مركزتيفاوت الإعلامي
بقلم / عبد الواحد حركات
مخطئ من يظن أو يعتقد أن داعش جاءت كصرخة جنون فجائية في دياجير ليل حالك, وأنها ولدت من رحم أحدى الأمهات العازبات بإحدى العواصم بعد عناءات اليأس والبؤس .. ويخطئ أكثر من يعتقد داعش نتاج إسلامي أو إسلاموي أصيل ونقي لم تخالطه شوائب غير الإسلام من باقي الإبراهيميات أو من معتقدات الوثنية وما شابهها..!
إن داعش موسم حضاري لديانة.. أو عسر حضاري يضاد التمدن..!
الحقيقة أن داعش " كفكر مشوه أو حركة ارتدادية" نتاح حراك حضارة وتمدن البشرية, وحصاد زمن شواش مريب تكدس في الفكر حتى أشعله أو أسقطه في هوة الفردانية وتقديسها أو لعلها بهائمية سابحة في العدم تبتكر مقدسات من سقط الفكر وفتات موائده..!
طفو الدواعش على السطح جاء نتيجة مشادات وصراعات باردة كانت تجري بسلاسة في عمق جميع المجتمعات الثيوقراطية البنى والفكر, والحراك العلمي الذي شهده القرن العشرين والاكتشاف المتكرر للحقائق وتوطينها علمياً, أخذ الجميع - جميع البشر- إلي حالة ميكنة مريبة, وأضحت ميكنة الإنسان "تحوله إلي ماكينة" بنظر العلوم والمعارف وخصوصاً من النواحي البيولوجية والفسيولوجية تتجه إلي حقيقة ترسيمه الميكانيكي ونزع إنسانيته أو الاستهانة بها عملياً وإعلائها قولياً فقط .. لقد خسف بروحانية الإنسان ولحقه العوز المعتقدي وانحشر واستعبد وانكسر في دوامات الحياة المادية التي سعرت القيم والمبادئ والإنسان ذاته..!
لعل ظهور داعش واقع أقرته وحتمته ظروف إقليمية متعددة تشاركت في إيجاد هذه الطفرة من الفكر المصفح العنيد..!
ظهور داعش " دول الخلافة الإسلامية "حتمه وجود إسرائيل " دولة الخلافة اليهودية" فمقابل ثيوقراطية توراتية يهودية متطرفة ومتزمتة ومتطرفة كان لابد من قيام عدو معتقدي صنو يمثل الإسلام ويتصف بثيوقراطية إسلامية متطرفة ومتزمتة تكافئ أو تفوق نظريتها اليهودية, وأن تأخرت المواجهة بينهما فإنها حتماً ستكون وتحدث ..!
ظهور داعش حتمه وجود المملكة السعودية كواجهة ضعيفة للإسلام وممثل له يلاقي معارضة ومناكفة جادة وصريحة من عديد الطوائف الإسلامية, وتشكلها من مناصفة السلطتين السياسية والدينية بين آل سعود وآل الشيخ, حشد لها معارضين ومعترضين كثر , ومثل خروج بن لادن من الحاضنة السعودية بتنظيم القاعدة ملجأ سعودياً ملائم لجميع السعوديين والخليجيين المعارضين لسلطتي آل سعود وآل الشيخ, وكان لهذا دور بارز في تنظيم دولة الخلافة إذ يشكل المال السعودي والمتعلمين السعوديين محرك أساسي لتنظيم دولة الخلافة..!
ظهور داعش حتمه الغياب الطويل لمؤسسة دينية إسلامية إقليمية منفصلة ومنعزلة عن السلطات السياسية, مؤسسة تشكل المرجعية الإسلامية الحيادية الغير مؤدلجة بأي أيدلوجيا دنيوية فاسدة أو غير فاسدة, فالسلطات السياسية العربية احتكرت مؤسسات الدين وأرغمتها على خدمة مصالحها وجندتها لطحن أعدائها أو وسمهم بالسوء’ فكان خواء المرجعية الدينية دافع للاجتهاد الفردي المدفوع بآراء ومنطلقات نفسية فردية غير واعية بحقيقة الدين والتدين ..!
ظهور داعش حتمه الإنتاج الهوليودي المتهكم على الإسلام والمسلمين والمستهزئ بالعرب والعابث بإنسانيتهم, وتلك الهجمات الإعلامية المتكررة من قبل كتاب ورسامين ونحاتين جسدوا بأعمالهم تصوراتهم وآرائهم المعادية للإسلام والمسلمين, هذه الأفعال حملت مسلمي أوروبا ومن عاشوا فيها من العرب والشرقيين على الرغبة في تطبيق الإسلام الذي يناسب أفكارهم وحواسهم ومشاعرهم, فارتكبوا ردات أفعال وافرغوا شحنات مخزونة من سني إقامتهم في أوروبا أو أميركا بشكل همجي غريب..!
الإعلام الهوليودي دعم داعش وتحول إلي سلاح مهم ورهيب لديها, فما تسربه وتسوقه قيادات داعش بهدف نشر الرعب في قلوب من تعتزم السيطرة عليهم, وتشرع لها الأبواب بعدما تفر الجموع أمامها خوفا مما شاهدت وعملت, ولعل أغلب مؤسسات الإعلام تقدم لداعش خدمة جيدة بنشرها للصور والمشاهد المرعبة التي تخدم داعش..!
داعش ليست تنظيم ديني يمتاز أفراده بإتباع رؤية دينية أو ينادون بإتباع وجهة معينة , بل تمثل داعش تنظيم يسترزق بشكل مباشر من العنف الديني , وألتحق بها كثيرون لأجل الاستفادة المادية وجمع المليارات من مجتمعات أصابها الخواء, فحقيقة داعش لا تختلف عن حقيقة إرهاببي جبال الجزائر في السنوات العشر السود حينما كان يبلغ تعداد الإرهابيين حوالي "100000" شخص, وفور صدور قانون العفو وضمان سلامتهم أكتشف الجزائريون وغيرهم أن الإرهابيين لا يتعدون 3000 شخص على الأكثر , والباقون مجرد أشخاص التحقوا لتحقيق ربح مادي, وهذه هي حقيقة داعش, فهي مصدر رزق وثروة للبعض ومهرب من مطاردة وتهديد بالقتل أو السجن للبعض الآخر ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق