بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يونيو 2021

نموذج شكيب بنموسى والامازيغ : سوء الفهم الكبير

مركزتيفاوت الإعلامي
لا أعرف إن كان من حق شكيب بنموسى رئيس لجنة النموذج التنموي، أن يستقبل من يراه من المدونيين والصحفيين أو أن يعقد جلسات أخرى مع من يرتاح له قلبه او مع الذين يختارهم طاقمه الاعلامي، بعد تقديم تقريره النهائي وبعد تنظيم ندوة صحفية موسعة شرح فيها بنود تقريره.

يبدو أن بنموسى يسعى إلى إجراء جلسات أخرى لتبديد ما يسميه سوء الفهم الكبير الذي اعتقد أنه سبب حملة انتقاد واسعة جدا تعرض لها ما جاء في تقريره، الذي اعتبرته فئات واسعة جدا من الشعب والمهتمين والباحثين، أنه تقرير مخيب للآمال ولم يفض إلى ما كان منتظرا منه، بل زاد الوضع غموضا والتباسا، مما جعل منتقدي التقرير يتخوفون من استمرار شبح الانكسارات والازمات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل، واستمرار مسلسل إصلاح الإصلاح الذي دخل فيه المخزن منذ القرن التاسع عشر بعد انهزامه في معركة إسلي سنة 1844. وإن كان من حق شكيب بنموسى استقبال من يريد، فهل له الحق في إقصاء الامازيغ والدينامية السياسية الأمازيغية. وهو الذي قام باقصائها أثناء مشاورات إعداد التقرير، نتج عنه، إقصاء وإهمال القضية الأمازيغية في التقرير والنموذج ثم استمر في اقصائها بعد صدور التقرير.

يقول شكيب بنموسى في إحدى تصريحاته، أن النموذج الذي يطمح له في تقريره وتصوره هو لجميع المغاربة.
نحن نقول، أن التقرير لا يعكس طبيعة المجتمع المغربي. لأنه اعتمد على "منهجية الاقصاء" في التشخيص والتحليل والحلول. لذلك يظهر أن إقصاء الأمازيغية والامازيغ في هذا النموذج واضح وجلي.
 هل كان مقصودا أم لا؟
 ذلك ما يعلمه رئيس اللجنة واعضائها.
الجميع يعلم أن أسباب نزول لجنة النموذج التنموي، مرتبطة بشكل مباشر باندلاع حراك الريف أواخر سنة 2016، والذي كشف عن فشل النموذج التنموي بالمغرب، وتسبب في زلزال سياسي غير مسبوق أدى إلى اقالة العديد من الوزراء في مهامهم، ثم أفضى في نهاية المطاف إلى خلق لجنة النموذج التنموي الجديد.
حراك الريف هو حراك أمازيغي، قاده الشباب المناضلين في مدينة الحسيمة، البعض منهم تخرج من مواقع الحركة الثقافية الأمازيغية والبعض منهم كان منخرطا في الدينامية الجمعوية والسياسية والاحتجاجية الأمازيغية من بينهم قائد الحراك ناصر الزفزافي الذي شارك في عدة مسيرات أمازيغية في مجموعة من المدن منها مراكش...
 وحراك الريف هو استمرار لانتفاضات الشعب المغربي التي ساهمت فيها الدينامية الأمازيغية بشكل كبير وملفت، بدءا بانتفاضة سيدي افني آيت باعمران سنة 2008، وهي أكبر انتفاضات الهوامش خلال "العهد الجديد" والتي شارك فيها مناضلون وشباب كانوا من قيادات الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي، الذين كان اغلبهم ينتمون إلى آيت باعمران وتخرجوا من الجامعات وكانوا ينتمون إلى الحركة الثقافية الأمازيغية في كل من أكادير ومراكش... وهو الحزب الذي كان يتزعمه المرحوم أمغار داحماد الدغرني المزداد بقرية تادارت بآيت باعمران.
انتفاضة آيت باعمران التي سحقتها الدولة بقمع وقساوة أثناء أحداث السبت الأسود، جروحها لم تندمل بعد، ادت إلى اعتقال النشطاء والمناضلين، كانت بمثابة ناقوس الخطر، بوجود أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية بالمغرب، سببها هو إقصاء الامازيغ من الحكم والقرار ونهب ثرواتهم ومواردهم أدى إلى حرمان اجتماعي وتفاوتات خطيرة، وخلل بين المركز والهوامش. وتجدر الإشارة إلى أن انتفاضة آيت باعمران سنة 2008 انطلقت من ميناء سيدي افني، وحراك الريف سنة 2016 انطلق من ميناء الحسيمة.

شكيب بنموسى كان وزيرا للداخلية أثناء إندلاع انتفاضة آيت باعمران وسيعرف الكثير من تفاصيلها، في حكومة عباس الفاسي، الذي نزل في مطار العيون أثناء إندلاع المواجهات العنيفة في سيدي افني والتي كانت تعرف حصارا أمنيا مطبقا، وأعطى تصريحا غريبا قال فيه " لا شيئ يحدث في سيدي افني". ولابد من الإشارة إلى أن شكيب بنموسى وزير الداخلية وعباس الفاسي الوزير الأول، ينتميان إلى عائلات وبيوتات فاس. والمعروف أن شبكة عائلات فاس يهيمنون على السياسة والاحزاب  والاقتصاد والتجارة والتأمين والابناك بالمغرب منذ الاستقلال، ( أنظر كتاب واتربوري).
وتأسيس الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي سنة 2005  جاء نتيجة مشاكل وازمات عميقة بدأت على الاقل في سنة 1930 بعدما عملت بعض الشخصيات التي تنتمي إلى الأوساط الحضرية فاس وسلا والرباط وتطوان، ذات الأصول الموريسكية بقراءة اللطيف بالمساجد وتزعموا ما يسمى بمظاهرات "الظهير البربري" الذي يعتبر أكبر اكذوبة في تاريخ المغرب المعاصر، كان هدفها هو تحييد الامازيغ في السياسة والادارة والحكم عن طريق مواجهة القوانين الامازيغية. ذلك اللطيف في المساجد أدى إلى تأسيس ما يسمى الحركة الوطنية المتشعبة بفكر العروبة والسلفية، وتم إقصاء الامازيغ والامازيغية بشكل تعسفي في السياسة والحزبية بالمغرب. والحركة الوطنية هي آلية من آليات هيمنة العائلات الفاسية وابناء الحواضر، الرباط سلا تطوان البيضاء ومراكش على العمل السياسي والاحزاب والنقابات والقرار والاقتصاد والتأمين، ودفع أبناء القبائل والمقاومة والجبال والصحراء والسهول والواحات نحو الفقر والتهميش والقساوة والأمية...
كما أن وزير الداخلية شكيب بنموسى في حكومة عباس الفاسي هو الذي قام برفع دعوى قضائية ضد الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي يطلب فيها من المحكمة حل وابطال الحزب، لأنه يحمل كلمة امازيغي من التسمية. في سابقة من نوعها في تاريخ الأحزاب بالمغرب.
لماذا دعوى حل الحزب الامازيغي ؟ لأن الامازيغ استفاقوا من وهم العروبة والسلفية وقاموا بالثورة على ما يسمى ب"الظهر البربري" 1930، واكتشفوا أن سبب ويلاتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية نابع بالأساس من اقصائهم في القرار السياسي وعدم دخولهم غمار الحزبية بمرجعيتهم الثقافية الأمازيغية، ولكن ذلك لم يصلوا إليه إلا بعد أن تمكن أبناء القبائل من الوصول إلى الجامعات وتملكوا آليات المعرفة والبحث العلمي والنقدي وقرأوا تاريخهم بشكل موضوعي وقاموا بتصحيح المغالطات والاساطير.. ومنع الحزب الامازيغي الذي تزعمه داحماد الدغرني ابن قبائل آيت باعمران واحواز تزنيت، شبيه جدا بمنع مشروع حزب عدي أوبيهي والحسن اليوسي سنة 1957، من طرف حزب الاستقلال. وعدي أوبيهي الذي قام بثورة وانتفاضة بتافيلات انطلاقا من الريش بعد أن عمل حزب الاستقلال على إلغاء القضاء العرفي بمدينة "قصر السوق" الراشدية حاليا هو أول من حكم عليه بالإعدام في المغرب بعد الاستقلال، ومات في مستشفى السوسي، في موت غامض، يقول بعض الباحثين انه مات مسموما، وبعد إندلاع انتفاضة تافيلالت اندلعت بعد أقل من سنة انتفاضة الريف سنة 1958 و 1959. (للمزيد في هذا الموضوع أنظر كتابنا الأمازيغية والحزب).

ولابد من تسجيل ملاحظة اساسية يغفلها الكثير من المحللين والمتابعين والمناضلين منهم بعض المنتمين إلى الحركة الامازيغية، وهي أن الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي قام بتحقيق العديد من المكتسبات للقضية الأمازيغية بشكل مباشر وغير مباشر، كما أنه ساهم بشكل اساسي في تغيير البنية الحزبية بالمغرب، من خلال التنبيه بمخاطر هيمنة الدينية بالمغرب ودعاة السلفية والوهابية والإخوان المسلمين على المجتمع والدولة. وقامت الدولة بالاستجابة فورا لبعض مقترحات ومطالب الحزب، حيث تمة سرقة العديد من افكار برنامجه السياسي وتم الحاقها لبرنامج حزب الدولة الذي تم تأسيسه مباشرة بعد حل الحزب الديموقراطي الامازيغي سنة 2008. كما أن الدولة فطنت إلى مشكل احتكار بعض العائلات التي تنتمي إلى شبكات فاس، على السياسة والاحزاب والاقتصاد، ودفعت بشخصيات أمازيغية لتزعم أحزاب داخل الأغلبية الحكومية منذ 2012، شباط في حزب الاستقلال، إلياس العماري في البام أخنوش في الاحرار العثماني في البيجدي ولشكر في الاتحاد...

إن ما يعيشه المغرب من انتفاضات شعبية في الأطراف والمدن البعيدة عن العاصمة كلها انتفاضات أمازيغية تمثل استمرارية الانتفاضات التي نظمها الامازيغ ضد غطرسة حزب الاستقلال ما بعد سنة 1956، ولا جدال في ذلك. كلها لها علاقة بطريقة تشكيل الدولة الوطنية المركزية على شاكلة نموذج الدولة اليعقوبية الفرنسية. سببها الوحيد، هو أن الامازيغ وجدوا أنفسهم بعد قرون وعقود من المقاومات، على هامش التاريخ وعلى هامش القرار والسلطة، تم تفكيك مؤسساتهم وتفتيت مجالهم، والسيطرة على مواردهم واستغلال ثرواتهم، وتفقير أبنائهم واسرههم، واقصاء لغتهم في المدرسة والإعلام والقضاء والادارة، وتهميش ثقافتهم وحضارتهم وجعلها فلكلورا وثقافة شعبية لا أهمية لها، ووجدوا أنفسهم في أحزاب ومؤسسات بيروقراطية تعتبرهم خزان انتخابي لا غير... وهم الذين كانوا إمغارن في بلادهم ويحكمون بالديموقراطية الحقيقية والتشاركية المفتوحة ويسيرون ثرواتهم ومورادهم بقوانينهم الوضعية ويتحدثون لغتهم في مجالس القرار آيت ربعين وآيت مراو وإنفلاس، ويتمتعون بحقوق الملكية... كل هذه المؤسسات  والقيم والسلط نزعتها منهم الدولة وصادرت حتى حقهم في ملكية الأراضي والأشجار والانهار والرمال والثمار والاحجار كل شيئ أصبح في يد الدولة اليعقوبية...

الحركة الأمازيغية ودينامياتها الاجتماعية والاحتجاجية، قامت بعمل جبار من أجل إستعادة بعض حقوق الامازيغ وحقوق الأمازيغية من بينها حقوق الثقافة واللغة والجهات...بفعل النضال والتضحيات، قدم فيها الامازيغ شهداء ومعتقلين ومنفيين ومهجرين وضحايا العنف الطلابي داخل الجامعات... انتزعوا بعدها رسمية الأمازيغية كلغة رسمية في الدستور بعد انخراط الامازيغ في حركة 20 فبراير...
لكن حراك الريف، جاء في وقت مهم جدا وفاصل، أي بعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي انتصر فيها الاسلاميين بنسبة كبيرة، وهم الممثلون الشرعيون حاليا لفكر الحركة الوطنية المبنية على السلفية والعروبة والاسلام السياسي. ثم في الحسيمة التي انتصر فيها الحزب القريب من السلطة والدولة ولكن يترأسه زعماء من الريف، يمكن اعتباره إلى حد ما نسخة شبه أصلية لحزب الحركة الشعبية بزعامة المرحوم أحرضان في سنوات 1959، الذي خاطب الناس في جنازة عدي أوبيهي في كراندو بالريش، وقال انه سيقوم بتدريس الأمازيغية في المدرسة وسيدافع عن القوانين الأمازيغية ازرف كما عبر عنها احرضان، فطيلة 50 سنة قضاها احرضان وحزبه في الحكومة لم يتحقق اي شيئ للامازيغ والامازيغية والاعراف...

السؤال الجوهري هو لماذا انتفض امازيغ الريف بالرغم من أن ابن الحسيمة الياس العماري يتزعم ثاني اكبر حزب سياسي في المغرب وكان له نفوذ كبير، ويترأس بنشماس الغرفة الثانية في البرلمان المغربي....
هل الجواب هو أن شباب الريف الذين يتزعمون الحراك لا يثقون في برامج واحزاب الدولة؟
هل الجواب هو أنهم يطمحون إلى أحزاب سياسية حقيقة حرة و مستقلة عن السلطة بمرجعية أمازيغية تجسد قيم خصوصيتهم الثقافية والحضارية؟
الأجوبة حتما يعرفها السيد شكيب بنموسى الذي قام برفع دعوى قضائية لحل الحزب الديموقراطي الامازيغي المغربي سنة 2008، وبعد تنصيبه رئيسا للجنة النموذج التنموي الجديد للمغرب، بعد أن كان سفيرا في فرنسا أثناء إندلاع حراك الريف سنة 2016، قام باقصاء الامازيغ في المشاورات واقصاء اللغة الامازيغية في كتابة التقرير الذي كتبه بلغات العالم الا لغة الوطن، كتبه باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية إلا اللغة الامازيغية...هل يريد أن يعود بنا شكيب بنموسى إلى ماقبل دستور 2011؛ أي إلى دستور سنة 1996. ربما يحن إلى ذلك. 
ومن هنا بدأ سوء الفهم الكبير بين شكيب  بنموسى رئيس اللجنة.... إن لم نقل استمر منذ سنة 2008 بين شكيب بنموسى الوزير والامازيغ...

ليست هناك تعليقات: