
مركزتيفاوت الإعلامي
-وكيم الزياني
ورثنا فيما يسمى ب “العالم الإسلامي” عقلية خطيرة جدا، عقلية جامدة لا تقبل أي تتزحزح، ولا تقبل أي جديد أو تجديد -أتحدث هنا على مستوى تطور الفكر البشري- وهكذا فإي جديد وتجديد، سواء من داخل هذا العالم أو من خارجه يُستقبل بالرفض، لأن هذا العقل في الحقيقة قُتل وبُرمج عبر نشأته على الجمود، وأنه لا يجب على حاملي هذا العقل أن يفكروا، بل يتطلب منهم أن يطيعوا ويأخذوا وينفذوا، فكل شيء قيل في كتاب الله وسنة رسوله (ص)، وإجماع علماء دين الإسلام، الذين يخول لهم وحدهم بالتفكير في أمور الدين والإفتاء في حياة الدنيا.. وبالتالي بروز تفكير جديد من خارج قلعة التفكير الديني، يكون خارجا عن “الجماعة” والنتيجة أن هذا التفكير يتم اتهامه بالكفر والزندقة وغيرها من الأحكام الدينية الجاهزة..
وهذا لا يعني أن التفكير خارج قلعة التفكير الديني يتعارض بالضرورة مع الدين وروحه الحقيقية، بل هو تفكير يتجاوز ضوابط التفكير التقليدي في قراءة النص الديني وتأويله، وهذه العقلية لم تؤطر العقل الديني الإسلامي فحسب، بل سبق لها أن أطرت العقل الديني المسيحي كذلك، إلى غاية بروز عصر النهضة الأوروبية مع القرن 15.
مع التفكير التقليدي يتم الحكم على أي جديد فكري، انطلاقا من “الحقل التفكري” الذي رسمه العقل الديني، بدون أن نترك حتى للعامة أن يعرفوا مضمون هذا “الجديد” وما الذي يريد أن يقوله سواء كان “مفهوما” أو “نظرية” أو “نظاما في الحكم”، بدون أن نقترب منه ونقوم بدراسة هذا “الجديد” أولا كعلم من نتاج تطور فكر بشري، وذلك لنتعرف عليه وعلى أهدافه ومبادئه، وسياقات بروزه بإيجابياتها وبسلبياتها، ومن ثم نعود إلى الواقع -الذي هو المحك الحقيقي للحكم على أي شيء- ثم نقارن هل ما يحمله هذا “الجديد” موجود في قيمنا وممارساتنا الدنيوية أم لا؟
وفي الأخير عندما نتعرف على مضامين وحمولات ودلالات هذا “الجديد” وروحه الحقيقية، نحكم عليه ونقول، هل يصلح هذا “الجديد” أن تقتدى به أفرادا وشعوبا أم لا؟
هكذا تتم معارضة أي جديد، وبالخصوص ذاك الآتي من الغرب (أتحدث هنا عن بروز هذه المفاهيم نظريا أما ممارسة فكل البشرية ساهمة في ظهورها)، بدأ بظهور السيارة التي إعتبرت الدابة التي تمشي على أربع، وحرم إستعمال البرق (التلغراف) وكُفرت الديمقراطية على أساس أن البرلمان يشرع نيابة عن الله، وكفرت الأحزاب لأنها تشتت الأمة، وصنفت بين “حزب الله” و”حزب الشيطان”، وزندقت العلمانية وكُفرت، واتهم القائلون بها بالإلحاد… وغيرها من الأحكام والأوصاف.
كل هذا تم بدون أن نقرب تلك المفاهيم ونقرأها، وهكذا تم تقييمها انطلاقا مما يسمع الناس من معارضيها، لا من خلال سؤال عما تريد قوله، وبدون اللجوء إلى أمهات الكتب، لنقرأ ونبحث عن مضامينها ومبادئها وأهدافها، كُفر الديمقراطي دون محاورته عما يريده من الديمقراطية، وزُندق العلماني بدون أن يُنصت إلى ما يريد قوله بالعلمانية، وبدون أن نحصل منه على جواب عن كثير من الأسئلة من قبيل: هل العلمانية بالفعل ضد الدين؟ وهل هي بالفعل تعني الإلحاد كما يعرفها شيوخ قلعة الفكر الديني؟…
حتى “العالم الإسلامي” غير خارج عن هذا الصراع، الذي عبر عنه خلال ما سمي في “الفكر الديني الإسلامي” بالصراع بين السياسة الشرعية والسياسة المدنية، الذي بدأ مع نهاية القرن الأول الهجري مع “المعتزلة” الذين دعوا إلى استخدام العقل وقالوا “الإنسان حر وهو المسؤول عن أفعاله وإختياره”، ثم مع مجموعة من المفكرين المسلمين فيما بعد، مثل الخوارزمي، جابر ابن حيان، الرازي إبن سينا، الحجاج، وصولا إلى ابن رشد، الذين قالوا “الدولة يجب أن نسيرها بالعقل وهذا لا يتنافى ولا يتعارض مع الدين”..
كل هؤلاء اتهموا من “علماء الدين الإسلامي” بالكفر والزندقة والخروج عن الجماعة، وحكم عليهم بالإعدام والقتل والتشريد وأمروا بحرق مؤلفاتهم وكتبهم.
*مقتطف من إحدى مقالاتي عن الديمقراطية والعلمانية سبق ونشرته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق