مركزتيفاوت الإعلامي
تحليل سياسيبلعيد رامي
لا شك أن كل النبهاء والمتتبعين للشأن السياسي والحزبي ببلادنا -التي يحكمها المخزن- سيطرحون الكثير من الأسئلة حول قرار الحكومة المغربية -في شخص رئيسها الإسلامي بنكيران- الإفراج عن قرار حكومي سبق اتخاذه منذ زمن بعيد وهو اعتبار ما يقارب 57 ألف هكتار من أراضي أهالي تافراوت وقبائلها العريقة عقارا نهائيا وملكيا -بصفة نهائية- للدولة بذريعة اعتباره ملكا غابويا واسستوفاء جميع الإجراءات والآجال القانونية المتعلقة بهذا الإجراء -القرار..
57 ألف هكتار التي هي -ولا شك- دفعة أولى قبل إنزال قرارات جديدة مستقبلا تصادر بموجبها عشرات الآلاف من الهكتارات الإضافية ستشمل مناطق أخرى كقبيلة آمانوز و تاسريرت وغيرها من مناطق تافراوت المحتلة.
وأبرز هذه الأسئلة و أكبرها قامة وانتصابا مرتبطة بزمان وتوقيت قرار الحكومة المخزنية -التي يرأسها زعيم حزب العدالة والتنمية- إنزال مثل هذا القرار المتصل بنشر المرسومين المشؤومين في الجريدة الرسمية.. والجميع يدرك جيدا أننا نعيش في سنة انتخابية بامتياز والإنتخابات التشريعية المخزنية لا يفصلنا عنها من حيث الزمان إلا بضعة أشهر..
الحكومة يرأسها طبعا عبد الإله بنكيران زعيم حزب العدالة والتنمية الذي يعيش حزبه في الظرفية الحالية حربا سياسية طاحنة -في السر والعلن- مع حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يحسب عليه الوزير التافراوتي "عزيز أخنوش" ويدعمه في الخفاء كثيرا بل وفي العلن أحيانا أخرى..
لا شك أن الكل يعرف أن الود وشهور العسل التي كانت تجمع بنكيران وأخنوش قد انتهت وفي الغالب من غير رجعة.. بعد أن كان الأول هو من صرح بكونه من دافع على الإبقاء على أخنوش وزيرا للفلاحة عقب انتخابات 25 نوفمبر 2011 واقترح ذلك على الملك مع العلم أن الرغبة في الغالب ستكون في الأصل للملك.. وهذا بتبرير إتاحة الفرصة والمزيد من الوقت للوزير الملياردير لاستكمال الأوراش "الكبرى" التي بدأها في ميدان الفلاحة والصيد البحري و على رأسهما المخططين الشهيرين الأخضر والأزرق.. ليقبل أخنوش بمقعده الوزاري الوثير المقترح عليه بكل فرح و بدون أدنى تردد ضاربا عرض الحائط بكل العهود التي قطعها لناخبيه فانقلب عليهم بسرعة البرق وقرر مغادرة حزب الحمامة رمزيا وتنظيميا.. لأنه لا خيار لديه باعتبار أن فئات الشعب القليلة التي شاركت في الإنتخابات الرسمية لم تكن لترضى ببقاء حزب عصمان الإداري في الحكومة بعد انتفاضة 2011 الشعبية ضد الإستبداد والفساد.
الكل يتذكر حرب "صندوق تنمية العالم القروي والمناطق الجبلية" التي انتزع فيها أخنوش "س إيفادن" صلاحية الآمر بالصرف من رئيس الحكومة ضدا على الدستور والقانون التنظيمي للحكومة المخزنية المصادق علية عقب صدور دستور 2011 الممنوح.
نعم لقد انهزم بنكيران واستسلم أمام أخنوش الذي يدعمه بعض مكونات حكومة الظل.. وجاءت الفرصة لبنكيران لرد صاع الأخير صاعين بإصداره المرسومين النثنين الخاصين بمعقل أخنوش ومملكته الصغيرة "تافراوت" . والغاية ضرب إمبراطور المحروقات بالمغرب بعقر داره في أفق تعريته أمام أبناء بلدته الأصلية وفضح تواطئه الواضح في ملف التحديد الغابوي الإداري "كما يسمى" منذ توليه حقيبة وزارة الفلاحة إلى اليوم وبالتالي القضاء على شعبيته بالمنطقة والإقليم ككل.
إنها تصفية حسابات سياسية يفضحها التوقيت -كما أشرنا أعلاه- في ظرف تشهد فيه العلاقات بين الحمامة والمصباح توثرا كبيرا جسدتها أيضا خرجات زعيم الحمامة مزوار الإعلامية ..التي انطلقت قبل أسابيع وتضمنت هجومات قوية ومزلزلة موجهة لشخص بنكيران وحزبه رغم تحالفهما في حكومة المخزن في نسختها المعقمة بالفساد الأعظم.
مؤشرات أخرى تطفو على السطح قد تكون دلالتها أن أخنوش أصبح مستهدفا وأنه حان وقت رحيله من السلطة الحكومية ..والتفرغ لمشاريعه الضخمة وترسانته الإقتصادية. منها فضائح ما يسمى "المخطط الأخضر" التي نشرتها في صفحاتها الأولى وبالبند العريض كبريات الصحف الورقية المغربية وأوسعها انتشارا ومقروئية. فتحول نتيجة تلك الفضائح الكبيرة المخطط الأخضر المزعوم إلى المخطط الأشفر "من تاشفارت".
هذا مجرد تحليل سياسي يتعلق بتوقيت إنزال مرسومي المخزن الأخيرين. ولا شك أن المقام لا يتسع للتوسع أكثر .. وخلاصة القول أن بنكيران كان ذكيا في اختياره التوقيت المناسب لتوجيه ضربته المؤلمة لأخنوش وتمريره قرار المخزن تجريد أبناء تافراوت من أراضيهم وممتلكاتهم الفردية والجماعية في ظل حكومة يرأسها ويشارك فيها وزيرين تافراوتين هما وزير الداخلية ووزير الفلاحة والصيد البحري.
فلا عجب إذن أن تتحرك كتائب حزب الحمامة بتافراوت لتطويق تداعيات هذا الموقف الخطير ومحاولة تبرئة أخنوش من مسؤوليته الثقيلة في هذه القضية الكبرى.. سعيا لإنقاذ سمعته وسمعة الحزب الذي يحتفظ أخنوش بحمامته في قلبه وفق تعبير زعيم "الأحرار" مزوار.
28 مارس 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق