
مركزتيفاوت الإعلامي
القرامطة ( شيوعيين الإسلام ) أول حركة إشتراكية في التاريخ .. ومن أهم الحركات الثورية في التراث الإسلامي .. شعارهم : ( سيعطي الصاحب حقه وسيصبح الإنسان حرا طليقا ومساويا كمثل يوم ولادته ) ..
.....
ثورة القرامطة ( شيوعيين الإسلام ) :
...
الماضي مخزون نفسي عن الجماهير وبالتالي فهو حاضر والحاضر ما هو الا تراكم للماضي فى إحدى مكوناته الثقافيه الحيه والتي ما زالت احد عناصر البقاء في التكوينات الاجتماعيه الحاليه . فإذا كان أفتراضاً الانقطاع عن الماضي هو الصحيح , فكيف يمكن قراءة أبن خلدون و أبن رشد و تحويل الماركسيه الى فكر محلي له جذوره في التراث القديم . هذا التراث , قد يكون أداة قمع كما هو الحال في الأنظمه الرجعيه وقد يكون أداة ثورة كما الحال في ثوراتنا المعاصره وقد يكون الدين ( أفيون الشعب ) قد يكون ( صرخة المضطهدين ) صنعته طبقات عدة و ليس طبقة واحده , فهناك تراث السلطه و تراث المعارضه و لدينا تراث طاعة أولي الأمر , ولدينا ثورة القرامطة و الزنج . قراءته هي أدوات معرفته و توظيفه هو طريقة تحقيقه .
...
ظهرت حركة القرامطة الثورية عام 870 و استمرت إلى عام 1070 واستطاعت أن تتوسع في الشرق الأوسط خلال ما يقارب مائتي عام لتحيز على لقب اكبر حركة اجتماعية ؛ حيث تسببت في تراجع نفوذ الدولة العباسية التي كانت حاكمة على أكثر المناطق آنذاك ، واستطاعت أن تحرز على اسم "الشيوعيين الإسلام" ، وذلك عبر بناء نمط حياة اجتماعية قائمة على وحدات المجتمع الأخلاقي-السياسي .
...
قبل الإطلاع على حركة القرامطة الثورية لا بد أولاً من التعرف بشكل سريع على أولى الحركات الثورية المتمردة على سلطة الخلافة الإستبدادية وكيف كان القرامطة إمتداد تاريخي لتلك الحركات ..
...
كانت الحركة البابكية تقود المقاومة التي بدأت على الأراضي الكردستانية-الإيرانية وازربيجان عام 816 ضد الاحتلال العباسي ، واستمرت هذه المقاومة على مر عهدين من الخلافة العباسية أي إلى عام 838 ، لتكون مقاومة للمتطلبات الاجتماعية للشعب الكردي والفارسي والازربيجاني المعتمد على الزردشتية في إيران . و أستمر هذا التمرد لفترة ناهضت 23 عاماَ على أساس الدفاع الذاتي ضد القوى الاحتلالية المستبدة ؛ وخاصة مقاومة الشعوب التي كانت تحيا في كل من أراضي كردستان ـإيران و أذربيجان .. بهذا المفهوم الدفاعي وذلك لحماية بنيتها السياسية ، الاجتماعية والاقتصادية . اعتمدت تماما على جوهر جماعي . حيث شكل هذا التمرد الذي استمر لمدة 23 عاماً مضايقات ومصاعب جمة للدولة العباسية لتتركها في وضع حرج للغاية سياسيا واقتصاديا ، وهذا بدوره ما أدى إلى زيادة الضرائب الداخلية على الشعب لتكلفه الكثير .
من بعدما شعرت الدولة العباسية بطمأنينة من جراء اعتقال بابك عام 838 وجلبه الى بغداد وإعدامه مباشرة ، سيهتز وفي هذه المرة عرش الخلافة العباسية بظهور تمرد اكبر بالقرب منها وذلك بقيادة علي بن محمد المعروف بلقب "صاحب الزنج" ، ليشمل هذا التمرد الذي بدأ من البصرى عام 869 جميع مناطق جنوب العراق خلال فترة وجيزة . بدأ التمرد بين صفوف العبيد الذين جاؤوا بهم من مناطق افريقية والمسمى بـ "تنزانيا" اليوم ليعملوا كعبيد في إصلاح الأراضي المبطحة الغير صالحة للزراعة وفتح قنوات الري في السواحل القريبة لخليج البصرى ونهري دجلة والفرات بجنوب العراق . حيث لاقى هذا التمرد صيتا كبيرا بين صفوف المزارعين المتروكين جبرا على العمل في مزارع التجار الكبار . اختارت الحركة مدينة "المختارة" كعاصمةً لها فيما بعد ، لتقوية نشاطاتها ونفوذها حتى جوار بغداد ، ولكن لم تستطع المقاومة أكثر من عام ونصف العام من بعد احتلال القوات العباسية مدينة "المختارة" عام 881 . لكن لا نغالط إذا ما قلنا بان ظهور دعوة القرامطة كان بمثابة رفع علم هذا التمرد والاستمرار به ، من بعدما بدا وكأن التمرد قد اخمد من بعد اعتقال علي بن محمد و إعدامه في عام 883 .
...
...
إعتمدت حركة القرامطة على القرويين والعبيد والفئة الكادحة الفقيرة المسماة بـ "القرمطيين" او "القرامطيين" .. وما مخاطبة منتسبي الحركة بعضهم البعض باسم "الرفيق" ، إلا دلالة شفافية طابع هذه الحركة .
....
البنية التنظيمية للقرامطة :
..
بدأت الحركة بتنظيم نفسها في ثلاثة مناطق ، على أساس تقسيم العمل بين الأعضاء الثلاث للوحدة . حيث طور كل من حمدان وعبدان الحركة ونظموها في كوفة العراقية ذات التربة الخصبة ، وسميت هذه المنطقة بمنطقة القرامطة الشمالية . أما عائلة الجنابي فكانت مسؤولة عن مناطق شط العرب الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات والبحرين والخليج . أما المسؤولين عن جنوب البصرى والقطيف المعروفة كمنطقة ثالثة فكان البوراني وأبو الفوارس ، وعرف الاثنين كأوائل الدعاة لحركة القرامطة . ومع تنظيم الحركة وتطويرها في المرحلة الأولى كحركة كومينالية في الشرق الأوسط تحولت إلى نموذج للشعوب والمناطق الأخرى ، وخاصة نظمت الحركة بين صفوف الشعب في الخراسان ، اليمن ، مصر ، الشام وإفريقيا ، وبذلك تنظمت الشعوب في عموم الشرق الأوسط حول التنظيم الشعبي الجماعي لهذه الحركة .
...
بنية القرامطة ليست حركة متطورة من تلقاء نفسها أو مذهب أو عقيدة أو مدرسة يتحرك فيه الكل وفق أهوائه .. بل إن حركة القرامطة هي نظام اجتماعي يعتمد عل قاعدة كومينالية اجتماعية ويتخذ من الفئة الخارجة عن نظام الدولة أساسا من حيث التنظيم والتعليم وكذلك التنظيم الاقتصادي وتشكيل آلية الدفاع وعقد العلاقات مع الشعوب الأخرى .
..
لم يكن يوجد أي فرق بين الشعوب والعقائد لدى القرامطة بصدد التنظيم ، فإنهم دعوا لحركتهم وفق كل دين وأثنية . وان الوصول الى الجميع بغض النظر إن كان صابئيا أو مجوسيا أو يهوديا أو مسيحيا أو مانويا أو فيلسوفا وتنظيمهم ضمن إطار هذه التعاليم كان من المهام الأولية لكل قرمطي .. أن المهمة الأولى أمام كل قرمطي هو معرفة الخصائص الاجتماعية لكل منطقة يذهب إليها .
...
تطورت حركة القرامطة ضمن الطبقة القروية والعبيد من حيث الظهور ، إلا أنها حازت على صدى كبير ضمن الفئات الاجتماعية والاثنية والجماعات العقائدية التي لم تستغني عن مقاومتها وخاصة ضد المعتقد الإسلامي السلطوي الهادف لإخضاع تلك الفئات ..
...
دعت الكثير من المصادر بان القرمطية أرادت أن تنظم نفسها ضمن الطبقة القروية ، إلا أنها لاقت استقبال وترحيب الفئات الطبقية الحرفية بحفاوة في الكثير من المناطق التي توسعت فيها الحركة ، لان وصولها إلى صيغة تنظيمية على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي كنظام ، لم يكن تقربا مرفوضا بالنسبة إلى هذه الطبقات ، بل وحتى أصبح ضمان لحياة ومجالات عملها . فعلى الأقل لم يكن هناك مكان لضرائب باهظة صادرة من الدولة ومجهولة الصرف . وهذا بدوره ما كان يشكل ضمانا حسنا لهذه الطبقة .
..
بإيجاز، ينبغي عدم التطلع إلى هذه الحركة التي أصبحت كابوسا لنظام الدولة في الشرق الأوسط ما يقارب قرنين كحركة مستندة على طبقة أو أثنية أو معتقد فحسب ، بل أنها حركة دعت إلى حياة تكافؤية مشتركة لجميع فئات المجتمع .
..
..
حياة القرامطة الاقتصادية :
...
طور القرامطيين مفهوم اقتصادي يتناسب مع فلسفتهم ومتكافئ مع البنية الاجتماعية . فمثلما أرادوا تحقيق نظام اجتماعي على أساس مفهوم اجتماعي متساوي وحر، طورا نظاما اقتصاديا للإنتاج والاستهلاك مناسبا على نفس الشاكلة ضمن مجتمعات القرامطة.
ان حمدان القرمطي في المراحل الأولى لتشكيل الحركة من بعد بلوغها إلى قوة معينة طلب بدفع الضريبة درهما باسم "الفطرة" من الشعوب في المناطق الموجودة تحت حاكميتهم. وقد استخدمت هذه الضرائب لتلبية حاجات الحركة والنشاطات الكادرية في تلك المرحلة. إلا انه من بعد بلوغ الحركة إلى أرضية اجتماعية معينة قررت الحركة دفع كل شخص دينارا وسمي بالهجرة. أما هذه الضريبة فكانت تصرف لتلبية احتياجات ترسيخ النظام في الأماكن الجديدة التي تحاول الحركة التحكم فيها. وخاصة وجد "دار الهجرة" الذي اشرنا إليه سابقا بفضل ذلك. حيث فرض على كل واحد دفع واحد من الخمسة من ماله بعد بناء دار الهجرة. وكانت هذه المرحلة هي مرحلة انتقال إلى نظام الملكية رويدا رويداً. حيث بنى القرامطة نظاما ضد الملكية الخاصة منذ البداية والى النهاية وحققوه. من بعد الحصول على واحد من الخمسة من المال الذي اعتبر الملكية الجماعية المشتركة بفترة وجيزة فرض الالفة، وهو اسم النظام الذي جمع الكل أموالهم بالاشتراك فيه من دون تفوق احدهم على الأخر ماديا. وبذلك تم إنهاء نظام الملكية الخاصة في المجتمع. حيث كان يبلغ حمدان الناس بأنه لا حاجة لهم بالأموال الموجودة لديهم، كون العالم باكلمه سيكون لهم. وبالأصل فان المفهوم الأساس الذي أعطى لحركة القرامطة خاصية الشيوعية هو إنهاء الملكية الخاصة وتحقيق الملكية الجماعية. ولم يكن للناس أشياء خاصة سوى أسلحة مثل السيف والرمح والقوس.
أما طريقة الإنتاج فكان على شاكلة جماعية وتعاونية، والكل يعمل بالاشتراك في الزراعة والقطف ويتخذ المحصول بالتساوي. أما الحيوانات فكانت تُغذى بالاشتراك، وتستخدم مشتقاتها كالحليب والجبن والسمن والخ جماعيا. حيث انضم الكل إلى النشاطات الإنتاجية بشكل او بآخر. كما انضم الكل ووفق قوته وضمن نطاق مهارته إلى العمل واستفاد من المحاصيل والإنتاج حسب حاجاته.
كانت المحاصيل تجمع في الأماكن التي يمكن تسميتها بدار الشعب. ففي بداية الأمر جمعت في دار الهجرة، إلا أنهم جمعوها في مناطق أوسع من بعدما تعاظم النظام. وسميت كل منطقة من هذه الأمكنة وفق خصائصها الذاتية. مثلا سماه حسان بن المنصور هذا المكان في اليمن ببيت السلام. أما الخزينة المشتركة فسميت بـ "بيت المال"، وكان كل أعضاء الجماعة يحصل على ما يحتاج إليه من هذا البيت. وسميت في المغرب بـ "بيت التشريق" ولدى قرامطة البحرين بـ "المشهد الأعظم". فحتى وان تغيرت أسماء هذه الأماكن من منطقة إلى أخرى إلا أنها أمكنة لجمع الأموال والإنتاج المشترك والذي يحصل فيه العامة على حاجاتهم جماعيا مشتركا.
يسمى هذا النظام من قبل الكثيرين من المؤرخين في راهننا كنظام شيوعي كامل. لم يبقى هناك فرق بين الفقير والغني في المجتمع. واختزل الخلل الاجتماعي الى درجة الصفر. وهذا هو من احد العوامل الرئيسية التي توضح سبب مد هذه الحركة الى مناطق شاسعة في فترة وجيزة. وبذلك حقق القرامطة بنية اجتماعية كومينالية ضد الخلافة العباسية التي تركت شعوب المنطقة عرضة الجوع والفقر لأجل متعتها وصفوتها سواء ببناها الاجتماعية والاقتصادية او بسوية الوعي الذي خلقته او بوعودها لمستقبل حر للشعوب.
الى جانب ذلك يمكن القول بان القرامطة احتلوا مكانة تجارية واسعة، فهناك وثائق تؤكد على ان القرامطة قاموا بالتجارة وعلى راسهم قرامطة البحرين ومجموعاتهم القريبة من مناطق بصرى الخليج. وهذا دليل قاطع على مستوى التقدم الاقتصادي الذي أحرزه نظام القرامطة في البنية الاجتماعية. كما ان العلاقات التجارية هذه أثرت على تطور أهل المنطقة والشعوب الأخرى أيضا.
....
...
دور المرأة القرمطيــــــــــــة :
...
لعبت المرأة دوراً فعال في المجتمع القرمطي , أذ ان الحركة دعت الى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل , ساهمت في أقامه نظام الإلفة , وفي الانتاج , وجمعت كسبها من مغزلها و كانت تدفع خُمس ما تغزله من الصوف و الشعر . ومشاركه في المعارك كخدمة الجرحى و تقديم المؤن و حض الرجال على القتال , ومشاركة من أجل الدعوة و كسب الأنصار لها وكما فعلت المناضله القرمطيه ( تون ) واستطاعت كسب المناضل الكبير عبدان الذي أصبح بعد فترة قصيره مفكر الحركه في العراق . كانت المرأة القرمطية سافرة في مجتمعها وقد علق ( دي خوية ) [ يجوز أن يكون سفور نساء القرامطه سببا للاتهامات التي كيلـــت ضدهم …… كالإباحية وغيرها ]
....
...
تركيبة البشرية لثوار القرامطة :
ــ الفلاحون الفقراء من القرى و الضياع و معضمهم من النبط المتواجدن في اراضي كبار الملاكين . وجزء أخر من الفلاحين ذوي أصول أفريقية ( الزنج ) و فلاحــي ( الزط ) الذين جلبهم الحجاج في عهد الاموي الى العراق و سخرهم في فلاحة الارض .
ـــ العمال الزراعيون و المأجورون والمتجولون و فئه الغامه من الكوفه وجماعات من الديلم والاكراد والموالي و بقايا العامه من الفرس الفقراء .
ـــ القبائل العربية الساكنة في جنوب العراق و قبائل بادية (السمـــاوه والشام) مثل ( صبيعه بن عجل , ربيعـــه ) والقبائل المهاجره من الجزيرة العربية ( البدويـــة ).
....
أســـباب سقوط الحركه القرمطـــــيــــــــه :
ــــ تفرغ الخلافه العباسيه لقتال القرامطة و التنكيل بقادتهم بشكل مروع , بالأضافـــه الى القرب أماكن تواجد القرامطة من العاصمه الخلافه بغداد .
ــــ أختفاء حمدان و مقتل عبدان ممــــا تركه الحركه بدون قيادة متمرســــه .
ـــــ تبعثر القوى الفلاحية و تفاوت شدة استثمارها و تخلفها وقوة الأعداء الطبقيين وأمكانيات الدولة العباسية .
ـــــ الارهاب الفكري الذي مارسه الخلفاء بفرض ايديولوجية الدولة , بمساعدة الفرق الدينية الموالين لهم الذين ألبو الطوائف الدينية من غير أنصار الحركة القرمطية على الحركة .
...
...
....
تعبر مرحلة ظهور حركة القرامطة التي استمرت مدة قرنين عن أهم مرحلة من مراحل الحضارة الديمقراطية ، هذه الحركة التي انتشرت والى جانب المناطق الرئيسية هذه في شمال أفريقيا والهند وتشكلت كنظام تمكنت فيه الفئات الخارجة عن الحضارة الدولتية تنظيم نفسها والاستمرار بوجودها ، واستطاعت ان تبصم بطابعها قرنين من التاريخ وقد يكون هناك أكثر مما تم ذكره . كما أنها جزء تاريخي هام في وصول قيم المجتمع الكومينالية إلى راهننا . حيث تحتاج هذه المرحلة إلى تحري وتشخيص موضوعي صائب متمحور حول المجتمع الأخلاقي السياسي ، كونها لم تقيم بهذا النمط وحتى ان قام البعض من الكتاب او المؤسسات التاريخية الرسمية بتناولها فلم يتجاوزا التضليل والكفر بها . ندرك من ذلك بان جميع الشعوب في الشرق الأوسط دافعت عن قيمها الاجتماعية بهذا النمط ضد الحضارة الدولتية . أن زوال حركة القرامطة رويدا رويداً لا يعني زوال بناها الكومينالية . حيث قدمت توجيها موسعا للمجتمعات حول كيفية حماية قيمهم الاجتماعية الكومينالية ، وما خلقته هذه الحركة من تقاليد أصبح مثلا رئيسيا لشعوب الشرق الأوسط . يمكننا أن نرى اثر القرمطيين في كل حركة اجتماعية ظهرت باسم الشعوب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق