
مركزتيفاوت الإعلامي
أحمد إفزارن
الحزبُ «الأكبرُ» عندنا له فهمٌ شاذٌّ للدّيمقراطية، وهو التّحكُّمُ الـمَرَضِـي في رقابِ البلادِ والعباد، تحت غطاء «لا إلهَ إلاّ الله»!
ومُمارسةُ الجَبَروتِ والطّغيان، وسُوءُ التدبير، ونهبُ المال العام، والغدقُ على الأثرياء، وسحقُ المحتاجين..
وبهذا السُّلوكِ اللاّسَويّ، يجعلُ الحزبُ «الأكبرُ» نفسَه قُدوةً سياسيةً لأكثر من 30 حزبًا عندنا..
وها هي أحزابٌ بَدأتْ مشوارَها وهي تَحْبُو عن «حُسن نيّة»، وترَعْرعَتْ وكبُرتْ وتضخَّمَتْ.. وأصبحت اليوم مِنْ أفسَدِ ما يُتصوَّر..
وصارَ الفسادُ فيروسًا يتنقّلُ من حزبٍ إلى آخر، على امتدادِ أجيالٍ وأجيال..
وهكذا استَمرّت الأمورُ عبرَ عُقود، وأحزابُنا الكبيرةُ والصغيرة، ومن في سنّ المراهقة، وهي الغالبية، تسمحُ لنفسِها بالتّفرُّجِ على تعميقِ جراحِ الفُقراء، وفتحِ شهيّةِ الأغنياء، خارجَ كلّ القوانين!
وصارت تتَجبّرُ وتَطْغَى، وتُفْقِرُ من تشاء، وتُغْنِي من تشاء..
عقليةٌ نجدُها عند تُجّارِ الدّين، وأحزابٍ إدارية، وحتى بعضِ اليساريين، وأحزابِ يُقالُ إنها وطنيّة..
أحزابُنا، في مُجْمَلِها، يَجمَعُها «برنامجٌ سياسي خَفيّ»، غيرُ مُعْلَن، ظاهره مع الشعب، والباطنُ مع «أعداءِ الشعب»..
أحزابٌ ذاتُ وجهيْن، لها مفهومٌ واحدٌ للمُنافسة الديمقراطية..
نفاقٌ مُشترَك يستهدفُ فئاتٍ بئيسةً جاهلةً لا تعرفُ خلفياتِ هذه الأحزاب، ولا هدفَها الممارَس، وهو ابتزازُ البلد، والمواطنين، والمالِ العام..
والظاهرُ والباطنُ مُتعاوِنان.. مُتآزِران.. مُتقاسِمان..
ومع ذلك، هي كالطفلُ لا يعرفُ إلا التّشكّي..
تشتكي من أيّ شيء.. وتُلقِي على هذا الآخر مسؤوليةَ الفشل..
وهذا يحدثُ عندنا دائما.. فعندما تكثرُ المشاكل، وتنعدمُ الحلُول، ويصرُخُ الناس، تتكلّمُ «الأحزابُ» وتُلقِي المسؤوليةَ على الغير..
ــ الغيرُ هو المسؤول، وليس سوءُ التّدبيرِ الحُكومي..
وفي زمنٍ مضى، كانت ببلَدِنا عدالةٌ مُختصّةٌ في مُحاكمةِ هذا النوع من «كبارِ المسؤولين»..
وقد تمَّ تقديمُ وُزراءَ إلى العدالة..
الآن، أحزابُنا تَحْسِبُ أنها فوقَ المحاسَبة، رغم أن الدستور يربطُ المسؤوليةَ بالمحاسبة..
وفي كبار مسؤولينا من لا يعبأون بحُقوقِ الوطن والمواطنين..
يتصرّفون بتجبُّر مع الحقوق، ويَصْرفُون في المال العام مَيْمَنةً وميْسَرة، وكأنْ لا رقيبَ في البلدِ ولا حسيب..
وأكثرَ من ذلك، يَغُضّون الطرفَ عن كبار اللصوص..
كأنهم شُركاء في غنيمة سمينة!
ثم يأتي رئيسُ الحكومة نفسُه ضاحكًا، وقد انتفخَتْ أوداجُه، وفي لسانه «صُكوكُ الغُفران»، ويُعلنُ للجميع: «عَفـَا اللهُ عمّا سَلَف»!
وهل ما حصلَ يُخوّلُه صلاحيةَ إعفاءِ كبار اللصوص من المحاسبة؟
ثم يعترفُ هو نفسُه بالفشل في ملفّاتٍ منها التعليمُ والصحة، وكأنّ الـمُحاسبَة خاصةٌ بفُقراءِ البلد..
الفُقراءُ يُحاكَمون.. ويُؤدّون الغرامات.. ويُدْخَلُون إلى السجن!
ـ المؤسساتُ المالية ليست مُعَدّة لكل المواطنين!
هكذا يعتبرُ كبارُ مسؤولينا «السياسيين» مسألةَ الحُقوقِ والواجبات..
الواجباتُ يُؤدّيها الفُقراء..
والحقوقُ تذهبُ إلى الأغنياء..
وهذا هو حالُنا..
وباعتزاز، يُغيّرُ رئيسُ الحكومة الموضوع، ويُعلنُ أن حزبَهُ سوف ينتصرُ في الانتخابات البرلمانية المقبلة!
- وهل كبارُ المسؤولين عندنا فوق القانون؟
وهل الصّمتُ عن المسؤولين لا يعني المشاركةَ في «الجريمة»؟
وهل صنايقُ الانتخاباتِ تحْمِيهم من الوقُوفِ «أمام المحكمة»؟
لحدّ الآن، وفي عهدِ الحكومة الملْتحيّة، لم يُقدَّمْ أيُّ مسؤولٍ عن نهبِ المال العام، إلى العدالة، في أيّ من الملفاتِ الكبيرة، ومنها صناديقُ التقاعُد، وصناديقُ أخرى، والافتراءُ العلني أمامَ المواطنين، وتكريسُ بلَدِنا بقَرةً حَلُوبًا وموْرِدًا لإثراء فُلان وعلاّن، وأتباعِ وشُركاءِ فُلان وعلاّن...
وإلى الآن، ما زالت عندنا حالاتُ «معاشٍ شهري» في حُدُود 20 درهما.. وحتى أقلّ!
والتقاريرُ الدولية والوطنية تُكرّرُ أن وضْعَنا الاقتصادي في تقَهقُر مُتسارِع يُشْبِهُ الانهيار، بسبب سُوءِ تدبيرِ الحكومةِ الحالية..
ـ تقَهْقُرٌ يُهدّدُ بانهيار شامل!
والأحزابُ لا ترى إلاّ إلهاءَ الناسِ بتبادُلِ السّبّ والقذف..
«كبيراتُ الأحزاب» تجعلُ من نفسِها قُدوةً رديئةً للأحزاب الصغيرةِ الصاعدة.. تُعلّمُها أن الديمقراطية هي إلقاءُ المسؤوليةِ على الآخر، وتحويلُ المشهد الوطني إلى فُرجةٍ ضدّ هذا «الزّعيم» أو ذاك، أو هذا «الحزبِ» أو ذاك، وإلى تمييعٍ للديمقراطية..
ولا حزبٌ واحد يُثيرُ قضايا وطنيةً حسّاسة إلى جانب الوضعِ الاجتماعي، ومنها الحالةُ البيئيةُ في المغرب..
الأشجارُ يقتَلعُونها في كلّ مكان، لتحويلِها إلى عماراتٍ لفائدة هذه الشركة أو تلك، مع نزعِ الأراضي من الفُقراء، ظُلمًا وعُدوانًا..
ويبدُو أن كُلّ الأحزابِ مُتّفقةٌ على اقتلاعِ الأشجار من المدينة، واستبدالِها بأشجارِ النخيل..
مُتّفقةٌ.. وتَسْتَعْبِطُنا!
وتدفعُنا إلى طرح سُؤالٍ بسيط على من يُراقِبُونَ هذه الشّرذمة: لـمَ لا تكشفُ عن الشركاتِ المنتِجةِ للنّخيل؟ ما هي الشركاتُ التي يستوردون منها أشجارَ النّخيل؟ فمَصْدَرُ النّخيل يملكُ كلَّ الأسرار.. ومفاتيحَ اقتلاعِ الأشجار من قلب طنجة ومُدُنٍ أخرى!
وهناك ملفّاتٌ لا يتحدثُون عنها: من المستفيدُون من الرّشاوَى المستفحِلة على جُنُباتِ الطّرُقِ السيّارة؟
والمستفيدُون من تدهوُرِ الخدماتِ الإدارية؟
ومن العبثِ الذي تمارسُهُ مُحافَظاتٌ عقاريةٌ وإداراتٌ طوبوغرافية؟
وماذا عن رُخص البناء؟ أليس فيها ما يُقالُ وما لا يُقال؟
من المستفيدُون ممّا يُسمَّى «تصميم التّهيئة» في طنجة؟
ملفّاتٌ كثيرةٌ تستوجبُ تدَخُّلاتِ العدالةِ الوطنية، ما دامت الحكومةُ مُصرّةً على سياسة: «عَفـَا اللهُ عمّا سَلَف»!
من حقّ رئيسِ الحكومة أن يتنازلَ عن حُقوقِه الشخصية، لا عن حُقوقِ البلد، وحقوقِ الموطنين..
ولا حقَّ له في حُقوقِ غيره..
ورئيسُ الحُكومة نفسُه كان في «بيت الصحافة» بطنجة، خلال الأيام الماضية، مُنَكّتًا.. مُتحدّثًا عن الملِك.. والأحزاب.. والموالين.. والمعادين.. والصحافة...
ـ إلاّ المطالب الاجتماعيةَ المشرُوعة! تجنّبَها بشكلٍ مُطلق!
وأعلَنَ أن ميزانية المغرب ربحت منذ 2012 إلى 2016، على الإقل 100 مليار درهم..
وإذن، عند الحكومة 100 مليار درهم إضافية؟! فلماذا تُردّدُ علَنًا أن البلدَ ليست له إمكانيات؟
ـ لا تبريرَ لما فعَلتُموه في بلدنا..
وما فعلتُموهُ ليس فشلا.. هو إفشال.. سُوءُ نيّة.. سوءُ تدبير.. وعن سبقِ إصرار..
ولا ننتظرُ أن يُحاسبَكُم أيُّ تاريخ.. لا ننتظرُ التاريخ..
ننتظرُ العدالةَ الوطنية..
إنّكم، أنتم «شبكةُ الأحزاب»، تُعيدُون بلدَنا إلى الخلف، إلى زمنِ «الحِماية الفرنسية»، حيث كان في البلد اثنان فقط: جبابرةٌ وبُسَطاء..
نفسُ «السياسية» نَهَجتْها أحزابُ ما بعد الاستقلال، بقيادة الجنرال أوفقير، وبعده إدريس ولد عبد الرحمان البصري، ومن معهُما..
هؤلاء صنعُوا جبابرةً طُغاة..
وهأنتم «رئيسَ الحكومة» تُعيدُون قوْلَبةَ التاريخ لصناعةِ جبابرةٍ جُدُد، بقيادةِ «أباطرةِ الإدارات»، والعقارات، والمخدّرات.. وكلِّ ما هو فساد..
إنكم لا تُسيئون لأنفُسكم فقط، تُسيئون لكلِّ البلد..
تَدفعُون السّقفَ إلى الانهيار..
وكأنّ بلدَنا بلا عقل، ولا رُؤية، ولا تمييز، ولا وطَنية..
ـ العدالةُ آتية.. لا ريبَ فيها!
ifzahmed66@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق