بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 مايو 2016

ديمومة المحكمة الدستورية بين الملك والأحزاب

ديمومة المحكمة الدستورية بين الملك والأحزاب
مركزتيفاوت الإعلامي
عبداللطيف وهبي*
مع اقتراب البرلمان من انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية يشتد النقاش حول طبيعة الأشخاص الذين ترشحهم الأحزاب السياسية و مدى توفرهم على الكفاءة والتجربة اللازمة لشغل هذه المهمة الدستورية الهامة.

وإذا كان من الطبيعي أن تتدافع كل الأحزاب السياسية عبر فرقها البرلمانية لاختيار مرشحيها إلى المحكمة الدستورية، فإن ما يثير تخوفنا ليس فقط هو طبيعة الأشخاص المرشحين فهذا الاختيار من مسؤولية الضمير السياسي للأحزاب عند قيامهم بمهام بناء المؤسسات الدستورية، ولكن خوفنا من أن يؤدي سوء إدارة المرحلة الانتقالية إلى حدوث القطيعة عوض الاستمرارية في مهام المحكمة الدستورية.

فللأحزاب حق انتخاب ستة أعضاء وللملك حق تعيين ستة أعضاء، وحين تفكر هذه الأحزاب في بناء مؤسسة دستورية فلا يجب أن تغفل أبدا أنها تعيد بناء مؤسسة هي في الأصل جزء من الدولة، تقوم بمهمة الحفاظ على الوحدة الدستورية وعلى احترام القانون وعلى تطوير فهم النص الدستوري، لضمان احترام كل المؤسسات لدورها الدستوري كما هو محدد في الدستور، وكذلك لضمان عدم المساس بالحريات والحقوق التي تعتبر من الثوابت، أي من المبادئ ما فوق الدستورية.

والحقيقة أن مهمة العضوية في المحكمة الدستورية تتطلب تقنيات خاصة ولها كذلك بعض الشروط الدقيقة لإنجاح مهام هذه المحكمة، سواء بتنزيل المهام التي حددها الدستور لهذه المحكمة و كذلك إضافة إلى قدرة الأشخاص المرشحين على فهم النص الدستوري في كليته، والإلمام بالمرحلة السياسية التي تنعكس على الفهم الإيجابي للدستور، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا من خلال ضمان التراكمات الفكرية والتي تنبع من خلال إثارة المنازعات الدستورية وضبط الاجتهادات القضائية وعدم السقوط في تناقضات الأحكام القضائية التي قد تهز ثقة المواطن في هذه المحكمة وفي نتائجها أو كما يسميه بعض المحللين القانونيين ب ضمان الديمومة القانونية.

إن استمرار المنطق الدستوري في اتجاه تطوير الاجتهاد القضائي الدستوري بشكل يسمح بالسلاسة وباحترام الدستور يتطلب الاستمرارية، وهذا لا يمنع المحكمة من الانعراج في الاجتهاد إذا ارتأت أن النص أصبح له دلالة متطورة نتيجة تطور القانون في جدليته مع الواقع.

لذلك نجد أن المشرع الدستوري نص في الدستور المغربي على تجديد ثلث أعضاء المحكمة الدستورية بالتناوب سعيا منه إلى ضمان الاستمرارية وضمان وحدة الاجتهاد وخلق قاعدة صلبة تسمح بانتقال الاجتهاد والإلمام بالقضايا الدستورية من مرحلة إلى أخرى ومن جيل إلى آخر وحتى من أعضاء مخضرمين إلى أعضاء جدد.

وللأسف فإن الأحزاب السياسية لم تهتم بموضوع الاستمرارية هذا، و أعلنت رغبتها في تجديد جميع مرشحيه مما سيجعل من مرشحي الأحزاب أعضاء جدد بالمحكمة الدستورية، وبالتالي سنكون أمام قطيعة دستورية وقانونية سيكون لها انعكاس سلبي على طبيعة سير وتطور المحكمة الدستورية، مما سيفرض أدبيا على جلالة الملك ضرورة الاحتفاظ ضمن لائحته بأعضاء قدامى وآخرون جدد لضمان حسن سير هذه المؤسسة وجودة أحكامها، وذلك إعمالا للنص الدستوري الذي يمنح لجلالته مسؤولية ضمان حسن سير المؤسسات الدستورية.

كان على الأحزاب السياسية أن تتعامل بنوع من المسؤولية والإنصاف اتجاه الدور الملكي في هذا الموضوع، وأن تقدم لائحة تحمل أسماء أعضاء حاليين وأعضاء جدد، وذلك من موقع الحفاظ على حسن سير هذه المؤسسة، أما أن يترك الموضوع كله لجلالة الملك قصد إيجاد حل لمشكل افتعلته الأحزاب السياسية لإنقاذ مؤسسة دستورية ففيه كثير من الحيف السياسي والدستوري، علما أن المحكمة الدستورية هي مرحلة مؤسساتية جديدة لا يمكن احتسابها على مرحلة المجلس الدستوري، لكونهما مؤسستين مختلفتي الأساس الدستوري وطبيعة المهام، فالمجلس الدستوري انتهى عمليا مع إلغاء دستور 1996 وما يقوم به اليوم مجرد مرحلة انتقالية لضمان استمرارية مهام الدولة، أما المحكمة الدستورية فهي مؤسسة جديدة أحدثت بواسطة دستور 2011 وستؤسس عمليا فور إنجاز مسطرة تنصيب أعضائها الجدد.

إن القضاء الدستوري قد راكم مند إنشاء الغرفة الدستورية ثم المجلس الدستوري عدة اجتهادات، ومن غير المعقول أن نعبث برصيدنا الدستوري التاريخي هذا من أجل إرضاء طموحات حزبية تغض الطرف عن مصلحة هذه المؤسسة الدستورية ومعها مصلحة الوطن برمته.

*محام ونائب رئيس مجلس النواب باسم الأصالة والمعاصرة.

ليست هناك تعليقات: