بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 5 سبتمبر 2014

استشراف آفاق الحوار الإسلامي العالمي في ظل تحديات المستقبل




مركزتيفاوت الإعلامي
الدكتورة مريم ايت احمد
استشراف آفاق الحوار الإسلامي العالمي في ظل تحديات المستقبل 3
2 -المستوى العالمي / الآخر بين توازن المصالح والدعوة للانفتاح
أعتقد انه قد آن الأوان لاقتراح عقد مائدة مستديرة تعالج شطط الإعلام الدولي واستراتيجيات المؤسسات العسكرية في دعم الفكر الصدامي بين الشعوب والثقافات ،مائدة نجمع فيها (انطلاقا من المنهج القرآني قل يا أهل الكتاب تعالوا ) بين عقلاء وخبراء الفكر والإعلام ورجال الدين من العالم لرسم معالم مشروع مؤسساتي عالمي يعمل على صياغة ميثاق عالمي لأخلاقيات الحوار بين المجتمعات الإنسانية العالمية (على قاعدة العدل والسلام و الاحترام المتبادل للخصوصيات الثقافية والفكرية والمقدسات، والمناصرة في الحقوق والالتزام بالواجبات و الوفاء بالمواثيق والعهود )29
وللإشارة فإن القرن الحالي مهما روج له صناع قيم ومبادئ العولمة بهواجس مفتعلة لمنع التقارب والحوار بين شعوب العالم فإنه لن يكون قرن صراع بين الحضارات والمجتمعات وإنما قرن حوار حضاري للأسباب التالية :
أولا:علمنا التاريخ أن الصراعات نتاج تباين ثقافي ارتبطت به مؤثرات اقتصادية واجتماعية ،وجسدته حالة الخوف من الخطر القادم بسبب التباين في الدين أو الفكر،وبذلك فإن الثقافة قد تكون أداة للتلاقي الحضاري أو صيغة للصراع والصدام والتنافر ،لكن صراعات الماضي تختلف عن صراعات الحاضر اختلافا جوهريا فنحن نعيش عصر ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية حيث أصبحنا نعيش في عالم يمثل قرية كونية كبيرة والأخطار التي تهدد عالمنا المعاصر أصبحت أخطارا عالمية تهدد الجميع وتتطلب جهودا دولية لمواجهتها مثل قضايا المخدرات ودمار المجتمعات والاتجار بالأسلحة والبشر والإرهاب الدولي والجريمة المنظمة وأسلحة الدمار الشامل وأمراض العصر وغيرها من القضايا التي تتطلب تكاتف الجهود الدولية.ولعل هذا هو الذي شجع الأمم المتحدة على الإعداد لتنظيم منتدى للحوار بين الحضارات عام 2001 دعما للتفاهم بين الثقافات والحضارات المختلفة .
إذن المطلوب المبادرة الثقافية عند تخطيط رؤية إستراتيجية للعمل الثقافي الإسلامي في الغرب ،وذلك انطلاقا من رؤية إسلامية كلية أفراد ومؤسسات وجامعات ومراكز ومنظمات عن وضع البعد الثقافي غير منقطع الصلة بالأبعاد الأخرى السياسية الاقتصادية العسكرية 
ثانيــا : إن المشكلة بيننا وبين الآخر ليست في العمق على مستوى العلاقات الثقافية وإن كان للثقافة دورها في أكثر من جانب ،ولكنها تأخذ مناحي اقتصادية وسياسية وأمنية مرتبطة بموقعنا الاستراتيجي لذلك فإذا كانت الأصوات التي تروج لصدام الحضارات قد وجدت أصداء واسعة في الشرق والغرب فإن هناك جهودا وأصواتا عاقلة مضادة في الغرب ترفض بشدة مقولة هنتنجتون للصدام وخاصة بين الحضارة الإسلامية والغربية 
وعلى هذا الأساس يمكن القول أنه إذا كانت القوى العالمية، ولا سيما الغرب ينطلق في كل علاقاته ومشاريعه على أساس المصالح من موقع الضغط عل الشعوب المستضعفة، فعلينا أن نتحرك مع هذه الشعوب خصوصا وأننا نشترك معها في القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية وقد نستطيع من خلال هذا الترابط المصلحي بيننا وبين العوالم الأخرى والتي قد ندخل فيها بعض الخطوط الثقافية، كالخط الحوار العربي في الواقع العربي وخط الحوار الإسلامي في الواقع الإسلامي وخط الحوار الاستضعافي في الواقع المستضعف بين شعوب العالم المستضعف، بحيث يقوى هذا الترابط، الذي يرتكز على قاعدة إنسانية مشتركة ننفتح فيها على المستقبل من موقع واحد – يمكننا من إقامة جبهة عريضة لحفظ وتوازن مصالحنا في مواجهة تحديات العولمة. 30
فمصالح الغرب لا تنحصر في موقع واحد في العالم؛ والبترول الذي يعتبر الشريان الحيوي للاقتصاد الغربي موجود في مختلف بلدان العالم الثالث، وكذا الأمر بالنسبة للمعادن والأسواق الاستهلاكية والاستثمارات.لدى فاحترامه لمصالحنا وخصوصياتنا فيه ضمان لثبات مصالحة إن هو أعاد مراجعة علاقاته معنا باحترام قراراتنا المصيرية المتعلقة بالاكتفاء الذاتي، والحرية في سياستنا وفكرنا واقتصادنا وأمننا بالحوار العاقل وتبنى خط العقلاء عنده المبني على العدل والسلم، أكثر من فرض استعلائه واستكباره بالهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية كما هي الآن .
ثالثــا : يجب أن ندرك بأن الحوار مع الآخر له مستويات متعددة كلها فاعلة ،فهناك حوار الحياة ،وحوار المشاريع المشتركة، وحوار الأديان والثقافات بين المتخصصين من رجال الدين والفكر،وحوار المؤسسات والهيئات والمنظمات غير الحكومية وتجاوز النمط التقليدي المتمثل في الاقتصار على مشاركة الدوائر الرسمية في ظل غياب دورها عن تفعيل وتعزيز العلاقات بين الشعوب و المجتمعات الإنسانية.ومن هنا يرى البعض أهمية ما تقوم به الأمم المتحدة من محاولات لتفعيل دور المجتمع المدني في العالم الإسلامي وربطه مع المجتمع المدني العالمي والانخراط في حوار جاد مؤسسي يقوم على التنسيق بين الهيئات والمنظمات العربية والإسلامية والعالمية يمكن تقليص استغلال الولايات المتحدة للدور الثقافي الذي تقوم به الأمم المتحدة للتأثير السلبي على المواقف الرسمية والعلاقات بين الحكومات وتعديل مسار الحوار بين الحضارات والشعوب .31 
وفي هذا المجال يمكن ذكر جهود مبادرات مشروع خاتمي للحوار،ورسالة عمان 2004و مشروع تعهدات الرباط 2005الذي يشتغل على تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات عبر برنامج عملي تشارك في تطبيقه ست منظمات 
( منظمة المؤتمر الإسلامي ، المنظمة العربية للثقافة والعلوم الألكسو،اليونسكو، الإيسيسكو، ومؤسسة الأناليدز الأورومتوسطية ومجلس أوروبا )
رابعـا:عدم الانعزال عن العالم، بمعنى أن لا نعيش مشروع الانعزال والانكفاء على الذات لأنه يؤدي من الناحية العلمية والفعلية إلى حالة من الازدواجية الخطيرة التي تصيب الفرد المسلم ظاهرا وخطابيا يمقت الغرب ومنتجاته وإنجازاته،وفي الخفاء يلهث وراء اقتناء آخر إنتاج تقنياته بما يتناقض مع حالة التفاعل التواصلي الذي ينطلق من سيادة الذات الحضارية فكرا وسلوكا ، فاختلافنا مع الآخر سواء في الدين أو المصالح أو نمط الحياة لا يعني العزلة، بل يجب التخطيط للانفتاح على العالم من خلال فتح ثغرة هنا وثغرة هناك لمصالحنا وخطوطنا الفكرية والإسلامية وأوضاعنا الأمنية، والتركيز على ثلاث دوائر :
دائرة القيم الإنسانية :
فكل المجتمعات تبحث عن العدل والسلام في إطار ما يسمى بحوار الحياة وهو يعني الحياة مع الآخر والاهتمام بقضاياه وتفهم خلفياته والاعتراف بتمايزاته واحترام قيمه ومبادئه 
دائرة القيم الدينية :
وهو حوار عقدي مع المختصين في الدوائر الحضارية الأخرى ،ليس بهدف توحيد الأديان والعقائد وإنما بهدف بناء ميثاق لحوار عالمي يرتكز على القيم والمبادئ المشتركة بين الأديان وهو مشترك قيمي إنساني ينطوي على عناصر كثيرة تستطيع الوقوف في وجه قيم المادية الإلحادية 32
دائرة المصالح المتبادلة :
وهو ما يعرف بحوار العمل والحاجيات وهذا لا يتطلب منا أن نكون أمريكيين فقط أو أوروبيين فقط أو آسيويين فقط بل نحاول أن نستفيد من كل هذه الحضارات حسب مصالحها ومصالحنا (وعلينا ونحن نتحاور مع الغرب أن نفرق على المستوى السياسي، بين الغرب الأمريكي والغرب الأوروبي لأننا نعرف أن الغرب الأوروبي أقرب فهما لواقعنا وقضايانا ومصالحه أقرب تقاطعا مع مصالحنا حتى وإن مورست عليه ضغوطات أمريكية) ثم إنه قد أن الأوان للتقارب والتكاثف مع دول الشرق الأقصى وخاصة الصين واليابان وهما المرشحان للصعود لتغيير واقع الجيوبوليتيك العالمية Geopolitique،وهما الكتلتان اللتان سيصبحان مركزا عالميا جديدا للاقتصاد والإنتاج ومن ثم السياسة والثقافة،وقد أصبحا يمثلان معا هاجسا يؤرق نظام الأمركة لما تشهده هذه الدول الشرق آسيوية من حفاظ على خصوصياتها الثقافية رغم انفتاحها على العلوم والتكنولوجيا الغربية وتوظيفها لها توظيفا أهلها لأن تحتل دور الريادة في إنتاج الاقتصاد العالمي.ووفق مبدأ توازن المصالح والانفتاح على الآخر فإن الاسترشاد بهذا المنهج والتعاون مع هذه البلدان على تطوير العلوم والاختراعات العالمية في إطار المشترك القيمي والأخلاقي كفيل بإلغاء الحواجز التي وضعت في طرق الحضارة الإسلامية لبناء نظام علاقات جديدة في الميادين الثقافية والسياسية والاقتصادية . فما نحتاجه في الفترة القادمة كما قال هملتون جب ليس الحوار بشكله التقليدي وإنما العالم بثقافة وحضارة الإسلام ضمن فريق (سواء من الداخل الإسلامي /أو من خلال الجاليات العربية الإسلامية في الخارج) يدرس مصالح اقتصاد واجتماع وسياسة العالم الإسلامي . ويعمل على نقد العقل الغربي بحيث يصبح المشروع الثقافي الغربي ضمن علم الاستغراب 33 موضوعا لخطاب غربي فيتحول الشرق مصدرا للعلم والمعرفة والمشاركة في الإنتاج العالمي بعد أن كان موضوعا للمعالجة والتقويم ،ويتحول الآخر /الغرب إلى موضوع للدرس وفق قاعدة فكرية إستراتيجية ممثلة في الاستغراب مقابل التغريب والاستتباع ، الاستغراب الذي ينطلق من مرجعية إسلامية في التعامل مع الانجازات والمصالح الغربية ،مرجعية تقوم على دراسة موضوعية علمية لفهم مراحل تطور الآخر ومدى استفادته منا تاريخيا وكيف يمكن أن نستفيد منه عبر هذه المرحلة علميا وتقنيا وإعلاميا وسياسيا واقتصاديا ... فنقاط الالتقاء على المصالح بين المجتمعات الإنسانية كثيرة ولابد من البحث عنها بإيجاد خطط مشتركة وتحديد آليات عملية لتطبيقها لا البحث عن نقاط الاختلاف والتناحر
د مريم آيت أحمد 
أستاذة التعليم العالي
رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية

ليست هناك تعليقات: