بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 27 مايو 2016

في ذكرى 16 ماي ومعضلة الاستقلال عن الشرق الأوسط

في ذكرى 16 ماي ومعضلة الاستقلال عن الشرق الأوسط
مركزتيفاوت الإعلامي
أحمد الدغرني
من يعرف مغرب 2003 وقبل هذا التاريخ بسنوات سابقة عنه، سيتعجب من الفرق بين ما بعد هذا اليوم وما قبله، لم يكن بلدنا يتوفر على بدعة خطيرة تسمى قانون الإرهاب، ولا على قضاة وشرطة متخصصة في هذه المادة المشؤومة، ولا على وزارة إسلامية متخصصة في مادة أخرى مشؤومة تسمى الأمن الديني، ولا يتوفر بلدنا قبل ذلك اليوم على ميزانية محاربة الإرهاب ، أحدثت الميزانيات السرية والعلنية وتصرف الملايين بعد ذلك اليوم وحتى الآن ، ولم يكن بلدنا يتوفر على أجنحة في السجون ممتلئة بالمتهمين بالإرهاب، ولا نتوفر على قانون ولا دستور يمنع الأحزاب الدينية، ولم يتوفر ورثة سنوات الرصاص التي عرفها المغرب على فرصة سانحة للعودة إلى السيطرة على القرار السياسي لمغرب ما وراء الستار المخزني إلا بعد هذا اليوم المشؤوم..

كما أنه لم يكن من الممكن قبل ذلك أن يكون حزب ديني يوظف الإسلام في الانتخابات ليحصل فجأة على أغلبية مقاعد البرلمان وتتحول البلاد المغربية في ظل أغلبيته إلى الانقسامات المذهبية الدينية الشرقية من سلفية، وشيعة، وسنة داعشية..وفرق انتحارية وفرق تتجند من خارج الوطن وهي طامعة في الحكم لأنها ذاقت ثماره بعد سنة 2011 وهي ثمار حلوة وسهلة...

كنّا في مغرب ما قبل 16ماي 2003 ننادي بصوت عال بأن المغرب يجب أن يعتبر نفسه بلدا مستقلا عن جزيرة العرب وعن العراق والشام ...وننذر صراحة بأن الذين كانوا في المغرب يحملون راية صدام حسين والشعارات المشتركة مع حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وحزب البعث في سوريا والقوميين العرب في مصر وليبيا، ويروجون تلك الرايات والشعارات في شوارع بلادنا سيجلبون إلينا الخراب، وسيأتي بعد الصور والرايات حملة الأحزمة الناسفة والمتفجرات...

وكنا نعرف جيدا بأن استقلال بلادنا يتطلب أن لا تكون فتاوي فقهاء كربلاء العراق، ولا فتاوي جامعة أزهر مصر هي دين المغاربة والمغربيات، ليأتي زمن المطالبة بتجديد استقلالنا عن الشرق الأوسط ووثيقة الاستقلال المسماة وثيقة 11يناير 1944 لم تعد كافية أمام تهديدنا الآتي من الشرق الأوسط .

وهكذا مرت على 16ماي 2003 فترة وجيزة هي 8 سنوات لتحل سنة 2011 وتظهر فيها حركة 20 فبراير 2011 لتمتلئ الشوارع بالمتظاهرين، وتتبدل كل الشعارات السياسية التي كانت تروج قبل هذا الموعد ودخلنا في مرحلتين ممتزجتين 16 ماي مع 20 فبراير.

كان هذا التاريخ مناسبة ليعبر الجمهور المغربي بالآلاف عن المطالَب السياسية سلميا وبأعلى الأصوات، لكي لا يضطر هذا الجمهور إلى التفجيرات والأحزمة الناسفة، لكن الامتزاج بين الفترتين جعلت تفجيرات مقهى أركانه في 28 أبريل 2011 بجامع لفنا بمراكش جددت بقوة ذكرى 16ماي 2003 ، ولم يكن يفصل يوم 16ماي عن يوم 28 أبريل سوى18 يوما فهل هي مصادفة؟

جاء 16ماي 2003 بعد تأسيس منظمة القاعدة بالسعودية سنة1988 بخمسة عشر سنة، كانت كافية ليستورد بعض المغاربة مشروع تنظيم القاعدة من السعودية إلى المغرب، وتم الاستيراد في صناديق المذهب الوهابي في جزيرة العرب إلى جزيرة المغرب، حسب تعبير ابن خلدون، وكانت خلفية الاستيراد هي سياسة العالم الإسلامي من خارج المغرب، من تركيا وإيران وجزيرة العرب وأفغانستان وسلطنات الخليج الفارسي أو العربي...وكان الاستيراد معززا بفتات أموال البترول التي يتمتع بها المخزنيون.

السؤال المطروح اليوم هو كيف سنستقل عن الشرق الأوسط لنرتاح في بلادنا؟ لأن جيل سنة1944 كان يظن أنه سيرتاح من مشاكل الاستعمار الأوربي. الممثل عندئذ في فرنسا وإسبانيا وحلفائهما الأوربيون. واليوم جاء من يحفر ليجعلنا خليجيين.

وجيل اليوم مطروح عليه أن يعيد ويجدد الاستقلال عن الشرق الأوسط الذي يربي جيوش الخراب والإرهاب؟ لا نحتاج إلى مفاوضات تعقد بالخارج لنعلن الاستقلال عن الشرق الأوسط. بل نحتاج فقط إلى أن يقرر كل فرد من تلقاء نفسه أن يؤمن أنه مستقل عن هذا الشرق المتحارب، وهي عملية صعبة لأن الكثيرين متورطون في الأنساب القرشية المزورة، وفي الطمع والخضوع لأمراء البترول..

ذهب بِنَا الحكام المخزنيون عنوة وصراحة إلى نهج سياسة حشرنا في حرب اليمن بين الحوتيين والسعودية، ونحن لسنا سعوديين ولا حوتيين، وحشرنا في الحرب الجارية ضد دولة الإسلام في الشام والعراق، ونحن لسنا شاميين ولا عراقيين، وحشرنا في الحرب بين إيران ودوّل الخليج ونحن لسنا إيرانيين ولا خليجيين، وحشرونا في الحرب بين حزب البعث السوري المتحالف مع حزب الله اللبناني ضد الثوار السوريين ونحن لسنا سوريين ولا لبنانيين ولا من حزب البعث السوري ولا من حزب الله...ولا من الثوار.

يدعي منظرو ورثة إمارة الأدارسة بالمغرب بأنهم مستقلون عن الأمويين والعباسيين بقيام إمارة إدريس الأول، ويظهر أن هؤلاء الأدارسة الجدد عندنا يحتاجون إلى إدريس أول أخر سنة 2016 ليستقل بهم عن خلافة البغدادي وإرث فكرة العباسيين والأمويين...

ليس لدينا اليوم أحزاب ولا نقابات ولا نظام حكم تستطيع أن تعلن الاستقلال عن الشرق الأوسط وحروبه وإرهابه، وهو سر أزمة الشعب الذي يخاف من الحقيقة، ويخضع ولا يفهم..

لدينا أجهزة أمن تناضل ضد من يدخل إلى البلد من الشرق والغرب وهو يحمل فكر القاعدة وداعش، أو من يهيء من الداخل توسع المشروعين بداخل البلد، ورغم الاعتراف بكفاءتها المهنية وقدرتها على مواجهة الخطر حتى الآن فإن السياسيين المحترفين والمستفيدين من تهديدات الاٍرهاب يتمتعون ويستثمرون ويتجوّلون، ويحشرون أنف المغاربة في الشرق الأوسط الذي يغلي من نار الفتنة، والشعب يستمع إلى إعلانات الأمنيين باكتشافهم الخلايا الإرهابية المجندة من القاعدة وداعش وغيرها، وإلى متى ستستمر هذه الاكتشافات العجيبة؟ وهي تكاد تصبح من الأخبار اليومية العادية!

16ماي في المغرب يوم تاريخي، وكان قبل تفجير مقهى Casa de espana سنة2003 يوما خاصا بذكرى صدور ظهير 16ماي 1930 المعروف بالظهير البربري وتكررت شهرة هذا اليوم بالدار البيضاء بعد مرور 73 سنة على صدور ذلك الظهير الذي كان صادرا عن السلطان كغيره من قوانين ذلك الزمان، ولهذا اليوم ارتباط تاريخي ببرامج سياسة ضم المغرب إلى الشرق الأوسط دينيا ولغويا وأجيال اليوم عليها أن تنتبه إلى خطر هذه السياسة، وتعرف من يستفيد منها.....

كان لابد أن يفكر كل واحد وواحدة من شعب المغرب في ذكرى16 ماي، لعلنا نفهم ما يجرى وما سيأتي وما هو الحل؟

ليست هناك تعليقات: