
ساحة الفناء بمراكش الحمراء تضيء ليلة بشائر النور
هنيئا لمن استمع قلبه لفيوضات رد تحية الحبيب صلوات الله عليه وسلم،لأن من ذاق لذة نغم هذه التحية ....
يكون قد سمع كل ما ينبغي سماعه ...
وفهم كل ما ينبغي فهمه ...
كانت الأبلا تسمع أنين روحي،وعيونها لازالت تحت تأثير، روعة سحر مقام الروضة المطهرة،وقد تشربت روحها بشراب كوثر صاحب المقام ...
ابلا متولي: هل لي أن أسأل عن نوع من الحلوى ،بنكهة مميزة ،أعجبني مذاقها أثناء اقامتي في مراكش ؟
أرد، عليها ....
هل لك أن تصفي لي مكوناتها، فالحلوى المغربية أطياف وألوان ؟
الأبلا متولي: هي عبارة عن دقيق ،ممزوج بنكهات مختلفة، تجديه في أطباق عربات ساحة الفنا الفلكورية....
أجبتها :نعم نعم ..
هذا ما نسميه بالسفوف أو سلو بالمغربي .وهو نوع من الحلوى يعده المغاربة خصيصا في شهر رمضان،يتكون من دقيق مع جوز ولوز وسمسم وينسون،وحبات شمار،يعجن بالزبدة، فيكون طبقا مقويا بمكوناته،يتناول عادة بعد الإفطار في رمضان مع الشاي الأخضر المغربي.....
في مراكش الحمراء سيدتي ......
وفي ساحة جامع الفنا الفلكلورية، تجدينه في كل العربات، يقدم مع شراب الزنجبيل والشاي......
ففي ساحة الفنا كل تراث المغرب، كما يريدها السائح الأجنبي....
ولكن ليس فيها من تراث المغرب ،ما يمثل مغربي الثقافة والجذور والأصول....
ساحة الفنا يا عزيزتي الأبلا ،تشبع نهم السائح في اكتشاف سحر الشرق الأسطوري،..لوحات من يقرؤون الكف... ينقشون الحناء ،كما كانت تنقش لحريم العصر الكولونيالي.... يرقصون ،كما شهدت على رقصاتهم، وشطحاتهم لوحات الفن الاستشراقي العتيد، في هندسة مخيال العقل الغربي الجمعي... !
ساحة الفنا بمن يرقصون القردة والأفاعي،....كما يرقص مجد العربي في ساحات الفناءات العربية ... الفنا في سر فناء شهامة الرجل العربي، حينما رضي بإتقان دور الراقصة،فتعرى من رجولته وتنكر لذكورته ...وأبى إلا أن يستجيب لنداء الفن الساخر ليضرب بشطحاته، عنفوان مجد شهامة أمازيغيته وعروبته، كرامة أجداده الأمازيغية والعربية....
إنه فناء الفناء يا سيدتي ........
بعدما تخلينا على مجد وعزة وفخر تراثنا .....
دعيني احكي لك، حكي أجدادي الأبطال، عن الملامح التاريخية لجامع الفنا..... ساحة جامع الفنا يا سيدتي ،يرجع تاريخها إلى عهد تأسيس مدينة مراكش سنة (1070-1071)م، ومنذ ذلك التاريخ وهي تعد رمزا للمدينة، يفتخر بحيويتها وجاذبيتها كل من مر منها من المسافرين....
أتدرين لماذا ياأبلا ؟
لا أعرف يامرام ؟
لأنها عزيزتي ،كانت نواة يوسف ابن تاشفين الشهير...
كان يوسف بن تاشفين ،معتدل القامة ،أسمر اللون ،نحيف الجسم ،خفيف العارضين، حسن السيرة، دينا خيرا ،عادلا يحب العفو ،ويصفح عن الناس ويسمع إلى الموعظة في خشوع، يميل إلى أهل الدين والعلم ويكرمهم ويسند إليهم مناصب الدولة. ...
يوسف ابن تاشفين أيتها العزيزة ،أرسى في مراكش، ملحمة جامع الفنا ،أعظم دولة في تاريخ المغرب،كون جيشا قويا ،تتمثل فيه جميع قبائله،أحسن السيرة في الرعية، ولم يأخذ منهم سوى الزكاة، فاستغاث به أهل المغرب والأندلس، وسار إليهم،وافتتح بلادهم حصنا حصنا، فأحبه الناس وصلحت أحوالهم...
هذا هو باني مجد مدينة ساحة الفنا ،التي فنيت فيها أرواح رجال، لبسناهم لباس الراقصات، وأعددناهم للعرض المشوق للرقص.....
آه ثم آه...
كم من مرة تصرخ يا يوسف ابن تاشفين ..؟؟
كم مرة في اليوم تسمع من تحت قبرك ...أهازيج أصوات أحفادك...وهم في نشوة رعشة الجسد المهينة يوقعون على وثيقة محو تخليد مجدك... !!
نعم يا سيدتي التراث المغربي....
أصيل بحكيه ،ورقص فلكلوره الشعبي ،الممتد من طنجة الى الكويرة....
من الأندلسي ،للطقطوقة الجبلية
من فن العيطة ،الى قصائد الملحون...
من الشعر الحساني الى الأهازيج الأمازيغية السوسية والريفية والأطلسية
أصيل بحكي تاريخ بطولاته الملحمية في الجهاد والرباط ،ومعارك سيادة التوحيد ورفع راية الإسلام...
عريق في تاريخ التصوف والزوايا وحفظ القرآن بتلاوته الورشية.....
المغرب سيدتي....
غني بتراث إبداعي في الأدب، والقصة، والرواية، والشعر، والنقد والزجل والعروض الفنية والمسرحية ....وترويض الحيوانات المفترسة، بل إن المغاربة يمتلكون أكثر من هذا سحرا ،إنه سحر ترويض روح الإنسان بالمحبة وحسن كرم الضيافة...
اسأليني سيدتي، لماذا إذن لم تشاهدي هذه اللوحات الفنية في ساحة الفنا؟
لأجيبك: بأن من هندسوا لمسرح عرضها،لم يفسحوا المجال، لإبراز هذا التراث الغني في ساحة العجائب والغرائب المراكشية !!....
فسبحان من سخر هذا، لمن تنكروا لتراث ملاحم أجدادهم ، وما كنا لهم ناصرين ...
رحمة الله عليك يا يوسف ابن تاشفين....
ياباني مجد ساحة فناء الفنون الجميلة وانبعاث ثقافة السحر والدجل، ورقص الرجال بلباس النساء .....رحمة الله عليك يافخر المغرب الأقصى ...
يوسف بن تاشفين ياسيدتي الأبلا ،هو أول ملك بربري حكم المغرب وقد أجمع المؤرخون على أن عهده كان عصر المرابطين الذهبي. جعل من مراكش الحمراء ، بعد أن أتم بناءها، حاضرة المرابطين، فاستمدت إشعاعها من إشعاعه ،حتى أصبح المغرب كله الذي امتد من السودان جنوبا إلى جبال البرانس شمالا، ومن المحيط الأطلسي غربا إلى حدود تونس شرقا، يعرف باسمها فيقال سلطنة مراكش ومملكة مراكش Maroc بالفرنسية و Morocco بالإنجليزية.
كانت رفيقتي تشاطرني حرقة هم المثقف، الذي يتواصل مع تناغم داء الوصال وصوت حسرة إشراقات ،فجر التراث الفني الرائع، الذي يملأ خيالات عهودنا وتاريخ أمجادنا في المكان من قبل ....
إن أرباب القلوب والفكر، يسيحون عدة مرات في اليوم الواحد...بحثا عن عالم نقي بين التلوث...ليعكسوا في فضاءاته، الماضي ،والمستقبل فتقرأ منشورات أفكارهم بوتائر متعاقبة ....
الوقت يمر بسرعة،العياء قد أجهدنا ...ولكن فيض سيل النور الروحاني، الذي تحول في جلسة هذه المائدة المباركة،إلى جذوة متقدة في قلوبنا....كان يحول أجسامنا وأرواحنا من الوضع الهامد، إلى الوضع النشط المجدد لدسائس الروح، في هفوة البعد عن غيوم جلسات أنانية المنصب، والجاه، والمال، والقيل والقال هتكا في أعراض المحصنات العفيفات...
غيوم تتلبد بسوادها فوق موائد عزومات سيدات المجتمع...
سيدات عالم حفلات التنكر باللسان ،لترانيم وصال الروح والإخاء...
الساعة تشير الى قرب منتصف الليل،وفي قوة عزم مني، لمقاومة روعة نشوة هذه الجلسة الأدبية الراقية ،في نحت معنى قيم التواضع، والتفاني في خدمة العلم وأهله
الأبلا متولي تودعنا وهي،تهدينا جميعا هدية مودة مصحوبة بعناق تتمازج فيه الأرواح تحت ظلال الأحاسيس ،الملتهبة بمشاعر المحبة في الله..
وكعادة خلقها،وبخفة بالغة تسبقني نحو حذائي لتساعدني في لبسه.....
ياسلام كم هي رائعة الشمس ،حين تتحول إلى شمعة، لتضيئ طريق النساك بضيائها التي تغمر منافذ طرقهم....وكم هي باهتة ،شمعة من سحروا بمطالب النفس فأحرقت أرواحهم....
الجو بارد جدا في الخارج ،وكنا نحاول رد الأبلا عن توديعنا.....
لكن أنى لمن ترعرعت روحها ،على خدمة الناس، أن تهتم لبرودة الجسد ،أمام دفئ وحرارة المشاعر....
يداها الأنيقتين لازالت تلوح بالتحية والسلام ،تلاحق بلطف سيارتنا المتجهة نحو مخرج الإقامة الفاخرة ....
الفخر لا يكون بفخامة البناء والأثاث والديكورات أوالنجفات والزرابي والكريستلات الفخامة يا سيدتي الأبلا....
أرددها في نفسي ،وأنا ألوح بيداي ردا على سلامها هي فخامة النفس النقية ، التي تغير نضم مشاعرنا الإنسانية ،النابضة في قلوبنا ،وتوجه أصواتنا وضمائرنا وتصرفاتنا نحو محرابنا الأبدي، هكذا سمعت من الأستاذ الذي رباك خوجة فتح الله.....
في الطريق السيار،ونحو اتجاه مدخل لوحة انقره ،كنت أحاول النوم ،ولكن نفسي تقاوم صوت داء الأنانية ،الذي جئت لفحصه والتثبت منه....
كيف أنام...؟
وأترك من يرافقنني قيد أسر المقود وهن من تركن الزوج والولد سعيا لإكرامي..!!
لا شك أن الصوت الحقيقي لعلاج صدإ الروح، يبدأ بالسلوك المشترك، والمشاعر المتوحدة نحو من يحيطون بنا....
كنت أخالف نغمات رأسي ،التي بدأت تثقل على كتفي ،بالحديث مع فضيلة باعتبارها المتحدثة الوحيدة بالعربية، فأسألها عن وظيفتها ودراستها ،علمت منها أنها مهندسة زراعية ،وأبلا زراعية ،فبحكم التخصص هي مهندسة أرض زراعية ، ومن جهة ثانية هي أبلا زراعية لتزكية نفوس وعقول الطالبات بسميد صحبة الإيمان ،وسقاية الروح بالقرآن ،والذكر، وسمو الأخلاق......
وأخيرا عدنا من حيث أتينا باران معاجم المعنى ،فيه توضع مناهج ،ومصطلحات خدمة رقي الإنسان الفاعل الرسالي ....
إنه إنسان المعنى في زمن غيب فيه قادة الروح وخطباء العقل...
سر معاني المعنى .....
كنت متأكدة وأنا أودع الأبلهات المرافقات ،بأنني لن أجد فاطمة أكيد هي نائمة فالوقت متأخر... مكتب الاستقبال فيه أجمل الجميلات ممن تسهر على رعاية الطالبات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق