مركزتيفاوت الإعلامي
لا أستطيع التفاعل مع هذا العيد بمجرّد مشاركة صور من عين المكان بل أرجو منكم قراءة هذا التقرير.
قبل أشهر قليلة ماضية، تلقّينا خبرا مفرحا و محزنا في نفس الوقت، نعم...إنه إطلاق صراح معتقل الرأي الحر الكبير مصطفى أوساي بعد تسع سنوات ظالمة و جائرة لكن دون زميله في النضال و في السجن حميد أعضوش، لم و لن أحاول أن أبحث حتى عن تأويلات، فقط فكرة واحدة ظهرت في مخيلتي تلقائيا لكن كلها أشياء لن تغير شيئا من ما آمنت به، سواسية المعتقلين و براءتهما و فقط... و ليسقط كيد المخزن كيفما كان.
22 ماي هو عيد بالنسبة لي، قرية فزو بجماعة مصيصي-إقليم تنغير احتضنت حفلا كبيرا لاستقبال المفرج عنه، لكن رحلتي إلى هذه القرية لم تبدأ حتّى صباح يوم 23 لأني كنت حاضرا في حلقية من تنظيم حركة على درب 96 بإميضر مساء يوم استقبال مصطفى، ترجّلت نزولا من فوق جبل ألبّان حيث معتصم إميضر، مررت على زميل لي و ووقفا على محاذاة الطريق الوطنية رقم 10 للركوب نحو مدينة تنغير على بعد 30 كلمتر من إميضر، و صلنا إلى المدينة زوال ذلك اليوم و حجزنا أمكنتنا في طاكسي نحو منطقة ألنيف و انتظرنا حوالي الساعتين ليكتمل عدد الرّكاب و انطلقنا بعدها إلى ألنيف... بينما كنا نتبادل أطراف الحديث في الطاكسي (من عادات المغاربة ههه) تبيّن لي أن أحد الرّكاب هو ابن منطقة الرّيف أتى هو الآخر لحجّ فزو...
وصلنا إلى ألنيف و طلب زميلي حميد من الريفي أن يرافقنا لندلّه على مكان تواجد وسائل النقل العمومي الذي سينقلنا إلى فزو أو يقرّبنا منها على الأقلّ، فأجابنا بأنه سينتظر شخصا ما يعرفه... و ظهر ذلك الشخص قبل أن نغادر المكان، الشخص يملك سيارة صغيرة فعرض علينا الرّكوب معهم وإنه يقصد نفس المكان فركبنا معه طبعا، تعارفنا ثمّ انطلقت أطراف الحديث من جديد... كنّا ستة أشخاص في السّيارة لكنّ لا أحد منّا يعرف أين تقع قرية فزو ممّا أدّى بنا إلى فقدان الطريق حوالي نصف ساعة، بعد اتّصالات هاتفية مع بعض الأشخاص عدنا أدراجنا إذ كان علينا الانحراف يسارا في النقطة التي كان أفراد الدّرك الملكي يراقبونها... وصلنا إلى تلك النقطة و أوقفنا الدرك الملكي، سأل أحدهم السائق عن الوجهة فأجابه بأننا قادمون من مدينة أكادير و سألهم بدوره عن مكان تواجد قرية فزو فقال الدّركيّ أنّه مازال أمامنا 35 كلمترا، و قاموا بإلقاء نظرة إلى صندوق السيارة قبل أن نغادر...سرنا في تلك الطريق المعبّدة حديثة العهد و كنّا ننظر يمينا و شمالا و إلى الأمام علّنا نرى الخيام التي نصبوها بفزو، و ظهرت حقّا بعدها، الشمس ساطعة و الجو حار أو كما قال زميلي " لا شكّ أن جهنّم تقع على مقربة من هذه المناطق"...
و صلنا إلى عين المكان و كان يقع بمحاذاة الطريق التي تربط منجم "بولمعادن" بالطريق الوطنية 10، ترجّلنا من السّيارة و العرق يسيل في جسدي، منير قجّي الذي كنت أراه في العالم الأزرق هو أول من التقينا به و رحّب بنا و كان يعرف كلّا من سائق السيارة و الريفي، فنادى على مصطفى أوساي، تصافحنا و تعانقنا معه ثمّ أخذنا صورا تذكارية مع المعتقل السياسي المفرج عنه ( التصاور كما هو جاري به العمل) نعم فخر لي أن ألتقي به و آخذ صورة معه، قدّمت له هدية رمزية ثم انصرفنا و التقينا بعدها بعمّي حساين أوساي، رافقنا و أوصى شخصا فقدّم لنا هذا الأخير الغذاء...
انه المساء، اقتنيت كتاب "الطريق إلى ثمازغا" من تأليف مصطفى و انضممت إلى حشد الحجّاج مصطفّين خلال حفل توقيع هذا الكتاب، حصلت على توقيع مصطفى و بعدها انطلقت أشغال ندوة حول الاعتقال السياسي التي قدّم فيها المحاضرين تجاربهم مع اعتقالاتهم و رؤاهم المستقبلية حول قضايا اعتقالهم التي أراها واحدة موحّدة...كان معتقل إميضر أشطوبان من بين المحاضرين في النّدوة، عرض حيثيات اعتقاله على ضوء احتجاج إميضر الذي أشارك فيه حتّى اليوم، شاركت خلال فترة النقاش بمداخلة حول خلفيات اعتقال المناضلين مشيرا إلى تطور ممارسة المخزن للاعتقال السياسي مع تطور الزمن و المجال و كذا احتجاجات المغاربة من أجل حقوقهم السوسيو-اقتصادية، الثقافية، السياسية و البيئية...كما تعرّفت من خلال الندوة على سائق السيارة الذي ركبنا معه من ألنيف ههه، إنه المعتقل السابق للقضية الأمازيغية رشيد الحاحي من أكادير..
كنت أنوي الرجوع إلى إميضر في نفس اليوم الذي أتيت فيه إلى فزو نظرا لاقتراب موعد الامتحانات لكن الأمر بدا مستحيلا...جاء الليل و وسائل النّقل منعدمة تماما... كما أن زميلي مصرّ على البقاء، فبقيت أنا أيضا على أساس أننا سنغادر يوم 24، لكنّ الأمور تغيرت و انخرطنا من جديد في الأنشطة التي سطّرتها لجنة استقبال المعتقل أوساي، التقيت بالعديد من الأشخاص الذين كنت أعرفهم و تعرّفت على آخرين، استمعنا إلى ندوة أخرى حول الاعتقال و الاغتيال السياسيين في صفوف المدافعين عن حقوق الأمازيغ ثم استمتعنا بأداء مجموعة من الفرق الغنائية ...
كان من أبرز لحظات هذه الرّحلة كذلك لقائي مع أحد التلاميذ ضحايا فاجعة ويحلان التي أودت بحياة التلميذة كريمة و خلّفت جرحى و معطوبين بالعشرات، كان رشيد جالسا معنا في نفس مائدة العشاء لكن لم أتعرّف عليه، كنّا نتحدّث عن احتجاجات إميضر و معتقليها لكنّ الجالسين معنا لم يحدّثوننا عنه، و بينما كنّا نتفرّج على موسيقى إحدى الفرق الغنائية بعد وجبة العشاء، أخبرني زميلي حميد عنه و قال أنّ ذلك التلميذ (مشيرا بأصبعه إليه و كان جالسا غير بعيد عنا) الذي يضع شيئا مستديرا حول عنقه هو من بين ضحايا الحادثة، تأثرت بشكل غريب و غمرني شعور يمزج بين الفرح و الحسرة و الشّفقة، لم أنتظر قط لحظة قصيرة فتحدثت إليه و صافحته و تعانقنا و كأنّه صديقي الحميم... قلت له "إرغوداك ربّي ألّيك تخلصض" بمعنى "الحمد لله على سلامتك" لأنه على الأقل ما زال حيا رغم كونه معطوبا، جلست في مكاني لكني لست طبيعيا في هذه الأثناء، أخذت للتوّ أفكّر و أتساءل مع نفسي " كيف يمكن لي أن التقي بهذا البرعم الذي عاش كابوسا و أعود أدراجي هكذا ؟... كيف سأتضامن معه و يكون تضامنا غير الصورة و الكلمات و الفايسبوك... أريد أن أساعد هذا التّلميذ حقّا ؟". طورت الفكرة بسرعة و فكرت في آلية لمساعدة كل زملائه بقرية بوديب غير بعيدة عن فزو، قمت بالتحدث إليه مجدّدا أنا و زميلي حميد، و قمت بإضافته كصديق لي بالفايسبوك لنبقى على اتّصال (في الحقيقة، سيبقى صديقي و سأزوره مجدّدا إن بقيت على قيد الحياة) كما التقيت بشاب اسمه أزغو الذي كان يرتدي قميص منظّمي حفل فزو و هو أخ أحد أعضاء لجنة تتبع ملف ضحايا الحادثة المؤلمة و مدّني برقم هاتف أخيه... و سأفعل ما بوسعي لمساعدتهم، بعدما وقفنا إلى جانبهم معنويا بإميضر سابقا، ثمّ سأشارك معكم المبادرة حينما تكون جاهزة لمن يريد المشاركة.

لن أطيل عليكم بكتابة كلّ ما عشته في هذه الرّحلة لكن سأتحدث قليلا عن شيء ما... صباح يوم 24، استدعى أحد أعضاء طاقم من الصحفيين معتقل إميضر السابق أشطوبان إلى غرفة داخل منزل أبوي أوساي لأخذ تصريحات معينة فاقترح عليّ الانضمام و كنت مسرورا للحضور، دخلنا الغرفة ووجدت باقي أفراد الطاقم رفقة أوساي مصطفى و بعض المناضلين و المناضلات من بينهم اللاجئ السياسي الجزائري بالمغرب المزابي صلاح، و كانوا يستعدّون لتسجيل تصريحات أوساي، انطلقت المقابلة الصّحفية الطويلة، لكن في آخر المقابلة سأله أحدهم عن حميد أعضوش فما استطاع نطق كلمة و بكى ... فبكينا معه، و قد رأيته على نفس الحال مرّتان خلال الندوات المنظّمة كلما ذكر اسم زميله أعضوش، تأثّرت كثيرا بذلك المشهد و أدركت مدى صداقته و تعلّقه بزميله في النّضال و السجن خصوصا أنهما رفيقين لمدّة 13 عاما على حدّ قوله...
في الليلة الثانية، لم ننم سوى ساعة من الوقت في منزل احمد، أحد شبّان فزو الذي أحسن ضيافتنا و له جزيل الشّكر، لنغادر صباح يوم 25 على متن مرسدس 207، وكلّما أحسست بالعرق يجري على جسدي و أرى غابة شجر "أمرد" على طول هذه الأرض المنبسطة و الشبه صحراوية أتذكر إميضر و أقول "إميضر جنّة"...
عدت إلى قلعة النضال بإميضر و معي "الطّريق إلى ثمّازغا" يحمل أدقّ التّفاصيل حول حيثيات و ملابسات جريمة اعتقال، تعذيب و سجن مصطفي أساي و حميد أوعضوش و حياتهما داخل سجن المخزن العروبي المافيوي خلال عقد من الزّمن، تجربة أخرى بالنّسبة لي انضافت إلى العديد من التجارب التي لقّنتنا إياها هذه الحياة. فشكرا مصطفى أوساي، بريء أنت، اعضوش كذلك، و لن تغير حماقات و نهيق الطغاة في هذا البلد شيئا من إيماننا بعدالة قضيتنا و ببراءة معتقلينا، لأنّنا نعرفهم جيّدا كما نعرفكم، و تلك لم تكن أولى خرجاتهم الإعلامية الحمقاء و المعادية لنا.
معتصم إميضر في 26 ماي 2016
MOHA TAWJA
و رغم ذلك فإنّهما بريئان.......
لا أستطيع التفاعل مع هذا العيد بمجرّد مشاركة صور من عين المكان بل أرجو منكم قراءة هذا التقرير.
قبل أشهر قليلة ماضية، تلقّينا خبرا مفرحا و محزنا في نفس الوقت، نعم...إنه إطلاق صراح معتقل الرأي الحر الكبير مصطفى أوساي بعد تسع سنوات ظالمة و جائرة لكن دون زميله في النضال و في السجن حميد أعضوش، لم و لن أحاول أن أبحث حتى عن تأويلات، فقط فكرة واحدة ظهرت في مخيلتي تلقائيا لكن كلها أشياء لن تغير شيئا من ما آمنت به، سواسية المعتقلين و براءتهما و فقط... و ليسقط كيد المخزن كيفما كان.
22 ماي هو عيد بالنسبة لي، قرية فزو بجماعة مصيصي-إقليم تنغير احتضنت حفلا كبيرا لاستقبال المفرج عنه، لكن رحلتي إلى هذه القرية لم تبدأ حتّى صباح يوم 23 لأني كنت حاضرا في حلقية من تنظيم حركة على درب 96 بإميضر مساء يوم استقبال مصطفى، ترجّلت نزولا من فوق جبل ألبّان حيث معتصم إميضر، مررت على زميل لي و ووقفا على محاذاة الطريق الوطنية رقم 10 للركوب نحو مدينة تنغير على بعد 30 كلمتر من إميضر، و صلنا إلى المدينة زوال ذلك اليوم و حجزنا أمكنتنا في طاكسي نحو منطقة ألنيف و انتظرنا حوالي الساعتين ليكتمل عدد الرّكاب و انطلقنا بعدها إلى ألنيف... بينما كنا نتبادل أطراف الحديث في الطاكسي (من عادات المغاربة ههه) تبيّن لي أن أحد الرّكاب هو ابن منطقة الرّيف أتى هو الآخر لحجّ فزو...
وصلنا إلى ألنيف و طلب زميلي حميد من الريفي أن يرافقنا لندلّه على مكان تواجد وسائل النقل العمومي الذي سينقلنا إلى فزو أو يقرّبنا منها على الأقلّ، فأجابنا بأنه سينتظر شخصا ما يعرفه... و ظهر ذلك الشخص قبل أن نغادر المكان، الشخص يملك سيارة صغيرة فعرض علينا الرّكوب معهم وإنه يقصد نفس المكان فركبنا معه طبعا، تعارفنا ثمّ انطلقت أطراف الحديث من جديد... كنّا ستة أشخاص في السّيارة لكنّ لا أحد منّا يعرف أين تقع قرية فزو ممّا أدّى بنا إلى فقدان الطريق حوالي نصف ساعة، بعد اتّصالات هاتفية مع بعض الأشخاص عدنا أدراجنا إذ كان علينا الانحراف يسارا في النقطة التي كان أفراد الدّرك الملكي يراقبونها... وصلنا إلى تلك النقطة و أوقفنا الدرك الملكي، سأل أحدهم السائق عن الوجهة فأجابه بأننا قادمون من مدينة أكادير و سألهم بدوره عن مكان تواجد قرية فزو فقال الدّركيّ أنّه مازال أمامنا 35 كلمترا، و قاموا بإلقاء نظرة إلى صندوق السيارة قبل أن نغادر...سرنا في تلك الطريق المعبّدة حديثة العهد و كنّا ننظر يمينا و شمالا و إلى الأمام علّنا نرى الخيام التي نصبوها بفزو، و ظهرت حقّا بعدها، الشمس ساطعة و الجو حار أو كما قال زميلي " لا شكّ أن جهنّم تقع على مقربة من هذه المناطق"...
و صلنا إلى عين المكان و كان يقع بمحاذاة الطريق التي تربط منجم "بولمعادن" بالطريق الوطنية 10، ترجّلنا من السّيارة و العرق يسيل في جسدي، منير قجّي الذي كنت أراه في العالم الأزرق هو أول من التقينا به و رحّب بنا و كان يعرف كلّا من سائق السيارة و الريفي، فنادى على مصطفى أوساي، تصافحنا و تعانقنا معه ثمّ أخذنا صورا تذكارية مع المعتقل السياسي المفرج عنه ( التصاور كما هو جاري به العمل) نعم فخر لي أن ألتقي به و آخذ صورة معه، قدّمت له هدية رمزية ثم انصرفنا و التقينا بعدها بعمّي حساين أوساي، رافقنا و أوصى شخصا فقدّم لنا هذا الأخير الغذاء...
انه المساء، اقتنيت كتاب "الطريق إلى ثمازغا" من تأليف مصطفى و انضممت إلى حشد الحجّاج مصطفّين خلال حفل توقيع هذا الكتاب، حصلت على توقيع مصطفى و بعدها انطلقت أشغال ندوة حول الاعتقال السياسي التي قدّم فيها المحاضرين تجاربهم مع اعتقالاتهم و رؤاهم المستقبلية حول قضايا اعتقالهم التي أراها واحدة موحّدة...كان معتقل إميضر أشطوبان من بين المحاضرين في النّدوة، عرض حيثيات اعتقاله على ضوء احتجاج إميضر الذي أشارك فيه حتّى اليوم، شاركت خلال فترة النقاش بمداخلة حول خلفيات اعتقال المناضلين مشيرا إلى تطور ممارسة المخزن للاعتقال السياسي مع تطور الزمن و المجال و كذا احتجاجات المغاربة من أجل حقوقهم السوسيو-اقتصادية، الثقافية، السياسية و البيئية...كما تعرّفت من خلال الندوة على سائق السيارة الذي ركبنا معه من ألنيف ههه، إنه المعتقل السابق للقضية الأمازيغية رشيد الحاحي من أكادير..
كنت أنوي الرجوع إلى إميضر في نفس اليوم الذي أتيت فيه إلى فزو نظرا لاقتراب موعد الامتحانات لكن الأمر بدا مستحيلا...جاء الليل و وسائل النّقل منعدمة تماما... كما أن زميلي مصرّ على البقاء، فبقيت أنا أيضا على أساس أننا سنغادر يوم 24، لكنّ الأمور تغيرت و انخرطنا من جديد في الأنشطة التي سطّرتها لجنة استقبال المعتقل أوساي، التقيت بالعديد من الأشخاص الذين كنت أعرفهم و تعرّفت على آخرين، استمعنا إلى ندوة أخرى حول الاعتقال و الاغتيال السياسيين في صفوف المدافعين عن حقوق الأمازيغ ثم استمتعنا بأداء مجموعة من الفرق الغنائية ...
كان من أبرز لحظات هذه الرّحلة كذلك لقائي مع أحد التلاميذ ضحايا فاجعة ويحلان التي أودت بحياة التلميذة كريمة و خلّفت جرحى و معطوبين بالعشرات، كان رشيد جالسا معنا في نفس مائدة العشاء لكن لم أتعرّف عليه، كنّا نتحدّث عن احتجاجات إميضر و معتقليها لكنّ الجالسين معنا لم يحدّثوننا عنه، و بينما كنّا نتفرّج على موسيقى إحدى الفرق الغنائية بعد وجبة العشاء، أخبرني زميلي حميد عنه و قال أنّ ذلك التلميذ (مشيرا بأصبعه إليه و كان جالسا غير بعيد عنا) الذي يضع شيئا مستديرا حول عنقه هو من بين ضحايا الحادثة، تأثرت بشكل غريب و غمرني شعور يمزج بين الفرح و الحسرة و الشّفقة، لم أنتظر قط لحظة قصيرة فتحدثت إليه و صافحته و تعانقنا و كأنّه صديقي الحميم... قلت له "إرغوداك ربّي ألّيك تخلصض" بمعنى "الحمد لله على سلامتك" لأنه على الأقل ما زال حيا رغم كونه معطوبا، جلست في مكاني لكني لست طبيعيا في هذه الأثناء، أخذت للتوّ أفكّر و أتساءل مع نفسي " كيف يمكن لي أن التقي بهذا البرعم الذي عاش كابوسا و أعود أدراجي هكذا ؟... كيف سأتضامن معه و يكون تضامنا غير الصورة و الكلمات و الفايسبوك... أريد أن أساعد هذا التّلميذ حقّا ؟". طورت الفكرة بسرعة و فكرت في آلية لمساعدة كل زملائه بقرية بوديب غير بعيدة عن فزو، قمت بالتحدث إليه مجدّدا أنا و زميلي حميد، و قمت بإضافته كصديق لي بالفايسبوك لنبقى على اتّصال (في الحقيقة، سيبقى صديقي و سأزوره مجدّدا إن بقيت على قيد الحياة) كما التقيت بشاب اسمه أزغو الذي كان يرتدي قميص منظّمي حفل فزو و هو أخ أحد أعضاء لجنة تتبع ملف ضحايا الحادثة المؤلمة و مدّني برقم هاتف أخيه... و سأفعل ما بوسعي لمساعدتهم، بعدما وقفنا إلى جانبهم معنويا بإميضر سابقا، ثمّ سأشارك معكم المبادرة حينما تكون جاهزة لمن يريد المشاركة.

لن أطيل عليكم بكتابة كلّ ما عشته في هذه الرّحلة لكن سأتحدث قليلا عن شيء ما... صباح يوم 24، استدعى أحد أعضاء طاقم من الصحفيين معتقل إميضر السابق أشطوبان إلى غرفة داخل منزل أبوي أوساي لأخذ تصريحات معينة فاقترح عليّ الانضمام و كنت مسرورا للحضور، دخلنا الغرفة ووجدت باقي أفراد الطاقم رفقة أوساي مصطفى و بعض المناضلين و المناضلات من بينهم اللاجئ السياسي الجزائري بالمغرب المزابي صلاح، و كانوا يستعدّون لتسجيل تصريحات أوساي، انطلقت المقابلة الصّحفية الطويلة، لكن في آخر المقابلة سأله أحدهم عن حميد أعضوش فما استطاع نطق كلمة و بكى ... فبكينا معه، و قد رأيته على نفس الحال مرّتان خلال الندوات المنظّمة كلما ذكر اسم زميله أعضوش، تأثّرت كثيرا بذلك المشهد و أدركت مدى صداقته و تعلّقه بزميله في النّضال و السجن خصوصا أنهما رفيقين لمدّة 13 عاما على حدّ قوله...
في الليلة الثانية، لم ننم سوى ساعة من الوقت في منزل احمد، أحد شبّان فزو الذي أحسن ضيافتنا و له جزيل الشّكر، لنغادر صباح يوم 25 على متن مرسدس 207، وكلّما أحسست بالعرق يجري على جسدي و أرى غابة شجر "أمرد" على طول هذه الأرض المنبسطة و الشبه صحراوية أتذكر إميضر و أقول "إميضر جنّة"...
عدت إلى قلعة النضال بإميضر و معي "الطّريق إلى ثمّازغا" يحمل أدقّ التّفاصيل حول حيثيات و ملابسات جريمة اعتقال، تعذيب و سجن مصطفي أساي و حميد أوعضوش و حياتهما داخل سجن المخزن العروبي المافيوي خلال عقد من الزّمن، تجربة أخرى بالنّسبة لي انضافت إلى العديد من التجارب التي لقّنتنا إياها هذه الحياة. فشكرا مصطفى أوساي، بريء أنت، اعضوش كذلك، و لن تغير حماقات و نهيق الطغاة في هذا البلد شيئا من إيماننا بعدالة قضيتنا و ببراءة معتقلينا، لأنّنا نعرفهم جيّدا كما نعرفكم، و تلك لم تكن أولى خرجاتهم الإعلامية الحمقاء و المعادية لنا.
معتصم إميضر في 26 ماي 2016
MOHA TAWJA
و رغم ذلك فإنّهما بريئان.......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق