شابة يافعة خرجت تتقدم الصفوف الأمامية لحركة "20 فبراير" مطالبة بإسقاط الفساد ورفيق دربه، في السلطوية، الذي يسمى "الاستبداد" وشاعر كتب على ظهر مجلة، منعتها السلطات من التوزيع، قصيدة نارية قبل الالتحاق بحركة أرادت جمع "كل الديمقراطيين" فتحولت إلى مشتل أفكار خرج من تربته "جزب السلطة الجديد" و أستاذ فلسفة، لا يخشى في الدفاع عن قيم العلمانية لومة لائم، يشغل عضوية مجلس ملكي بظهير ملكي و فنانة لبست ثوب سباحة فاعتلت الركح وسط تصفيق الأكف المساندة و صراخ المستنكرين و أستاذ جامعي باحث في الجماليات تضامن مع "سبيدرمان" بتقبيل زوجته و وضع صورة القبلة على الفايسبوك احتجاجا على اعتراض صقور "الحزب الحاكم" على قبلة في فيلم معروض داخل طائرة تقلهم من مكان إلى مكان.
كل هؤلاء، و غيرهم، التأموا داخل حركة مدنية تحمل اسم "ضمير". ضمير أرادوه بارزا بينما فضل البعض أن يبقى "الضمير موشحا بواجب الاستتار و ألا يحل محله الظاهر" تماما كما جاء في شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك. إطلالة على بعض مظاهر الجدل.
قبل الربيع
تقاسم موليم العروسي، الأستاذ الجامعي المختص في الجماليات، بعض الأفكار مع صلاح الوديع الاسفي، الشاعر الذي جرب "الاستثناء المغربي" من داخل حزب الأصالة والمعاصرة، (تقاسما) الأفكار حول أهمية تأسيس حركة مدنية مدافعة عن الفكر الحر و اختيار المعتقد و حقوق الإنسان الأساسية.. كان ذلك قبل أن يُقدم محمد البوعزيزي على حرق جسده الذي وصلت حرارة لهيبه إلى قصر رئيس فر بعد أزيد من عقدين من حكم بوليسي اختلطت فيه السلطة بالمال. تردد صدى حناجر "التوانسة" في مدن و قرى المغرب فاحتفظ الأستاذ و الشاعر بفكرتها في انتظار ما ستسفر عنه الأمور لأنه "لم يكن من الممكن الحديث عن مبادرة مدنية في جو سمته الحماسة و العنفوان و تعلوه الشعارات الحالمة بالتغيير.." يقول أحد المؤسسين.
المبادرة التي عاشت وضعية "الراكَد"، و هي الصفة التي يطلقها المغاربة على الحَمْلِ المتأخر، خرجت للوجود مؤخرا "دون حاجة لوجع اصطناعي"، تقول إحدى المشاركات في تأسيس حركة "ضمير".
فَاتَحَ العروسي و الوديع الناشط الامازيغي أحمد عصيد في الموضوع، الذي رحب بالفكرة، قبل أن تتوسع الدائرة لتشمل كلا من رشيدة الكيحل و عز الدين العلام و وداد ملحاف و البشير الزناكي و لطيفة أحرار و سعيد لكحل الذين تحملوا مسؤوليات داخل مكتب تنفيذي اجتمع أعضاؤه يوم الأحد الماضي، بقاعة وسط المركب الثقافي أكدال، فصادقوا على التقرير المالي، أمام ميزانية تعاني العجز حَصَّلَتْ دراهمها من جيوب المبادرين، كما صرحت ملحاف التي كلفت بأمانة المال، و اتفق الجمع على تحضير الترتيبات الإدارية والتقنية لوضع الملف القانوني للجمعية، فوزعوا المهام داخل المكتب التنفيذي، بشكل أولي، حيث تم اختيار صلاح الوديع منسقا وطنيا وأحمد عصيد ومليم العروسي نائبين له، كما تم اختيار رشيدة لكحل كاتبة عامة ثم عزالدين العلام والبشير الزناكي نائبين لأمينة المال، قبل تحديد الجدول الزمني والتكليفات المصاحبة فيما يخص صياغة النظام الداخلي وميثاق الحركة ووضع البرنامج السنوي للحركة، تحضيرا لعقد أول دورة للمجلس الوطني وهيكلته خلال شهر يناير 2014، لينفض الأعضاء ضانين أنهم ذهبوا في سلام.
أسئلة مشروعة
مباشرة بعد ظهور البيان التأسيسي لحركة "ضمير" و لائحة أعضاء المكتب التنفيذي، تأرجحت الانتقادات بين متسائل عن "جمع غريب" يترأسه الوديع الذي كان أبرز وجوه "حزب الجرار" و تتكلف بماليته وداد ملحاف التي رُفِعَ فوق رأسها في أكثر من تظاهرة لافتة "بامطجية" على شاكلة "بلطجية"، في إشارة لحزب الأصالة و المعاصرة (البام)، حيث قال عدد من المتتبعين "إِشْ لَمْ الشامي عالمغربي !".
بينما طرح عدد آخر من المتتبعين أسئلة مرتبطة بالإضافة النوعية التي يمكن للحركة أن تبصم به واقعا، شبه جامد، يعرف وجود حركات مدنية مشابهة كـ"يقظة" و "بيت الحكمة" و غيرهما كثر.
خالد بكاري، الأستاذ الجامعي وأحد الوجوه التي ساهمت في النقاش النظري إبان حركة عشرين فبراير، طرح في مقال بعنوان "حوار مع الضمير" عددا من الأسئلة الهادئة تمحورت حول هوية حركة "ضمير" (احتجاجية أم تنويرية) و صياغة بعض الفقرات داخل بيانها من قبيل "تعزيز التوجه الديمقراطي الحداثي.." و ي صياغة تفترض وجود هذا التوجه سلفا داخل الدولة، بالإضافة إلى ما وصفه صاحب المقال، بالعبارات المسكوكة التي لا تفيد دلالة و لا توضح مقصدا كقول البيان "أنسنة الحياة السياسية باعتبارها تعبر عن الدينامية الحية للمجتمع" أو عبارة "إيديولوجية التنميط التحكمي بمختلف مرجعياته" التي جاءت في ورقة "ضمير".
آخرون سجلوا وجود أسماء عرفت بدفاعها عن "الحداثة المجتمعية" و السكوت عن مظاهر التقليد داخل بنية المؤسسة الملكية متسائلين "إن كانت حداثة الكاتب الصحفي سعيد لكحل، مثلا، قادرة على وضع القصر و طقوسه و أدوات تحكمه تحت مجهر التحديث؟"، وفق تعبير أحد المنتقدين.
نحن أحرار
لطيفة أحرار، أستاذة المسرح و الممثلة التي تتأبط الجدل حيثما حلت و ارتحلت، قالت لهسبريس أن الناس أحرار في أخد المبادرات التي يرونها مناسبة للمساهمة في مشروع مجتمعي يؤمنون به و أن الآخر من حقه النقد "لكن لا يحق للناس بناء محاكم تفتيش وحمل معول يفتح الصدور و ينبش في النوايا" منبهة الى أهمية الانتباه لمن وجدوا راحتهم في كراسي الفرجة و تحولوا إلى أعداء للمبادرة، بشكل عام.
أما موليم العروسي، فقد سبق وصرح لهسبريس، أن المبادرة جاءت لمواجهة التيار التقليداني الموجود داخل السلطة و الذي تحالف مع شبيهه الموجود داخل المجتمع والفضاءات السياسية.
غير ان النقد بدا أشبه بجرح غائر على جسد صلاح الوديع الذي سارع الى تقديم استقالته من "حزب الجرار" ووضعها بين يدي مصطفى الباكوري، مخبرا إياه ان محراث الجرار قد زاغ عن زرعه و قبل ذلك كتب الاسفي مقالا ينهل من لغته الشاعرة ينظر فيه بايتسامة صامتة مقتضبة، كما قال، لكتابات أشبه ببطولات مجانية.. لان زمن البطولة التي كانت تستلزم "تدوير" اللسان في الفم مرات ومرات قبل النطق بالكلمة، زمن مضى و ولى مع السنوات القاسية، يوم كانت "الشَّمَةُ يؤدى عنها بقطع الأنف..".
الرد لم يتأخر على صاحب ديوان "جراح الصدر العاري" حيث كتبت الصحفية فاطمة الافريقي تقول " لم أكن أدري بأنَّ الكلامَ ممنوع على من ولدوا بعد سنوات الرصاص، ومُباح فقط، للذين وُلدوا وفي فمهم ملعقة سجَّان.. لم أتصور يوما، بأن التعبير بحرية هو مأذونية ممنوحة وعقد احتكار حصري ومدى الحياة موقوف لمواطنين دون الآخرين.. هؤلاء الآخرون العاثرو الحظ الذين سقطوا سهوا بعد سنوات الجمر، ولم يتآمروا مع القدر لَيولدوا في اللحظة النضالية المناسبة.."
قد لا تنجح حركة "ضمير" في تحقيق الأهداف الكبيرة التي سطرتها، كليا أو جزئيا، لكن لا أحد ينكر فضيلة المبادرة التي أبرزت نقاشا كان مستترا حول فضاءات المشترك و فضاءات الاختلاف بين فاعلين مختلفين و أسئلة المثقف و مساهمته في التأثير داخل الفضاء العام بدل الاكتفاء بوصفه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق