بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 ديسمبر 2014

قراءة في خلفيات تأسيس “مجلس حكماء المسلمين”: تعزيز السلم الأهلي أم تأجيج الخلاف السياسي؟

قراءة في خلفيات تأسيس “مجلس حكماء المسلمين”: تعزيز السلم الأهلي أم تأجيج الخلاف السياسي؟

مركزتيفاوت الإعلامي
طارق مصطفى
عقدت في العاشر من شهر مارس 2014 أعمال منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، وأسفرت عن إصدار مجموعة توصيات من أبرزها: “تأسيس مجلس إسلامي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة يضم ثلة من ذوي الحكمة من علماء المسلمين وخبرائهم ووجهائهم ليسهموا في إطفاء حرائق الأمة قولاً وفعلاً”.

إلا أن الإعلام الرسمي في الدولة المستضيفة لأعمال المنتدى كان يعمل على برنامج مغاير في “القول والفعل”
فقد عمدت وسائل الإعلام الرسمي إلى توجيه رسائل سياسية ووجهت سهام نقدها تجاه التيارات الإسلامية المغايرة ورموزها الذين أطلقت عليهم لقب: “دعاة الفتنة”، ووصفهم الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية في كلمة الافتتاح بأنهم: “أشباه العلماء الذين تصدروا مواقع الريادة ومنابر الفتوى واحتلوا وسائل الإعلام المتنوعة”.

وشن الدكتور علي راشد النعيمي مدير جامعة الإمارات هجوماً على الجماعات الإسلامية بالتزامن مع تأكيد بعض المشاركين على أن توصية المنتدى بتأسيس مجلس للحكماء تهدف إلى تقديم بديل عن بعض الكيانات القائمة.

والحقيقة هي أن نبرة الهجوم على الجماعات الإسلامية لم تكن بالأمر المفاجئ؛ بل كانت المفاجأة في تعدي الخطاب الرسمي التوجهات الدينية في الدول المجاورة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي وُضعت داخل دائرة الاتهام وحملها بعض المتحدثين مسؤولية ظهور فكر الغلو والتكفير:
- فقد نقلت الصحف الإماراتية عن علي النعيمي رئيس جامعة الإمارات لمزاً لسياسة المملكة جاء فيه: “كانت المملكة العربية السعودية في الماضي هي الحاضنة للإخوان المسلمين في كل التداعيات والأزمات”، مؤكداً أن التحدي ليس في اتخاذ المملكة قرار تصنيف أعضاء الجماعة كإرهابيين، بل: “في آلية تطبيقه وتنفيذه على الأرض لأن هذه الجماعة تأصلت في مراكز التعليم والجمعيات الدينية والهيئات الإسلامية”!

- كما أكد أحمد معبد عبد الكريم عضو هيئة كبار العلماء وأستاذ الحديث بجامعة الأزهر على أن: “اعتبار الحكومة السعودية جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً جاء لدعم الشعب المصري في مواجهة العنف”، وطالب المملكة ببذل المزيد من الضغوط على بقية عناصرها ومن يقف وراءهم ويصر على دعمهم وتمويلهم!
- وإلى جانب هذه التصريحات؛ ساهم القائمون على المؤتمر في تعزيز حالة الاحتقان تجاه المؤسسات الدينية السعودية؛ حيث هاجم الشيخ عبد الله بن بيه مؤسستي الفتيا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية معتبراً أداء هذه المؤسسات سبباً في الانحرافات التي تغذي التطرف وبالأخص منها: “التفسير الخاطئ لمعنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كرخصة للتدخل وفرض سلوك شخصي إلى درجة تنفيذ القعاب البدني العنيف وغير الإنساني”، واتهم الشيخ بن بيه من يتصدر للفتيا بأنهم يجهلون: “الشروط والتخصصات ويفتقرون للمؤهلات اللازمة التي تتطلبها الشريعة الإسلامية لإصدار الآراء الدينية الموثوقة”.

- وعلى النسق نفسه؛ شنت الصحافة الرسمية هجوماً على السلفية بمختلف توجهاتها، فنشرت تقارير تتحدث عن توجه المؤتمر : “لمواجهة الطوفان الديني السلفي التكفيري المتزمت الذي ظل يتدفق علينا منذ نهاية الخمسينيات حاملاً معه طوابير طويلة من اليافعين العرب والمسلمين الذين لم يتوفر لهم تعليم عصري يفتح عيونهم على حقائق العصر والعلم وعلى مسيرة الشعوب الأخرى المتسارعة نحو عالم جديد قائم على مزيد من التسامح والتآلف والتلاقح، بل تركوا نباتاً صحراوياً دون رعاية حتى تلقفهم رجال دين مغلقون على الماضي يجاهدون من أجل إعادة الأمة مئات السنين إلى خلف، إلى أيام الحلاقة على الرصيف، ورجم الزانية بالحجارة حتى الموت… ومنع الشعر والرسم والنحت والموسيقى وإعدام القائل بأن الأرض كرة تدور حول نفسها وحول الشمس”.
وإذا أخذنا هذه التصريحات العدائية بعين الاعتبار؛ فإن تساؤلات ملحة ستثور حول مصداقية الدعوة التي وجهها “منتدى تعزيز السلم الأهلي” للانفتاح ومد جسور التواصل في فعالية ساد فيها مناخ الإقصاء والتهجم على التيارات الإسلامية المغايرة لتوجهات الخط الرسمي. هل يمكن أن تكون أبو ظبي مقراً لمرجعية دينية جديدة؟

هل يمكن أن تكون أبو ظبي مقرا بمرجعية دينية جديدة؟

وعلى الرغم من كثافة الحضور التي قدرت بنحو 250 مشاركاً من مختلف الدول وعدد الأوراق التي ناهزت الثلاثين؛ إلا أن الأسماء الكبيرة قد غابت عن المشاركة، وبدا وجود المملكة العربية السعودية باهتاً حيث اقتصر الوفد على دعوات فردية لشخصيات تنسجم مع توجهات المنظمين، وساد خطاب الإقصاء على لسان المنظمين والمشاركين، حيث صرح مصدر مقرب من شيخ الأزهر أحمد الطيب في تصريح لصحيفة الشروق (12 مارس 2014) قائلاً: “دور مجلس حكماء المسلمين هو تصحيح مسار بعض الكيانات الكبرى وسيكون بديلاً لهم ليكمل المشوار لإنارة طريق المسلمين”.

وبعيداً عن محاولة تحديد الجهة التي سيعمل مجلس “حكماء المسلمين” على إقصائها لا بد من القول بأن التصريحات العدائية التي تكررت على لسان منظمي المنتدى تقدح في مصداقية تبنيه لفكرة تعزيز السلم الأهلي ومبدأ الانفتاح على جميع التيارات الإسلامية.

وظهر الوجه الآخر للفعالية من خلال بيانها الختامي الذي نص على: “أهمية إعادة تثبيت سلطة المرجعية في الأمة”! فهل يمكن القول أن الأمة قد فقدت مرجعيتها الدينية حتى يجعل المؤتمرون من أهدافهم استعادة المرجعية؟ وهل يسوغ أن تعمل السلطة السياسية -في أي دولة- على تأسيس مرجعية دينية جديدة تنسجم مع خطها وتستبعد المرجعيات التي لا تتوافق مع توجهاتها؟

أسئلة تصعب الإجابة عليها في ظل إشارة البيان الختامي إلى تأسيس: “حلف فضول لعقلاء الأمة وبلورة نظرية للتعارف تكون أساساً ثابتاً لا يتزحزح للعلاقات الدولية”!

قد يكون المؤتمرون قد توصلوا إلى أن الأمة تمر بمرحلة “جاهلية القرن الواحد والعشرين” (!) فقرروا التداعي لحلف فضول يهدف إلى: “إعادة الأمة إلى صوابها” (!)، ويعمل على رسم ملامح العلاقات الدولية للأمة الإسلامية بأسرها (!)

وفي ظل بشرى النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بأنها لا تجمع على ضلال، وقوله عليه الصلاة وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: “من قال هلك الناس فهو أهلكهم”، يبقى التساؤل معقوداً لمجلس الحكماء في دورته الأولى:

هل فقدت الأمة الإسلامية صوابها بالفعل؟ أم أن تعقيدات المشهد السياسي أفقدت حكماء المنتدى صوابهم؟

ليست هناك تعليقات: