تسألني أمي وقد رأت إعلان دورة أقدمها في مجال العلاقات الزوجية عن قيمة هذا الأمر!، ترى غاليتي أن زواجها الذي استمر لأكثر من أربعة عقود لم يحتج لقراءة كتاب، أو نصائح إرشادية، أو دورة يحصل الحضور فيها على شهادة تؤكد أحقيتهم للعب دور فطري طبيعي، تغمزني أمي بقولها "كبرتم الموضوع" دون أن تصرح أن أكل العيش له ثمة دخل بالأمر!
أمي التي لم تكن على وعي باحتياجاتها لا تدرك ما نحن فيه، لا تعرف ما الذي وصلنا إليه..
وما وصلنا إليه يا أمي أن المرء منا - وخصوصاً المرأة - صار أكثر وعياً باحتياجاته النفسية، العاطفية، الجنسية، لم تعد تكفينا نصف ابتسامة، ولا الإيماءة، ولا الكلام الفارغ من المشاعر.
زمان كنتِ ترضين بالقليل، ليس لأنكِ أكثر رضى من نساء هذا الزمان، ولكن لأن امرأة اليوم أصبحت راغبة في حد غير الحد الأدنى الضعيف، حقها يا أمي أن نعرف نحن رجال هذا الزمان هذا بدلاً من رميها بالجشع والتمرد وعدم الشعور.
زمان كان أبي مدركاً لما عليه فعله، التزاماته محدودة، مطالبه معروفه، ورجل هذا الزمان غارق في بحر من المطالب، والاحتياجات، معروض أمام عينه ألف صورة، وتحكى له عشرات الحكايات المثيرة، نحن منهكون ونريد أن نعرف ببساطة كيف تدار البديهيات، كيف نفعل ما يجب فعله، لا ما أخبرونا بأن علينا فعله.
نحن في زمن مختلف، وحلول الأجداد على منطقيتها لن تصمد أمام شلال التفاصيل، وكل واحد منا صار نهماً لمعرفة حقوقه، ورمي الآخر بسهم كان يعده لحمايته به من غدرات الزمن.
في زمانكم كانت المرأة تطالب بحقها في الرجل، اليوم صارت تطالب بحقها من الرجل، في زمنكم كان التنافس قائم على التضحية، اليوم بتنا نتنافس على نيل لقب الضحية، زمان يا أمي كان سر الزواج بأن النصر أن ننتصر جميعا أو نخسر جميعا، اليوم أضحى كل واحد منا معسكراً بذاته، وله في الخارج حلفاء يخوفونه ممن سيُلقي برأسه آخر الليل على وسادة قد اقتسمها معه.
هل سأحتاج لأن أذكر لكِ معدلات الطلاق، وكوارث تسكن في أروقة المحاكم، لا داعي لهذا حولك عشرات -وفي الحقية أنها ملايين- لحكايات تم فيها الانفصال العاطفي، وأصحابها يعيشون من أجل الأولاد أو الظروف المادية، أو حتى صورتهم الاجتماعية.
المأساة كبيرة، والخطب جلل، والشيطان غارق في الضحك، ونحن تائهون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق