بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 27 يناير 2021

الأدب احترام الأموات و ذكرهم بالخير

مركزتيفاوت الإعلامي
عبدو بوقدير
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «الجاهل يظلم من خالطه، ويعتدي على من هو دونه، ويتطاول على من هو فوقه، ويتكلم بغير تمييز، وإن رأى كريمة أعرض عنها، وإن عرضت فتنة أردته وتهور فيها».

توصلت بتسجيل صوتي لشخص يُقال أنه شاعر ، رغم أن ما عشته في منزل شاعرٍ عظيم كان الحكمة في الإجابة ، العقلانية في التحليل ، الجمال في السرد ، و الإبداع في التشخيص ، و هذا ما لم ألمسه في هذا الشخص . 

و رغم أن من الأدب احترام الأموات و ذكرهم بالخير ، و كذا احترام الأكبر منا سنا ، و بحيث أن هذا الشخص لم يحترم أيا من هذه الآداب الأخلاقية التي تربينا عليها ، سنلجئ للطريقة الأخرى ، و لن نلتزم بمقولة خير إجابة السفيه السكوت . 

في هذا الأوديو هجوم واضح من هذا المتحدث لتاريخ المرحوم الحاج إحيا بوقدير سفير الثراث الأمازيغي و جسر عبور الفن الأمازيغي من منطقة سوس للعالمية برصيد 124 جولة حول العالم و بكل قارات العالم ، و تبخيسٍ لعمل الدولة المغربية بجميع إداراتها الثقافية و السياحية ، و إهانة لجميع الفرق الفنية .

يقول هذا الشخص الغير مسمى أن " الفلكلور " الذي يعني حسب تفسيره " الرقص " هو إهانة في حق الفنانين الأمازيغيين و إهانة للفِرق الفنية التي لا تستطيع أن تنتظر وقتها للصعود للمنصة لإبراز قدراتها الشعرية ، و أن الفرق " لي يصاييدن " ( كلمة أمازيغية معناها بالدارجة " كا تهرنط " ) لا علاقة لهم بالفن ، و هو كشاعر لا يقبل بهذه الأمور ( حسب قوله ) .

أعتقد أن هذا الشخص مصابٌ بسلوك اجتماعي غير طبيعي وفشل في تمييز الواقع و اضطراب فكري و هذه أعراض السكيزوفرينيا ، أو أنه لم يتدرج بمدرسة أحواش ليفهم ماهية ما يمارسه ، معنى أحواش و معنى الفلكور و علاقة الشعر بالرقصات ، و هذا إشكال كبير لأن المتطفلين على الميادين هم سبب خرابها . 

هنا سأحاول شرح مغالطات ما قاله هذا الشخص رغم أنني مجرد متابع و محب لهذا الفن و لست ممارسا و لا محترفا ( و هنا يتضح الفرق بين " المعلمين " و " المتعلمين " سأعود لتفسيرها بعد شرح المغالطات ) .

يقول المؤرخ التونسي عثمان الكعاك :  " وإذا كان بعض الناس يتصورون أن الفلكلور هو طريقة لإظهار الشعب في أقبح صورة فإن ذلك من رواسب الاستعمار الذي جعل الشعب يتنكر لنفسه، أمَا وقد زال الاستعمار فلا بدّ من إعادة تسعير القيم الشعبية..".

( لذا نستنتج أن مخلفات الإستعمار لازالت تعيش بيننا و أهم نتائج الإستعمار هو الإستحمار . ) 

من جهة أخرى أصل تسمية الفلكلور جاء من اللغة الألمانية (Volkskunde) ومعناها بالعربية (علم الشعوب) وكلمة فلكلور يقابلها باللغة العربية (التراث) وهو إرثنا عن أسلافنا من الثقافة ، بينما ظهر المصطلح الإنجليزي فلكلور عام 1846م حيث استخدمه لأول مرة عالم الأثريات الإنجليزي " سيرجون وليام تومز " حيث كان مستكملاً ومحدداً به الجهود العلمية والقومية التي سبقته في إنجلترا وألمانيا وفنلندا وغيرها من بلدان أوروبا، وقد شاع مصطلح فلكلور بعد ذلك بمعنى حكمة الشعب ومأثوراته، وذلك كمصطلح يدل على موضوعات الإبداع الشعبي حتى تطورت وتقدمت مناهج علم الفلكلور وإتسع مجال بحثه ليشمل مختلف أوجه النشاط الخلاق للإنسان في بيئته وارتباطه بالثقافة الإنسانية ككل.

هذا في تفسير " الفلكلور " الذي قد يجد أي شخص بالأنترنيت و إن عدنا لفن أحواش نجد أن أحواش" رقصة تؤدى بشكل جماعي في ميدان له خصوصية يسمى عادة "أسايس". 
و الكلمة جامعة لأنواع متعددة ومتباينة من الرقص والغناء منها رقصات ذكورية محضة وأخرى نسوية وأخرى مختلطة. 
و كان الناس قديماً يؤدونها دون أية مناسبة، مثل الفرح والسمر والطرب.
أما في المناسبات الاجتماعية الكبرى كالأعراس والمواسم فهي من الأولويات.

أحواش ليست مجرد رقصة عادية، إنها وجه آخر للحياة الباعثة على الإبداع والشعر والتأمل في الجمال بذاته، إنها صورة حية تعكس تفاعل الإنسان الأمازيغي مع محيطه الطبيعي والبشري في تفاعل يكشف بجلاء هموماً أو آمالاً أو أحاسيس وتأملات وصوراً مجردة في الخيال ويحولها عبر أنساق إبداعية إلى صور فنية جمالية.

و لا ضرر أن أتمم ما بدأت بشرح مبسط حول الفن الأمازيغي الذي لا ينتهي عند الشعر أو النظم إنما هو مزيج بين المسرح و السينما و الرسم و الشعر و الرقص ، و ما " تنظامت " إلا جزء من أحواش الذي لا يكتمل إلا بالرقصات ، لأنك من السهل أن تجد شبابا فرحا بمكان به رقصات و إيقاع بلا " تنظامت " و  لكن من الصعب أن تجد فرحا به " تنظامت " فقط لأن أساس أحواش هو الرقصات و الإيقاع الذي يبعث الروح في الحفل . 

و هذا ما فهمه المايسترو المرحوم إحيا بوقدير باكرا ليتفرغ لتعلم جميع أنماط و أنواع الرقصات و الإيقاعات و الألحان علاوة على قوته الشعرية و جمال حنجرته ما جعله فنانا متكاملا ، و هذا هو سر الجولات العالمية و هذا السر يستنتجه العاقل و الباحث بكل سهولة ( و هذا ما قصدته سابقا بالفرق بين " المعلم " و " المتعلم " ) . 

و لكن كما يقول بنيامين فرانكلين " أن تكون جاهلاً ليس عيباً بقدر عيب عدم رغبتك بالتعلم " فالعيب ليس أن تولد جاهلا بل العيب أن تموت كذلك . 

و بعد هذا الشرح الذي يُبين عظمة فن أحواش من رقصات و إيقاعات و شعر و ما يمثله هذا الفلكلور تاريخيا لإيمازيغن عامة ، أتحدى هذا الشخص أن يؤدي رقصة " أهنقار " أو " الدرست " أو " مكونة " بدون أغلاط ، لأن من لا يتقن الرقصات و الإيقاعات علاوة على الشعر لا علاقة له بهذا الفن و أتحداه أن يثبت أن ما قاله عن الفِرَقْ صحيح ( حيث قال أن هذه الفِرَقْ في إشارة منه لفرق مݣونة و إيمنتانوت و غيرهم لا علاقة لهم بالفن ) .

كما أتحداه أن يقلد المرحوم سفير الثراث الأمازيغي و لو لمرة واحدة و يؤدي دوره كمايسترو في إحدى المناسبات . 

و لأوضح له أكثر فأعلام أو مايسترو "أحواش" يترأس المجموعة الراقصة لأنه أكثرهم وجاهة وخبرة بالرقص، و أعلمهم بفنونه المتوارثة، ويسمى "أعلام" أي: ملقن الحركات، و هو قائد الجماعة، تصدر منه الإشارات اللازمة خلال الرقص برسم أداء الحركات في دقة وانتباه، وسرعة وذوق. ويشترط فيه أن يكون على معرفة بالأوزان والألحان والإيقاعات، ويتمتع بثقافة وأذن موسيقية رهيفة، يستطيع بها التمييز بين الألحان والأوزان والإيقاعات المتشابهة والمعقدة، وأن يكون كذلك خبيرا بالحركات وفنونها، مما توارثه الناس عن الأولين أو أحدثوه، مع معرفة القياسات الزمنية الإيقاعية والنغمية وخفة الحركة والتحكم في توازن الجسم.
و يضطلع " أعلام" في المجموعة الراقصة، بدور قيادي مهم، فهو المسؤول في الرقص عن وحدة الحركة وتناسقها الإيقاعي مع الإنشاد، يراقب الضبط في أدائها، والانضباط في ملازمة الصف، فهو قائد الإبداع الجماعي و عليه يُعتمد في اختيار الحركات وترتيب أدائها وجودتها، بحسن ذوقه وذكائه وفنيته، وطول تجربته العملية في المحافل ، لكي يمنح لوحة متكاملة و متجانسة للجمهور .

و إن لم يتمكن من كسب رهان التحدي و إظهار مكانته الفنية إن كانت لديه أصلا ، فليلتزم بمقولة : " قل خيرا أو اصمت " ، و في توجيه أخلاقي اقول له احترم تُحترم لأن أنضام لا وجود له بدون فرق الإيقاعات و الرقصات و لا وجود للفرق بدون " إنظامن " ، و العلاقة بينهما علاقة تكميلية . 

البعض يتفنن في انتقاد الآخرين لكن إن نظرت لحاله تحتار من أين تبدأ ، لذا لا تحسبن أن بانتقادها تعلو على أسيادها ، انتقاد الناجحين لا يزيدهم إلا عزا و قيمة ، يسهل الإنتقاد بينما يصعب النجاح ، و صرنا نرى أن من لم يجد مكانه و لم ينجح في مسيرته يحاول تبخيس جهود الآخرين . 

"أسوأ مصائب الجهل أن يجهل الجاهل أنه جاهل"

و أختم قائلا : 
قومٌ إذا مس النعالُ وجوههم  ... شكت النعالُ بأي ذنبٍ تُصفعُ 
و أنت بشسع نعل إحيا بوقدير 

( القليل القليل القليل من الصور التي لها علاقة بالموضوع ، و هي نموذج عن ما كُتب عن المرحوم ببعض لغات العالم و كذا جوائز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية و أكرر #الثقافة_الأمازيغية و #الفلكور_الأمازيغي الذي يعتبره ذاك الشخص إهانة للفنان ، و للأمانة لو وضعنا هذا الشخص في كفة و ما تركه المرحوم الحاج إحيا في متحفه من جوائز و شواهد و وثائق لغلبت كفة المتحف كفته )

ليست هناك تعليقات: