مركزتيفاوت الإعلامي
عبدالله الحلوي
صرح وزير التعليم العالي المغربي السيد لحسن الداودي، في إطار حفل نظمته جامعة محمد الخامس بالرباط يومه 14 يناير 2016، أن "هناك مستثمرين أجانب جاؤوا للاستثمار في المغرب، في عدد من القطاعات، لكنهم حين وجدوا أن عدد المهندسين لا يُلبّي حاجيات شركاتهم من الموارد البشرية المتخصصة، اتجهوا نحو بلدان نامية أخرى، لديها ما يكفي من المهندسين، مثل دولة الهند."هل صحيح أن ما يجعل المستثمرين لا يرغبون في الإستثمار في المغرب هو ندرة المهندسين في بلدنا؟ .. سأبين في هذا المقال بأن كلام السيد الداودي غير دقيق.
المنتدى الاقتصادي العالمي (2013)
أفضل وثيقة يمكن أن نتعرف من خلالها على موقف المستثمرين من واقع الإستثمار في المغرب هي التقرير الذي صدر عن المنتدى الإقتصادي الدولي حول واقع الإستثمار بالمغرب ل2013ــ2014. تكمن أهمية المنتدى الاقتصادي العالمي في كونه يعرّف صانع القرار بشكل قريب بما يحتاجه مناخ الإستثمار في كل بلد، وذلك من خلال مشاركة صاحب القرار في المنتدى ومن خلال التقارير التي يصدرها. لذلك سأستعمل تقرير هذا المنتدى ل2013ــ2014 لتقييم رأي السيد الداودي في فهم دور ندرة المهندسين في تقلص الإستثمار الأجنبي ببلدنا.
افتتحت أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي بصفة رسمية في دافوس السويسرية يوم الأربعاء 23 يناير 2013 بمشاركة رؤساء 50 دولة، ورئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، والمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بالإضافة إلى نحو ألف من رؤساء الشركات الكبرى في العالم. وقد مثل الدولة المغربية في الدورة 43، 2013 بهذا المنتدى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي كان مرفوقا في رحلته بكل من محمد نجيب بوليف، الذي كان آنذاك الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، ومريم بنصالح شقرون، رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
تقرير المنتدى الإقتصادي الدولي (2013)
يصنف تقرير المنتدى الإقتصادي 148 بلدا بحسب 12 مؤشرا وهي: مؤشر المؤسسات، والبنى التحتية، والمناخ الميكرو اقتصادي، والصحة والتعليم الإبتدائي، والتعليم العالي والتكوين، ونجاعة سوق المنتوجات، ونجاعة سوق العمل، والتطور المالي للسوق، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور التجارة، وامتداد التسويق، والتجديد.
مظاهر عدم دقة تصريح الداودي
مقارنة رأي الداودي بالتقرير الصادر عن المنتدى الإقتصادي الدولي يكشف لنا ثلاث مغالطات في كلام وزير التعلم العالي السيد الداودي.
أولاــ إذا استندنا إلى تقرير المنتدى الإقتصادي الدولي حول المغرب (2013)، فإن احتياج مناخ الإستثمار ليس فقط للمهندسين لا يحتاج المهندسين فقط، بل يحتاج أيضا للعلماء ولتشجيع الحكومة لإنتاج التكنولوجيا. فالدعامة الثانية عشر للإستثمار التي يقيسها التقرير ويعبر عن رأيه فيها هي دعامة الإبتكار والتجديد. هنا يتفق التقرير جزئيا مع كلام السيد الداودي إذ يسجل بالفعل أن أسوء مؤشر على هذا المستوى هو النقص في عدد المهندسين (ترتيب المغرب: 39 ضمن 148 بلد). ولكن ما لا يذكره الداودي هو أن التقرير لا يتحدث عن "ندرة المهندسين" فقط بل عن "ندرة المهندسين والعلماء". هذا يعني أن مشكلة الإستثمار ليست مرتبطة بضعف تكوين المهندسين فقط، بل أيضا بضعف تالإنتاج العلمي في بلدنا. أضف إلى هذا أن التقرير يسجل أيضا تدني مؤشرات أخرى مرتبطة بالتجديد والإبتكار كدور الحكومة في تشجيع إنتاج التكنولوجيا (ترتيب المغرب: 96 ضمن 148 بلد)، وهذا ما أحجم الداودي عن ذكره ربما لكي لا يضع حكومته في دائرة المسؤولية.
ثانياــ إذا استندنا إلى تقرير المنتدى الإقتصادي الدولي حول المغرب (2013)، فإن مشكلة الإستثمار الأساسية في المغرب ليست هي ندرة المهندسين كما يقول الداودي بل بيروقراطية الحكومة واستشراء الفساد وضعف التمويل. يكشف المستثمرون الدوليون، حسب هذا التقرير، عن 16 عائقا يعاني منه الإستثمار الأجنبي في المغرب، ثم يرتبون هذه العوائق حسب خطورتها. العائق الأول في سلم أولويات التقرير هو مشكل عدم فعالية بيروقراطية الحكومة (بنقطة 19.1)، يليه عائق الفساد (بنقطة 15،8)، ثم عائق التمويل ... (بنقطة 13.5). ولا يرد ذكر لعائق مرتبط بالتكوين إلا في المستوى السادس حيث يتم اعتبار عدم تكوين القوى العاملة بشكل جيد عائقا من عوائق الإستثمار (بنقطة 7.9). عائق عدم القدرة على التجديد والإبتكار يحتل المرتبة الثامنة في سلم التقرير. وعليه، فالعامل الأساسي الذي يعوق الإستثمار الأجنبي في المغرب ليس هو عدم وجود مهندسين بل بيروقراطية الحكومة والفساد وضعف التمويل الذي يمكن أن نرده أيضا للفساد.
ثالثاـــ إذا استندنا إلى تقرير المنتدى الإقتصادي الدولي حول المغرب (2013)، فإن مشكلة الإستثمار الأساسية في المغرب ليست هي ندرة المهندسين كما يقول الداودي بل الفشل في تسيير الجامعات بشكل جيد. العائق الأخطر الذي يعاني منه قطاع التعليم العالي الذي يشرف عليه السيد الداودي حسب التقرير دائما هو الإدارة السيئة للجامعات ... فقد استعمل التقرير ثمانية مؤشرات لقياس ملاءمة قطاع التعليم العالي لعالم الإستثمار (مثل المؤشر المتعلق بتكوين العاملين في الجامعة وغير ذلك)، واستنتج أن أسوء مؤشر هو المتعلق بتسيير الجامعات (ترتيب المغرب هو 45 ضمن 148 دولة)، يتبعه في السوء المؤشر المتعلق بجودة تعليم الرياضيات والعلوم (ترتيب المغرب هو 52 ضمن 148 دولة). مما يعني أن وزارة التعليم العالي مسؤولية عن بلورة رؤية لإصلاح البيداغوجيا الجامعية، وهو الدور الذي لا يبدو أن الداودي مهتم به كثيرا.
خلاصة
ادعاء السيد الداودي بأن ندرة المهندسين سبب عدم انجذاب المستثمرين للمغرب لا ينسجم مع رأي المستثمرين أنفسهم الذي عبر نفسه من خلال تقرير المنتدى الإقتصادي حول الإستثمار في المغرب. الأسباب الرئيسية لعدم انجذاب المستثمرين للمغرب حسب هذا التقرير هو بيروقراطية الدولة والفساد وضعف التمويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق