أماطت مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الامازيغية اللثام عن مشروع جديد ومنقح لمنهاج اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي على غرار بقية المناهج، وذلك استجابة لمجموعة من المستجدات المتعلقة بالسياسة التربوية الوطنية والتي يؤطرها القانون الإطار رقم 51.17 خاصة فيما له علاقة بعملية مراجعة المناهج والبرامج التربوية. ويمكن القول ان هذه المراجعة التي مست منهاج وبرنامج اللغة الأمازيغية قد عرفت تغييرات جذرية شملت مجموعة من الجوانب الأساسية (المجالات، المكونات، المحتويات الدراسية، الغلاف الزمني...) في المنهاج القديم.
بدء بالمجالات الدراسية، فقد تم تغييرها قصد خلق التجانس بين مجالات برنامج اللغة الأمازيغية ومجالات اللغتين العربية والفرنسية من حيث مضامينها وعدد وحداتها الدراسية. فتقاسم نفس الفضاء الدراسي "يفترض فيه أن يضمن جناحا خاصا بكل لغة على حدة وعلى قدم المساواة، الشيء الذي سيتيح للمتعلم التمكن من الكفايات العرضانية التي يستهدف مجال اللغات تنميتها، وجعله قادرا على التواصل باللغات المدرسة الثلاث بفضل التجاسر والتكامل". وعلى هذا الأساس فقد تم :
• تقليص عدد الوحدات من 8 إلى 6 تمتد كل وحدة على خمسة أسابيع بدل ثلاث أسابيع؛
• الاكتفاء بأسبوع واحد لتقويم ودعم الوحدة عوض أسبوعين؛
• توحيد المجالات الدراسية.
فانطلاقا من هذه الملاحظات الأولية نقول بأن اختيار تقليص عدد الوحدات والمجالات مسألة ضرورية على اعتبار أن اللغة الأمازيغية تشكل عنصرا من عناصر قطب اللغات وتم وضع تصور تربوي موحد ومنسجم لتدريسها وتعلمها في التعليم الابتدائي انبني على كفايات ووحدات دراسية موحدة.
فتبني معيار ملاءمة المجالات الدراسية الخاصة باللغة الأمازيغية لنظيراتها في اللغة العربية والفرنسية عملية أساسية تستهدف تطوير وتجويد اليات تعليمها من جهة ووضع المتعلم في حوض لغوي يتسم بالتكامل والانسجام بين اللغات المدرسة من جهة أخرى.
أما بالنسبة للمكونات والمحتويات الدراسية، فقد تمحورت حول أربع مهارات أساسية كبرى وهي: الاستماع والتحدث، القراءة والكتابة. وبناء على هذا الرؤية، حاول مشروع المنهاج الجديد تعديل المكونات الدراسية السابقة بإضافة مكونين جديدين وهما معجم المجال ومشروع الوحدة. ويـأتي إدراج مكون المشروع طبقا لما جاء في مسودة المنهاج الجديد بهدف " التركيز على تنمية أنشطة الكفاية التواصلية في شقها الشفوي في السنوات الثلاث الأولى (الاستماع والتحدث)؛ حيث يطلب من المتعلم، وفي إطار وحدة دراسية ومجال مضموني محدد، إنجاز مشاريع تربوية في شكل أناشيد، مسرحيات، رسم، نحت... بينما في السنوات المتبقية (الرابعة والخامسة والسادسة ) تمت متابعة نفس النهج على مستوى الأنشطة الشفوية مع إضافة الأنشطة الكتابية من قبيل إنجاز عروض، كتابة قصائد شعرية ونصوص سردية..." وقد خصص لهذا النشاط غلاف زمني كبير مقارنة باللغتين العربية والفرنسية. كما تجدر الإشارة إلى أن أنشطة التواصل الشفوي في السنوات الثلاث الأولى هي المهيمنة بنسبة كبيرة تصل إلى%80 من مجمل الأنشطة عكس المنهاج القديم الذي تتساوى فيه نسبة أنشطة التواصل في شقيه الشفوي والكتابي حيث تم تخصيص نفس الغلاف الزمني لجميع المكونات الدراسية.
ومن خلال ما سبق، وجبت الإشارة إلى أن مشروع المنهاج الحالي أغفل وأقصى مبدأ التكامل بين المكونات عبر الربط بين مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة مما يضمن ويدعم اكتسابها كلها من طرف المتعلم، خاصة أننا نعلم أن اكتساب اللغة يتم عبر التكامل بين مكوناتها بشكل نسقي ومندمج. فتخصيص هذا الحيز الزمني الكبير لأنشطة التواصل الشفوي يروم فقط ترك اللغة الامازيغية تقتصر على وظيفة التواصل بدل القيام بأدوارها الكاملة كلغة مدرّسة ولغة تدريس إسوة باللغة العربية والفرنسية.
فيما يخص مكون القراءة، اعتمد مشروع البرنامج على "مقاربة تدرجية تقوم على الانتقال من فك الشفرة في السنتين الأولى والثانية، إلى فهم واستيعاب النصوص القصيرة والبسيطة حسب الاستراتيجيات القرائية في السنوات الموالية". ففي الوقت الذي يشير فيه مثلا نص الكفاية الخاص باللغة العربية في السنة الأولى إلى فهم نصوص مقروءة تتراوح كلماتها بين 40 و50 كلمة ونصوص مقروءة تتراوح كلماتها بين 70و 80 كلمة في السنة الثانية اقتصر المشروع على فك الشفرة (مجموعة كلمات وتعابير) بالنسبة للغة الأمازيغية مع إدراج تعليم وتعلم الحروف في سنتين عوض سنة كما نص عليه المنهاج القديم.
أما بالنسبة لأنشطة الكتابة فيمكن القول بأن الهيكلة الجديدة للمكون ينطبق عليها نفس الملاحظات المتعلقة بمكون القراءة: فتقزيم/تقليص الحيز الزمني المخصص لها واقتصارها في السنوات الثلاثة الأولى على التخطيط والنقل يكرس مبدأ ثانوية الشق الكتابي في تعلم اللغة مع العلم أن التجربة أثبتت بأن المتعلمين في السنة الثانية قادرون على ( إنتاج كلمات، جمل ونصوص قصيرة...) الشيء الذي يبرز التمييز الكبير بين اللغتين العربية والأمازيغية من حيث الكفايات المستهدفة في نهاية كل سنة دراسية. فعلى سبيل المثال، تستهدف كفاية السنة الأولى بالنسبة للغة العربية إنتاج نصوص كتابية بسيطة يغلب عليها طابع السرد والوصف والإخبار والتوجيه؛ بينما اقتصرت الكفاية المستهدفة بالنسبة للأمازيغية في التخطيط والنقل فقط.
في الواقع، يطرح هذا المعطى تساؤلا كبيرا حول مبررات هذه الاختيارات، هل تم إخضاع تعلم اللغة الأمازيغية لتقويم وتقييم وطني للتعلمات حتى يستدعي الأمر تبسيط المبسط، علما أن الإملائية الأمازيغية بصفة عامة وحرف تيفيناغ بصفة خاصة يتسمان بالسهولة والبساطة؟
إن قراءة وتحليل معطيات السوق اللغوي المغربي يشير إلى أن اللغة الامازيغية تشغل وظيفة اللغة الأم من جهة ولغة ثانية من جهة أخرى مما يستدعي تنويع مقاربات تدريسها بالتركيز على التواصل في شقيه الشفوي والكتابي بنسب متساوية مما يضمن للمتعلم المغربي الناطق والغير الناطق بالأمازيغية فرص متكافئة لتعلمها وإضفاء دينامية على العملية التعليمية التعلمية.
بالنسبة لمكون الظواهر اللغوية فقد تم عرضها كمكونات مستقلة وتم تخصيص غلاف زمني لها (ساعتين في كل وحدة) في السنوات الأولى والثانية والثالثة والصواب أن تدرج لأجل التخطيط البيداغوجي والديداكتيكي وتستعمل وتروج ضمنيا مع مختلف الأنشطة (التعبير، القراءة والكتابة).
أما فيما يخص التنظيم الزمني فقد اكتفى مشروع البرنامج بالإشارة إلى الغلاف الزمني لكل مكون داخل الوحدة المحددة في أربعة أسابيع دون التفصيل في الغلاف الزمني الأسبوعي لكل مكون من حيث توزيع الحصص والمدد. ويبقى السؤال التالي مطروحا: هل فعلا، من الناحية البيداغوجية، يحتاج برنامج اللغة الأمازيغية إلى مجرد تقليم وتقليص أم إلى زيادة وتطوير وتحسين؟
خلاصات:
• البرنامج الجديد المنقح غير مبني على تقييم مسبق للبرنامج القديم، فهو مجرد ترجمة لبرنامج اللغة الأجنبية (اللغة الفرنسية) خصوصا فيما يخص السنوات الأولى والثانية والثالثة؛
• برنامج بسيط للغاية مناسب للتعليم الأولي خصوصا في شقه المتعلق بالسنوات الأولى؛
• اختيارات لا تنم عن مبررات بيداغوجية بقدر ما هي تكريس للوظيفة التواصلية للغة الأمازيغية.
مقترحات للتعديل والتصويب
• إعداد برنامج ملائم للخصوصيات اللغوية والسوسيولغوية للغة الأمازيغية كلغة أم للمغاربة وكلغة رسمية وطنية للبلاد وليس كلغة أجنبية تبحث عن موطن قدم في السوق اللغوي المغربي؛
• الرفع من الغلاف الزمني الأسبوعي الهزيل المخصص لتدريس اللغة الأمازيغية؛
• ضرورة وضع تصور لمنهاج وبرنامج شاملة للتعليم الأولي والابتدائي بشكل متكامل ومتدرج؛
• الاهتمام المبكر بالقراءة وبالتعبير الكتابي منذ السنوات الأولى من التعليم الابتدائي عبر إدراج تعليم وتعلم الحروف في السنة الأولى ونصوص قصيرة وبسيطة مناسبة للمجال المضموني ابتداء من السنة الثانية؛
• تقليص الغلاف الزمني المخصص لمشروع الوحدة؛
• إلغاء الغلاف الزمني المخصص للظواهر اللغوية بالمستويات الأولى والثانية والثالثة؛
• الرفع من الغلاف الزمني المخصص لأنشطة القراءة والكتابة؛
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق