؤلاء الأعضاء، داخل الأجل القانوني للتجديد، تمارس المحكمة اختصاصاتها، وتصدر قراراتها، وفق نصاب لا يُحتسب فيه الأعضاء الذين لم يقع بعد انتخابهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق