
مركزتيفاوت الإعلامي
التعريب كلمة رائجة في العالم العربي و المستعرب تحمل أكثر من دلالة من بلد إلى آخر ... وليس كما يظن البعض أنها تقتصر على تعريب العلوم في المناهج التربوية والأكاديمية ...
التعريب الذي نشير اليه هنا يعرفه جيدا إخواننا الكورد وقد اكتووا بناره أيام حكم البعث الصدامي الشهير ... وتعرفه حاليا وبضراوة شعوب الشمال الأفريقي التي فتّ في عضدها وأنهكها وأخلط الأوراق أمامها تعريب لا فرق بينه وبين أيّه عملية استئصالية تهدف إلى محو وطمس أمّة كبيرة وعريقة مثل أمّة الأمازيغ أو كما لا يزال ينعتها بعض المشارقة بـ "البربر"
هذا الطمس الهوياتي تحت شعار التعريب تحول إلى آلة تستخدم مقدرات دول للإجهاز على ما تبقى من عناصر هوياتية تاريخية أمازيغية لإلباس الحق بالباطل بطريقة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. و نذكر في سبيل المثال نعت رواد التعريب لكل من يطالب بالامازيغية و حقه. .... باوصاف باطلة و اتهامات لا معنى لها مثل ( الصهاينة. عملاء الصهاينة. شياطين. دعاة الفتنة و التفرقة. .....الخ
ما لا يعرفه الشرق العربي هو أن اللغة الأمازيغية لا تزال إلى اليوم لغة حية يتداول بها الملايين من واحة سيوة (مصر) إلى موريتانيا في أقصى الغرب مرورا بليبيا وتونس وخاصة الجزائر والمغرب ... هذه اللغة همشها الاستعمار الفرنسي واعتبرها لغة ميتة لكن موتها الحقيقي يحدث الآن في عهود الدول التي تنعت نفسها بأنها دول استقلال !!!!
ليس التعريب الذي نقصده كما قد يفهم البعض هو مجرد تعليم لغة يتحجج أنصار تعميمها بأنها لغة جنة وعقيدة وكتاب مقدّس وتراث ممتدّ على قرون ... لا يا سادة ... التعريب الذي تشهده دول شمال أفريقيا هو فرض لغة واحدة في مناهج التعليم والوقوف بالمرصاد للغة التاريخية لهذه البلدان لتظل شفوية محرومة من كل شيء يمنحها الحياة حتى تتلاشى وتضمحلّ بل إن البعض دعا إلى الاستفتاء عليها عندما طالب الشعب بترقيتها ودسترتها كما هو الحال في المغرب والجزائر خلال العشريات الماضية وما تشهده ليبيا خلال الوقت الراهن بعد أن منّ الله عليها بالتحرر من الطاغية القذافي.
الكثير إن لم نقل الكل في العالم العربي ينطلق من فقاعات روّج لها منذ بدايات حركات التحرر في شمال أفريقيا وخاصة في الجزائر مفادها أن فرنسا حاربت اللغة العربية في هذا البلد وأصبح شعبه لا يتكلم "لغته" وعلى دولة الاستقلال بمساعدة الأشقاء أن تعمل لاستعادة هذا الشعب للغته ومقومات شخصيته .... الخ مع أن هذا كله تزوير وتزييف لان لغة الشعب الحقيقية هي اللغة الأمازيغية وما كانت اللغة العربية في يوم من الأيام إلا لغة ليتورحية (liturgique) كأي بلد مسلم ... لكن تلك الأوساط التي تمتلك السلطة والمال والدين رمت بثقلها ومررت سياستها واستقدمت ما يزيد عن خمسين ألف ما بين معلم وأستاذ من البلدان "الشقيقة" لتعريب الشعب الأمازيغي ولجعل اللغة الليتورجية لغة قومية ... !!!!
ولآن النخبة الجزائرية فرانكوفونية التكوين وتحوز على كفاءات يمكن أن تقاوم مخططات التعريب هذه استحدثت دوائر التعريب التي تشتغل في الداخل والخارج على امتداد بعض العواصم العربية خطابا لا يكف عن الهجوم على اللغة الفرنسية التي يصفها أولئك المؤدلجون البعثيون بأنها لغة الاستعمار ... وأطلقوا على النخبة الجزائرية فرانكوفونية التكوين اسم حزب فرنسا ولا ريب أن المتابعين للشأن الجزائري يعرفون ما يشاع عن الضباط السامين في الجيش الجزائري بأنهم "ضباط فرنسا".
عندما فشل دعاة تزييف الهوية الحضارية للشعب استعانوا بالدين ... من أجل فتح إسلامي جديد يستولي على السلطة تحت شعارات إسلامية في بلد عانى من الاستعمار ويكفي أن تذكر لأهله الاستعمار الفرنسي حتى تندفع عامّته دون فهم ما يحاك لها من قبل أولئك الدعاة فتحول البعثيون عندنا إلى إسلاميين وأطلقوا لحاهم وغرروا بالشباب وبالعامة ... واعتكفوا في مساجد "ضرار" لأنهم أدركوا أن الشعب الجزائري لا يعرف القومية "البعثية" ولا يتعاطف معها وأن الدين هو الذي يحرّكه فكانت العشرية الحمراء التي أشعلتها شرذمة الإنقاذ الملعونة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق