بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 فبراير 2014

يا شعوب الشرق الأوسط المستعمَرة! صحّحوا هذا التاريخ الظلامي!

الكاتب: زارا زاغروس
قصة الشعوب مع الاستعمار قديمة، لكن للاستعمار العربي/الفارسي/التركي- بنسخته الإسلامية- غرائب لم نجدها لا في القاموس الاستعماري القديم، ولا في القاموس الاستعماري الحديث. وللتوضيح تعالوا نقم برحلة قصيرة في تاريخ الشرق الأوسط.

أقام المصريون مملكة قوية في الألف الثالث قبل الميلاد، وغزوا بلاد النوبة وما جاورها من شمال السودان الآن، إضافة إلى بلاد الشام، ولم نجد في المصادر أنهم جرّدوا الشعوب التي استعمروها من هوياتها القومية، ومن لغاتها وتراثها، وأنهم ألزموا الشعوب الخاضعة لهم بأن يكونوا مصريين هوية وديناً ولغة وتراثاً وفكراً.

وغزت مملكة بابل الشعوبَ المجاورة واستعمرتها، وكذلك فعلت مملكة آشور، ومملكة الحثيين، والفرس، ثم اليونان في عهد الاسكندر، والرومان، والروم البيزنطيون، وكان جميع هؤلاء كالمصريين في نهجهم الاستعماري، صحيح أنهم مارسوا القهر وسلب الثروات، لكنهم لم يجرّدوا الشعوب لا من هويّاتها القومية، ولا من عقائدها الدينية ولغاتها وتراثها، إلا في حالات قليلة جداً، حينما قام الإسكندر المكدوني- مثلاً- بحرق نسخ الكتاب الزرادشتي المقدس (أَڤِسْتا)، لأن الزرادشتية كانت إيديولوجيا الحكم الفارسي.

وفي العصر الحديث، غزا الأوربيون العالم (هولنديون، برتغاليون، إسبان، إنكليز، فرنسيون، طليان، روس)، لكنهم اكتفوا بفرض سلطتهم على الشعوب، ونهب ثرواتها، واستغلال أيديها العاملة في مزارعهم ومصانعهم وجيوشهم. ولم يجعلوا همّهم الأول تجريدها من هويّاتها وأديانها ولغاتها وتراثها، بل إن بعض علماء هؤلاء المستعمِرين وجّهوا اهتماماتهم إلى دراسة لغات وتواريخ وتراث الشعوب المستعمَرة، وهم أول من أنفق الوقت والجهد والمال للتنقيب عن آثار أسلاف تلك الشعوب، وما قام به هؤلاء في الشرق الأوسط عامة، وفي ميزوپوتاميا ومصر خاصة، أبرز مثال على ذلك.

وتعالوا نبحث في سلوك الاستعمار العربي/الفارسي/التركي، بنسخته الإسلامية. ولن نقف الآن عند جرائم القتل التي مارسها هؤلاء المستعمِرون ضد الشعوب المقهورة تحت راية (الله أكبر)، ولا عند جرائم تحويل مجمعات هائلة العدد- صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً- إلى عبيد، واستخدام بعضهم خدماً في البيوت ولرعي الإبل والشياه، وبيع الباقين في أسواق النخاسة، ولن نقف عند الثروات الهائلة المنهوبة باسم الفَيْء والغنائم والأنفال والجِزية والخَراج، ولا عند تهجير أطبّاء ومهندسي وصنّاع الشعوب المستعمَرة- ترغيباً وترهيباً- إلى مدن المستعمِرين لخدمتهم، باعتبار أن البنية الثقافية لهذه الشعوب الثلاثة في الأصل بدوية متخلّفة وعاجزة على إنتاج الحضارة.

بلى، لن نقف الآن عند كل هذه الجرائم الخطيرة، فهي ليست (غرائب) من منظور الفقه الاستعماري القديم، لأن معظم المستعمِرين قديماً وربما حديثاً فعلوا ذلك، وحسبنا دليلاً على ذلك تجارة الرقيق التي مارسها المستعمِرون الأوربيون ضد شعوب إفريقيا.

وإنما المثير للاستغراب هو ما فعله المستعمِرون العرب/الفرس/الترك بهويات وأديان ولغات وتراث الشعوب المستعمَرة، ولنأخذ شعب الأمازيغ نموذجاً، فبلادهم- وببركات المستعمِر العربي المسلم- أصبحت تُعرف بـ (المغرب العربي!)، نعم (العربي) وليس (الأمازيغي)، ولا (تمازغا)، وصارت رغماً عن أنفها جزءاً من (الوطن العربي الكبير!)، وذاب تاريخ الأمازيغ الطويل قبل الإسلام في قبضة المستعمِر العربي كما يذوب الملح، لماذا لا؟ أليس تاريخ ضلال وشِرك وكفر؟ فكيف يُسمَح له بالبقاء إذن؟

وعدا هذا، رُمي ملوك تمازغا العظام (ماسينيسا، ويوغورتا) وأمثالهما في ظلمات التاريخ، ولِماذا لا؟! أليسوا ضالّين ومشركين وكفّاراً؟! وبالمقابل لُمِّع أسماءُ قادة الاستعمار العربي من الخلفاء والوزراء والقادة، ولقي قلّة من الأمازيغ- من أمثال طارق بن زياد- موقعاً لهم في تاريخ الاستعمار العربي، ليس لأنهم أمازيغ، وإنما لأنهم خدموا كمرتزقة في امبراطورية المستعمِر العربي، وقدّموا له خدمات جليلة، وهل هناك خدمة أعظم من احتلال بلد كبير كإسبانيا، وتقديمه هدية للخليفة الأموي اللاهي بجواريه في دمشق؟!

أمّا اللغة الأمازيغية، فأُزيحت عن مواقع الثقافة والسياسة والاقتصاد، وهي المجالات التي تزدهر فيها اللغات، وحلّت اللغة العربية محلّها، ولو لم يحتفظ بها القرويون والرعاة في جبالهم وبواديهم لكانت مندثرة الآن. ولماذا لا تندثر الأمازيغية؟ أليست اللغة العربية لغة القرآن الكريم في الدنيا، وهي وحدها لغة أهل الجنّة يوم القيامة؟ وإذا لم يتعلّمها الأمازيغي المسلم فكيف يتفاهم مع رضوان بوّاب الجنّة ومع مَن في ملكوته من الحوريات والغِلمان؟! وماذا ستنفعه اللغة الأمازيغية حينذاك؟!

وكان تهميش اللغة الأمازيغية وتاريخ الأمازيغ، عاملاً مهمّاً في تهميش الثقافة الأمازيغية، ومدخلاً إلى تجريد الأمازيغي من هويته، واقتلاعه من جذوره، ومسخه عربياً. وكلُّ ما مارسه الاستعمار العربي بحق الشعب الأمازيغي مارسه أيضاً مع المصريين، والنُّوبة، وشعوب السودان، والسريان، والموارنة، والآشوريين، والكلدان، والمندائيين، والكُرد، والبلوش. ولم يختلف نهج المستعمِر الفارسي والتركي عن نهج المستعمِر العربي، لأن جميع هؤلاء يتصرّفون وفق الذهنية ذاتها، مع اختلاف في بعض الفروع.

فيا شعوب الشرق الأوسط المستعمَرة!
أيها البُلوش، والكُرد، والمَندائيون!
أيها الكلدان، والسريان، والآشوريون، والموارنة!
أيها النُّوبة، والدارفوريون، والبَجا، والكردفانيون، والأقباط، والأمازيغ!

ألا يتطلّب الواجب الأخلاقي والإنساني- قبل الواجب القومي/الوطني- أن تضعوا حدّاً لهذه الغرائب؟ فبأيّ حق يجرّدكم هؤلاء المستعمِرون من هوياتكم ولغاتكم؟ وبـأيّ حق يهمّشون أسلافكم؟ وبأيّ حق يصادرون سيادتكم في أوطانكم؟

حان أن توقفوا هذه المهزلة الكبرى!
حان أوان تصحيح هذا التاريخ الظلامي!

( ترجمة هذا المقال إلى لغات شعوبنا وتعميمه جزء من النضال ضد الاستعمار الشرق أوسطي، فهل من مناضلين غيورين!)
الكاتب: زارا زاغروس 

ليست هناك تعليقات: