بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 20 يناير 2021

نصف مصالحة ولا إنصاف،،،

مركزتيفاوت الإعلامي
خالد البكاري: "ملفات تادلة" عدد "15/ 31 يناير 2021

كانت لافتة صرخة محمد الساسي الأخيرة في وجه الانتهاكات الحقوقية الممنهجة، والتي لن يقتنع أشد المدافعين عن قرارات السلطة بأنها محض انزلاقات معزولة،،

تأتي اهمية صرخة الساسي من كون الرجل يستحيل تصنيفه في خندق "العدمية السياسية"، كما لن ينفع نعته بالجمهوري او الراديكالي، او ان له ارتباطات بالخارج، او يخدم أجندة "امير" احمر ،،

اقصى ما يمكن نعت الساسي به هو انه يمارس السياسة بجرعة زائدة من الرومانسية،، او لنقل "بحسن نية".

في أشد المنعطفات التي كانت تتوسع فيها المسافات بين السلطة ومعارضيها، كان الساسي مع انحيازه للممانعة، لا يقطع شعرة معاوية مع الحكم،، يظل رغم كل مظاهر جنوح السلطة نحو الهيمنة متفائلا بوجود عقلاء في منطقة ما من مربع الحكم، يمكن الالتقاء معهم لإعادة ضبط الساعة على إمكان التحول الديموقراطي.

حتى والسلطة ورفاقه القدامى في الاتحاد الاشتراكي يتفقون على الدفن الرمزي للبوعبيدية، بقي الساسي مخلصا للأب الروحي الذي يعتبره الساسي التجسيد المثالي لخط النضال الديموقراطي.

السلطة لا تريد معادلا موضوعيا لعبد الرحيم بوعبيد، وورثته في الحزب تزعجهم ذكرى رجل كان قادرا على الأكل مع الملك ظهرا، وقول لا له مساء.

وحده الساسي كان يأمل أن ينهض بوعبيد من رماده مثل طائر الفينيق.

الإحباط الذي لم يستطع خطاب الساسي إخفاءه مخيف،، 

إنه يعني أن ما تبقى من مخلصين لفكرة التغيير من الداخل، والرهان على أجنحة ديموقراطية في الحكم يعيشون "تيه" التموقع في مرحلة التقاطب الحاد بين النزوع الهيمني من جهة، والنزوع الراديكالي الرفضوي من جهة أخرى.

هل يعني هذا دفن اطروحة الانتقال الديموقراطي من داخل المؤسسات؟ والانتقال إلى النضال من خارجها، او ما يسميه البعض: العودة للشارع.

والحال أن لا استراتيجية النضال الديموقراطي تقدم إجابة واضحة عن التغول وأمننة كل الحقول، ولا اطروحة مقاطعة الانتخابات والمؤسسات بدورها قادرة على ممارسة ضغط في اتجاه كبح جماح السلطوية.

إنه عجز في أدوات الدفاع المدنية أمام مد سلطوي للتحكم في كل الفضاءات، ولا ينفع معه جدال عقيم حول اي من الاستراتيجيتين ابانت عن محدوديتها، فالكل في العجز سواء.

وتزامنا مع صرخة الساسي، ودون اتفاق بين الرجلين، كتب الديبلوماسي الأممي جمال بن عمر بعد صمت طويل أشبه بالبيات الشتوي تدوينة/ بيانا، تعبر عن غضب مما يحصل في المغرب من تجاوزات حقوقية وانتهاكات لحرية الرأي والتعبير والتظاهر.

اهمية صرخة بنعمر تتجلى في أن الرجل شغل مهاما سامية في الأمم المتحدة، وكان مستشارا للأمين العام الأممي السابق بان كي مون، ومبعوثا أمميا ساميا لمناطق نزاع لها اهميتها في السياسة الدولية: كوسوفو، افغانستان، العراق، اليمن،،،،

 كل هذا الرصيد الدبلوماسي يجب وضعه في مقابل المعاناة التي مر منها الرجل في سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي حين كان معتقلا في سجون الحسن الثاني الرهيبة، وهو المناضل حينذاك في صفوف حركة إلى الأمام الماركسية اللينينية.

هذه المعاناة حملها الرجل مثل الوشم في الجسد، وهو يفر في قارب من سواحل تطوان نحو إسبانيا، ثم وهو يحصل على اللجوء السياسي بلندن، ويترقى في اجهزة امنيستي انترناسيونال، ثم اجهزة الأمم المتحدة سواء في المفوضية المعنية بحقوق الإنسان، او مستشارا للأمين العام.

في كل محطاته رافقته تراجيديا ما تعرض له ورفاقه من تنكيل وتعذيب، وهو الأمر الذي جعله يرفض تعويضا مجزيا اقترحه عليه رفيقه السابق بنزكري رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة،،،

لكن جمال بنعمر الذي رفض تعويض "الإنصاف والمصالحة"، لم يرفض بعد تقاعده التعاون مع بعثة المغرب في الأمم المتحدة، ووضع خبرته وعلاقاته تحت تصرفها، فقدم المشورة لمسؤولي بلده في قضية الصحراء، كما في الخلاف القطري الإماراتي السعودي، وكذا في حرب اليمن، وهي مشورة ظهرت بصماتها لاحقا في قرارات المغرب.
ان يعبر رجل بمثل هذا السمو والوطنية عن غضبه مما يقع، فهذا يعني أننا تجاوزنا مرحلة دق نواقيس الإنذار.

تتوفر السلطة على احتياطي من المصفقين والمزينين لها مظالمها، والمستفيدين من عطايا التلميع، ولكن في لعبة الشطرنج (وهي لعبة الملوك) لا تنفع البيادق كثيرا إذا سقطت القلاع.
Zone contenant les pièces jointes

ليست هناك تعليقات: