
مركزتيفاوت الإعلامي
ينتمي إبراهيم اوبلا إلى أسرة علمية محافظة متدينة متوسطة الحال بقرية أ َكادير ن ؤفرا بقبيلة "أسيف ن ولت" )طاطا(، جنوب الأطلس الصغير، ولد في مستهل شهر يونيو 1950 ،من أب يشتغل في قطاع التعليم، وأم قروية لم تنل من التعليم القرآني سوى قسط يسير، والتحق بالمدرسة القرآنية في قريته منذ نعومة أظفاره، ولما بلغ السادسة من عمره التحق بالمدرسة الابتدائية التي كانت أحدثت في حينه بمدشره ...
عايش بذاكرة الطفولة أحداث السنوات الأولى من عهد الاستقلال، حيث أختيرت قريته كإحدى معاقل جيش التحرير فيما بين 1955 و 1959.
في أواخر سنة 1962 قرر المرحوم أوبلا اب الحاج إبراهيم أوبلا إلحاقه بالتعليم الاصيل، بالمعهد الإسلامي بتاليوين حيث حصل على الشهادة الابتدائية،
انتقل بعدها إلى معهد تيزنيت ثم معهد محمد الخامس بتارودانت، وحصل على شهادة الباكلوريا في يونيو 1971.
كان قد تم توجيهه حينذاك إلى كلية الشريعة بجامعة القرويين بفاس، لكنه غير توجيهه إلى كلية الحقوق بالرباط، حيث
شهد الغليان الطالبي الجامعي في بداية السبعينات، وانتمي إلى منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وناضل في صفوفها،
وشارك في جميع المظاهرات التي أطرتها المنظمة فيما بين 1972 و 1974.
وفي سنة 1975 التحق بالخدمة المدنية، موظفا في المصالح المركزية بالمندوبية السامية للانعاش الوطني، وأثناءها كان
دائم الاتصال ببلدته طاطا.
في نونبر 1975 نشر أول تحقيق له عن البلدة في جريدة "المحرر" التي كان يصدرها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تحت عنوان " طاطا وجه ْآخر من وجوه التعاسة والبؤس والحرمان وقساوة الطبيعة".
وقد ظل ينشر عبر الصحافة التقدمية الكثير من المقالت التي تفضح الفساد الإداري منذ ذلك الحين...
أراد التسجيل في السلك الثالث شعبة القانون الخاص على نفسه أن ينال شهادة عليا في القانون، ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فقد وقف له بالمرصاد كغيره من الطلبة السوسيين بعض الأساتذة، ليتفاجا برسوبه في امتحانات السنة الأولى من الدراسات العليا - شعبة القانون الخاص- فقصد أستاذ القانون
المدني مع ثلة من زملائه للاستفسار عن السبب، فقال لهم الأستاذ بالعبارة الواضحة " ياك عطيناكوم ليجازا باش تاكلو
لخوبز، علاش ما تمشيو فحالكوم" ..
كانت تلك العبارة إيذانا بتغير جذري في حياته، فما أن سمعها، وكان ذلك في أواخر سنة 1978 ، حتى جمع أمتعته وقفل راجعا إلى البلدة متقدما بطلب الانتماء إلى سلك التعليم، ومصرا على تطليق تكوينه القانوني.
اشتغل بعد ذلك كأستاذ لمادة اللغة العربية لمدة 19 سنة..
كانت الحركة الثقافية الأمازيغية آنذاك في ذروة صحوتها كحركة احتجاجية حديثة، وكان قد تم له التواصل مع أول جمعية أمازيغية تأسست " الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي"، فقرأ منشوراتها بلهف، وبدأ يكتشف الحلقة المفقودة من هويته الحقيقية، فلم يفته منذ بداية الثمانينات أن يحضر في أهم التظاهرات الثقافية والتضامنية مع مناضلي هذه الحركة...
وفي نفس الفترة نزل بقوة إلى ميدان البحث عن شذرات ثقافته وخصوصا في مجالات الفن والأدب، فاستهواه البحث
الأنثروبولوجي، في الظواهر الثقافية عموما وفي الظاهرة الشعرية على وجه الخصوص، ورغم أن بداياته الأولى في النظم كانت باللغة العربية، إلى أنه لم يلبث أن اقتحم ميادين "أمار َك ن ؤسايس"، فاحتك بعباقرة الشعر واستظهر المأثورات المرموقة لشعراء منطقته، كما جمع أكبر عدد من هذه المأثورات، وكتعبير منه عن حبه لفن أحواش فقد أل ّح على أن يزور جميع أصقاع هذا الف ّن في الأطلسي الصغير والكبير وفي سهل سوس وواحاته، فتكّونت لديه نظرة واسعة عن أشكاله وتلويناته، كما اكتسب مع مرور الزمن الكفاية اللازمة لممارسه الحوار الشعري في جميع هذه الاشكال.
وفي سنة 1987 أسس مع ثله من زملائه أول فرقة لممارسة فن أهناقار، وهي أول فرقة شاركت في أنشطة جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، كما كان يقدّم دعمه لكل النخب من الشباب التي تعتزم تأسيس مثل هذه الفرق، وحاور العديد من الشعراء المرموقين في منطقة سوس، على أن أغلب حوارياته تنتمي إلى الشعر الملتزم بقضايا المجتمع..
في سنة 1991 أسس أول جمعية ثقافية ببلدته أفرا، وهي "جمعية أفرا للثقافة والفن والرياضة"، ودعي إلى أشغال
جمعية الجامعة الصيفية كمشارك، ولم يلبث أن التحق بالمكتب المسير لهذه الجمعية كعضو عامل، وفي سنة 1993 أسس فرع طاطا للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وأطر محاولات الفرع في توثيق تحف من الثقافة الأمازيغية..
وكان قد صدر ديوان شعري باسم "ايناس" ضمنه عصارة ما نظمه من شعر أمازيغي كقصائد أو
مقطوعات في ميادين أسايس...
وفي 27 مارس من سنة 1997 ، ازدان فراشه بالطفل " أماسين" ، فخاض معركته مع الإدارة و القضاء من أجل الاعتراف بهذا الاسم الأمازيغي، بعد أن رفض مفتش الحالة المدنية بطاطا تسجيل هذا الاسم متذرعا بدورية وزارة الداخلية
الصادرة في سنة 1996 حول الأسماء، وبعد ما يناهز ثلاث سنوات حصل على حكم نهائي بقبول الاسم "ماسين أوبلا"، وكان نضاله من أجل الحصول على هذا الحق قد مارسه على أكثر من صعيد، وخصوصا على صعيد التنظيمات التي تعنى بحقوق الإنسان، وقد دفعته هذه القضية إلى البحث في الأعراف الأمازيغية، وساهم مع منظمة تاماينوت في مشروع لدراسة هذه الأعراف دراسة تمحيصية بمساهمة منظمة العمل الدولية ونخبة من الأساتذة والباحثين المهتمين بهذا الجانب المهم من الثقافة الوطنية..
عين ابراهيم اوبلا كأستاذ لمادة التشريع المدرسي بمركز تكوين المعلمين بطاطا، منذ سنة 1999 ، إضافة إلى تأطير التكوين في مادة اللغة الأمازيغية ومنهجيتها، وقد شارك في جميع الدورات التكوينية الخاصة بتفعيل تكوين المدرس في هذه المادة وأعد بحثا ميدانيا ضمنه الأسباب التي أدت إلى فشل تجربة إدماج اللغة الأمازيغية في المسارات التربوية منذ سنة 2003 ،فقدمه إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وإلى إدارته التربوية ...
بالاضافة إلى أنه بدأ بحثه في عروض الشعر الأمازيغي بأسايس، منذ بداية التسعينات، وفي سنة 2004 قدم أمام الجمهور خلاصة عن هذا البحث في الملتقى الأول للأدب الأمازيغي بجامعة محمد الأول بوجدة، كما أودع بحثه هذا لدى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في سنة 2006...
ومن أهم اهتماماته كذلك البحث في ألعاب الأطفال، وكان قد تقدم بمحاولته الأولى للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في سنة 1994 ، واستمر في تقعيد الكثير من هذه الألعاب، وهو مشروع لا زال عنده تحت الدراسة والتمحيص..
في 10 من شهر يونيو 2007 ،
المت بالأستاذ ابراهيم اوبلا فاجعة وهي فقدان ابنه ماسين أوبال الذي وافته المنية على إثر حادثة سير، فكان لذلك أثر كبير في نفسه، ولا زال صدى هذا القدر المفجع يتردد في أعماق وجدانه رغم أنه واجهه بروح من الصبر والتجلد والاقتناع بأن هذا الطفل أتى لكي يرسم لوحة مليئة بالمفاخر في سجل الحركة الثقافية الأمازيغية........رحمه الله
التحق الأستاذ إبراهيم اوبلا بمسلك الدراسات الأمازيغية كأستاذ متعاون بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر من أجل تكوين الطلبة في عدد من المواد.
وفي سنة 2010 أحيل على التقاعد مع بقائه متعاقدا مع شعبة الدراسات الأمازيغية إلى متم سنة 2015.
وفي أواخر سنة 2012 صدر له كتاب "أمارك ن ؤسايس" حول فنون احواش واحيدوس وقد ضمنه دراسة إثنوغرافية
للفنون التقليدية التي تمارس من طرف المجتمع الأمازيغي.
وفي أواخر سنة 2013 صدر له كتاب "تيمنضوين" حول عروض الشعر الأمازيغي التقليدي بمنطقة سوس وقد دعي من طرف جمعيات المجتمع المدني بمنطقة سوس إلى تأطير العديد من الندوات والورشات في هذه المواضيع.
كما صدر له ديوان "أماسين" في سنة 2015....
الأستاذ إبراهيم أوبلا الآن في خضم البحث عن ظواهر ثقافية وأدبية وفنيةأخرى ومن المشاريع التي يشتغل عليها :
1- كتاب : طاطا: الطبيعةوالإنسان
2- النزعات الأدبية في الشعر الأمازيغي الشفوي: النزعةالدينية
3- دواوين جماعية لشعراء أحواش
4- الفنون المعقلية بناحيةطاطا
له ديوان شعري في القصيدة العربية الفصيحة لم يتمّ نشره لحد الآن.
الأستاذ إبراهيم اوبلا مثقف متدين وشديد التمسك بحرية الاعتقاد والإيمان بالحق في الاختلاف، له موقف ثابت في
المسار السياسي الديموقراطي الذي ينتهجه الساسة المغاربة، هذا الموقف الذي يتلخص في الرفض والدعوة إلى ديموقراطية سليمة مبنية على احترام حقوق الإنسان الأمازيغي والمغربي عامة وممارسة ديموقراطية شفافة تعطى فيها الكلمة للشعب المغربي بكل تالوينه الثقافية وحكومة منبثقة من هذا الشعب بعيدة عن النخب المسيطرة على مراكز اتخاذ القرار منذ عهد
الاستعمار....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق