
مركزتيفاوت الإعلامي
إرتاينا ان نعيد نشر مقال للمدعو الجندري
يواجه الربيع العربي؛ اليوم في أقطار المغرب العربي؛ تحديات في غاية الخطورة؛ وذلك نتيجة انبعاث النزعات العرقية؛ الموجهة لخدمة مصالح خارجية؛ هذه النزعات التي أصبحت تعلن بشكل مباشر وصريح؛ عن عرقلة هذا الحراك الشعبي؛ ان لم يخدم مصالحها الفئوية الخاصة؛ التي لا تنفصل طبعا؛ عن مصالح النيوكولونيالية. واذا كان التطرف العرقي الأمازيغي؛ لم يطف الي الوجود الا مع الحركة الاستعمارية؛ التي ضربت الاستقرار الأمني والثقافي لمجموع دول المغرب العربي؛ فان الأجندة الاستعمارية التي مثلتها هذه الحركات العرقية؛ استمرت رغم انسحاب الاستعمار الفرنسي؛ علي وقع ضربات المقاومة المسلحة؛ وكان استمرارها أكبر مؤشر علي استمرارية الاستعمار؛ بأشكال غير عسكرية؛ عبر الاختراق الثقافي واللغوي.
اليوم؛ تحضر هذه الحركات العرقية المتطرفة؛ حاملة لمشروع استعماري جديد؛ يسعي الي استغلال اللحظة الثورية؛ قصد التدشين لمرحلة جديدة في المغرب العربي؛ وأهم ملامح هذه المرحلة؛ تتجلي في محاربة الانتماء الحضاري العربي/الاسلامي للمنطقة؛ لغة وثقافة؛ وانتماء سياسيا واجتماعيا كذلك؛ وذلك من خلال بناء مشروع ايديولوجي متكامل؛ تلعب فيه فرنسا في شراكة مع الكيان الصهيوني؛ دور القيادة.
وقد بدأت ملامح هذا المشروع تعلن عن نفسها بجلاء؛ من خلال الحديث عن دور حركات التطرف الأمازيغي؛ في صياغة مستقبل منطقة المغرب العربي؛ علي المقاس الاستعماري القديم؛ الذي استخدم جميع أنواع الأسلحة؛ لفرض حائط برلين الذي يفصل بين الأمازيغ والعرب؛ وذلك لتسهيل مهمة الاستعمار في فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية؛ عبر تفعيل خطة (فرق تسد).
1ــ درس حركات التحرر الوطني
جاء الربيع العربي كتتويج لعقود من النضال العربي المشترك؛ ضد الأجندة الاستعمارية خارجيا وضد عملاء المستعمر في الداخل. وقد كان الاجماع وطنيا وقوميا علي محاربة كل من يسعي الي زعزعة الانتماء الحضاري للشعوب العربية؛ وذلك لأن قادة النضال كانوا علي علم تام؛ بأن المدخل الأساسي للاستعمار والهيمنة؛ هوافقاد الشعوب العربية امتدادها الحضاري.
وضمن السياق التاريخي الذي نعيشه اليوم؛ فان الأمر أكثر خطورة من سابقه؛ خصوصا وأن هناك من يسعي الي قلب التوازنات السائدة؛ خدمة لأجندة استعمارية لا يشترك معها سوي في الفتات؛ وذلك حينما يسعي الي افراغ هذا الزخم الثوري من انتمائه الحضاري؛ لتحويله الي جثة هامدة بلا روح وبلا حراك.
ان حركات التحرر الوطني؛ حينما كانت تواجه بقوة النزعات العرقية؛ فانها كانت علي ادراك تام لخطورة هذه النزعات؛ التي تسعي الي عرقلة النضال الحقيقي؛ من أجل الاستقلال والتحرر؛ وتحويله الي نزاعات اقليمية/داخلية تشل الحركية النضالية وتجرها الي الخلف.
ومن هذا المنظور؛ فان الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي؛ حينما خطط لشل حركية النضال الوطني؛ لجأ الي شحن هذه النزعات العرقية؛ وعمل علي تفجيرها في وجه حركات التحرر الوطني.
واذا أخذنا المغرب كنموذج؛ فان سنة 1930 تؤرخ لهذه المؤامرة الاستعمارية الخبيثة؛ التي سعت الي تحويل وجهة الصراع؛ من صراع المغاربة (جميع المغاربة) ضد المستعمر؛ الي صراع من نوع آخر؛ كان يسعي الاستعمار الي تدشينه؛ وهوصراع المغاربة ضد بعضهم البعض؛ وطبعا الرابح الأكبر من هذه المعركة (الدونكشوطية!) هوالمستعمر؛ الذي يسعي الي بسط هيمنته علي الجميع في الأخير.
وحسب الأستاذ محمد عابد الجابري؛ فان 1930 هي السنة التي اختارها الفرنسيون؛ للاعلان عن الشروع في تطبيق مخططهم الاستعماريــ الظهير البربريــ الذي كان يهدف الي النيل بكيفية خطيرة ومباشرة من الكيان المغربي؛ الاجتماعي والسياسي والثقافي والديني؛ وذلك بالفصل في سكان المغرب؛ بين ما ك نت تسميه سلطات الحماية العنصر العربيــ من جهة و العنصر البربريــ من جهة أخري؛ فصلا حضاريا شاملا؛ كان المقصود منه فرنسة القسم الأكبر من الشعب المغربي؛ هذا القسم الذي لم يكن قد استسلم بعد؛ بكيفية نهائية لسلطات الاحتلال. (1)
ان استحضار الخلفية التاريخية هنا؛ ليس لترسيخ نظرية المؤامرة؛ ولكن للتحذير من مخاطر الطريق التي يمكنها أن تهدد الربيع العربي في أي حين؛ وهي مخاطر جدية وليست من نسج الخيال؛ خصوصا وأن التهافت علي قطف الثمار قبل نضوجها؛ بدأ يفرض نفسه بقوة؛ من خلال ارتفاع الأصوات المنادية باستثمار هذا الحراك الشعبي؛ للتأسيس لمرحلة جديدة؛ قوامها رد الاعتبار للنزعات العرقية؛ التي اختفت مع النضال الوطني؛ وذلك باعتبارها سلاح المعركة الجديد؛ الذي صنعه الغرب وصدره لنا؛ كي نستعمله للاجهاز علي كل آمالنا في التحرر من الاستبداد والتسلط؛ كما صدره لنا في مرحلة سابقة للاجهاز علي آمالنا في التحرر والاستقلال.
2ــ أجندة فرانكفونيةــ صهيونية مفضوح حينما نتحدث عن هذه النزعات العرقية؛ فاننا نقصد بوضوح تام؛ ما تشكله حركات التطرف العرقي الأمازيغي؛ من تحديات مستقبلية؛ خصوصا في دول المغرب العربي؛ والتي أصبح تروج لمغالطات مفضوحة؛ تقوم علي أساس تزوير التاريخ؛ لاستثمار اللحظة الثورية؛ لخدمة أجندة خارجية بالدرجة الأولي. ويمكن تصنيف هذه الأجندة الي مستويين علي الأقل:
أجندة فرانكفونية
وهي أجندة ترتبط بمصالح فرنسا في مستعمراتها السابقة؛ ولهذا الاعتبار مسوغه المنطقي؛ فالاستعمار الفرنسي قبل أن ينسحب؛ فانه خلف نخبة ادارية وعسكرية؛ شكلها علي مقاسه في مدارس البعثة الفرنسية؛ التي كانت موجهة بالأساس لأبناء الأمازيغ؛ سعيا منه لخلق أتباع قابلين للتوظيف.
فقد عمدت الحماية الفرنسية في هذا الميدان الي انشاء ما أسمته بالمدارس البربريةــ الفرنسية؛ وهي المدارس التي كان الهدف منها انشاء جيل مقطوع الصلة تماما؛ بالتراث العربي الاسلامي من جهة؛ ومتشبع أكثر ما يمكن بالتراث الفرنسي والقيم الحضارية الغربية المسيحية؛ من جهة أخري. (2)
ولعل هذا هوما تحقق فعليا؛ فأخطر ما تواجهه دول المغرب العربي اليوم؛ هوهذه النخبة الأمازيغية المفرنسة؛ التي نجح الاستعمار في فصلها عن انتمائها الحضاري العربي/الاسلامي؛ الذي شكل علي الدوام الهوية المغاربية.
وهذه النخبة مستعدة في كل حين لعرقلة أي حراك اجتماعي؛ لا تري أنه يخدم مصالح المتربول الذي تمثله؛ ونحن هنا لا نعدم الأمثلة؛ فهي كثيرة؛ ولكن لنقتصر منها؛ علي قبايليي الجزائر؛ الذين تحولوا الي دمي في يد فرنسا؛ تحركها في أي اتجاه تريد؛ وفي الوقت الذي تريد؛ وجميع هذه التحركات تكون اجابة من فرنسا علي قضية خلافية تجمعها مع الحكومة الجزائرية؛ وقد وصلت غاية هذا التوظيف؛ من خلال اعلان؛ الحكومة القبايلية لتمثيل أمازيغ الجزائر؛ بدعم فرنسي كامل وقوي؛ ردا علي الدعوات الجزائرية المطالبة؛ باعتراف فرنسا بالجرائم التي اقترفتها خلال المرحلة الاستعمارية.
أجندة صهيونية:
بالاضافة الي التوظيف الفرنسي للأمازيغ في المغرب العربي؛ فان الصهاينة يلتحقون اليوم بهذا الركب؛ وهم يدخلون الآن من بوابة دعم الأقليات في العالم العربي؛ في انتظار توظيفها لوأد الطموحات الوحدوية للشعوب العربية؛ وهي طموحات تعرف اسرائيل قبل غيرها؛ أنها اليوم وصلت الي درجة النضج؛ بعد اسقاط الأنظمة الديكتاتورية؛ التي كانت تحمي مصالحها سابقا.
ولذلك فان الصهاينة يستعدون الآن لكسر الأفق الوحدوي العربي؛ عبر توظيف حركات التطرف الأمازيغي في المغرب العربي؛ في انتظار عزلها عن التحولات الجارية في المنطقة العربية؛ ومن هنا يمكن أن نفهم الحديث المتكرر اليوم؛ عما يسمي بثورات شمال افريقيا؛ كبديل لمسمي الربيع العربي؛ الذي فرض نفسه أكاديميا واعلاميا؛ عبر العالم وبجميع اللغات.
وفي هذا الصدد يمكن استحضار دراسة اسرائيلية أعدها (تسيفي مزائيل) الخبير الاستراتيجي الاسرائيلي وسفير تل أبيب السابق لدي القاهرة؛ ونشرها المركز الأورشليمي للدراسات السياسية والاستراتيجية (3)؛ رصد من خلالها موقف اسرائيل حيال التغيرات السياسية؛ التي يشهدها العالم العربي؛ ومدي تأثيرها علي أوضاع الأقليات الدينية والقومية؛ مشيرا في بدايتها الي أن السؤال الذي يطرح نفسه في تلك المرحلة هو: هل الهدف من وراء الثورات التي شهدتها مصر وتونس ولازالت تشهدها أقطار عربية أخري؛ هوتلبية رغبات العرب والمسلمين في تلك البلدان؛ أم أنها جاءت لتلبي مطالب جماعية، أي بما فيها مطالب الأقليات؟
وقد تناول الخبير الصهيوني في دراسته؛ جوابا علي هذا السؤال؛ ثلاثة محاور أساسية؛ حاول من خلالها توضيح الرؤية الاسرائيلية لملف الأقليات في العالم العربي: يثير الخبير الصهيوني من خلال المحور الأول؛ قضية الأكراد في العراق وتركيا؛ باعتبارها مجالاً خصباً للتدخل الاسرائيلي في ملف الأقليات بمنطقة الشرق الأوسط.
وفي محور آخر؛ يثير الخبير الصهيوني قضية الأقباط في مصر؛ باعتبارها الورقة الرابحة؛ للضغط علي مصر للالتزام باتفاقية " كامب ديفيد" التي تقيد مصر وتمنعها من ممارسة كامل سيادتها علي أرضها؛ وكذلك علي قرارها السياسي.
لكن تركيز الخبير الصهيوني في الدراسة؛ كان أكثر علي الأمازيغ؛ في دول شمال أفريقيا, حيث أشار في دراسته؛ الي أن هؤلاء البربر عاشوا طوال القرون الماضية تحت (الاحتلال) العربي؛ علي الرغم من أنهم (السكان الأصليين) في شمال أفريقيا؛ التي تضم الجزائر والمغرب وليبيا؛ وقد أطلق عليهم الرومان؛ البربر لعدم حديثهم باللاتينية أواليونانية؛ وهم أصحاب ثقافة زراعية سابقة عن ظهور الاسلام ويطلقون علي أنفسهم أسم الأمازيغ.
ويجد هذا التركيز الاسرائيلي؛ علي الأمازيغ في شمال افريقيا؛ يجد تفسيره في العلاقات المفضوحة التي أصبحت تربط الكيان الصهيوني؛ بحركات التطرف الأمازيغي؛ سواء في الجزائر أوفي المغرب (وفي ليبيا وتونس الثورة)؛ تحت ادعاءات واهية ترتبط بالانتماء العرقي؛ لكنها تخفي في الحقيقة؛ ما أصبحت تمثله هذه الحركات؛ من خطر داهم علي سيادة ووحدة دول المغرب العربي.
وفي هذا الصدد فان هذه الحركات العرقية؛ تتبجح بعلاقاتها المشبوهة بالكيان الصهيوني؛ هذه العلاقات التي يعتبرها أحدهم "احدي وسائل الدفاع عن النفس، ضد الاستهداف الذي يتعرض له أمازيغ المنطقة المغاربية من القوميين العرب ومن بعض المتطرفين الاسلاميين.(4)
واذا كان الكيان الصهيوني ينظر للعب ورقة الأقليات في العالم العربي؛ لكبح جماح المد الثوري العربي؛ فان اسرائيل نفسها لا تعدم وجود هذا التعدد العرقي واللغوي؛ لكنها تقاربه بطريقتها الخاصة المرتبطة بالوحدة القومية.
ففي حديث الرئيس الاسرائيلي السابق (اسحاق فانون) عن موضوع صراع "التجمعات المختلفة" في (اسرائيل)؛ أقر بأنه يوجد في (اسرائيل) ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف يهودي (في ذلك الوقت) جاؤوا من 102 بلدا ويتكلمون 81 لغة، ومن المهمات الرئيسية لاسرائيل؛ أن تعرف كيف توحدهم في قومية واحدة، وأكد أن هذا سيتم خلال 30ــ 40 سنة، بحيث لا يصبح هناك الا مواطنون اسرائيليون فقط؛ وتنسي المجموعات أصولها الأولي؛ وتنصهر في بوتقة المجتمع الاسرائيلي الواحدة".(5)
هذا في اسرائيل؛ أما في العالم العربي فما هوحرام عليكم حلال علينا؛ انه الكيل بمكيالين؛ وهي صنعة يتقنها الكيان الصهيوني؛ بشكل جيد وأكثر من أي أحد غيره؛ ففي الوقت الذي تمارس اسرائيل تطهيرا عرقيا لا مثيل له في التاريخ؛ لتشكيل الدولة اليهودية الخالصة؛ من منظور هتليري؛ يقوم علي أساس نظرية النقاء العرقي؛ في هذا الوقت بالذات تسعي الي تقديم الدروس الرخيصة للعالم العربي؛ الذي عاش قرونا من الوئام والتعايش بين مختلف الأعراق والاثنيات؛ عبر المزاوجة بين الانتماء الحضاري العربي/الاسلامي من جهة؛ والمحافظة علي خصوصيتها من جهة أخري؛ ولذلك فان العرب/المسلمون لم يمارسوا في تاريخهم أي تطهير عرقي؛ بل ان الجذب الحضاري الذي مثلته الحضارة العربية لأقوام وأعراق واثنيات مختلفة؛ كان ينطلق من معيار (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم).
تعدد الأعراق ووحدة المنظور الحضاري
لقد كانت التعددية في العالم العربي واقعا معاشا؛ ولا يشكل أي عائق في وجه الانتماء الحضاري العربي/الاسلامي؛ لأن جميع الأعراق والاثنيات انتمت الي الحضارة العربية/الاسلامية عن طيب خاطر ومن دون أي عنف رمزي.
وهذا ما أهلها لتكون فاعلة في بناء الصرح الحضاري العربي/ الاسلامي من دون أي عقد نقص؛ بل علي العكس من ذلك ساهم البربر ومعهم الفرس والأتراك؛ من موقع ريادي؛ في تطوير العلم والسياسة والاقتصاد؛ بلغة عربية فصيحة وبمتخيل عربي/اسلامي أصيل.
ان الثقافة العربية؛ كما تشكلت تاريخيا؛ مقوم أساسي من مقومات الشخصية العربية؛ وعنصر أساسي كذلك في وحدة الأمة العربية؛ غير أن الوحدة الثقافية علي صعيد الوطن العربي (..) لا تعني قط فرض نموذج ثقافي معين علي الأنماط الثقافية الأخري المتعددة والمتعايشة (..) ان التعدد الثقافي يؤكد الأستاذ الجابريــ في الوطن العربي واقعة أساسية لا يجوز القفز عليها؛ بل بالعكس لا بد من توظيفها بوعي؛ في اغناء واخصاب الثقافة العربية القومية؛ وتطويرها وتوسيع مجالها الحيوي. (6)
يركز الأستاذ الجابري علي التشكل التاريخي للثقافة العربية (الثقافة العربية كما تشكلت تاريخيا)؛ وذلك للتأكيد علي الانفتاح الذي تميزت به؛ فهي لم تفرض نفسها كمنجز كامل؛ يرتبط بمرحلة زمنية وانتماء جغرافي؛ بل تشكلت عبر التاريخ بمساهمة فاعلة لكل الأعراق التي انتمت اليها؛ ولذلك فان الانتماء الحضاري العربي/الاسلامي؛ ليس انتماء قوميا مغلقا يتخذ طابعا عرقيا؛ بل هوانتماء حضاري مفتوح علي كل أشكال التطوير والبناء. من هذا المنظور ــ اذن ــ تعايشت مختلف الأعراق ضمن الانتماء الحضاري العربي/الاسلامي؛ لقرون؛ من دون أن يثار اشكال العرق؛ وكان الجميع يشعر بانتمائه الحضاري ويمارسه؛ من دون أي مركب نقص أوتفوق. لكن البدايات الأولي لظهور هذه النزعات العرقية؛ كانت بالأساس منذ الهجمة الاستعمارية علي العالم العربي؛ حيث سعي الاستعمار الي توظيف هذا التعدد؛ لبلقنة المنطقة العربية؛ وذلك لتسهيل مهمته في بسط نفوذه الاستعماري؛ عملا بالمقولة الاستعمارية (فرق تسد).
ورغم هذه المجهودات الاستعمارية الكبيرة؛ في فرض البلقنة والتشرذم كأمر واقع في العالم العربي؛ بذريعة الأصل والانتماء العرقي؛ فان الوعي القومي الذي كان يخترق الشعوب العربية من المحيط الي الخليج؛ بعامتها ونخبها؛ هذا الوعي ساهم الي أبعد الحدود؛ في تكسير هذه الاستراتيجية الاستعمارية علي صخرة الواقع؛ الذي يثبت أن العالم العربي شكل تاريخيا وحدة حضارية؛ لا يمكن لأي قوة في العالم أن تفككها؛ وقوة هذه الوحدة تكمن في تجاوزها لمعايير السياسة؛ لتخترق اللاشعور الاجتماعي والجمعي؛ عبر صياغة رؤية مشتركة للعالم ومتخيل مشترك وبنية فكرية مشتركة... وهذه مقومات حضارية؛ لا يمكن لسياسي مؤدلج أن يفهمها؛ لأنها تحتاج الي مجهود أركيولوجي وجينيالوجي؛ يتجاوز قدرات ايديولوجية البلقنة والتقسيم.
ان ورقة الأمازيغ التي تسعي فرنسا؛ في شراكة مع الكيان الصهيوني؛ الي لعبها في المغرب العربي اليوم؛ لتشكيل المنطقة علي المقاس؛ خدمة لمصالحهما الاستراتيجية؛ هذه الورقة أصبحت رثة وفاقدة لأية قيمة؛ وذلك لأن الوعي الشعبي في العالم العربي من المحيط الي الخليج؛ وصل مرحلة الرشد؛ ولن يسمح بأية رقابة خارجية؛ تعتبر من جنس الاحتلال؛ الذي تمت مواجهته بحكمة وقوة؛ حينما سعي الي لعب هذه الورقة خلال المرحلة الاستعمارية.
ولذلك فإن المد الثوري الذي يضرب العالم العربي؛ مبشرا بعهد جديد؛ يقطع مع عهود من الاستبداد والتسلط؛ هذا المد يمتلك وعيا حادا بانتمائه الحضاري العربي/الاسلامي؛ وهو مستعد في أية لحظة لدمج تحديات الخارج مع تحديات الداخل؛ كلما أحس أن قوة خارجية تسعي الي استثماره في تحقيق أهدافها الخاصة.
ولعل أبرز دليل علي ذلك؛ هوما عاشته مصر خلال الفترة القريبة؛ حينما تحول ميدان التحرير في القاهرة؛ الي مكان مشحون بالرمزية والدلالة؛ وهويثور بنفس الشعارات وبنفس الزخم الشعبي؛ ضد الاستبداد والتسلط؛ وكذلك ضد كل الخطط الصهيونية؛ التي تسعي الي الصيد في الماء العكر؛ وكم كان هذا المشهد مؤثرا وتاريخيا الي أبعد الحدود؛ حينما اختلط البعد الوطني بالبعد القومي؛ وتداخلت تحديات الداخل مع تحديات الخارج؛ وثارت الكرامة العربية في وجه الصهاينة؛ وهي في عز نزيفها!!! هذا المشهد ليس استثناء في العالم العربي؛ ولكنه يمثل القاعدة؛ فما حدث في مصر؛ يمكن أن يتكرر في المغرب والجزائر وليبيا وفي سوريا والعراق واليمن... وبنفس الشكل والمضمون؛ فلا يظنن أحد أن الفرصة مواتية لفرض أجندة استعمارية علي الشعوب العربية؛ لأنه رغم عقود من الاستبداد والتسلط والعمالة للخارج؛ لا زال الوعي العربي حادا؛ وهومستعد للانتفاض في أية لحظة؛ ضد كل الأجندة الاستعمارية؛ التي يسعي الغرب الي توطينها؛ بمساعدة قوي داخلية؛ ترضي بالعيش علي الفتات.
الهوامش:
1 ــ محمد عابد الجابري ــ أضواء علي مشكل التعليم في المغرب ــ دار النشر المغربية ط: 1 ــ 1973 ص :29
2 ــ نفس المرجع ــ ص:29
3 ــ تسيفي مزائيلــ الوقع الرسمي للمركز الأورشليمي للدراسات السياسية والاستراتيجية.
4 ــ تصريح الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني لموقع قدس بريس؛ نقلا عن موقع هسبريس علي الرابط التالي :http://hespress.com/permalink/14662.html
5 ــ تصريح اسحق فانون (الرئيس الاسرائيلي السابق) لمراسل صحيفة لوموند الفرنسية في 23/02/1983.
6 ــ محمد عابد الجابري ــ اشكاليات الفكر العربي المعاصر ــ مركز دراسات الوحدة العربية ــ ط 1 ــ 1989 ــ ص:42
-----------------------
د. ادريس جنداري
جريدة الزمان
9/2011/ 10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق