بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 يناير 2014

سيكولوجية المقرئ أبو زيد



لقد حاول البعض التنقيص من شأن رد الفعل الأمازيغي على عنصرية أبوزيد، معتبرا أن النكتة التي أوردها على بخل الأمازيغ مألوفة في الأوساط المغربية ، ومتداولة وعادية جدا، ولاتستدعي كل هذا الحجم الكبير من ردود الأفعال التي أعطيت لها، بل إن من ذهب إلى القول بأن في الأمر تصفية حسابات سياسية مع الرجل ومع الحركة الإسلامية ، وبالأخص مع حزب العدالة والتنمية، من طرف الحركة الأمازيغية، التي اعتبرت حركة علمانية ،كما أن البعض الآخر ذهب إلى حد مقارنة معاداة الأمازيغية بمعاداة بالسامية، محذرا من أن تتحول كل الدعوات التي ينظر إليها على أنها ضد الأمازيغية، إلى معاداة الأمازيغية، لذلك أرتأيت أن أرد على بعض هذه المواقف والتي اعتبرها مجحفة في حق الأمازيغ أولا ، ثم لكونها لم تطالب أبوزيد الإدريسي بالاعتذار لهم ثانيا ،ثم لكون النكتة التي يقال إنها عادية جدا ، لم تراعى فيها السياقات الأجنبية التي وردت فيها ، كما أنها لا تراعي في الأصل حقيقة الأمازيغ ، بل إن محاولة إلصاق تهمة البخل بهم جد موغلة في التطرف الأيديولوجي والعرقي ، حتى في سياقها المغربي.

سياق النكتة المحلي :

نعم ، لقد ألفنا ، و منذ الصغر " في الشارع والمدرسة والتلفزيون ، أن نسمع عبارة :" هذا واحد الشلح.... " ، التي يستهل بها المنكتون ، الذين يعتقد غالبيتهم أنهم من " عرق مغاير " ، نكاتهم التي يرمون من ورائها إلى إضحاك سامعيهم ، إمعانا في اهانة شريحة من مواطنيهم التي تنتمي في اعتقادهم إلى " عرق مختلف عن عرقهم " ، وكنا نكتم امتعاضنا من تلك النكات التي لم نكن نستسيغها في أسلوبها القدحي ، ودلالاتها الرمزية الناضحة بالحمولات العرقية والأيديولوجية المقيتة ، و الرامية إلى الانتقاص من قدر الأمازيغ الذين هم نحن ، والحط من مقامهم ، والنيل من كرامتهم ، باعتبارهم ، إما بخلاء ، وشحيحون ، ولا يتصفون بالكرم ، أو كونهم يحبون جمع المال ، و الفلس تلو الفلس ، أو كونهم بدويون متخلفون ، وأغبياء لايجيدون التصرف عندما يذهبون إلى المدينة.....الخ ، هذه الاعتقادات الخاطئة ، والتي تتحدث عن الأمازيغ بهذه الصيغة المرفوضة ، هي ماترسب في لاوعي أبو زيد الطفل ، بحكم كونه كان يسمع تلك النكتة ويستسيغها ، لدرجة أنها أصبحت جزءا من المسلمات والبديهيات لديه ، وهذا بدون تمحيص ولا تدقيق ، لأن العقل الباطن لديه قام مبكرا بتخزين تلك الصور في لاوعيه عن الأمازيغ " على شاكلة مقولة :" البربر هم سكان المغرب الأولون.... ويسكنون في الكهوف والمغاور.... " التي لقنت إلينا في أول درس في التاريخ ، في أول يوم في المدرسة ، كباقي من هم على شاكلته ، والذين يعتقدون أنهم " من عرق مختلف " عن عرق الأمازيغ " الوضيع " ، في حين يتميز عرقهم " بالنقاء والصفاء والسمو والشرف " ، وتلك لعمري هي العنصرية التي رضعتها أجيال بكاملها من المدرسة المغربية أولا ، ثم من تمثلات الوعي الجمعي الذي يعتقد بالانتماء إلى ذلك العرق المختلف ، عن الأمازيغ ، المتأثر بمناخات وسياقات سياسية واجتماعية أثرت بدورها في البرامج الدراسية و في الشارع العام ثانيا ،لذلك لم تنفع الثقافة العصرية ، ولا الانتماء لجماعة دينية تدعي أنها تروم إلى إصلاح المجتمع ، ولا إلى حزب سياسي يدعي أنه يريد الخير للعباد والبلاد ، كما لم تنفع كل الدروس التي تلقاها ، عن الرابطة الإسلامية التي تعد الأعمق وذات الأولوية بين المسلمين ،ولم تنفع أيضا شخصية الأستاذ المحاضر والداعية الإسلامي في ثني أبو زيد عن اعتقاده الذي تشرب به وسلم به في الصغر ،عن شريحة من مواطنيه ، الذين ترسخ في اعتقاده عنهم أنهم بخلاء ، مسايرة له في مرجعيته السياسية التي يدعي أنها إسلامية ،بل إن الأدلجة العالية التركيز الكامنة في لاوعيه ، وحقده الدفين على الأمازيغ ، لم يمهلاه لكي يفكر طويلا قبل أن يتفوه بتلك الحماقة ، وفي بلد أجنبي ، قبل الحديث عن الاختلاف العرقي واللغوي والمذهبي ، هذا إذا كنا بالطبع نروم إلى معالجة الأمر من داخل الاعتقاد بالانتماء إلى مناخ ورابطة إسلامية ، أما إذا أخذنا بعين الاعتبار ، كون الاختلاف العرقي واللغوي وحتى الطائفي والمذهبي ، كلها اختلافات يجب أن تذوب في إطار الدولة الحديثة التي قوامها المواطنة ، فان لمقولة أبوزيد شأنا لآخر ، بحيث يجب أن تصنف في خانة العنصرية ، لاغير ، وهذه الأخيرة تتغذى من التاريخ والانثروبولوجيا الرامية إلى إحلال الشعوبية ، والنظرة المشرقية ، والعروبية ، المتعالية والمتعجرفة ، لكل شعب مختلف ، بل إن الأمر لا يقف عند الأمازيغ ، نفس الاحتقار والازدراء والاهانة ، يتعرض لها الأكراد والتركمان والأقباط والأمازيغ في مصر، والأمازيغ عامة و الأمازيغ الأباظيين خاصة في الجزائر وتونس وليبيا ...، إنها عقلية ، تستمد جذورها من الغطرسة الأموية ، والاستبداد العباسي ، ضد الموالي ، أي الشعوب الإسلامية غير العربية ، التي يجب عليها أن تخدم العرب الأسياد ، دون أن تحتج ، ودون أن تعارض أو تنتقد ، وأي موقف من هذا القبيل يصدر من جانبها ، إلا وعد مروقا ، ورغبة في الحلول محل الأسياد ، المنذورين لحكم الشعوب واخذ خيراتهم ، والاستحواذ على أوطانهم . فهل يعرف أبوزيد وغيره ممن يناصرونه ويتعاطفون معه أو يزورونه في مقر سكناه ، ويقدمون الدعم المعنوي له ، الأمازيغ على حقيقتهم ؟ هل يعرفون أن الأمازيغي ، يصبر على الجوع والعطش والفقر وقلة ذات اليد في الجبال الشاهقة ، والصحاري والتضاريس القاسية ، لكنه لايصبر على الضيم ؟ هل يعرفون أن المقاوم الأمازيغي ، " اكسل " الذي يدعى كسيلة ، إنما قام ليثأر من موسى بن نصير ، فحاصر القيروان وهدمها على رأسه ، وقتله فيها ، استشعارا للمهانة والاحتقار ؟ عندما أمره موسى بن نصير بذبح شاة وسلخها وتقديم لحمها له ، وهو السيد العزيز في قومه ؟ هل يعرفون أن الأمازيغ ليسوا بخلاء ، بل كرماء ، منهم من يقدم للضيف أغلى مايملك ، وهو غارق في الحاجة والفقر ؟ فهل قاموا بزيارتهم في الجبال والتضاريس القاسية حيث هم منفيون ومهمشون ، ليروا كيف سيستقبلونهم مثل الأمراء ؟ إن ما يتعرض له الأمازيغ في الأمس واليوم ، من اهانات حاطة من كرامتهم كشعب مسالم ، لم يسبق له أن قام بالاعتداء على أي شعب ،بل ظل على مر التاريخ يستقبل جحافل الغزاة ، ويحتضنهم ، يشبه إلى حد كبير ذلك الاحتقار الذي كان يتعرض له الايرلنديون من طرف الانكليز في عهد الملك الذي يدعى طويل الساقين ، لدرجة أن الايرلندي لايستطيع أن يتزوج علانية ، وإلا لكان لزاما على زوجته أن يعاشرها الجنود الانكليز ، قبله ، مادفع الايرلنديين إلى الانتفاضة في حقول دوبلن ، حفاة عراة ، ويقاتلوا مثل الشعراء من أجل نيل حريتهم ، واسترجاع كرامتهم .

سياقها الأجنبي:

لاشك في أن إيراد النكتة في سياق أجنبي ، عن " عرق معين " يوجد ، عندنا في المغرب ، كما أوردها صاحبها ، هو الذي أجج مشاعر الاحتقان ، ونكأ جرح الأمازيغ ، الذين استشعروا في ذلك مهانة واحتقارا واستصغارا من طرف مغربي ضد مواطنيه المغاربة في بلد أجنبي ، خاصة في بلد مشرقي ، مع استحضار الحساسية التي تحف بالموضوع من حيث ، الرغبة بواسطة اللمز والغمز ، في إفهام العرب المشارقة ، على أن إخوانهم العرب الشرفاء المغاربة ، لايسايرون ، ذلك العرق المعين ، ثقافته وحضارته ، وأنهم متميزون عنه ، وراقون ، بالرغم من كونهم يقطنون جميعا نفس الوطن الذي يسمى" المغرب " ، مع أن المشارقة لاتنقصهم في هذا الباب الشعوبية ضد من يسمونهم البربر ، وأستحضر بالمناسبة معاناة تلك السيدة المغربية المتزوجة من رجل سعودي ،و الذي لم يسمح لها ولابنتها منه بالتحدث بالدارجة المغربية ، لكونه في نظره لهجة بربرية ....، والقصة منشورة في جريدة هيسبريس الالكترونية لمن أراد الاطلاع عليها ، لأن المشارقة لاينظرون إلى المغارب عموما ،وليس إلى المغرب وحسب ، سوى أنه بلاد البربر ، بالرغم من كل المحاولات التي يبذلها المغاربة المستعربون ، على إفهامه على أنهم متميزون عن البربر ، إذن المسألة ليست بالهينة كما يحاول البعض أن يوهمنا بذلك ، واستعمالا للبرهان بالخلف ، هل سيسمح العرب لأي أمازيغي أن يسبهم أو أن يورد بشأنهم ما من شأنه أن ينتقص من كرامتهم ، في القنوات الفضائية أو في أية ندوة أو اجتماع ؟ إن تأسيس أول إطار جمعوي أمازيغي سنة 1967 لم يكن إلا كرد فعل ضد الاحتقار والازدراء الذي كان يتعرض له الأمازيغ في بلدهم الأصلي ، فلا المطالبة برد الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغية ، كانت غاية في حد ذاتها أبدا ، إنما كانت من الوسائل التي استعملها الأمازيغ لفرض احترامهم من طرف الآخرين الذي يعتقدون بتميزهم وسموهم عنهم ، فماذا سيظن العرب المشارقة الأمازيغ لوصدقوا فعلا تلك النكتة ؟ ولا أظنني لن يصدقونها ، خاصة وهي تصدر من " أستاذ محاضر ، وداعية إسلامي ؟؟؟ ، عربي وشريف ?،سوف يظنون أن الأمازيغ هم فعلا كما ذكرهم الأستاذ المحاضر، بخلاء وليسوا كرماء ، بحيث تصبح تلك الخصلة لازمة للأمازيغ في ذلك البلد المشرقي ، وهذا خطأ فادح ، يقترفه ، مواطن مغربي في حق مواطنيه ، فأيا كان اعتقاده عن الأعراق ، والأنساب الشريفة وغير الشريفة ، فهو لن يستطيع أن يثبت إذا كان ينتمي بالفعل إلى هذا العرق أو ذاك ، ثم فالأدارسة فيهم أيضا مغاربة ناطقين بالأمازيغية ، فهل نعتبرهم عربا مستمزغون أم أمازيغ مستشرفون ؟

ضمن السياق الأجنبي الذي وردت فيه النكتة العنصرية ، سياق آخر ، هو سياق المحاضرة ، فهذه الأخيرة كانت تتحدث عن الهوية ، وأردف صاحب النكتة ، بنكتته عبارة " الانمساخ الهوياتي " وهو لم يفعل ذلك عبثا ، بل إنما كان يريد أن يرمي الدعوة إلى رد الاعتبار لمكون ثقافي مغربي ، أمازيغي ، باعتبارها انمساخا هوياتيا ، وهذه ليست عقدة أبو زيد مع الهوية الأمازيغية فحسب ، بل إنها تشكل أزمة الخطاب والحركة الإسلامية في المغرب بشكل عام ، خاصة جماعة التجديد والإصلاح وذراعها السياسي : حزب العدالة والتنمية ، بحيث ترسخ في أيديولوجية الحزب ، وفي لاوعي مناضليه ، أن الدعوة إلى رد الاعتبار للهوية الأمازيغية ، انمساخ هوياتي ، مستورد ، تجب محاربته ، والتصدي له بكل الوسائل الممكنة والمتاحة ، وإلا لماذا ذهب الريسوني بدوره يتباكى على القطريين ، محذرا إياهم من خطر" البربر" الذي أضحى يتهدد إخوانهم العرب في المغرب ، محاولا اتهام الحركة الأمازيغية بكونها حركة عنصرية تسعى لافتعال الحرب الأهلية ضد العرب ، مشبها الوضع بما حدث في رواندا...؟؟؟؟ ، يتضح من هذا المنطلق أن خطاب العنصرية والتحريض لايولدان إلا العنف ، وان منطق الإقصاء لايولد إلا الإقصاء ، وان على من يستهين بالأمازيغ أن يعلم علم اليقين أنه لايمكن تجاوزهم بسهولة ، وان كرامتهم أغلى عندهم من أي شئ آخر ، وأن زمن الاستهانة بهم قد ولى ومضى ، فكفى من دعوات الاحتقار العنصرية.
الكاتب: محمد أيت بود 

ليست هناك تعليقات: