بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 10 فبراير 2014

"تيفيناغ" حرفنا الأصيل وليس له بديل


فـــريد وشطــين


عاد من جديد اللغط ليحتد حول الحرف الأنسب لكتابة الأمازيغية مع مقترح القانون الذي تقدم به الفريق الاستقلالي بمجلس النواب و الذي يتيح إمكانية كتابة الأمازيغية بالحرف العربي. و كان هذا الموضوع مثار خلاف كبير في ما اصطلح عليه إعلاميا ب"معركة الحرف" بين أنصار الخط اللاتيني و المدافعين عن الخط الأمازيغي و المناصرين للخط العربي. و انتهى الأمر بالتحكيم الملكي الذي تدخل لصالح الخط الأمازيغي "تيفيناغ" بعد الاستئناس بآراء الباحثين و ذوي الاختصاص.

بعد أن تمّ الحسم في اختيار " تيفيناغ" و أقره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في كل وثائقه و كُتبت به العديد من المؤلفات و الدراسات و أدخل في المقررات الدراسية و اعتمدته مؤسسات الدولة في كتابة أسمائها على واجهات بناياتها و صُرفت من أجل ذلك أموال كبيرة و بُذلت جهود مضنية، تخرج علينا بين الفينة و الأخرى بعض الأصوات المنادية بضرورة استبدال هذا الحرف بالأبجدية العربية. و البعض يصرح بأن تبني هذا الخط كان خطأ فادحا و حان الوقت لتصحيحه، و منهم من اعتبره، خلال مهرجان خطابي أقيم بمدينة الناظور، مجرد رموز و نقوش و شبهه ب" الشينوية"، بنبرة لا تخلو من التهكم و الاستهزاء.

آخر هذه الأصوات هي هذا المقترح المقدم بشأن المجلس الوطني للغات و الثقافة و الذي تنصّ المادة 14 منه على أنه من "حق المغاربة كتابة العربية بالحرف العربي و اللغة الأمازيغية بحرف "تيفيناغ" و يمكنهم كتابتها بالحرفين معا".

و إننا لنتساءل عن جدوى هذا المقترح في هذا الوقت بالذات، الذي تطالب فيه الفعاليات الأمازيغية و الأحرار من هذا الوطن بتسريع إخراج القوانين التنظيمية المتعلقة بالأمازيغية تفعيلا لمقتضيات الدستور. إن الغاية منه هي عرقلة مسار إخراج هذه القوانين و فرملة أي إصلاح يمكن أن يتحقق لصالح الأمازيغية بل و السعي الحثيث للعودة بها إلى نقطة الصفر.

إن حزبي الاستقلال و العدالة و التنمية كانا من أشد المعارضين لاستعمال الخط الأمازيغي قبيل إقراره و بعد ذلك حظي بتوافق وطني و بمباركة القوى الحية في البلاد. و هما نفس الحزبين اللذين وقفا سدا منيعا ضد الصيغة الأولى في مسودة الدستور التي جعلت من العربية و الأمازيغية لغتين رسميتين للمغرب و تدخلا بقوة لتصبح على صيغتها الحالية.

إن الأمازيغية كانت على الدوام غصة شائكة في حلق هذين الحزبين و لا ينفكان يتحينان الفرص لسحب البساط من تحتها و انتزاع أي مكتسبات تحصلت عليها و تصويب سهام الحقد و الكراهية ضدها. و هذه الدعوة الأخيرة ليست بالجديدة، فقد سبق لنواب الحزب الإسلامي أن عبروا عن المطلب ذاته في 13 مارس 2013 خلال اجتماع لجنة الثقافة و الإعلام بمجلس النواب و قوبل آنذاك بتنديد و استهجان و استنكار كل الحاضرين.

و إني لأستغرب كيف يستقيم أن تكتب لغة بحرفين مختلفين و كيف يتأتى التقعيد لها بخطين و كيف لنا أن نتصور تدريسها في فصل بالأبجدية العربية و في فصل آخر مجاور بنفس المدرسة أو حتى بمدرسة أخرى بالأبجدية الأمازيغية. اختيار سيخضع لمزاجية كل مدرس و لأهوائه و لمواقفه الإيديولوجية. فمتى كانت العملية التعليمية تخضع للأهواء و النزوات؟

ما يروم إليه أصحاب هذا المقترح هو إحداث الفوضى داخل المنظومة اللسانية الأمازيغية و إرباك أية خطة لتطويرها وإفشال أية مبادرة لإرساء سياسة لغوية مرتبطة بها اللهمّ إن كانوا يؤمنون بفكرة "الفوضى الخلاقة" التي تحدث عنها الأمريكيون و يسعون لتطبيقها، و لا بأس من التضحية بالأمازيغية و وضعها في مختبر التجربة.

ما دام المقترح يقر بتيفيناغ خطا للأمازيغية كلغة رسمية، فلماذا لم يُتِحْ بالمقابل إمكانية كتابة العربية كذلك بالخط الأمازيغي تحقيقا للمساواة و العدالة. فكلتا اللغتين رسميتان و كلا الخطين مستعملان، أم أنهما لًيْسَا في نفس كفتي ميزان "حزب الميزان" ؟

لعل أصحاب المقترح يريدون استنساخ تجربة صربيا التي تعتبر حالة فريدة حيث تكتب اللغة الصربية بأبجديتين : في المستوى الأول، يلقن التلاميذ "السريلية"، و في المستوى الثاني يتعلمون "اللاتينية" و بعد ذلك تُترك للتلميذ حرية الاختيار بينهما. لا أحد يجادل في أن هذه العملية لن تكون أهون على التلميذ المغربي من تعلم "تيفيناغ" الذي يدعي بعض المشوشين بشكل مغرض، صعوبته و تعقد حروفه.

إن إثارة الزوابع حول الخط الأمازيغي أمر أصبح متجاوزا بعدما حظي باعتراف دولي سنة 2004 من طرف المنظمة الدولية لمعيرة الخطوط و بعدما أدمجه عملاق المعلوميات "مايكروسوفت" في أنظمته و برامجه، و فوق كل ذلك بعد أن تجاوب معه التلاميذ بشكل تلقائي و لافت و أبدوا رغبة جامحة في تعلمه لأنه حرف أصيل يسري في عروقهم و عقولهم. و هذا بشهادة المدرسين و المربين و الناشئة نفسها.

ليست هناك تعليقات: