بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 أغسطس 2015

فضيحةُ الوزير الرباح والكوميدي "كْبّور"

فضيحةُ الوزير الرباح والكوميدي "كْبّور"
مركزتيفاوت الإعلامي
محمد الراجي

ليْلة أمسٍ كنتُ أتحدّث مع صديق مغربي مُقيمٍ في الخارج عن الوضع السياسي في المغرب، وعرّجنا على موضوع الفساد الانتخابي، فقالَ: "مشكلة المغاربة أنهم شعبٌ غيرُ واعٍ، وإلّا ما كانَ للمُفسدين أنْ يفوزوا بالانتخابات". فكّرتُ في ما قالَه صديقي ووجدتُ أنّه على حقّ، فلوْ كُنّا شعبا واعيا، لمَا رأيْنا النقاشات الواسعةَ حوْل أمورٍ ثانويّة، في الوقت الذي يغيبُ النقاش عن القضايا الحقيقيّة للشّعب، حتّى ليخالُ المرْء أنّنا صِرْنا متخصّصين في مناقشة "القضايا" التافهة!

خلالَ الأسابيع الأخيرة ضجّتْ صفحات المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشاتٍ دامتْ لأيّامٍ حوْل اعتقال فتاتيْن في مدينة إنزكان بتهمة الإخلال بالحياء العامّ، والاعتداء على شابّ مِثليٍّ بمدينة فاس، وتعرّي المغنّية الأمريكية جينيفير لوبيز أمامَ المغاربة من خلال شاشة القناة الثانية... لكنْ لا أحدَ ناقش، مثلا، اقتطاع وزير التجهيز والنقل عزيز الرباح 400 مليون من أموالِ المغاربة، ومنْحها للكوميدي حسن الفدّ، لقاءَ تقديم وصَلاتٍ تلفزية للتحسيس بمخاطر الطريق.

المعطيات التي نشرتْها صحيفة "الأخبار" قبل أكثر من أسبوع، وكشفتْ أنَّ السيد وزير التجهيز والنقل، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية الذي يمَلّ أمينه العامّ عبد الإله بن كيران من دعوة وُزراء حكومته إلى التقشّف وتدبير النفقات العمومية بشكل عقلاني، ضغَط بقوّة على مسؤولي اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير قصْدَ تسمين الرصيد البنكي لحسن الفد بـ 400 مليون سنتيم، لمْ يتمّ تكذيبُها من طرف الوزير الرباح، ولا من طرف الكوميدي "كبّور"، وهذا معناهُ أنَّ هذه المُعطيات صحيحة.

ومَا دامَ أنَّها كذلك، فيُمْكن أنْ نعتبرَ "صفقة" الوزير والكوميدي فضيحة بكلِّ ما للكلمة من معنى، لا للمبْلغ الماليّ الضخم الذي منحه الوزير للكوميدي، وإنما لكون الصفقة مرّت -حسب صحيفة الأخبار- بدون طلباتِ عروض، وكأنَّ حسن الفدّ وحْده يستطيعُ تصوير كبسولاتٍ من بضع دقائق لتوعيّة الناس بضرورة احترام قانون السير، في حينِ أنّ في المغرب مُبْدعين لا يَقلّون كفاءةً، وأدمغةً تستطيعُ أنْ تُبْدعَ ما هوَ أفضلُ بكثير من مضمون تلكَ الكبسولات "الحامْضة" التي قدّمها الفدّ ونالَ لقاءَها 400 مليون.

صحيح أنّ حسن الفدّ يتمتّع بشعبية واسعة، خصوصا بعد سلسلته الناجحة "الكوبْل"، لكنّ هذا لا يعْني أنّه الفنّان والمبدع الوحيد الموجود على الساحة حتّى يُمرّر له الرباح تلكَ الصفقة بدون طلبات عروض، فلوْ كانتْ هناك طلباتُ عروض لرُبّما تلقّت اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير أعمالا أفضلَ بكثير مما قدّمه الفدّ، وبسعْرٍ أقلّ من المبلغ الماليّ الذي حصلَ عليه، والذي كانَ سيصل إلى 600 مليون لوْلا "تنازلُه" عن 30 في المائة من أجْره وكأنّ خزائن الدولة تفيضُ بالأموال. وعلى كُلّ حالٍ فشعبيَّةُ الفنّان ولو بلغتْ عنان السماء، لا ينبغي أنْ تكونَ مَطيّة لأكْل أموال الشعب بـ"الباطل"!

لكنْ أيْن هُو الشعب؟ وأيْن هو الرأي العامّ؟ فلوْ كانَ للرأي العامّ صوتٌ قويٌّ ومسموع لُزلْزل الكُرسيُّ الذي يجلسُ عليه وزير التجهيز في مكتبه بوزارة والنقل وارتجَّ، وربّمَا قوّضت "الهبَة" التي منحها لِحَسن الفدّ مُستقبله السياسي، خاصّة ونحنُ في غمرة الاستعداد للانتخابات الجماعيّة والجهوية، ولكن، بما أنَّ الشعب غيرُ واعٍ، ولا يُولي اهتماما للقضايا الكُبرى بقدرما يهتمُّ بسفاسف الأمور، فإنَّ المسؤولين يفعلون بالمال العامّ ما يشاؤون، ويصْرفونه كما يُريدون، ولا يسعُنا إلا أنْ نهنئ الفدّ بمَا ربحَ من مالٍ على ظهْر الشعب المغربي. "فلا أحد يستطيع ركوب ظهرك إلّا إذا انحنيْت"، كما قال مارتن لوثر كينغ.

Lesoir2006@gmail.com

ليست هناك تعليقات: