خميس بوتكمانت
لا يجب الاستهتار بما زامن اعلان خبر البدء في حملة تلقيح فئة من المغاربة بلقاح صيني، وما رافقها من السخرية و التشكيك، فالأمر ليس نتاج جهل شعب بأكمله أو انعدام وعي عنده كما تحاول بعض الأبواق تصويره، بل هو حصيلة لعقود من قطيعة تواصلية بين الطبقة الحاكمة و الفئة الافقية الشعبية، حصيلة لتقييم الشعب و تنقيطه لعملية تواصل السلطة التي وصلت لمرحلة التطبيع مع تكذيبها المسبق نظرا لغياب أي أثر حقيقي لأي فعل تعلن عنه السلطة على أرض الواقع.
السلطة، التي تحدثت عن نزاهة و شفافية عمليات انتخابية، بينما الواقع يشهد على البيع و الشرا و التزوير بالعلالي.
السلطة التي تتحدث عن الحفاظ على كرامة المواطنين، بينما الواقع لا تهيمن عليه إلا لغة السحل و الركل و الصفع و الزرواطة و خدش الحياء و الكرامة.
السلطة التي تتحدث عن النهوض بالتعليم و تجويده، بينما الواقع تسود عليه حقيقة أزمة حقيقية و بنيوية متعلقة بالقطاع، بدءا بجشع باطرونا التعليم الخصوصي، مرورا بواقع مدرسة غير عصرية لا تشم فيها رائحة العصرنة و التحديث، و انتهاء بواقع آلاف من الاساتذة تريد منهم الدولة أن يكونوا أجراء بدرجة أقل من مكانة رجل تعليم حقيقيين عليهم بقبول برنامج تعليمي متهاتر غير منتج لعقل مبتكر بقدر ما يعمل على تدجين المتمدرس ليتماهى مع عقل سلطوي.
السلطة التي تتحدث عن استقلالية القضاء بينما الواقع مليء باستدلالات المظلومية و اغتصاب الحقوق باسم مطرقة القضاء و القانون.
السلطة التي تتحدث عن نهضة لقطاع الصحة، بينما واقع القطاع لا يزال لم يتخلص من الاحتياج و أزمة حتى في البيتادين.
لذلك ،فمن يوظف الساركازم في تعليقه على خبر التلقيح، ليس جاهلا ولا مغفلا ولا أميا، بقدر ما هو حصيلة لفرد وصل لمرحلة الإشباع من الافتراء الرسمي و لم يعد يثق في الخطاب الرسمي البتة، ولعل أدق وصف لما يحدث هو المثل الدارج " ملي كايكتر الكذاب من لكذوب، يجي نهار يقول فيه المعقول و مايتيقو حد".
هو نفس ما يحدث الآن في ظرفية كورونا، فالدول اعتمدت في عمليات تواصلها السياسي على استعراض ترسانتها العلمية و المختبرية و الصحية و لوجيستيكها الصحي و أرقام و معدلات الطاقة الاستعابية لمستشفياتها و لوجيستيكها و جعلت لجانها العلمية تقرر مصير البلدان بالتعامل مع كورونا من زاوية علم الاوبئة و الفيروسات و المناعة ،بينما نحن استعرضت السلطة ترسانة القياد و الباشوات و الأمن و الباراجات و كانت لجنة اليقظة بإشراف الامنيين استحضارا للبعد الأمني و التعامل مع كورونا من منطلق علم الادارة الترابية و الضبط الأمني.
إنها ازمة ثقة ،و نتيجة لعقود من احتكار المعلومة و استحالة النفاذ العمومي إليها، و أزمة تواصل سياسي حد القطيعة مفاده أن ما يقال في الوثائق و الخرجات الرسمية عكسه و ضده هو الساري على ارض الواقع.
لا غرابة أن نجد من يحاول الحشد لفكرة اللقاح هم صحافة السلطة و بعض ممن يسمون من مؤثري الساعة 25 بدل ان يخرج للواجهة أطر مديرية الاوبئة في وزارة الصحة لشرح السياق و مراحلها و أبعادها و احتمالات الحصائل المرتقبة.
لا تلومهم، فما يحدث ليس إلا صنيعة و نتاج سياسات عمومية عمرها ستين سنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق