مركزتيفاوت الإعلامي
أحمد الدغرني
تناقلت وسائل الإعلام بالمغرب وخارجه عن توقيف"عاصفة الحزم" وتعني هذه الجملة حرب السعودية على اليمن، وبمشاركة المغرب التي تفرض على كل من يحمل شيئا من هموم الشعب المغربي أن يحاول دراستها، وهو توقف قد يكون تراجعا عن الخطأ في شن هذه" الحرب الجوية » الآتية إلى اليمنيين من خادم الحرمين الشريفين وأتباعه من "السماء" بألفاظ سياسية مهذبة، لكن التوقيف لايحمل معناه في الواقع، بل يعني بتفسير مخالف مناورة لغوية- سياسية لتبديل اسم عاصفة الحزم ليصبح "عاصفة إعادة الأمل".ومن الذي فقد الأمل حتى نتحدث عن عودة الأمل؟
والاسم الجديد لنوع الحرب يحيل بصريح العبارة على ما أشرت اليه في مقال سابق، منشور بجريدة هسبريس، ذكرت فيه هذا الاسم RESTORE HOPE الذي أطلقته الولايات المتحدة على تدخلها في حرب الصومال سنة 1992 واستعارته السعودية لحربها سنة 2015 في اليمن لتتقرب بالاسم الجديد إلى تاريخ هزيمة الجيش الأمريكي وقوات الأمم المتحدة وانسحابهم بالقوة من الصومال بدون رجعة، لكي لا تكون هزيمة "إعادة الأمل » في اليمن سوى نموذج شمل من قبل أقوى دولة في العالم سنة1993 وهي USA ولا يلام فيه جيش الدول المتخلفة مثل السعودية والمغرب والأردن ومصر...ولا تعتبر فيه الهزيمة غريبة ومشينة للمنهزم « العربي" الأجنبي عن اليمن فوق أرض اليمن، وكما لم يكن شن عاصفة الحزم شأنا شعبيا في المغرب ولا شأنا برلمانيا ولا حزبيا ولا نقابيا ولا حكوميا، بل كان قرارا فوقيا، مثل غيره من البلدان المشاركة فيها، فقد كان مصير توقيف تلك" العاصفة" مشابها لقرار شنها بالنسبة للشعوب التي يشارك فيها جيشها دون مشاركة شعوبها، لأنها حرب جوية لايستطيع خوضها إلا من يطير من بلد الى آخر..
واسم" العاصفة" هو استعمال لحدث طبيعي يفوق إرادة الإنسان TEMPETE اقتبسه قادة الحروب وتجارها من لغة الرياح الهوجاء ليستعملوه في الحروب المدمرة، ولم ينتبه الكثيرون ممن يسمعون ويقرأون ويكتبون لغة الحروب الى خطورة استعمال أسماء التدمير الطبيعي في مجال العدوان العسكري للإنسان على أخيه وأخته في الإنسانية، فبسبب العساكر »اللائكية" تحول من ينسبون سياستهم للإسلام من لغة الغزوات التقليدية في الكتب المدرسية مثل "معركة بدر » "ومعركة أحد » و "معركة فتح" التي يربطها الهاجمون حاليا بالجهاد لنشر الدين، ويربطها الملا حدة واللائكيون بالطبيعة، والهدف من هذا الكلام هو إبراز نوع من المناورات السياسية- اللغوية لتجار الحروب الجديدة في الخليج والشرق الأوسط عموما وشمال أفريقيا، والانتباه الى التعابير اللغوية الماكرة المستعملة أثناء حرب اليمن الحالية يكشف عن سياسات في غاية الخطورة والأهمية بالنسبة لعلاقة العسكر بالسياسة في مستقبل هذه البلدان.
فبالنسبة للسعودية ظهر مصطلح "القيادة العسكرية" متميزا ورائجا في الخطاب السياسي الرسمي مثلا في الندوة الصحفية التي عقدها سفير تلك الدولة بالرباط، في دولة تتركز فيها القيادة قبل حرب اليمن بجهة واحدة هي خادم الحرمين الشريفين، وفي المغرب شارك الجينيرال بوشعيب عروب في اجتماع بمصر أوردته الصحافة تحت عنوان "رؤساء أركان القوات المسلحة" التي تهئ مشروع "الجيش العربي المشترك » في دولة يعتبرا فيها هذا الضابط مفتشا عاما للقوات المسلحة ورئيسا للمنطقة الجنوبية، وليس رئيس أركان، (أنظر جريدة الأحداث المغربية يوم 24/4/2015)وبلد تعتبر الأمازيغية من مكونات هويته، وبالنسبة لمصر لايزال النقاش السياسي مستمرا في دواخل المجتمع حول طبيعة سلطة المشير السيسي الآتي من العسكر إلى الرئاسة بدون حزب سياسي ولا كتاب سياسي منشور هل هي انقلاب عسكري أم انتقال السلطة من حكم حزب الحرية وحلفائه بطرق ديمقراطية؟
لقد أدت حرب اليمن منذ اندلاعها الى تنشيط دور العسكر النظامي المنخرط فيها في المجال السياسي بظهور أسماء قادة وضباط عسكريين وناطقين رسميين باسم الجيوش لم يكن أحد يعرفهم من قبل، وهم من العسكر الذي يكاد يظهر مكبوتا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإيران أمام ظهور "الجيش الحر" وجيش "جبهة النصرة" في سوريا منذ خمس سنوات على المستوى العالمي والداخلي، وظهور الجيوش غير النظامية عند دولة الإسلام في العراق والشام (سوريا ومصر ولبنان) وحزب الله في لبنان، وجيوش الأكراد، حيث أصبحت كل أنظمة الاستبداد "العربي-الإسلامي" تحتاج إلى تسخين عضلات جيوشها النظامية التي تعيش الخمول والبرودة وتعلق النياشين فوق أكتافها وهي التي تتفرج على الحروب وتظل مغلقة داخل أسوار القشلات العسكرية، والبطولات العسكرية الآتية من القوات المسلحة المتمردة التي لا تلبس الزي الرسمي لحراس الحكام المستبدين، وتستحضر حرب اليمن مع السعودية مشكلة تربية الشعوب على عمليات القتل بواسطة حروب القوات المسلحة، وهي التربية الضرورية لكل حاكم يحكم الناس بالقمع والمنع والسجن والتعذيب والقتل..وهذه التربية هي المبرر العميق لقرارات الحكام المشاركين في هذا النوع من الحروب التي يقتل فيها المسلم مثيله والعربي من ينتمي معه الى هوية واحدة، فبالأحرى قتل من لاينتمي الى هذين العنصرين، ويعتقد بعض الكتبة ومحترفي الصحافة المملة أن إيران يهمها نشر الشيعة، وأتباع السعودية يهمهم نشر السنة، في حين أن ما يهم رؤساء المتحاربين بما في ذلك إيران هو تدريب الجيوش على قتل الشعوب، وهو هدف مشترك بينهم جميعا يصلح اليمن الضعيف والمقهور ليكون هو المدرسة التطبيقية للقتل عند المستبدين الأقوياء ممن يشترك مع شعب اليمن في الفقر والعقيدة والهوية، وزعزعة الاستقرار..
ومن البديهي أن مهنة العساكر هي الحروب، وتنشيط تجارة المعدات والتجهيزات الحربية، وتوقف الحروب يعني توقيف تلك التجارة، وهذا هو ما يفسر كون الحروب التي تجري حاليا في افريقيا والشرق الأوسط تتم خلالها إعلانات صفقات شراء الأسلحة من الدول الصناعية، فاليمن كمدرسة تطبيقية يتلقى الأسلحة مجانا ولم تستطع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي فتح البحث حول مصادر الأسلحة، لكن السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر والمغرب والجزائر وإيران وكل البلدان التي لاتوجد فيها محاسبة ديمقراطية حول صرف الأموال على الحروب...مثلا ليس لهم سوى الشراء، ولم يسمع قط لمن يريد أن يفهم من المغاربة والجزائريين إبرام أية صفقة لشراء السلاح من طرف البوليساريو وهم يتوفرون على ترسانة من الأسلحة، ولا من طرف الأكراد بينما تبرم الصفقات مع المغرب والجزائر وإيران بعدد يصعب حصره منذ سنة 1975 حتى اليوم،والهدف الصريح الذي نجح فيه اليمنيون وغيرهم من المحاربين جميعا (الحوتيون،وقوات علي عبد الله صالح وعبد ربو منصور، والقاعدة وجبهة النصرة وحزب الله..) هو دفع إيران والسعودية معا وأتباعهما الى سوق شراء الأسلحة، كما أن فترات الحروب هي لحظات خنق الحريات العامة للشعوب، وعسكر مصر ربح فترة تأجيل الانتخابات البرلمانية بعد أن فازوا بانتخابات رئاسة الدولة، وأنظمة الحكم المستبدة حسب التجارب لايحسم سقوطها سوى التدخل العسكري ( مثلا دور عبد الفتاح يونس في سقوط الكدافي والجينيرال عمار في سقوط بنعلي، ودور المشير حسين طنطاوي في مصر)، والعناصر المسلحة التي تنشط وحدها في فترات توقف الحروب هي المخابرات المتنوعة،ولذلك تحاول أنظمة الحكم المستبدة دمج العساكر مع أجهزة الأمن في ميادين التدريب على تشديد الحراسة على المدنيين، في حين أن أزمة الأمن والاستقرار هي أزمة الديمقراطية.--
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق