بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 مارس 2021

كثيرا ما يتساءل البعض عن معنى ودلالة المخزن؟

مركزتيفاوت الإعلامي
الحسين اوبگن
المخزن تاريخيا، هو نظام سياسي مقتبس من النظام السياسي المشرقي مع تبني المغاربة للإسلام، في الفترة الممتدة بين القرن الخامس والسادس الهجري 11-12 م، (فترة المرابطين والموحدين)، وذلك بعد إسلامهم مباشرة.  وقد حاول المغاربة أن يقتبسوا هذا النظام  في تلك الفترة االتي استبدلوا فيها دينهم القديم ، وأن يستبدلوا كذلك نظامهم السياسي الديموقراطي الذي كان يسيره إنفلاس أو آيت الربعين والذي سماه ابن خلدون " دولة إمغارن وهم الشيوخ يتداولون الحكم بينهم عن تراضي وإتفاق " بينما سماه روبير مونطاني " الجموهورية الديموقراطية البربرية ". 
         فماهو أصل تسميته بالمخزن؟  وما هي طبيعة هذا النظام السياسي المشرقي الجديد؟
لقد أطلق المغاربة كلمة المخزن(أگادير ) المعروف لديهم   واستعملوه  مكان الإسم العربي " بيت المال " إعتقادا منهم أن هذا الأخير يشبه في فلسفته وأسسه  ونظامه الجماعي، دون أن يلاحظوا أن  هناك إختلافا كبيراجدا بينهما،  ينبغي توضحيه في بعض النقط: 
أولا، الإسم العربي للحكم  والسلطة يسمى دولة  أو ملك، والمعني اللغوي للدولة في اللغة العربية، هو:   "العقبة في الحرب والمال سواء... " (ابحث عن الكلمة في قاموس بن منظور في الأنترنيت) ومعنى هذا هو النوبة في الإنتصار في الحرب على الغير وأخد ماله والتمتع به حينا من الزمن فقط،  أي أن هذا النظام يقوم على السيف والإكراه وليس على التراضي والإقناع مثل نظام إنفلاس،  ويحتكر فيه المتغلب السلطة والثروة مدة من الزمن معروفة هي 100 سنة تقريبا، حسب ما سمعه ابن خلدون عن شيوخه، وبما أن هذا النظام وهو قائم على الغلبة وليس على التراضي يتنج عنه ظلم اجتماعي تصبح معه "الرعية " مجرد عبيد يشتغلون وكمجرد خماسين أو رباعين أو ثلاثين أو نصافين (انظر باب المغارسة في كتب الفقه)  وكانوا مهمشين في السلطة والثروة والقيم وغيرها. وينتج عن المظالم الكثيرة لهذا النظام قيام  ثورات شبه دائمة ومزمنة تؤدي إلى عدم الإستقرار بشكل مستمر،  ينتهي بعد حوالي قرن من الزمن إلي ضعف الدولة وإنهيارها كما حدث للموحدين الذين انطلقت دولتهم 518 هـ وانهزموا في معركة العقاب 609 هـ أمام المسحيين، ومنذ ذلك التاريخ بدأت دولتهم تحتضر إلي أن انتهت 566 هـ،  و دولة المرابطين قبلهم دامت  70 سنة فقط. فما الذي يجعل هذاالنظام لا يستمر أكثر من هذه الفترة؟
 إذا كان نظام أگادير هو مخزن جماعي لتاواسيت (تقبيلت) تتكون موارده من مال الأسر الذي اكتسبوه بالعمل،  فإن نظام " بيت المال"  تتكون موارده من الغنائم التي حصلت عليها العصبية الحاكمة من غزو السكان بانتزاع أملاكهم (تصبح كل الأراضي  المحتلة ملكا لها،  سبي من النساء والأطفال،  مال نقدي...) ،  وبعد غلبتها في الحرب والمال تستغل تلك الأملاك وتستخرج منها  "الخراج أيام الموحدين" أو" المستفاد في القرن 19م"  وهو ليس بالضريبة كما نعرفها اليوم  والمرتبطة بالملكية الفردية . 
     ثانيا، هذه الأملاك والأموال المتحصلة من الغلبة ومن الغنائم تقسم بطريقة غير متكافئة وغير متساوية بين تلك العصبية الحاكمة وحدها،  وتقسم حسب المعايير التي قسم بها عمر بن الخطاب أموال بيت المال في عهده بين الأنصار والمهاجرين وحدهم بالمدينة  دون غيرهم من المسلمين، فكان أكبر عطاء هو 24 000 درهم سنويا وأقل عطاء هو 200 درهم في السنة، وأهم هذه المعايير السبق للدخول في الإسلام، و متى دخل الشخص للإسلام:  طبقة من أسلم قبل بدر 2هـ، تليها طبقة من أسلم بين 2 و8 هـ سنة فتح مكة.
الطبقة الثالثة من أسلم بعد ذلك إلي 15هـ.
المعيار الثاني:  دراجة القرابة من الرسول(ص)  فكان أكبر مبلغ يأخذه عم الرسول(ص). هكذا تقسم أموال بيت المال لدى كل الدول كالأمويين والمرابطين والموحدين....فالذي يستفيد من  بيت المال هي  العصبية الحاكمة وحدها ولا تستفيد من االرعية بل تموله فقط، كما تقاتل من أجل الحكام دون أن تستفيد شيئا في مقابل ذلك. هذا التوزيع للمال لا يخلق شرخا كبيرا بين الدولة وبين السكان فقط، بل يخلق شرخا بين العصبية الحاكمة نفسها ( الأنصار والمهاجرون، الأمويون،  المرابطون... مما ينتج عنه بعد ثلاثة أجيال صراعا حول الإمتيازات فيدخلون في صراع بينهم فتضعف دولتهم بذلك نتيجة لذلك، ومما يزيد ويسرع من وتيرة  هذا الضعف أن الجيل الثالث والرابع الذي أصبح يعيش في القصور ويمتلك العبيد والإيماء وينعم بالرفاه والنعيم لذلك يميل للتخاذل  والتقاعس عن القتال مقارنة بجده أو أبيه، فلا تجد الدولة ممقاتلين يقمعون الثورات الداخلية ويصدون الهجمات الخارجية فتسقط الدولة من تلقاء نفسها. هذا ما حدث للدولة الموحدية التي درستها بتفصيل في عملي عن تاريخها، و لغيرها من الدول الأخرى،  وهكذا تؤكد الأحداث لهذه الدولة المعنى اللغوي لهذا النظام السياسي المشرقي الذي يعود لأكثر من 4000 سنة أيام البابليين.
      ملاحظة أخيرة، إن هذا النظام لم يقض على دولة إمغارن بل تعايشا  في كثير من المناطق بالمغرب إلى 1912 وعندما أدخلت الحماية الفرنسية تعديلات على النظام السياسي المشرقي وقضت على دولة إمغران القبلية،  وأقامت مكانها دولة حديثة مستمدة من النظام السياسي الغربي،  غير أن هذه الدولة الحديثة تم تسيرها بالعقلية المشرقية القديمة وبنت أيدولوجتها على العروبة والإسلام،  وبدل استكمال التحديث تم التراجع عن ما تركته فرنسا.
للمزيد من الخصائص عن المخزن يمكن الرجوع إلي عملي  عن الموحدين.

ليست هناك تعليقات: