بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 مارس 2015

القسم في المناهج المجال التربوي زكية مازغ



مركزتيفاوت الإعلامي
إنجاز: زكية مازغ
بسم الله الرحمان الرحيم

مديريــة المناهــج

مقاربة مضامين وقيم الكتب المدرسية في ضوء التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي
يعتبر إصلاح البرامج والمناهج التربوية لبنة جديدة تضاف إلى مسلسل إصلاح وتطوير المجال التربوي في بلادنا, فقد عرف نظامنا التعليمي عدة تغييرات, طالت هيكلته ومناهجه وبرامجه, ومنظوره بصفة عامة , على مستوى التعليم الأساسي والثانوي, كان آخرها نظام التدريس بالأهداف, أو ما يسمى ب :"التدريس الهادف", والذي كان الغرض منه تجاوز عيوب النظام القائم على طرق الإلقاء والتلقين .
وكانت الغاية من ذلك, أن تتوزع أهداف التعليم على الفئات الثلاث من الأهداف التربوية :المعرفية, والحس-حركية, و الوجدانية.
ورغم السنين الطويلة التي رفع فيها شعار التدريس الهادف, إلا أننا لم نستطع
تحقيق ذلك, وبقيت الممارسة الأكثر شيوعا, هي إتاحة المجال للمتعلم لاكتساب كثير من المعارف, وقليل من المهارات, بينما أهملت القيم إهمالا كاملا, حتى أصبحت البعد الغائب في مناهجنا, في جميع مراحل التعليم , من الأساسي إلى الثانوي إلى الجامعي, رغم التنصيص عليها عند صياغة أغراض التعليم.
ومن ثم جاء اختيار التربية على القيم وتنمية الكفايات كمدخل للتدريس, باعتباره الخيار الأفضل لتحقيق التوازن في التعلمات.
وبالعودة إلى الوثائق الرسمية نجد أن التركيز على القيم ورد في غير ما مرة, إما بصيغة مباشرة أو في صيغ مختلفة تتضمن معنى ذلك. ففي الخطاب الملكي الصادر في 8/10/1999 بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة المتعلق بالتعليم, أشار صاحب الجلالة إلى الغاية من التعليم في قوله:" إن غايتنا هي تكوين مواطن صالح قادر على اكتساب المعارف والمهارات , مشبع في نفس الوقت بهويته التي تجعله فخورا بانتمائه, مدركا لحقوقه وواجباته..."(ص2 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين).
كما نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مبادئه الأساسية على مجموعة من المرتكزات الثابتة المتجلية في القيم الروحية والأخلاقية والوطنية والاجتماعية والعلمية والتقنية, ومن أمثلة ذلك نذكر ما يلي:
المرتكز الأول: يهتدي نظام التربية للمملكة المغربية بمبادئ العقيدة الإسلامية, وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح, المتسم بالاعتدال والتسامح, الشغوف بطلب العلم والمعرفة, في أرحب آفاقهما, والمتوقد للاطلاع والإبداع, والمطبوع بروح المبادرة الإيجابية والإنتاج النافع.
المرتكز الثاني : يتأصل النظام التربوي في التراث الحضاري والثقافي للبلاد, بتنوع روافده الجهوية المتفاعلة والمتكاملة, ويستهدف حفظ هذا التراث وتجديده, وضمان الإشعاع المتواصل به لما يحمله من قيم خلقية وثقافية.
المرتكز الثالث:...تنشئة المتعلم على الاندماج الاجتماعي, واسيعاب القيم الدينية والوطنية والمجتمعية.
المرتكز الرابع: وتأسيسا على الغاية السابقة, ينبغي لنظام التربية والتكوين أن ينهض بوظائفه كاملة اتجاه الأفراد والمجتمع وذلك:
- بمنح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية, وفرصة مواصلة التعلم...
هذا ولا يكاد يخلو بند من هذه البنود من إشارة إلى مجموعة من القيم الأساسية والثابتة,(الميثاق الوطني للتربية والتكوين, الرباط 8 أكتوبر 1999)
وما لاحظناه من اهتمام كبير بالقيم في الميثاق الوطني, نلاحظه في الكتاب الأبيض , ففي مقدمة الكتاب, يطرح المؤلفون الصعوبات التي تواجه المناهج , ومنها صعوبة ثنائية الثابت والمتغير في القيم التي ينبغي أن تؤطر المناهج التربوية, ويضع من بين الاعتبارات الأساسية للحديث عن النظام التربوي اعتبار :" مجتمع المتعلمين والأطر التربوية على اختلاف فئاتهم ومواقعهم, والذي يكاد يبلغ حوالي خمس ساكنة البلاد, النواة الصلبة والقلب النابض للمجتمع المغربي في ضمان الاستقرار الاجتماعي والثقافي, وتطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان, وإنتاج المعرفة والرأي وتنمية روح المبادرة والقدرات الإنتاجية والإبداعية, وتحصين الهوية المغربية والارتقاء بها..."(الكتاب الأبيض ج1 ص6 ط2002).
كما نجد الاختيارات والتوجهات العامة, الموجهة لمراجعة مناهج التربية والتكوين, هي أيضا, تنطلق من مجموعة من القيم نذكر من بينها:
- المساهمة في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة ومتفتحة للمتعلم المغربي, تقوم على معرفة دينه وذاته, ولغته وتاريخ وطنه وتطورات مجتمعه"
- استحضار أهم خلاصات البحث التربوي الحديث في مراجعة مناهج التربية والتكوين, باعتماد مقاربة شمولية ومتكاملة, تراعي التوازن بين البعد الاجتماعي الوجداني, والبعد المهاري, والبعد المعرفي, وبين البعد التجريبي, والتجريدي ، كما تراعي العلاقة البيداغوجية التفاعلية, وتيسير التنشيط الجماعي.
- اعتبار المدرسة مجالا حقيقيا لترسيخ القيم الأخلاقية, وقيم المواطنة وحقوق الإنسان, وممارسة الحياة الديمقراطية.
وختمت هذه الاختيارات بعبارة:" ولتفعيل هذه الاختيارات, فقد تم اعتماد التربية
على القيم, وتنمية وتطوير الكفايات التربوية, والتربية على الاختيار, كمدخل بيداغوجي لمراجعة مناهج التربية والتكوين."
كما جاءت الاختيارات والتوجهات في مجال القيم, قائمة على المرتكزات الثابتة الواردة في الميثاق الوطني والمتجلية في:
- قيم العقيدة الإسلامية
- قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية.
- قيم المواطنة.
- قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.(الكتاب الأبيض ج 1ص12 ط2002).
وبناء على هذه الاختيارات والتوجهات جاءت مواصفات المتعلمين في نهاية سلكي التعليم الأساسي والثانوي الإعدادي , انطلاقا من مجموعة من الاعتبارات منها:
- اعتبار درجات التوفيق والتكامل والتركيب بين عمليات النقل والتفاعل والتحول
في مجال القيم الإسلامية والحضارية , وقيم المواطنة وحقوق الإنسان.(الكتاب الأبيض ص18).
بينما تخفت هذه القيم وتتحول نحو القيم الفنية والإبداعية في التعليم التأهيلي, فترتبط بالتخصص, أكثر من ارتباطها بالسلوكات العامة للمتعلمين.
هذا وإن كنا نؤمن بأن القيم لا ترتبط بدرس أو مادة, بل إنها ذات طبيعة شاملة ومتداخلة بين المواد, وليس من السهل تصور موقف من مواقف التعليم ليس له بعد قيمي, فلكل موضوع ولكل فعل قيمة, لذا يبقى التنصيص على القيم , وتحديدها هو توجيه لأهميتها, وسبيل للتحكم فيها وضبطها وتوزيعها حسب الحاجة.
وإذا لاحظنا أن البعد القيمي كان حاضرا بقوة وكثافة على مستوى المرتكزات الأساسية, والاختيارات والتوجهات العامة, ومواصفات المتعلمين, فإن الكفايات تحل محلها عند التأليف المدرسي, فيصبح الاهتمام منصبا على القدرات التي تخدم هذه الكفايات التي حددت في خمس: الاستراتيجية والمنهجية والثقافية والتواصلية
والتيكنولوجية. وتبقى القيم ضمنية في الكثير من المقررات خاصة منها مقررات المواد العلمية (الفيزياء والرياضيات وعلوم الحياة والأرض).
أهمية التدريس بمدخل التربية على القيم:
تأتي أهمية التدريس بمدخل التربية على القيم , لموقعها في البنية الثقافية والحضارية للمجتمع, باعتبارها "رأس ماله, وأساس أي إصلاح تربوي فيه, ولا تتحمل المؤسسة التعليمية -ولا شك- مسؤولية التنشئة على القيم والمحافظة عليها, وإنما تتحمل أيضا مسؤولية نشرها وتعميمها, لأن دور النظام التعليمي التربوي يكاد يكون الأكبر في غرس القيم , والأخطر .
ومن المؤكد أن المتعلم وإن كان يتزود بالمعارف , فإن ذلك لا يمكن أن يتم في حقيقة الأمر , إلا في إطار من القيم تحدد سلوكه وتوجيهاته في الحياة ونحو المجتمع, وتنظيم هذه القيم وضبطها والقصد في تدريسها يجعلها هادفة, وذات بعد تكويني, ومن ثم فإن تبني مدخل التدريس بالقيم يعد من أولى الأولويات لتحقيق الإصلاح.

فما المقصود بالقيم؟ وما موقعها في الكتب المدرسية الجديدة؟
سوف لن ندخل في تفاصيل التعريف اللغوي للقيم, وسنكتفي بالتعريف الاصطلاحي من المنظور الإسلامي, باعتبار القيم الإسلامية أول مرتكز للمناهج التربوية, ويمكن القول: إن القيم هي"تلك المرتكزات التي تقوم عليها الحياة كما حددها الوحي المعصوم في علاقة الإنسان بنفسه ومحيطه وخالقه, فهي قيم إنسانية من حيث كونها مطلقة, وإسلامية من حيث كونها موجهة بالتشريع الإسلامي الضامن لوجودها واستمرارها في كيان النشء" [ فطرة الله التي فطر الناس عليها, لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم] الرم آ 30. (خالد الصمدي, القيم في المناهج التربوية)
موقع القيم في الكتب المدرسية:
إن المتفحص لدليل الأستاذ في جميع المواد وبدون استثناء, يجده لا يخلوا من التنصيص على مجموعة من القيم المتمثلة في المحافظة على الهوية الإسلامية , والمواطنة وتنمية الوعي بالواجبات والمسؤوليات والتشبع بروح المسؤولية , وغيرها من القيم الإنسانية والوطنية.
وانسجاما مع التوجهات الرسمية وعملا على بلورة هذه القيم, تم إدراجها بشكل صريح أو ضمني في ثنايا الدروس المقررة, والأنشطة الموازية في كتب التلاميذ, بنسب مختلفة من مادة لأخرى حسب طبيعة المادة.
ومما يؤكد التحول الحاصل في الكتب المدرسية لفائدة خدمة القيم , ما نلمسه من تطور على صعيد المنهجيات المعتمدة في بناء الدروس القائمة في أغلبها على:
- اختيار التدريس بالكفايات باعتبارها مدخلا استراتيجيا يضع المتعلم ضمن بؤرة الاهتمام في كل الأنشطة التربوية , وهو ما يفسح المجال لاكتساب القيم والمعارف والمهارات الكفيلة بتأهيل المتعلم للحياة, وينحو إلىالتفاعل معها بالتأثير فيها والتأثر بها.
- اختيار التدريس بالوضعيات التعليمية/ التعلمية باعتبارها تكفل اكتساب الكفايات, وتنميتها وإغنائها. لقيامها على العلاقة التفاعلية بين العناصر الثلاثة : المدرس / المتعلم / المادة التعليمية بهدف امتلاك المعرفة وتوظيفها في الحياة اليومية.
- التعلم النشيط: الذي يدفع المتعلم إلى: * التفكير فيما يعمل.
* ربط التعلمات بالخبرات المكتسبة, وتوظيفها في المواقف الجديدة الممكن أن تنطبق عليها.
• الربط بين تعلماته في مادة معينة, ومادة أخرى كالربط بين معارفه في مادة علوم الحياة والأرض, موضوع: "التوازنات الطبيعية" ودرس " الإيمان وأثره في حياة الإنسان" أو درس " عناية الإسلام بالبيئة" في التربية الإسلامية, وهكذا.
- تنويع الأنشطة والتمارين التي سينفذ البرنامج بواسطتها: ( بين أنشطة تمهيدية- أنشطة التجريب- أنشطة التحليل والتركيب- أنشطة استثمار التعلمات- أنشطة وثائقية – أنشطة دعمية- أنشطة البحث/ تمارين تطبيقية/– تمارين توليفية/ تمارين للتقوية....)
- تبني الأنشطة المنفتحة على المحيط التي تساعد المتعلم على تحقيق درجة أعلى من التكيف مع محيطه, ببحثه في مشكلات واقعية ترتبط بالحياة اليومية من جهة, وتعمل على انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها الاجتماعي والثقافي من جهة أخرى.
وهذا التنويع في الأنشطة والتمارين من أهم الوسائل لبناء المعرفة عند المتعلم, وتنمية
المعارف والمهارات, وغرس القيم لديه, ولها دور فعال في تحويل وجهة التعليم إلى التعلم, إن توفرت الظروف الملائمة لإنجاح ذلك.
ومما يبرز أيضا التحول إلى التربية على القيم:
* الصيغ التي اعتمدها المؤلفون في التوجه للمعنيين, حيث نجد الخطاب يوجه للأستاذ والأستاذة, وإلى التلميذ والتلميذة بصريح العبارة, للتعبير عن الاهتمام بالجنسين معا, ومساواتهما لبعضهما في المسؤولية.
* استعمال أفعال المضارعة في الأنشطة الموجهة للتلميذ, بدل أفعال الأمر التي توحي بالإلزام .
* التحري في اختيار الصور والرسوم , باختيار الصور المعززة لحقوق الإنسان , والموحية بالقيم المستهدفة , كرسم اليد وبداخلها عبارة" ما تقيش بلادي" الشعار الذي اتخذته الدولة في حملتها ضد الإرهاب, في درس أحبك يا وطني , في مادة التربية التشكيلية, وصور لتشخيص حرية التعبير وحق الدفاع عن النفس, وصورة لجلسة حوار بين الحكومة والنقابات , وتظاهرة فاتح ماي, في مادة التربية على المواطنة, وصورة لحملة تطوعية لتنظيف الشاطئ في درس محاربة التلوث في مادة التربية الإسلامية, وصورة الرجل الذي يرضع الطفل في درس تغذية الرضيع في مادة التربية الأسرية, وغيرها من الصور التي تزخر بها الكتب المدرسية الجديدة , بالموازاة مع المضامين الحاملة للقيم الإيجابية مثل التضامن, والعدل والمساواة والمسؤولية والحرية والحق والأمانة والكرامة والتوازن والاعتدال والتسامح والالتزام والتواصل والمحافظة على الفطرة والحس الجمالي , وغيرها كثير, تحتاج إلى من يرسخها لتظهر في السلوك.
هذا وتبرز القيم بشكل واضح وعلني, وتتنوع بين قيم روحية ومادية في المواد (الأدبية), وتبقى - في الغالب- مضمرة في المواد (العلمية). ومنحصرة في القيم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
ففي مادة التربية الإسلامية نجد وحدات المقرر كلها مؤسسة على القيم: الترية العقدية/ التربية الصحية / التربية البيئية / التربية الجمالية / التربية الحقوقية/ التربية الفنية...
وفي مادة اللغة العربية نجد: وحدة القيم الإسلامية/ وحدة القيم الوطنية والإنسانية, وكل
وحدة تتضمن موضوعات تستهدف قيما معينة, مثل قيم التضامن والتسامح وقيم المواطنة "الإسلام دين التسامح" " الجراد في المدينة"..." وطني الجميل"...
وفي مادة التربية الأسرية نجد التربية الصحية والبيئية , من مثل رعاية الأم والطفل, والأمراض المنقولة, وقيمة نظافة الجسم والأغذية...
وفي مادة التاريخ نجد العديد من القيم المتمثلة في دروس التاريخ من خلال دراسة " إشعاع الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط , ودراسة الحضارات القديمة مثل حضارة بلاد الرافدين وحضارة الإغريق, ودراسة الحروب الاستعمارية.
وفي مادة التربية على المواطنة نجد دروس: الكرامة / الحرية/ المساواة / العدل والتضامن, ودروس الحقوق المدنية انتهى


أخبار الوزارة: الخميس 22/12/2005

تنمية القيم جوهر العملية التربوية وهدفها الأساسي
أعدت وزارة التربية والتعليم دراسة حول القيم التربوية في المدارس الثانوية أعدها كل من د‚حمدة السليطي مديرة وحدة التخطيط التربوي والمتابعة ود‚ احمد ابو السعيد خبير وحدة التخطيط ود‚ كمال أبو سماحة خبير التخطيط التربوي ود‚ محمد عبد المنعم اخصائي مناهج. برزت مشكلة الدراسة وأهميتها انطلاقا من التطور الهائل والمتسارع لوسائل الاتصال والتواصل والدعوة الى العولمة والانفتاح الحضاري وطغيان المادة على العالم الانساني وما نجم عن ذلك من بروز بعض الاخلاقيات والثقافات المتباينة في المجتمع لذلك كان لا بد من وجود تربية إنسانية تعنى بنمو الانسان بصورة متكاملة وشاملة لجميع الجوانب الشخصية وهذا هو الهدف من التربية. واعتبرت الدراسة أن القيم هي أحد المكونات الاساسية لشخصية الانسان بل هي أهم الجوانب التي تشكل شخصيته وهويته الثقافية والانسانية فضلا عن أهميتها في التواصل المجتمعي والعلاقات الانسانية المتبادلة. ورأت الدراسة أن هناك كثيرا من التربويين اهتموا بموضوع القيم باعتبار أن تنمية القيم هو جوهر العملية التربوية وهدفها الاساسي فالتربية في تحليلها النهائي مجهود قيمي مخطط يهدف الى تحليل وتقديم القيم الفردية والمجتمعية والانسانية وغرسها في نفوس النشء. وأضافت الدراسة: كما أنها تسعى بمختلف اشكالها المدرسية وغير المدرسية وبمختلف الوسائل والاساليب الى تعزيزها خاصة من خلال المناهج التي تعد اكثر عناصر المنظومة التعليمية اسهاما في غرس القيم وتعزيزها في نفوس المتعلمين ولذا يحرص المؤلفون ومعدو الكتب المدرسية على تضمين القيم المتفق عليها في المجتمع مع مراعاة مناسبتها لسن المتعلم وحاجاته وميوله وقدراته ومواكبتها لثقافة المجتمع ومعتقداته وتؤكد الدراسة أن القيم تلعب دورا فاعلا في التربية فهي توجهها على النحو التالي:
1- تحدد الاهداف التربوية التي تسعى الى تحقيقها باعتبارها قيما واتجاهات مرغوبا فيها كما أنها توظف كموجهات لطريق التقدم في النمو والتنمية على حد سواء فالتربية تتضمن اختبارا لاتجاه معين يتعلق تعلقا جذريا بالقيم وهذا الاتجاه يحدد بالتالي الاهداف التربوية المطلوبة في المجتمع.
2ـ تساعد على التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها التربية بمؤسساتها المختلفة‚ والتي بواسطتها يتشرب الفرد متضمنات النسق القيمي السائد في المجتمع كما انها تتولى مسؤولية تكوين الاحكام المعيارية التي تمكن الفرد من التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ وما هو صالح وما هو طالح وغيرها.
3ـ تكشف عن النماذج البارزة من القيم الاجتماعية السلبية التي تناهض حركة التنمية والتطوير في الوطن العربي وتقيد طاقات افراده عن الانتاج مثل قيم الاسراف والاستبداد والانانية والكسب غير المشروع.
4ـ تحدد المداخل التربوية لتكوين قيم ايجابية مرغوبة تساعد الانسان على المشاركة الفعالة في حركة التنمية والتطوير مثل قيم التعاون والصداقة والايثار والعمل الجماعي والامانة وغيرها.
ولادارة المدرسة والمعلمين دور بارز في غرس القيم وتكوينها لدى المتعلمين فهم يمثلون القدوة الحسنة لابنائهم المتعلمين فمنهم يستقون الكثير من السلوكيات والصفات عن طريق المحاكاة والتقليد وذلك من خلال محبتهم وتقديرهم لهم ونظرتهم اليهم على اساس انهم يمثلون صورة الكمال في كل شيء‚ ومن هنا يجب على المعلمين ان يقوموا بتهيئة البيئة الصفية والمدرسية بحيث تصبح بيئة اجتماعية يحيا فيها المتعلمون حياة نشيطة عاملة مما يتيح لهم التدريب بطريق مباشر او غير مباشر على غرس القيم والاخلاق الكريمة في نفوسهم وتنميتها لديهم‚ وقالت الدراسة ان تعليم القيم في الوقت الحالي أصبح اكثر الحاحا وصعوبة في آن واحد بسبب التغيير المتسارع في ميداني علم الاجتماع والتكنولوجيا والاتصالات وما من مجتمع يستطيع اليوم البقاء والعمل بصورة فاعلة اذا لم يعتنق ويمارس ابناؤه مجموعة من القيم يقبلها المجتمع على وجه العموم‚ والتي تساعد على تنسيق سلوك الافراد في هذا المجتمع وتشكل في الوقت نفسه مصدر قوة له كما ان انتقالها من جيل الى جيل يعد من اهم وظائف العملية التربوية المتوازنة.
حاجة ماسة لفحص المناهج
اعتبرت الدراسة انه وانطلاقا مما تقدم فإن الحاجة اصبحت ماسة لفحص وتحليل المناهج الدراسية لمعرفة مدى تضمينها للقيم التربوية وكذلك الوقوف على الممارسات والسلوكيات التي يمارسها المعلمون لتعزيز القيم وتنميتها وذلك من خلال دراسة وصفية لمنظومة القيم التربوية‚ ولعل المجتمع القطري الخليجي اكثر المجتمعات التي تأثرت بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الساحة العالمية مما يمكن ان ينعكس بدوره على العملية التربوية داخل المدارس فيما يتعلق بالقيم التربوية والتي قد يصحبها تغير نتيجة تلك العوامل المتعددة‚ مما يجعلها في حاجة ماسة للكشف عن مدى هذا التغير ان وجد وكذلك الكشف عن مدى توافر قيمها العربية والاسلامية في المدارس القطرية‚ ومن هنا جاءت فكرة البحث ومشكلته التي تتحدد في الاسئلة الآتية:
أسئلة الدراسة، تتبلور مشكلة الدراسة في الاسئلة التالية:
س1ـ ما منظومة القيم التربوية التي يجب ان تسعى المدرسة الثانوية لتنميتها لدى الطلبة؟:
س2: ما مدى توافر منظومة القيم المقترحة في كتب مادة التربية الاسلامية واللغة العربية والدراسات الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا والمجتمع العربي بالمرحلة الثانوية؟
س3: ما أهمية الالتزام وممارسة القيم التربوية في المدرسة الثانوية بدولة قطر من وجهة نظر الادارة المدرسية؟
س4: ما واقع تعليم القيم داخل الصف كما يتضح من أداء المعلمين؟‚
س5: هل هناك فروق بين أداء المعلمين وأداء المعلمات بالنسبة لتعليم القيم داخل الصف؟
س6: ما التصور المقترح لتعزيز منظومة القيم التربوية في المدرسة الثانوية بدولة قطر؟
أهداف الدراسة ، تسعى الدراسة الى تحقيق الاهداف التالية:
1- وضع منظومة للقيم التربوية في ضوء التوجيهات المعاصرة.
2- الكشف عن القيم التربوية المتضمنة في الكتب الكتب الدراسية للمرحلة الثانوية والتربية الاسلامية واللغة العربية والدراسات الاجتماعية والمجتمع العربي.
3- التعرف على وجهة نظر الادارة المدرسية حول أهمية كل قيمة من القيم المدرجة في منظومة القيم.
4- الوقوف على واقع تعليم القيم داخل الصف من خلال أداء المعلم.
حدود الدراسة.
تقتصر الدراسة على: تحليل كتب المواد الدراسية الآتية: التربية الاسلامية‚ واللغة العربية‚ والدراسات الاجتماعية‚ والمجتمع العربي‚ بالمرحلة الثانوية لمعرفة القيم المتضمنة فيها للعام الدراسي 2003/2004‚ عينة من مدارس المرحلة الثانوية «بنين وبنات» في دولة قطر‚ اداء المعلمين للمواد الدراسية «للتربية الاسلامية‚ واللغة العربية‚ والمواد الاجتماعية‚ والمجتمع العربي»‚ الادارة المدرسية «مدير ووكيل» الممثلين لعينة الدراسة.
منهج الدراسة.
استخدمت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي في البحث لتعرف القيم التربوية المتضمنة في الكتب ومعرفة الفعاليات والانشطة التي يتم ممارستها في مدارس المرحلة الثانوية من اجل تعزيز القيم التربوية وتنميتها وفي تحليل النتائج الخاصة بالدراسة وتفسيرها.
خطوات الدراسة.
تمت الدراسة وفق الخطوات التالية: مراجعة الادبيات والبحوث العربية والاجنبية التي اجريت في مجال القيم بهدف الاستفادة منها في الاطار النظري للبحث وبناء منظومة القيم التربوية للمرحلة الثانوية‚ تحديد منظومة القيم التربوية في ضوء ادبيات دراسة القيم وآراء المختصين.اعداد أدوات الدراسة المتمثلة في: استمارة تحليل المحتوى‚ وبطاقة ملاحظة المعلم‚ استمارة القيم للادارة المدرسية‚ لتحديد القيم التربوية المتضمنة في الكتب الدراسية‚ ولتحديد الممارسات التربوية في المدارس التي تعزز وتنمي القيم التربوية لدى المتعلمين.
- اختيار عينة الدراسة من المدارس الثانوية بدولة قطر (معلمين وإداريين).
تطبيق أدوات الدراسة وفقا للخطوات الآتية:
- تحليل محتوى الكتب الدراسية (المحددة) في ضوء منظومة القيم المقترحة.
- اجراء المقابلات مع الهيئتين التدريسية والادارية بالمدرسة في ضوء محاور الاستبانة وبنودها.
- تطبيق بطاقة الملاحظة على أداء المعلم داخل الصف.
- المعالجة الاحصائية ورصد النتائج وتحليلها ومناقشتها.
- وضع التصور المقترح (المأمول) لمنظومة القيم التربوية في المدرسة الثانوية.
- تقديم التوصيات والمقترحات.
- بينت نتائج الدراسة ان معظم القيم التربوية التي تضمنتها القائمة قد وردت في معالجات الكتب المدرسية (عينة البحث) بالمرحلة الثانوية‚ بمعنى ان هناك قيما تضمنتها كتب التربية الاسلامية مثلا - وقد تكون وردت هذه القيم في كتب اخرى، وقيما لم تتضمنها كتب التربية الاسلامية وتضمنتها كتب اخرى‚ وهذا يعني ان الكتب الدراسية (عينة الدراسة) قد تكاملت في معالجتها لمعظم القيم التربوية‚ وقد تعددت طرق معالجة هذه القيم بين الفقرة والتقويم والصورة والشكل والرسم البياني وان كانت بصورة متفاوتة.
- بينت الدراسة انه يوجد شبه اجماع - من عينة الدراسة - على أهمية الالتزام بالقيم التربوية وممارستها في البيئة المدرسية.
- بينت نتائج الدراسة انه يوجد قصور في الكفايات اللازمة والضرورية لتدريس القيم التربوية لمعظم المهارات التدريسية لدى المعلم (تخطيط الدرس والتمهيد للدرس وطرق التدريس والأنشطة التعليمية والتقويم)‚ وهذا يؤكد على ضرورة وحتمية تدريب المعلم على ثقافة القيم التربوية ومداخل تدريسها وتقويمها وطرق اختيار ومصادر التعلم المناسبة لتدريسها.
- كما بينت نتائج الدراسة انه لا توجد فروق ذات دلالة احصائية بالنسبة لأداء المعلمين والمعلمات حول تعليمهم القيم التربوية داخل غرف الصف‚
في ضوء نتائج الدراسة، يوصى بما يلي:
- مراجعة الكتب الدراسية بالمرحلة الثانوية وتدعيمها بالقيم اللازمة في ضوء التصور والمقترح والتي تتوافق مع المحتوى العلمي وفهم المتعلم‚ وتخدم قضايا المجتمع.
- عرض القيم في صورة منهجية متكاملة (مفاهيم اساسية وأهداف وأنشطة وتقويم).
- تدريب المعلم على مداخل تدريس القيم التربوية وتقويمها في ضوء التوجهات المعاصرة في هذا المجال.
- إبراز اهمية القيم التربوية في امداد المعلم والمتعلم بالمعلومات والسلوكيات الصحيحة‚ والاتجاهات المرغوبة تجاه قضايا المجتمع.
- الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة التي قامت بإعداد برامج أو كتب تعالج قضايا ومشكلات المجتمع من منظور القيم.
- التأكيد على أهمية دور الانشطة الصفية واللاصفية في تدعيم القيم التربوية وتنميتها.
- إصدار نشرات أو كتيبات تدعم وتثري وتؤكد أهمية القيم في نهضة الشعوب ورفاهيتها.
- الاستفادة من المراكز والمنظمات الانسانية التي تخدم المجتمع وتدعم القيم التربوية.
- اعداد دليل للقيم التربوية للمدارس في دولة قطر.
- اجراء المزيد من الدراسات حول القيم التربوية في المرحلتين الابتدائية والاعدادية.
نقلا عن جريدة الوطن القطرية
- تعميم برامج تدريب وتكوين المدرسين في مجال التربية على حقوق الإنسان ؛
- إنتاج أعداد وافرة من الأدوات البيداغوجية والأدلة التي تعرف بالنصوص الدولية والوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان، لتيسير مهمة الفاعلين التربويين. وإعداد مواقع على شبكة الانترنيت (باللغتين العربية والفرنسية) توفر للمربين موارد بيداغوجية في مجال التربية على حقوق الإنسان ؛
- تطوير الأساليب البيداغوجية والأدوات الديداكتيكية في اتجاه مقاربات تشرك المتعلمين وتشجع استقلاليتهم وتفتح المجالات لتنوع الآراء والمواقف وتبلور حوارات نقدية وعقلانية، كبديل عن أساليب الحفظ والتكرار التقليدية ؛
الفضاء المدرسي
- وضع استراتيجية تهدف لتشجيع المبادرات المواطنة داخل المؤسسات المدرسية، وذلك بغية إعطاء ديناميكية للفضاء التربوي وفتحه على محيطه الخارجي (الجمعيات، المقاولات، الإدارة العمومية، وسائل الإعلام، إلخ) وإنجاز مجموعة من الأنشطة التربوية والثقافية والفنية المندرجة في صلب متطلبات التربية على حقوق الإنسان والمواطنة ؛
- تشجيع تكوين نوادي التربية على حقوق الإنسان والمواطنة داخل المؤسسات التربوية، بما فيها تلك الموجودة خارج المدارات الحضرية ؛
- تفعيل الإجراءات الخاصة بإشراك التلاميذ في مجالس المؤسسات التربوية ؛


Auteur: محمد الصدوقي
المدرسة ومسألة التنمية المعرفية.. لا تنمية مجتمعية بدون تنمية معرفية
محمد الصدوقي/المغرب
بما أن المدرسة المعاصرة والحداثية أصبحت تعتبر رافعة استراتيجية في تحقيق نهضة المتجمعات وخصوصا المتخلفة منها أو التي في طريق النمو، فإنه من الطبيعي أن نجد مفهوم التنمية يحتل مساحات كبيرة في أشكال الخطاب والتدخل لهذه المجتمعات الأخيرة، غير أنه يتم التركيز بشكل كبير على مفهوم التنمية في بعديه الاقتصادي والسياسي، إلى حد ما - وذلك رغم تداول مفهوم التنمية الشاملة، حيث لازال هناك شبه إهمال للأبعاد الثقافية والمعرفية والتربوية والنفسية للتنمية المجتمعية الشاملة. لذا، سنحاول فيما يلي إلقاء بعض الأضواء على أهمية البعد المعرفي، خاصة في تحقيق التنمية المجتمعية المأمولة، وذلك من خلال الوظيفة التربوية والتكوينية للمدرسة كمؤسسة سوسيو- ثقافية، استراتيجية وحاسمة، وذلك من خلال تنمية شخصيةالمتعلم، وخصوصا في أبعادها المعرفية والسوسيو - قيمية، ليكون مؤهلا وفاعلا أساسيا في المشروع التنموي والنهضوي لمجتمعه•
ولمقاربة ما سبق، سنحاول إبراز أهمية وظيفة المدرسة كمؤسسة في تحقيق تنمية الفرد والمجتمع، من خلال بعض النماذج من الخطاب التربوي الإصلاحي الرسمي الجديد، ثم سنتطرق الى إبراز أهمية المدرسة في التنمية المعرفية والذهنية لشخصية المتعلم، عبر التعرف علي بعض البحوث الميدانية التي تؤكد ذلك، ثم سنقوم بالتعريف بما يسمى "التربية المعرفية" كتخصص ومقاربة حديثة تستجيب لحاجيات وأهداف التنمية المعرفية للفرد من أجل التنمية المجتمعية الشاملة، خاتمين بذكر المعارف الضرورية لتربية المستقبل، كما أوردها "إدغار موران" (Edgar Morin) نظرا لأهميتها في تحقيق التنمية القيمية والمعرفية (الذهنية) لدى الفرد / المتعلم، ونتائجها التطبيقية المأمولة في التربية المدرسية لتحقيق التنميةالعلائقية بين-إنسانية على المستويات الفردية والمحلية والعالمية:
المدرسة والتنمية في الخطاب التربوي الرسمي :
إن الدينامية الجديدة التي خلقها إصلاح المنظومة التربوية أخيرا، قد خلص نسبيا المدرسة من الخطاب التربوي التقليدي، الذي كان يعطي للمدرسة وبشكل كبير، دورا إيديو- معرفيا ومحافظا... ويرى بأن المدرسة ليس لها أي وظيفة في التنمية والتقدم، حيث أنها مجرد مؤسسة غير منتجة، وشكل عبئا ثقيلا وزائدا على الدولة (ماليا وسياسيا)... فأصبحت المدرسة - مع الخطاب الإصلاحي الحداثي - عاملا أساسيا في تحقيق التنمية البشرية والمتجمعية الشاملة، وذلك من خلال الاعتماد الرسمي لفلسفات ومقاربات اقتصادية وتربوية واجتماعية عقلانية وحداثية وفعالة، ويمكننا أن نلمس هذا من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، حيث "يروم نظام التربية والتكوين الرقي بالبلاد، الى مستوى امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا المتقدمة، وللإسهام في تطويرها، بما يعزز قدرة المغرب التنافسية، ونموه الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، في عهد يطبعه الانفتاح على العالم" كما نجد بأن الاختيارات التربوية الموجهة لمراجعة مناهج التربية والتكوين المغربية (الواردة في الكتاب الأبيض) "تنطلق من العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمع، باعتبار المدرسة محركا أساسيا للتقدم الاجتماعي وعاملا من عوامل الإنماء البشري المندمج، ومن إعداد المتعلم المغربي لتمثل واستيعاب انتاجات الفكر الإنساني في مختلف تمظهراته ومستوياته، ولفهم تحولات الحضارات الإنسانية وتطورها، وإعداد المتعلم المغربي للمساهمة في تحقيق نهضة وطنية اقتصادية وعلمية وتقنية، تستجيب لحاجات المجتمع المغربي وتطلعاته، وكذلك لكي يكون النظام التربوي المغربي في مستوى مواجهة تحديات العصر ولتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية تضمن للفرد الإندماج في المجتمع، وقدرته على التفاعل في النسيج الدولي، كان لزاما عليه تبني فلسفة تربوية تضمن التربية المستدامة للفرد والمجتمع، مادامت التربية هي الموجهة والحاسمة في كل نمو وكل تطور، (بيداغوجيا الكفايات، مصوغة تكوينية•••)•
ولحقيق أهداف وغايات التنمية المأمولة ،كان لزاما على المدرسة المغربية الجديدة تبني اختيارات تربوية وبيداغوجية حداثية وحديثة، أثبتت فعاليتها في دول أخرى، وخاصة اعتماد مدخل الكفايات لتحديث وتفعيل المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، حيث وبعلاقة مع المشروع التنموي المستدام وآمال النهضة المجتمعية الشاملة، تم اعتماد تنمية وتطوير الكفايات التالية :
• " كفايات مرتبطة بتنمية الذات: تعمل على تنمية شخصية المتعلم كغاية في ذاته،وكفاعل إيجابي تنتظر منه المساهمة الفعالة في الارتقاء بمجتمعه في كلالمجالات.
• " كفايات قابلة للاستثمار في التحول الاجتماعي: حيث تجعل نظام التربية والتكوين يستجيب لحاجيات التنمية المجتمعية بكل أبعادها الروحية والفكرية والمادية.
• " كفايات قابلة للتصريف في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، والتي تجعل نظام التربية والتكوين يستجيب لحاجيات الإدماج في القطاعات المنتجة ولمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
من خلال هذه النماذج المقترحة، من بعض الأدبيات التربوية الرسمية، يتبين نية السياسة التعليمية (إنما الأعمال بالأفعال) في جعل المدرسة كمؤسسة معرفية وتربوية، رافعة استراتيجية لتحقيق نهضة مجتمعية، وذلك عبر تنمية وتطوير الكفايات المعرفية والقيمية لدى المتعلم المغربي، الذي هو الفاعل الأساسي والمستقبلي في تحقيق رهان التنمية المأمولة.
وبما أن لا تنمية مجتمعية بدون أفراد أكفاء ومؤهلين معرفيا وقيميا ومؤسسيا ، فإنه وكاختيار استراتيجي، لابد من إعطاء الاهتمام والدعم الكافيين للمؤسسة المدرسية على كل المستويات (المادية والمالية والبشرية...) حيث أن المدرسة تلعب دورا حيويا في تقدم المجتمع ، وذلك عبر أدوارها المتميزة في التأهيل المعرفي والتربوي للأفراد، (كما سنرى لاحقا)، فلا تنمية مجتمعية بدون تنمية معرفية لشخصية هؤلاء الأفراد الذين يكونون المحرك الأساسي لأي مجتمع.
المدرسة والتنمية المعرفية لشخصية المتعلم تشكل المقارنة بين الأطفال المتمدرسين وغير المتمدرسين، أبسط وسيلة لتأكيد وإبراز آثار التمدرس على تنمية الكفاءات والسيرورات الذهنية عند الطفل / الفرد، وعلى تطور شخصيته وأشكال تفاعله مع محيطه الاجتماعي، وهذا ماقامت به مجموعة من البحوث، نذكر منها: أعمال فجوتشكي (19 ، وهو أول من ربط النمو المعرفي للطفل بالتمدرس عامة، وبالكتابة والقراءة خاصة، كأدوات اجتماعية وثقافية تطور فكر الطفل، حيث أكد على الدور الايجابي الذي تلعبه اللغة المكتوبة كنظام رمزي مجرد في تكوين السيرورات الذهنية العليا، كما نجد بأن لوريا (1976) قد قاد بعثة من علماء النفس في الثلاثينات الى آسيا الوسطى لدراسة آثار الاصلاحات الاجتماعية والثقافية، وبالضبط التمدرس، على الوظائف الفكرية للسكان، الذين لم تكن أنشطتهم تتجاوز حدود العمل الفلاحي التقليدي المحكوم بمظاهر الامية والعزلة عن باقي العالم•• حيث اكتشفت هذه الدراسة أهمية التأثير الإيجابي للتمدرس على فكر السكان، حيث ان المجموعة المتمدرسة تعاملت بطريقة مجردة مع الاختبارات واستجابت إلى العلاقات التصورية والمنطقية للأشياء. وحسب بروير وروجوف، التمدرس في جل الحالات له تأثير إيجابي جدا على معارف الطفل، يكمن أساسا في تحويل هذه المعارف في طابعها العملي والواقعي المتضمن في السياق الى طابع نظري مجرد ومتحرر من السياق الواقعي.
إن الدراسات السالفة، وغيرها، تقر بأن المدرسة تلعب دورا مهما في الدفع بالطفل إلى ولوج الفكر الصوري المجرد، وتبني وتسرع سيروراته وعملياته الذهنية العليا، وبذلك تلعب (المدرسة) دورا حيويا في الرقي بشخصية الفرد وتنمية ذكائه، مما يؤثر إيجابا على أشكال تفاعله الفعال والناجع مع محيطه الاجتماعي والطبيعي المعقد، بالاضافة إلى أن السيرورات الذهنية العليا لدى الفرد، هي القمينة بإنتاج وإبداع الخبرات النظرية والتكنولوجية والاقتصادية... الجديدة، كما تؤكد ذلك كل الدراسات المتمركزة حول الموارد البشرية في التنمية المستدامة.
وهذا ما جعل الدول المتقدمة أو الطامحة للتقدم تركز بشكل كبير على الكفاءات المعرفية العليا لمواطنيها، لربح رهانات التقدم والمنافسة الدولية الجديدة، حيث أصبح الاقتصاد الجديد، هو "اقتصاد المادة الرمادية"، أي اقتصاد معرفي بالأساس، يعتمد على الكفاءات البشرية لتدبير وصناعة المعارف والمعلومات الابتكارية، التي توظف، بشكل مباشر أو غير مباشر، في النمو الاقتصادي والاجتماعي الشامل، إن هذه المعطيات والرهانات الجديدة جعلت جل الباحثين والمهتمين يركزون على دراسة الموارد البشرية وسبل تنميتها، وخصوصا تنمية كفاءاتها المعرفية والمهارية، بحيث أصبح هناك تخصص جديد يهتم بالتربية المعرفية، لتنمية وتربية القدرات والكفاءات المعرفية / الذهنية لدى الفرد، فلا بأس ان نتعرف، ولو بشكل مقتضب، على ما يسمى بالتربية المعرفية، نظرا لأهميتها في تحقيق التنمية المعرفية للفرد، ولنتائجها التطبيقية الايجابية، سواء في المدرسة أو المجتمع.
- التربية المعرفية
يستعمل لفظ التربية المعرفية للإشارة بصفة عامة الى الانجازات والممارسات المعتمدة في هذا الميدان، رغم أنه عادة ما يتم الحديث عن التربية المعرفية كلما تعلق الامر بتسهيل النمو والاشتغال الذهني لدى الفرد الذي يشكو من نواقص معرفية خاصة، وعن العلاج المعرفي كلما تعلق الامر بإمكانية تصحيح النواقص الناتجة عن العوامل التي عطلت ذلك النمو او الاشتغال الذهني• اما أهدافها، فتحدد في: تربية بنيات المعرفة وتطوير الوظائف الذهنية / الفكرية، ثم تعلم التعلم وتعلم كيفية التفكير، المراهنة على بلوغ الهدف الأول بكيفية مباشرة، دون المرور باكتساب المعارف او الاجراءات الخاصة بتخصص معين ، السعي الى تشكيل الذكاء وتنميته، مع التسليم بإمكانية تربيته• وتوظيفه في تحقيق مستويات جيدة من التعلم والاكتساب• هكذا، نرى، حسب التربية المعرفية، بأن الكفاءات المعرفية والذكاء بصفة عامة، هما معطيان قابلان للتربية والتنمية والاستثمار، وتبقى المدرسة ، هي المؤسسة المؤهلة أكثر من غيرها، للقيام بالدور التربوي المعرفي للأفراد، لتنمية كفاءاتهم وسيروراتهم المعرفية / الذهنية لاستثمارها في المشاريع التنموية الشاملة• وفي الأخير، نود أن نختم هذه المقاربة، بتقديم المعارف الضرورية لتربية المستقبل كما يقترحها إدغارموران، نظرا لأهمية هذه المعارف في التربية على القيم الأخلاقية والابستيمية، هذه القيم التي تعتبر دماء وشرايين أي تنمية إنسانية في كل أبعادها الوطنية والكونية، حيث على المدرسة الحداثية العمل على إدماجها واستثمارها باستمرار داخل برامجها ومناهجها التربوية والتكوينية.
المعارف الضرورية لتربية المستقبل
يحدد إدغار موران هذه المعارف في سبعة مبادىء أساسية:
1 - معرفة الخطأ والوهم، حيث أنه من اللافت للنظر - حسب إدغارموران - أن نلاحظ بأن التربية التي تهدف إلى توصيل المعرفة تظل جاهلة بماهية المعرفة الإنسانية وبآلياتها وحدودها وصعوباتها ونزوعها الطبيعي الى الخطأ والوهم، كما أنها لاتبذل أي مجهود لتعرف بماهية المعرفة:
2 - مبادىء المعرفة الملائمة: هناك قضية حاسمة يتم تجاهلها على الدوام، وتتعلق بضرورة بناء معرفة قادرة على تمثل المشاكل الشمولية والجوهرية، في أفق دمج المعارف الجزئية والمحلية داخلها•• حيث من الضروري تطوير القدرة الطبيعية للفكر البشري على موضعة معارفه داخل إطار وسياق محددين• من الضروري تدريس المناهج التي تسمح بتمثل العلاقات والتفاعلات بين الاجزاء والكل داخل عالم مركب•
3- تعلم الشرط الإنساني: الإنسان هو في الوقت ذاته كائن فيزيائي وبيولوجي ونفسي وثقافي واجتماعي وتاريخي، وهذه الوحدة المركبة للطبيعة الإنسانية هي ما يعبث بها التعليم في مختلف المواد الدراسية• وبفعل هذا التشتت، أصبح من المستحيل تعلم اليوم ما يعنيه الكائن الإنساني... من الملح لكل فرد، أينما كان، أن يعي الطابع المركب لهويته ولهويته المشتركة مع الآخرين. لذلك على التعلم أن يجعل من الشرط الإنساني موضوعه الجوهري...
4 - تعليم الهوية الأرضية: يعتبر المصير الكوكبي البشري الغائب الأكبر عن التعليم، يجب أن تصبح المعرفة بمستجدات العصر الكوكبي (العولمة)، والاعتراف بالهوية الأرضية أحد المواضيع الجوهرية للتعليم...
5 - مواجهة اللايقينيات: يجب تعليم مبادىء الاستراتيجية التي تمكن من مواجهة المحتمل واللامتوقع واللايقيني، حسب المعلومات المحصل عليها أثناء القيام بفعل ما، والعمل على تغيير مسار تطورها. يجب تعلم الإبحار في محيط اللايقينيات عبر أرخبيلات من اليقين ...
6 - تعليم الفهم: يشكل الفهم في الوقت ذاته وسيلة التواصل الإنساني وغايته... إن كوكبنا يتطلب أنواعا من الفهم المتبادل في جميع المستويات وعلى جميع الأصعدة... لقد أصبح التفاهم بين البشر أمرا حيويا لكي تتحرر العلاقات الإنسانية من الوضعية الوحشية التي يتسبب فيها اللاتفاهم...
7 - أخلاق الجنس البشري: يجب ترسيخ الاخلاق في العقول، عبر تعليم الوعي بكون الإنسان هو في الوقت ذاته فرد وجزء من مجتمع وجزء من نوع. إن كل واحد منا يحمل داخله هذا الواقع الثلاثي الأبعاد. من هنا تتضح الغايتان الأخلاقيتان السياسيتان الكبيرتان للألفية الجديدة، أولاهما بناء علاقة المراقبة المتبادلة بين المجتمع والافراد عن طريق الديمقراطية وتحقيق البشرية كجماعة كوكبية. إن هذه المبادىء المعرفية / التربوية السالفة، وكما قلنا، هي مدخل أساسي لبناء وتفعيل المدرسة الحداثية، لجعل المعرفة العلمية والإنسية مساهما استراتيجيا في تحقيق التنمية البشرية الشاملة، في بعديها المحلي والعالمي، حيث لا تنمية حقيقية بدون معارف وقيم علمية وإنسية ومواطنة، فالتنمية الشاملة هي مشروع مجتمعي إنساني مركب، يتداخل فيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي والمعرفي. والمحلي والعالمي، وتبقى المدرسة، دائما، هي تلك المؤسسة الاجتماعية المؤهلة لتحقيق التنمية الشاملة عبر إشاعة وإنتاج التنمية المعرفية، التي هي في خدمة تنمية شخصية الفرد والمؤسسات والقطاعات المجتمعية على السواء، بطريقة جدلية وتفاعلية
شرح لسورة الفاتحة في مقرر
الخميس 22 فبراير 2007
لما اختار المغرب أن ينخرط سياسيا في الإنتقال الديمقراطي،اختار أيضا أن ينعكس ذلك على منظومته التربوية،فليس الميثاق الوطني للتربية والتكوين رؤية تربوية واجتماعية فحسب بل هو اتفاق مكونات المجتمع المغربي بكل أطيافه وحساسياته السياسية على اختيار المدرسة الديمقراطية المنفتحة التي تتأسس على قيم التسامح والتعددية والحرية المسؤولة والتعاقد الإجتماعي المبني على قيم المواطنة، هو انتقال ديمقراطي يوازيه انتقال تربوي منسجم مع التحول العام للمجتمع نحو قيم المواطنة والحداثة، حول هذا الخيار الحضاري انتظمت فصول الكتاب الأبيض وعلى ضوئه انتهجت لجن التأليف المدرسي رؤاها ومضامين المؤلفات المدرسية،لكن ماذا يحدث حينما يتسلل إلى الكتاب المدرسي المصادق عليه من طرف وزارة التربية الوطنية رؤية أحادية تعصف بالتسامح ونبذ الكراهية وتجهض حوار الحضارات والأديان و تحول أطفالا لم يتجاوزوا ست سنوات إلى حاقدين على كل من هو ليس بمسلم فقط لأن شرحا ما لسورة قرآنية كريمة أساسية لاتجوز الصلاة بدونها، يعرج على التفسير غير المعتدل ويختار أن يجعل من اليهود ـجيران أكثر البضاويين في المدينة القديمة ـوالنصارى الذين يأتون إلى بلدنا سياحا أو أطرا المغضوب عليهم و الضالين . تتوصل الأحداث برسالة من مجموعة من الآباء المسلمين الذين استفزهم أن يتم شحن عقول أبنائهم الصغار دون السادسة بأفكار متطرفة ووجدانهم بمشاعر الكراهية والضغينة تجاه اليهود والنصارى،ويخشون أن تتحول الشروح المذيلة في المقررالدراسي الرسمي الذي وافقت عليه الوزارة للسنة الأولى ابتدائي» الأساس في التربية الإسلامية « كراسة التلميذ إلى عائق نفسي لأطفالهم للتعامل والاندماج في وسط تتنوع فيه الأديان والإثنيات والأعراق والقيم، فما هي قضية هؤلاء الآباء..التي أصبحت قضية رأي عام؟ القضية تربوية لكن ذات أبعاد حضارية تقول الرسالة « إن الأمر يتعلق بأول درس قرآني،سورة الفاتحة الكريمة لم يتردد المؤلفون في تقديم شروحات لتعابير «المغضوب عليهم » و «الضالين » خطيرة، فهم يشرحون بشكل قطعي وتبسيطي المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى واعتبرت الرسالة هذا الشرح يسيء للتربية الإسلامية الحقة المبنية على التسامح ونبذ الكراهية، ولم يكتف الآباء برفضهم هذه الشروحات «المتزمتة» حسب رأيهم بل أعطوا الدليل من المتن الفكري الإسلامي على وجود تفاسير متنورة تعتبر هذا النوع من حصر الصفتين على اليهود والنصارى رؤية سطحية للقضايا القرآنية النبيلة والقيم الإسلامية التي تؤسس للمحبة والتسامح وإشعاع السلام والسلم مالم تكن هناك ضرورة تدعو إليه كالعدوان والبغي على المال والأهل والأوطان. أرفقت الرسالة بنسخة من شرح متنور معتدل يؤسس للمحبة بين الناس من مختلف الأديان والأعراق. وبالعودة إلى تفسير الفخر الرازي المعنون بــ « المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب»، طبعة 1990 عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت،الجزء الأول، فالرازي يستحضر الشرحين المتشددين ويعتبرهما رغم أنهما المشهوران ضعيفين ويعطي عللا نقلية وعقلية يسميها فوائد ووقف عند اعتبار الكفار هم المقصود بالمغضوب عليهم والمنافقين هم الضالون مما يجعل هذا التفسير أقرب إلى زماننا ويناسب قيم منظومتنا التربوية وينسجم مع طموح مدرسة تسعى لمحاصرة العنف والتطرف في منابعه الأولى،فليس أخطر على طفل صغير لم يتجاوز السادسة من عمره أن ينشأ على فهم أحادي ومتشدد لسورة سيرددها على الأقل خمس مرات في اليوم وهي فاتحة الكتاب وأول آية يحفظها تلميذ المدرسة الإبتدائية، لكن إذا كان هذا الشرح لا ينسجم مع قيم نبذ العنف والكراهية وهو ليس بشرح خاطئ بل هو أحد الشروحات الشائعة في كتب التفسير، فلماذا لا تأخذ المدرسة الإبتدائية بالشروحات والتفاسير المعتدلة التي من شأنها أن تجنب أجيال المستقبل تبعات مفاهيم ترسخت في الذهن والوجدان وحركت العقل نحو معاقل التطرف فتتحول إلى سلوك ورافض للآخر الضال والمغضوب عليه ..هذا الآخر الذي نجاوره ونعيش معه في قرية صغيرة اسمها العالم ونتبادل معه السلع والقيم والفكر والحياة الكونية العالمية. حارس عام المؤسسة الخصوصية يصرح: لم ننتبه إلى هذا الطرح تنساب الحافلة المريحة شبه الفارغة والنقية جدا في شارع ابن سينا تتوقف على مقربة من زنقة أبي حسن السرغيني، تتوجه الأحداث إلى مدرسة (...) منبع الإستياء الهادئ، تختلط بالتلاميذ والتلميذات،الذين يتواصلون بلغة موليير وقليلا من الدارجة المفرنسة « في الساحة تشد العقل بجمال المكان والأنفاس والألوان وأطفال مرحين غير مترددين من عيونهم تقفز الجرأة،يفاجأ الحارس العام بالشرحين وخصوصا في مدرسة خصوصية غارقة في «الخصوصية»،حيث قيم حضارية حداثية تذوب وسط الجماعة المسلمة يطلع أحد المسؤولين التربويين بالإبتدائي على جوهر القضية،ينفتح على الموضوع بشكل ديمقراطي ويقول «حقا لم ننتبه إلى هذا الشرح الذي يمس اليهود والنصارى علما أن مؤسستنا منفتحة وتساهم في زرع قيم التسامح والمحبة والتعاون بين الشعوب والأمم، نأسف لم ينتبه المدروسون لما يمكن أن يثير هذا التفسير من ردود فعل للاباء المسلمين الذين اختاروا الحداثة والإنفتاح واليهود المغاربة الذين هم جزء من نسيجنا البشري والحضاري والمجتمعي والنصارى الذين هم جيراننا...». كان من السهل أن تثير القضية مشاعر الأسف عند المسؤول التربوي الذي عبر عن استغرابه «كيف يكمن للوزارة أن لاتختار الشروحات المتنورة وغير المتشددة علما أن الشرح المدرج في كراسة التلميذ يعتبره كثير من العلماء ضعيفا ولا يأخذون به ...تغادر الأحداث المغربية المدرسة بعدما انشغل الحارس العام مع طفل لم يتوقف عن الشكوى من وجع ألم به بفرنسية راقية. مدرسة وادي المخازن قرب أحياء اليهود القديمة قطعت الأحداث على المدير فرصة خروجه بعدما خرج التلاميذ،فاقتطعت جزءا من وقت غذائه مشكورا .وافق على النقاش في القضية من منطلق انفتاح المدرسة المغربية على الإعلام أدرك علاقة المدرسة بالموضوع،فهي توجد في حي قريب من معبد يهودي وقرب ساحة« فردان» الشهيرة، الفضاء التاريخي لليهود المغاربة بل لازال هناك بعض اليهود المتفرقين في أحياء قريبة من المدرسة وهم جيران مجموعة من التلاميذ المترددين على المدرسة يصرح بأن هذا الشرح الذي يعتبر اليهود والنصارى في سورة الفاتحة هم المقصودون بالمغضوب عليهم والضالين موجود في الثقافة الدينية والفقه الإسلامي،وهوجزء من شروحات كثيرة لكنه يفضل شرح الرازي المعتدل والذي ينسجم مع قيم المدرسة الحديثة والمنفتحة على الآخر،خصوصا مع خطاب الحداثة وحوار الحضارات،ولكنه اعتبر القضية أكبر بكثير من شرح عابر ومسؤولية لجن التقويم واضحة ...يبقى هناك هامش للأستاذ كي يلطف المعاني وينأى عن لغة العنف والكراهية،،ويراهن على اجتهاد الأستاذ الذي هو نفسه يجب أن يتشبع بقيم الحداثة والديمقراطية . نفس الشرح والتفسير يتلقاه التلاميذ في هذه المدرسة العمومية فما إن تطأ أقدامهم المدرسة الإبتدائية في سن يقبل فيه عقل الطفل ووجدانه على المعرفة والقيم بشكل استيعابي آلي حتى يغير نظرته إلى جاره وصديقه اليهودي ورئيس والده في العمل النصراني،قد يكبر بذرة الفهم الأحادي لتتحول إلى شجرة تثمر العنف والعزلة والتطرف في السلوك والقول. مسؤولية الوزارة والمسؤولين عن الشأن الدينى: لم يخف مدير مؤسسة وادي النيل،موقفه الرافض لكل تصور معرفي وبيداغوجي يحول دون اندماج الطفل في وسط منفتح على الآخر،متسلح بقيم دينية ووطنية تؤسس لهوية المغاربة المتسامحين عبر التاريخ ولكنه يأسف لكون التفسير المدرج في الكتاب المدرسي ملزما للأستاذ على خلفية أنه رسمي والتعليمات الرسمية واضحة في هذا الباب ولكنه يثير الإنتباه إلى مسؤولية الأجهزة الوزارية المسؤولة على البرامج والمناهج واللجن التقويمية والقطاع الحكومي المسؤول عن الشأن الديني للمغاربة في مراقبة المقررات الدراسية واعتماد تربية إسلامية لا تنشئ الناشئة على الضغينة والكراهية اللذين هما مرشحان دائما لتفريخ سلوكات لا علاقة لها بالدين الحنيف ...دين المحبة والسلم والعفو والتسامح ويعتقد أن شرح الرازي أقرب إلى عقلية المسلم الحالي في سياق مجتمعي ودولي جديد..وينتظر من الوزارة أن تأخذ بعين الإعتبار التصورات المعتدلة و البعيدة عن الغلو والتشدد. تفسير المقررالدراسي وجيه وجزء من العقيدة المسؤول التربوي،الذي التقته الأحداث المغربية في هذه مؤسسة حاتم رجل منفتح يرتدي بذلة عصرية وتسبق حديثه ابتسامة تزرع الإرتياح في نفس المخاطب، لم يتردد في اعتبار الشرح المدرج في الكتاب المدرسي للسنة الأولى وجيها وصائبا،بل اعتبر هذا الموضوع لا يقبل مزايدة لأن هذا الشرح لسورة الفاتحة الكريمة جزء من عقيدتنا ولا يمكنه أن يخلق الكراهية والحقد عند الناشئة كما اعتبر كل تغيير في فهم النصوص القرآنية فهما مبنيا على الشراح الكبار من علماء الأمة هو محارلة لإرضاء هذا الآخر المفترض فيه هو أيضا أن يفهم ديننا ويحترم المسلمين في بلدان الغرب، وانتهز المناسبة ليتحدث عما يقاسيه المسلمون في بعض البلدان الغربية التي زارها من سوء المعاملة بسبب دينهم وعقيدتهم ويختم قوله «هذا التفسير متوارث وصحيح ولا جدال فيه». لا يجب استبلاد الأستاذ أكدت مديرة مدرسة ابن الخطيب أن جميع الكتب المدرسية على اختلاف ناشريها ومؤلفيها تتفق على هذا الشرح، مما يعني أن هناك مرجعية ما مذهبية تمتح منها الوزارة وخصوصا مديرية المناهج لاختيار الشروح المناسبة والتفاسير المتفقة مع اختياراتنا العقدية داخل مذاهب الفقه الإسلامي .ولابد أن حوارا تم بين عدة مؤسسات علمية أكاديمية ودينية لتقييم الكتاب المرجعي،لكنها تعتقد بأن الأمر لا يمس العقيدة ولا العبادات وبالتالي لا عيب أن نستفيد من مذاهب أخرى في إطار حوار المذاهب لاستخلاص فقه متطور يلبي حاجيات المجتمع الإسلامي المتحول باستمرار،فتقول «كان حريا بالجهات المسؤولة أن تبتعد عن هذا الشرح الذي هو صحيح في سياق ما ولكن تفسير الرازي حاليا ملائم للمدرسة الحديثة المنفتحة والتي تسعى من خلالها الحياة المدرسية إلى تحصين المجتمع من الفكر المتزمت والتطرف في الإختيارات والممارسات،لكن تؤكد على ضرورة عدم استبلاد نساء ورجال التعليم فهم قادرون على التعامل النقدي مع المضامين والحمولات القيمية،وتعتبر أن مسؤولية القطاع المسؤول على التربية والتكوين كبيرة في بلورة مضامين تحمل قيم التسامح وقبول الآخر بدل ترك الأمور للصدفة،وبالمناسبة ذكرت بدور مرصد القيم في رصد السلوكات الناجمة عن القراءة الخاطئة لبعض المحتويات . يتقاطع رأيها مع مجموعة من الأساتذة. جامع بوجوفاوي أستاذ التعليم الإبتدائي الذي يعتبر هذا التفسير غير ملائم لفلسفة المجتمع الحديث واجتهاد الأستاذ في إعطاء المغزى العام وربط معاني الآيات بالواقع اليومي للطفل أهم من إعطاء شروحات مطلقة انتهت دلالتها الزمنية ويستحضر درسا غريبا غريب يقدم لتلاميذ المدرسة الإبتدائية حول الواجب والمستحيل في حق الله تعالى من صفات ،موضوع يجد الكبار صعوبة كبرى في استيعابه فبالأحرى صغار دون العاشرة،كما يستغرب من المحاولة المضنية التي يقوم بها بعض المربين لشرح الملائكة والمجردات لأطفال لم يصلوا بعد إلى مرحلة عمرية وذهنية تمكنهم من التجريد، إذ يقول «هل يعرف طفل عمره 6 سنوات من هم النصارى واليهود...» هذا عبث ويجب الاكتفاء في السنوات الأولى بإعطاء المغزى العام وربطه بالمعيش اليومي للطفل. رأي أحد مؤلفي الكتاب لم يكن ممكنا تغييب صوت المؤلفين في القضية،وتم الإتصال بالأستاذ مصطفى ذو الفقير أحد مؤلفي الكتاب المدرسي الأساس في التربية الإسلامية السنة الأولى،تمت إثارة القضية واعتبر أن الحرج الذي ممكن أن يقع فيه أستاذ يدرس في مدرسة خصوصية تختلط فيها القيم الحضارية راجع إلى عدم اعتماده لقاعدة لكل مقام مقال والتوجيهات المسطرة في دليل الأستاذ تصب في هذا التوجه أي اجتهاد الأستاذ حسب الوضعيات،لكن يضيف «من الصعب تغيير الشرح المدرج في المقرر لأنه شرح جمهور الشراح وجل علماء المغرب يقدمون نفس الشرح ولو خرجنا نحن على هذا الإجماع الدلالي فهذا يعني أننا نخدم توجها خارجيا تفرضه قوى غربية على نظامنا التعليمي.» وتم تقديم شروحات معتدلة للأستاذ من بينها شرح سيد قطب في ظلال القرآن والذي أخذ بعين الإعتبار التنوع المصري ولم يسع إلى مس مشاعر الأقباط رغم أنه من الإسلاميين الحركيين قال الأستاذ «لواعتمدنا شروحات السيد قطب فإننا سنسقط في التفسير الحركي،نحن اعتمدنا تفسير علماء السنة الذين لم يختلفوا في هذا الشرح » ومع ذلك فالمرجعية جماعية ويكفي أن تنصت لشروحات المكي الناصري رحمه الله عبر الأثير لتعلم أن هناك شرحا رسميا لا يمكن أن نحيد عنه إلا بتدخل العلماء والأجهزة الرسمية . ولم يفت الأستاذ التذكير بالمراحل الذي يقطعها الكتاب المدرسي قبل الخروج للوجود على المستوى المسطري والإفتحاصي المعرفي والقيمي،فلو كان هناك تصور مخالف لإنتظارات الوزارة لرفض بالعكس حاولنا ألا نتناقض مع مرجعية العلماء المغاربة . .وظل الأستاذ يردد «لكل مقام مقال » وعلى الأستاذ أن يكون واعيا بالوسط وواقع فصله عند التعامل مع الكتاب المدرسي لاينكر جل نساء ورجال التعليم ومجموعة من المسؤولين التربويين أن الشرح المدرج في كراسة التلميذ له ما يبرره مرجعيا وفقهيا وورد عند شراح كبار،لكنهم فضلوا شرح الرازي الذي يعتبر الضالين والمغضوب عليهم الكفار والمنافقين في رأي آخر له يعتبر المغضوب عليهم كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفساق والضالون كل من أخطأ في الإعتقاد والتقييد خلاف الأصل .بل يذهب الكثير منهم إلي ضرورة التعامل الشمولي مع الدلالات الكبرى في السور بدل الوقوف على المصطلح القرآني الذي يصعب على المتعلمين الصغار إدراكه لكونه مجردا ويتطلب معرفة دينية معينة مالم يتعلق الأمر بالعبادات وربط السورة بواقع التلميذ حتى تتحول القيم الدينية إلى فاعل في بنية الكفايات ويعتبرون أن الوزارة مطالبة بالتقيد بالمغازي الإنســــــــــانية الكبرى للدين الإسلامي في هذه المرحلة العمرية وعدم التشدد في التفسير والأحكام انسجاما مع مدرسة منفتحة متسامحة لمجتمع التسامح والحداثة والتنوع. فهل ستتدخل الوزارة لفتح حوار حول هذا المقرر واعتبار الرسالة التي توصلت بها الأحداث المغربية دعوة إلى التفكير الملي في مضامين كثيرة في كراساتنا تؤسس للتشدد في الرؤية .. واللا مساواة » كالأم الموجودة دائما في المطبخ بينما الأب يقرأ جريدة أوتسرد سريدة والطفلة التي تساعد أمها في المطبخ بينما الطفل الذكر يلعب الكرة أو.....مضامين تتسلل إلى مدارسنا في تناقض صارخ مع خطاب الحداثة والمساواة والديمقراطية. هل يمكننا أن ننخرط في عالم جديد يؤمن بالقيم الإنسانية والتسامح والحق في الاختلاف وفي منظومتنا التربوية مضامين تكرس الحقد والكراهية، هل يمكننا أن نواجه عالم اليوم بتحولاته ونشرع في نفس الوقت بوابة التزمت ورفض الآخر ...لا ننكر شروحات علمائنا الأجلاء ...لكننا لن نعيش خارج زمننا ونحنط العقل البشري في تجارب إنسانية نمطية .... والدعوة مفتوحة. ...وسؤال الحداثة ينطلق من ساحات المدارس وفضاءاتها.فمن يحسم الجدل؟ خالد أخازي

الاحداث المغربية

إصلاح المنظومة التربوية والثقافية
يتناول هذا الشق الرابع والأخير من التقرير النقط الآتية :
- استكمال تعميم التعليم من حيث هو استجابة لحق إنساني وتمكين المواطن من إحدى أهم الموارد (المعرفة) الكفيلة بأن تجعله ينخرط في الدفاع عن حقوقه ويشارك في التنمية وبناء الديمقراطية.
- ترسيخ برنامج التربية على حقوق الإنسان وتعميقه وتطويره وتوسيعه ليتجاوز حدود المؤسسات التربوية ويشمل مختلف فضاءات المجتمع (الأسرة، الإدارة، المقاولة، المسجد، إلخ)، مع ما يقتضيه ذلك من إصلاحات في طرق عمل وأخلاقيات مختلف أجهزة السلطة.
- تشخيص العوائق الثقافية التي تحول دون انتشار ثقافة حقوق الإنسان واقتراح السبل الكفيلة بتحييدها، وتأصيل مبادئ وقيم حقوق الإنسان في التربية الثقافية المحلية.
- قراءة التجربة المغربية في مجال طي صفحة ماضي الانتهاكات من منظور متطلبات حفظ الذاكرة وجبر الضرر المعنوي الذي لحق المجتمع، وإتاحة شروط كتابة جديدة للتاريخ وتوفير الأطر الرمزية والمجتمعية الكفيلة بإعادة بناء ذاكرة معافية قادرة على الانخراط في بناء المستقبل.
رفع تحدي استكمال تعميم التعليم باعتباره استجابة لحق إنساني
تنص مختلف المرجعيات الدولية والوطنية على اعتبار التربية والتعليم حقا إنسانيا يتوجب على الدولة ضمانه لكل مواطن مغربي. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت منذ أواسط التسعينات من القرن العشرين، لا تزال آثار إرث الماضي تؤثر بثقلها السلبي على واقعنا التربوي والمجتمعي وتشد مؤشرات التنمية الإنسانية إلى معدلات جد متخلفة.
ولذلك فإن رفع تحدي تعميم التعليم في المناطق الفقيرة سواء منها القروية أو المناطق شبه الحضرية، يقتضي مقاربة شمولية ومندمجة كفيلة بتعبئة فاعلين وموارد وأساليب متنوعة :
- توسيع نطاق البرامج التنموية ورفع وتيرتها (مثل برنامج للأولويات الاجتماعية(BAJ1)، وبرنامج التزويد الجماعي بالماء الصالح للشرب للساكنة القروية(PAGER)، والبرنامج الوطني لبناء الطرق القروية(PNRR)، وبرنامج الكهربة القروية الشاملة(PERG) ...) ؛
- الإسراع بإدماج اللغة الأمازيغية في التعليم الأولي الإبتدائي وتكوين مدرسين يتقنون استخدامها حسب اللهجات الثلاث المستخدمة حاليا ؛
- إعداد أكبر عدد ممكن من الركائز البيداغوجية والديداكتيكية باللغة الأمازيغية التي تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والبيئية والبشرية للجهات المختلفة ؛
- إعطاء الأولوية لبرامج تنموية تستحضر مقاربة النوع وتدمج النساء في مشاريع تنموية ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ؛
- تنسيق جهود مختلف الفاعلين المتدخلين في المناطق الفقيرة وتشجيع المبادرات المحلية وإشراك السكان في كل ما يرتبط بالتربية؛
- مراجعة البنيات والمساطر والأساليب التربوية على ضوء متطلبات البيئة القروية والإكراهات السوسيو اقتصادية للمناطق الفقيرة ؛
- منح أولوية خاصة لبرامج إنشاء المطاعم المدرسية والداخليات التي اتضح بأنها تساهم بفعالية في رفع أعداد الفتيات القرويات المتمدرسات.
القضاء على الأمية باعتبارها عائقا أمام انتشار ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان
إن التأخر الذي عرفه مشروع تعميم التعليم الأساسي خلال العقود الأخيرة، وخاصة في الوسط القروي، واستمرار ظاهرة الانقطاع عن المدرسة في سن مبكرة، وضعف مردودية برامج محاربة الأمية الموجهة للكبار والأطفال غير المتمدرسين، والبطء الذي تعرفه مشاريع التربية غير النظامية، كلها عوامل تساهم في الإبقاء على نسبة أمية الكبار (15 سنة فما فوق) في مستوى كارثي (48,3 %). بل إن هذه النسبة ترتفع في الوسط القروي لتصل إلى 66,9 % حيث تشكل النساء النسبة الكبرى (83 %) من الأميين.
أما الواقع الإنساني المفجع الذي يختفي وراء هذه الأرقام فيعني بأن حوالي 10 مليون مغربي ومغربية يعانون من الأمية، كما ينضاف إليهم مليونان من الصغار المتراوحة أعمارهم بين 7 و 15 سنة الذين لا يترددون على المدرسة.
وهكذا بالموازاة مع الاستراتيجيات والمشاريع القائمة اليوم سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى المنظمات المدنية وفي نطاق الشراكات المدعومة من طرف المؤسسات الدولية، يقترح أن تولى أهمية خاصة للجوانب الآتية :
- إنجاز أبحاث علمية يتم بموجبها تقييم أداء برامج التربية غير النظامية وقياس فعاليتها على مستويي الكم والكيف ؛
- تنظيم ورشات تخصص للتفكير والتقييم وإبداع أساليب بيداغوجية وأدوات ديداكتيكية صالحة لمحاربة الأمية، وللقراءة في مرحلة ما بعد محاربة الأمية، بحيث تزاوج بين التلقين من جهة والتربية على حقوق الإنسان ومعاني المواطنة من جهة ثانية ؛
- إعداد أدوات بيداغوجية تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الحياتية للنساء القرويات الأميات وتسعى من خلال ذلك إلى بناء وعي بحقوقهن كنساء وكمواطنات ؛
- توسيع تجربة الجرائد الملائمة والمستجيبة لحاجيات الأشخاص المستفيدين من برامج محاربة الأمية، واعتمادها كأداة لنشر ثقافة مواطنة ؛
- تشجيع المبادرات الفنية (المسرح مثلا) والبرامج التلفزيونية والإذاعية المخصصة لمحاربة الأمية وتوجيه إرسالياتها في أفق توسيع معاني المواطنة ونشر القيم المؤسسة لحقوق الإنسان.
إصلاح برامج التربية على حقوق الإنسان
إن التحليلات وعمليات التقييم القليلة التي همت برنامج التربية على حقوق الإنسان الذي اعتمد منذ سنة 1994، تبين الكثير من مواطن الخلل سواء على مستوى الرؤية العامة أو المقاربة البيداغوجيية المعتمدة أو الوسائل البشرية والمادية.
ولذلك فإن إصلاح هذا البرنامج يقتضي أن تؤخذ بعين الاعتبار النقط الآتية :
التكوين والأدوات البيداغوجية
- تعميم برامج تدريب وتكوين المدرسين في مجال التربية على حقوق الإنسان ؛
- إنتاج أعداد وافرة من الأدوات البيداغوجية والأدلة التي تعرف بالنصوص الدولية والوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان، لتيسير مهمة الفاعلين التربويين. وإعداد مواقع على شبكة الانترنيت (باللغتين العربية والفرنسية) توفر للمربين موارد بيداغوجية في مجال التربية على حقوق الإنسان ؛
- تطوير الأساليب البيداغوجية والأدوات الديداكتيكية في اتجاه مقاربات تشرك المتعلمين وتشجع استقلاليتهم وتفتح المجالات لتنوع الآراء والمواقف وتبلور حوارات نقدية وعقلانية، كبديل عن أساليب الحفظ والتكرار التقليدية ؛
الفضاء المدرسي
- وضع استراتيجية تهدف لتشجيع المبادرات المواطنة داخل المؤسسات المدرسية، وذلك بغية إعطاء ديناميكية للفضاء التربوي وفتحه على محيطه الخارجي (الجمعيات، المقاولات، الإدارة العمومية، وسائل الإعلام، إلخ) وإنجاز مجموعة من الأنشطة التربوية والثقافية والفنية المندرجة في صلب متطلبات التربية على حقوق الإنسان والمواطنة ؛
- تشجيع تكوين نوادي التربية على حقوق الإنسان والمواطنة داخل المؤسسات التربوية، بما فيها تلك الموجودة خارج المدارات الحضرية ؛
- تفعيل الإجراءات الخاصة بإشراك التلاميذ في مجالس المؤسسات التربوية ؛
- تنظيم مهراجانات فنية (شعر، مسرح، غناء، رسم) جهوية ووطنية بمشاركة المدرسين والتلاميذ تخصص لموضوعات وثيقة الارتباط بحقوق الإنسان ؛
- إقرار الاختلاط في كل مستويات التعليم في إطار التربية على المساواة ومحاربة كل أشكال التمييز ضد المرأة ؛
- مناهضة العقاب البدني داخل المؤسسات التربوية من خلال حملة تحسيسية وطنية تستخدم وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة، وذلك بغية القضاء على هذا السلوك المنافي لحقوق الطفل والمناقض لأسس التربية على حقوق الإنسان.
- تخصيص جائزة وطنية كل سنة للاحتفاء بجمعية أو شخص أو إنجاز اجتماعي، ثقافي أو فني يخدم حقوق الإنسان في المغرب؛
الجمعيات الحقوقية والتربية على حقوق الإنسان
- تشجيع حضور جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان داخل المؤسسات التربوية لتنظيم حملات تحسيسية موجهة للمدرسين والتلاميذ (بمناسبة 10 ديسمبر مثلا) ؛
- قيام الجمعيات الحقوقية بتكوين مجموعة من مناضليها وأطرها في مجال التربية على حقوق الإنسان قصد متابعة البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان والمساهمة في تنشيط دورات تكوينية لفائدة الفاعلين التربويين
- تكوين لجن داخل المنظمات الحقوقية تتولى القيام بمهمة الرصد المنتظم لمضامين الكتب المدرسية وتقويمها من منظور حقوق الإنسان، وصياغة أدوات عمل خاصة لهذا الغرض.
تأليف الكتب المدرسية
- تنظيم دورات تدريبية مكثفة وورشات عمل لفائدة أعضاء لجن تأليف الكتب المدرسية، تخصص لتعميق معرفتهم بأسس ثقافة حقوق الإنسان ؛
- التنصيص في دفتر التحملات الخاص بمختلف المواد الحاملة على مواصفات دقيقة ومبادئ تحديد مفهوم حقوق الإنسان كما يجب أن تتبلور من خلال مضامين الكتب المدرسية. كما يتوجب إرفاق دفتر التحملات بدليل يعرض توجهات ونماذج لكيفية صياغة مضامين بيداغوجية مطابقة لفلسفة حقوق الإنسان ؛
- التنصيص في دفتر التحملات الخاص بمختلف المواد الحاملة على مواصفات تهم موضوع التربية على المساواة بين الجنسين سواء على مستوى المضمون (النصوص) أو المؤلفين (من الجنسين) أو الشكل (الصور).
تدريس الدين وحقوق الإنسان
- إصلاح عميق وشمولي لبرامج التربية الإسلامية في مختلف أسلاك التعليم، وإعادة صياغة مناهج تعليم الدين في مدارس ومعاهد التعليم الأصيل في أفق الإدماج الخلاق لمقاصد الدين النبيلة مع مقتضيات الثقافة والمعارف الإنسانية الحديثة.
- تكليف لجنة من الباحثين والمفكرين بإعداد دليل يعالج إشكالية العلاقة بين روح الدين الإسلامي والمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، بأسلوب بيداغوجي واضح معزز بأمثلة دقيقة وبنصوص تراثية. وذلك بغية تزويد المربين بأداة مرجعية متكاملة تجيب عن سؤال الخصوصية والكونية بمنهجية اجتهادية تكشف عن ما في قيم الإسلام عقيدة وفكرا وحضارة من عوامل ترقى بالإنسان نحو الحرية والمساواة والكرامة والمسؤولية، كما تجمع بشكل إبداعي خلاق بين الوفاء لنبل مقاصد الدين والاستجابة المتوازنة لمقتضيات الحياة الحديثة.
توسيع نطاق التربية على حقوق الإنسان
تحمل التربية على حقوق الإنسان مشروعا مجتمعيا يقتضي تفعيله تجاوز نطاق المدرسة والاهتمام بقطاعات واسعة مثل توسيع نطاق التربية على المساواة بين الجنسين، تأهيل الإدارة، إزالة العنف من العلاقات الاجتماعية وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في المجال الإعلامي. وهذا يقتضي بدوره الاهتمام بالقضايا الآتية :
- تفعيل الاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل الذي صادق عليها المغرب (1993) ونشرت بالجريدة الرسمية في 19 ديسمبر 1996، مع تأهيل الترسانة القانونية المحلية لضمان حقوق الطفل وحمايته من كل أشكال العنف والاستغلال.
- وضع تصور مندمج للنهوض بالمساواة بين الجنسين، يشمل التربية والتعليم، الشغل، الصحة، التمثيلية السياسية، الإعلام، إلخ.
- تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف ضد النساء ؛
- إدماج التربية على حقوق الإنسان في برامج تكوين رجال ونساء السلطة والأمن في مختلف المستويات (الشرطة، الدرك، إلخ) والقضاة وموظفي المؤسسات السجنية ؛
- تنظيم دورات تدريبية على حقوق الإنسان لفائدة أطر إدارة الأمن ورجال ونساء الشرطة وأعوان السلطة وموظفي المؤسسات السجنية ؛ مع تزويدهم بأدلة تعرف بمسار النضال الحقوقي المغربي ومكتسباته القانونية والمؤسساتية والأدوات القانونية الدولية التي صادق عليها المغرب ؛
- إيجاد صيغ تعاون فعلي وفعال بين الإدارة العامة للسجون والمنظمات الحقوقية ؛
- الإشراك الفعلي للمنظمات الحقوقية في اللجان الإقليمية لمراقبة السجون، وتفعيل تلك اللجان ؛
- تفعيل القانون 23/98 المنظم للسجون واحترام القواعد الدنيا المعمول بها في معاملة السجناء ؛
- تأهيل التشريعات التي تشكل قيودا على حرية التعبير من خلال إلغاء الفصل 77 من قانون الصحافة ومجموع التدابير الإدارية المتعلقة بإيقاف وحجز ومنع الصحف وتخويل القضاء صلاحية البث في المخالفات والجنح المرتبطة بالصحافة ؛
- إلغاء العقوبة الحبسية في جنح الصحافة ؛
- جعل مبحث تاريخ وفلسفة وواقع حقوق الإنسان ركنا أساسيا في مواد التكوين بالمعهد العالي للصحافة.
رفع العوائق الثقافية التي تحول دون انتشار حقوق الإنسان
لا تواجه حقوق الإنسان عوائق إدارية وقانونية فحسب، بل هناك أيضا عوائق ثقافية ترتبط بالعقليات والتصورات السائدة وتقتضي عملا فكريا نضاليا وإرادويا على المدى البعيد.
- يقتضي نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع المغربي جهدا فكريا تأصيليا لتلك الحقوق. وهذا يشكل تحديا ليس فقط أمام نشطاء حقوق الإنسان، بل أمام النخب المثقفة والجامعة ومعاهد البحث وعلماء الدين المتنورين. واعتبارا لإرادة والتزام الدولة بنشر ثقافة حقوق الإنسان، فالمطلوب هو إيجاد امتداد أكاديمي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يتولى مهمة تأصيل قيم ومبادئ حقوق الإنسان في المنظومة الثقافية المغربية والعربية الإسلامية بشكل عام. بحيث يتوجه عمله نحو إنجاز الأبحاث، تنظيم الندوات، الإشراف على دورات تكوينية، إصدار مجلة متخصصة، إلخ.
- اعتبارا لكون الثقافة المغربية-كما هو الشأن في أغلب البلاد العربية الإسلامية- تتمحور حول نواة دينية مقدسة تطبع القيم والتصورات السائدة في المجتمع، فإن مشروع التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان يتقاطع مع مطلب تجديد الفكر الديني وإصلاح التعليم الديني في كل مراحله. وذلك بغية إرساء قواعد مدرسة فكرية دينية تتأسس على التسامح والنظرة المتجددة للدين والتاريخ، والارتقاء بالحياة الروحية للمؤمنين والتفاعل الإيجابي بين الفكر الإسلامي والحضارات الإنسانية المختلفة.
- إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية تسعى بأساليب بيداغوجية مدروسة لنشر قيم ومبادئ حقوق الإنسان في تناغم خلاق مع التربة الثقافية المحلية.
- توظيف الآداب والفنون في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وذلك نظرا لقوة تأثيرها، وإمكانية استخدام الموروث الثقافي والفني المغربي لمخاطبة أوسع قاعدة ممكنة من المواطنين.
متطلبات المحافظة على الذاكرة ورهانات كتابة جديدة لتاريخ المغرب المعاصر
يقود تحليل التجربة المريرة للمغرب المعاصر على مستوى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وما واكبها من توجيه إيديولوجي اختزالي للذاكرة الجماعية وللتاريخ الرسمي، وأيضا التحولات الجديدة التي آلت إلى تشكيل لجنة الإنصاف والمصالحة، إلى صياغة مجموعة من المقترحات تتوخى دعم مسلسل الإصلاح في اتجاه حفظ الذاكرة وإعادة كتابة تاريخ المغرب المعاصر وبناء المستقبل. ويمكن اختصار تلك المقترحات كالآتي :
- يمكن للنسيج المدني من أجل متابعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أن ينظم بشراكة مع هيئات ومنظمات وطنية ودولية، ندوة تخصص لتدارس موضوع "الأرشيف والانتقال الديمقراطي". وذلك بمشاركة متخصصين في الأرشيف، والعدالة الانتقالية وحقوقيين ومؤرخين. يكون من أهداف الندوة إيجاد عناصر جواب عن كيفية تعامل المجتمع المدني مستقبلا مع أرشيف الانتهاكات المتوفر حاليا لدى هيئة الإنصاف والمصالحة. ما هي إمكانيات استغلاله العلمي والحقوقي مستقبلا ؟ كيف يمكن حفظه وإثراؤه وإتاحته للباحثين ؟ هل هناك حاجة لقانون خاص بهذا الأرشيف ؟ ما هي الضمانات الممكنة للاطمئنان على سلامة الوثائق المتوفرة حاليا ؟ إلخ.
- دعوة الدولة ومراكز البحث والمنظمات الدولية والجامعات الأجنبية إلى دعم البحث العلمي حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب. وذلك عن طريق تخصيص منح دراسية ووضع برامج بحث مدعومة وتشجيع مبادرات علمية تضطلع بمهمة دراسة هذه المرحلة من تاريخ المغرب المعاصر وتسليط الأضواء على كل ملابساتها.
- تحسيس المخرجين وكتاب السيناريوهات وشركات الإنتاج التلفزي والقنوات التلفزية الوطنية والدولية بالحاجة إلى إنتاج أفلام وثائقية تخصص لموضوع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب.
- دعوة مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان لإعداد بيبليوغرافيا شاملة عن كل ما صدر (كتب، مقالات، تقارير، استجوابات، إلخ) حول موضوع طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، باعتبار ذلك يوثق لمرحلة من النقاش الفكري والسياسي تؤسس للتطورات اللاحقة.
- إطلاق أسماء بعض ضحايا سنوات الجمر على شوارع وبنايات عمومية ومنشآت عمرانية، كما هو معمول به في العديد من تجارب الانتقال الديمقراطي عبر العالم.
- تحويل فضاءات الاعتقال السري إلى متاحف يساهم في إعدادها الضحايا أنفسهم والفنانون والمتخصصون في التدبير المتحفي، حتى تساهم بفعالية في تأطير الذاكرة والحفاظ عليها من جيل إلى آخر.
- تحويل إحدى أكبر حدائق الدار البيضاء أو الرباط إلى متحف مفتوح وفضاء للذكرى والأمل، وذلك بتنظيم تدخل إبداعي لمجموعة من كبار الفنانين والمبدعين المغاربة (شعراء، نحاتون، معماريون متخصصون في فن الحدائق، إلخ.) ميزة مثل هذا الفعل الفني والتاريخي هو تركيز الذكرى في فضاء عام جميل ترتاده مختلف شرائح المجتمع، بحيث يكون صفحة تاريخية مفتوحة باستمرار لتقرأها الأجيال المتعاقبة في كل لحظة.
- في إطار البرنامج الوطني للتربية على حقوق الإنسان، يمكن أن يضم إلى مضامين بعض الكتب المدرسية دروس ونصوص أدبية تخص بعضا من أحداث التاريخ المغربي المعاصر المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي توضح آثارها وأبعادها على الأفراد وأسرهم وعلى مختلف مكونات المجتمع المغربي بشكل أعم.
- إدماج درس أو عدة دروس مقارنة حول تجارب العدالة الانتقالية والخروج من الأنظمة الدكتاتورية في مختلف التجارب (أمريكا اللاتينية، أوروبا الشرقية والجنوبية، إفريقيا، إلخ.)
- تخصيص يوم كل سنة – قد يكون تاريخ تقديم التقرير النهائي للهيئة إلى السلطات العليا في البلاد – ليكون وقفة للذكرى يشرح فيها لتلاميذ المدارس بكل مستوياتها ما جرى خلال سنوات الجمر، ويكشف لهم عن مغزى الذكرى بالعلاقة مع المشروع الديمقراطي ودولة القانون.

"المتحابون فى الله "
قال النبى صلى الله عليه و سلم: ليبعثن الله اقواما يوم القيامةفى وجوههم النور على منابراللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء و لا شهداء فجثا أعرابى على ركبتيهفقال يا رسول الله حلهم لنا نعرفهم قال هم المتحابون فى الله من قبائل شتى و بلاد شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه
رواه الطبرانى بإسناد حسن عن أبى الدرداء رضى الله عنه
ينزع الكتاب المدرسي المصري، الصراع العربي الإسرائيلي من كافة أبعاده الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ليحوله إلي صراع ديني بين المسلمين واليهود، لا مكان لغيرهم فيه. ويحول نصر أكتوبر 1973 إلي انتصار حققه المسلمون علي اليهود... أين دور الأقباط الشركاء في الوطن؟ ولماذا ُندين كل شيء
: الديانة اليهودية: تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند اليهود، فلقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيرا على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة اليهودية. "وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي اليهودي الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية والدينية والقومية والرسمية عبر التاريخ"(7)، وقد تضمنت تلك الفلسفة من تعاليم أبناء اليهود المفاهيم الدينية التالية:
1ـ اعتبار التوراة والتلمود في أصولها العبرية المصدر الأساسي للتاريخ والجغرافيا والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.
2ـ اعتبار الشعب اليهودي هو "شعب الله المختار" الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي من هذه الديانة وهذا الشعب.
3ـ ملء المناهج الدراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدينية، وأن الله وعدهم باستخلافهم في الأرض.
4ـ إن اليهود أمة واحدة لذلك لا بد من جمع جميع اليهود في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية، وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية والثقافة اليهودية وحياً من الدين اليهودي، وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً واجتماعياً وانفعالياً وعقلياً عن طريق قصص من التوارة وأسفارها. وفي هذا يقول حاييم وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل "عندما بلغت ما لا غنى عنه لأي طفل يهودي، وخلال السنوات التي قضيتها في مدارس الدين تلك، كان علي أن أدرس أشياء من أصول الديانة اليهودية، والذي ملك علي لبي هو سفر الأنبياء"(8)
وما يمكن ملاحظته هو الاهتمام الكبير بتدريس المواد الدينية في جميع مراحل التعليم لأبناء اليهود أينما وجدوا، حيث تأتي مادتا التوراة والتلمود في مقدمة الدراسات، وتعتبر المادتان أساساً واطاراً للغايات التربوية، حيث يقول مائير بار إيلان أحد مفكري التربية اليهودية "إن روح التلمود ومعرفة عامة شرائعه وآدابه يجب أن يكون جزءاً من دراسة كل يهودي متعلم، حتى وإن لم يكن سيجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، والأمر شبيه بتعليم الفيزياء والرياضيات. فمع أنه ليس كل تلميذ يتخصص فيهما، ولا يستخدم جميع ما يتعلمه فيهما في حياته العملية، إلا أنهما ضروريتان له، كذلك بالنسبة للتلمود يجب أن يحفظ كل تلميذ مقاطع معينة منه وأن يتشرب روحها"(9)
ونورد هنا بعض التعاليم والأحكام التي يحتويها التلمود، حيث صيغت بمهارة فائقة تدل على أن واضعيها كانوا على قدر من الفطنة والذكاء:
ـ اليهودي لا يخطئ إذا اعتدى على عرض الأجنبية، فإن عقود الزواج عند الأجانب فاسدة، لأن المرأة غير اليهودية بهيمة ولا تعاقد مع البهائم.
ـ يجوز لليهودي أن يقسم زوراً ولا جناح عليه إذا حول اليمين وجهة أخرى.
ـ إن أخطأ أجنبي في عملية حسابية مع يهودي فعلى اليهودي أن يقول له (لا أعرف) لا أمانة، ولكن حذراً. إذ من الجائز أن يكون الأجنبي قد فعل ذلك عمداً لامتحان اليهودي وتجربته.
ـ من يقتل مسلماً أو مسيحياً او أجنبياً أو وثنياً، يكافأ بالخلود في الفردوس وبالجلوس هناك في السراي الرابعة.(10)
ـ الأجدر بك أن تكون رأس ثعلب من أن تكون ذنب أسد.
ـ صديقك له صديق وصديق صديقك له صديق أيضاً فكن حصيفاً (أكتم أسرارك).
ـ الرجل الذي في سلته خبز ليس كمثل الذي لا شيء في سلته.
ـ اذا لم يستطع السارق انتهاز الفرصة زعم نفسه أميناً.
ـ كثيرون يعظون جيداً ولكنهم لا يعملون جيداً.(11)
ـ يقرر التلمود أن اليهودي يعتبر عند الله أفضل من الملائكة لأن اليهود جزء من الله مثلما الإبن جزء من أبيه.

ليست هناك تعليقات: