بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 يناير 2014

دعوات "متطرفة" بالمغرب بين مطرقة الدين وسندان السياسة


دعوات "متطرفة" بالمغرب بين مطرقة الدين وسندان السياسة

تناسلت دعوات وصفها البعض بالمتطرفة، خلال الأسبوعين الأخيرين، وصلت أحيانا إلى حد تهديد السلامة الجسدية، بعيدا عن مبادئ الحوار، ومنطق المُحاجَجة، والأدلة العلمية والفكرية الرَّصينة والنقاش الرصين والهادئ.
التنامي المتزايد لمثل هذا النوع من التصريحات والدعوات، صار يثير حفيظة الكثيرين بسبب مخاوفهم من أن تنجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، في نَسف للاستِحقاقات الحقوقية والديمقراطية التي بات المغرب يُراكمها في السنوات القليلة الأخيرة.
لشكر ودعوة مراجعة أحكام الإرث
إدريس لشكر، الكاتب العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أطلق قبل أيام خلت "قنبلة" مدوية، حين طالَب بتعديل أحكام الإرث في اتجاه المساواة بين الجنسين، وتجريم تعدد الزوجات، ومنعه من مدونة الأسرة.
وفي رد غير مباشر على هذه الدعوة، أحال المجلس العلمي الأعلى على فتوى شددت على أنه "لا اجتهاد مع وجود النص، كما هو مقرر في القاعدة الأصولية الفقهية عند علماء الشريعة"، رافضة مطالب المساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، كما ذكَّرت على كون التعدد "أمر من الثوابت الدينية الشرعية، أجمع عليه أئمة الأمة وعلماؤها سلفا وخلفا".
دعوة لشكر لاقت رد فعل رافض من طرف مجموعة "ألتراس" فريق الرجاء البيضاوي، التي أبدت عبر إحد لافتاتها عن رفضها لمراجعة أحكام الإرث، في أفق المساواة بين الجنسين خصوصا.
أبو النعيم ودعوات التكفير
أحد شيوخ السلفية بالدار البيضاء، عبد الحميد أبو النعيم، لم يتأخر كثيرا في الرد على مطالب لشكر، عندما اتهم عبر شريط فيديو، نُشر على موقع اليوتوب، لشكر بـ"الكفر والردة"، إلى جانب شخصيات مغربية معروفة.
النيابة العامة، قررت استدعاء أبي النعيم قصد التحقيق معه في الواقعة، حول خلفيات ودوافع تكفيره للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، وأيضا عابد الجابري، وعبد الله العروي، وأحمد عصيد، وغيرهم، ووصف نساء حزب "الوردة" بالبغايا.
الدعوة لحل الـ "PJD" و"الإصلاح"
ومن جهته انبرى الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، إلى الدعوة إلى حلّ حزب "العدالة والتنمية"، لارتِباطاته الدولية بالتنظيم العالمي لجماعة "الإخوان المسلمين"، ردًّا على اتِّهامات رئيس الحكومة بشأن تهريب أموال إلى الخارج من لدن بعض قيادات حزب "الميزان"، وفق تعبير بنكيران.
وكان قبله بأيام، طالب المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي بحل حركة التوحيد والإصلاح التي تجمعها "شراكة إستراتيجية" بـ "حزب المصباح"، وهو ما اعتبره محللون ضَربا من "المغامرة والعبث السياسي، ما دام أن "البيجيدي" حزب مُؤسَّس وِفق مقتضيات الدستور المغربي وقانون الأحزاب".
أبو زيد ونكتة سواسة
ولا زالت تداعيات القضية، التي عُرفت إعلاميا بـ"نكتة أبو زيد" التي تضمنتها محاضرة له حول الهوية، ذكر خلالها نكتة عن "تاجر بخيل ينتمي لعرق معين بالمغرب" قبل أربع سنوات بالكويت، تجر على المقرئ سيلا من الانتقادات والاتهامات بالعنصرية تجاه "سْواسة".
المقرئ أبو زيد الإدريسي، وجد نفسه أمام دعاوى قضائية بسبب ذات النكتة، مع عدد كبير من المكالمات الهاتفية الغاضبة، والتي تحمل السب والقذف والشتم، إلى جانب تهديدات بالقتل والاعتداء، على مواقع التواصل الاجتماعي، تخطتها إلى منعرجات خطيرة عندما أقدم أحدهم على عرض مكافأة مالية تبلغ 75 ألف دولار، لمن "يصفي" المقرئ الإدريسي جسديا، إلى جانب ملاحقة ابنته بتهديدات بالاغتصاب.
عصيد يصف المغاربة بالنفاق
وخلال الدقائق الأخيرة من برنامج "مباشرة معكم" في حلقته الأخيرة المخصصة لمناقشة "انتشار الخطاب التكفيري في المجتمع المغربي"، عَمَد الباحث الأمازيغي، أحمد عصيد، إلى وصف المغاربة بالنفاق قائلا "النفاق كاين في المغاربة وخاصنا نفضحوه".
"فلتة" عصيد، اقتنصها أحد رموز السلفية بالمغرب محمد الفيزازي، معتبرا أن ما قاله عصيد "يدخل في إطار التكفير الذي أجمع المشاركون في البرنامج المذكور على نبذه ورفضه".
الجرموني: دعوات" التطرف" مسيئة
وتعليقا ما انتشار هذه الدعوات من طرفي السجالات الإيديولوجية، يرى الدكتور رشيد الجرموني، المتخصص في علم الاجتماع، أنه "من الواجب التَّمييز بين الدعوات العادية التي باتت تعكس تحولات المجتمع المغربي الذي ينشد انتقالا ديمقراطيا حقا، وأخرى يمكن اعتبارها موجة من موجات الانجراف نحو التَّطرف بسبب دوافع سياسوية".
وتابع منسق أعمال المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، في تصريح لهسبريس، أن "دعوة لشكر مثلا ليست جديدة خصوصا مع مدونة الأسرة، إلا أنها كانت ذات خلفية إيديولوجية فجَّرت نقاشا دينيا، ربما استُعملت من أجل تحسين موقعه الحزبي"، مردفا أن "قضايا التكفير جاءت في سياق سياسي محموم".
واعتبر الجرموني أن الموقف من "نكتة" أبو زيد تم تحميله أكثر مما يحتمل، من أجل شحن الأجواء داخل المغرب وخلط الأوراق"، قبل أن يؤكد أن "مثل هذه الدعوات تسيء لسمعة المغرب ونُخبه التي يجب أن تكون أقدر على المناقشة الرصينة، لا أن تدخل البلاد في صراعات وهمية".
وأفاد المتحدث أن "الفاعل الديني بالمغرب مطالب بالعمل على الاجتهاد العقلاني، وطرح القضايا للنقاش الهادئ بين المواطنين الذين لهم كامل الحق في الاختيار في أمور تمس التماسك الاجتماعي، مع ضرورة التحلي بقيم التعدد والاختلاف"

ليست هناك تعليقات: