
مركزتيفاوت الإعلامي
الطيب أمكرود
تحية الرعب والفزع وبعد،
ولدت في وسط لم يعرف للدنيا طعما غير الفرح والحبور، كانت نهارات أهلي يؤثثها الجد والتعاون والتكافل وفعل الخير، ولياليهم ينمقها الشعر والرقص والجمال، لم يستطع الحزن التواجد بيننا، ولم تكن أمهاتنا وأخواتنا وجداتنا يروعننا بك، بل كنا نلتف حولهن ككل ليلة لسماع حكاية من حكايات الذئب والقنفذ، ولم ننم قط على وقع الرعب والارتعاد.
فجأة، حضرت بيننا.
هجر الشعر وودعت المراقص، واختفت الابتسامة من على الوجوه، وتحولت مؤسسات إتفلاس وأيت ربعين وأيت مراو وإيكودار وأكدال وأدوال وتيويزي إلى خراب، وتغيرت نظرات الناس إلى ذواتهم وإلى ذويهم، حبست النسوة في أقمشة خشنة وصيرن إلى قطعة من أثاث البيت، فتحت اكتتابات لإصلاح مسجد الدوار وبناء مئذنته وشراء فرشه، فباع أبي حمارنا وباع عمي بقرته الوحيدة التي ظلت تؤمن لأهله اللبن والزبدة سنينا، هجر الناس البيادر التي استمتعت بأشعارهم وصدح حناجرهم وكرسوا كل وقتهم للالتفاف حول فقيه الدوار الذي لا يتحدث إلا عن تنكيلك بالمخالفين، واعتبر منذئذ مرجع الكل، وغير الناس كل معاجمهم واستبدلوها مفردتي اليجوز واللايجوز. ترك الناس دنياهم، هجروا مزارعهم التي كانت نسائمها تملأ الآفاق، هجروا سلاهيمهم وجلابيبهم وسراويلهم المروكية واستبدلوها بسراويل قصيرة مستقدمة من هناك، باع الجميع ممتلكاتهم وفرشوا بها بيت الفقيه والمسجد، فملأ البؤس بيوت الناس وعبست وجوههم، وأرغموا فلذات أكبادهم على مغادرة مدارس (الكفر) وألحقوهم بالمسيد، ارتفعت أسهم فقيه الدوار وتضاعفت أملاكه، وكلما انتفخ الفقيه ذبل أطفال القرية، فلا كلام يعلو فوق كلام الفقيه، وهو الذي جزم للناس أن هذه الحياة إنما هي مرحلة زائلة يجب أن يكرسها المرء للإعداد لحياة أخرى سرمدية، ومن خالف ففي انتظاره الثعبان الأقرع، أنت، فما قولك؟
ما قولك وباسمك تنكرنا لأصولنا وغيرنا أسماءنا وهجرنا عاداتنا وتقاليدنا وجوعنا أبناءنا وجهلناهم وحولناهم إلى مشاريع انتحاريين؟
ما قولك، وباسمك، استغفلنا عقودا، روعنا وأفزعنا، استغلت حاجتنا التي من يروعوننا بك صانعوها، فاستجدوا باسمنا ملايير البترودولار وشروا بها كيسا دقيقا وقالبا سكرا حولوها إلى أصوات امتطوا صهوتها لبلوغ المنابع: منابع المال والجاه والنفوذ؛ ولما بلغوا مآربهم تنكروا لأقرب الأقربين أمهات أولادهم، فقصوا شواربهم وحلقوا لحاهم واكتسوا من أفخم الماركات وسبحوا في أرقى المسابح، ومتعوا صاحباتهم بعد أن ودعوا زوجاتهم، رفيقات الفاقة والبؤس، فنسوك....
نسوك أيها الثعبان الأقرع. نسوا أنهم أخبرونا بكونك تنتظرنا نحن المفقرون، جوعى ومرضى وجهال الوطن.
نسوا أنهم خطبوا فينا وذرفوا الدموع وهم يهابون حضرتك، فزعنا ومضوا إلى شياطينهم، ومضينا إلى دواويرنا وأحياء الصفيح، قدرنا، ونحن السخريون.
فمتى تعتذر لنا أيها الثعبان الأقرع؟

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق