
مركزتيفاوت الإعلامي
بقلم توفيق ابراهيم
****
في مقال نشره الكاتب والحقوقي احمد عصيد على جريدة اليكترونية زنقة 20،وجه فيه انتقاد لما جاء على لسان امين عام جماعة العدل والاحسان محمد عبادي ، باعتبار الأوبئة مرسلة لتأديب البشر حتى يصلحوا حالهم او يعودوا الى مولاهم ..وهو فعلا الكلام الذي اعتبره عصيد فكر يمتثل الى الخرافة وعالم الغيبيات،في اشارة مهمة بالاشادة بالمستوى العلمي للأطر التي تنتمي الى الجماعة في شتى مختلف العلوم الدقيقة والبيولوجية والانسانية ،وما جاء على لسان امين عام الجماعة يثير الكثير من الدهشة والاستغراب وحجم التناقض بين التكوين والانتماء والاعتقاد بمثل تلك الأفكار الهشة التي يمتثل اليها عامة الناس والذين عورهم الجهل ونال من قدرة التفكير والمنهاج في عيونهم .
وعلى اثر هذا التدخل المعنون بصيغة مثيرة احتملت تأويلا عنيفا للاثارة ،لكن مضمون المقالة يملأها خطاب موجه بسلاسة وفتح ابواب النقاش العقلي ينتقد اسس التفكير عند الجماعة التي باتث متجاوزة تعود الى القدرية والاستسلام في الثقافات القديمة وفي العصور الوسطى المظىلمة ..
بهذه الطريقة يسائل الاستاذ احمد عصيد بشكل ضمني مستنتج من خطابه العلاقة بين المقولة التي انتقاها الأستاذ عصيد من خطاب امين عام جماعة العدل والاحسان وشروط العالم والتاريخ ونمط التفكير والتحديات المرفوعة ،لمكافحة الازمات اكانت اوبئة او اقتصادية او سياسية ،وكذا كيفية اسقاط حكم قديم ولى في ظل الفلسفة الوضعية حسب اوكيست كونط او المرحلة العقلانية عند ماكس فيبر على ظواهر تتشابه في الاسم ولكن تختلف في عوالمها المحتضنة اي العالم او الوعاء الذي يحتضنها في العصر المعاصر وحتى الحديث وتغير بنية المجتمع المعقد وثقافته المتسعة الأطراف والابعاد المنفتحة ،على عكس المجتمعات الاسلامية القديمة والقرون الوسطى المحدودة في امتدادها وكل امكانيات المقارنة مع العصر المعاصر ..
كما تطرح ايضا مقولة امين عام الجماعة شرخا بين توجه الجمعية في دائرة القوانين وممارسة الفعل السياسي المعاصر ،وهيكلة التنظيم والتخطيط ،وحجم الأطر وتكوينهم الأكاديمي ومناهجها في دراسة اية واقعة ،واعتماد تصور يؤمن ويجزم بأن ما يصيب العالم اليوم والمغرب عقاب رباني لا يسعنا الا الخنوع له والتسبيح وتقديم القرابين كما ذكر ذلك امين عام الجماعة.
وبناءا على ماسبق جاء رد احد اعضاء الجماعة الأستاذ فؤاد هراجة سعيا منه لنيل من الاشكالات العميقة التي طرحها الاستاذ عصيد في دائرة فكر الجماعة ومعضلاتها المدهبية ، في مقالة بعنوان الرد على مغالطات احمد عصيد ...وهي في فحواها تسعى الى الحكم على ماورد في مقال عصيد المنشور في زنقة 20بالكذب والصدق وفق حكم المنطق الأرسطي على المقولات ،وبناءا على نضرية ماكس فيبر في تحليل الفعل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي ،وهو في نهاية المطاف يكذب طرح الأستاذ عصيد لاعتبارات تتجلى في انتقاء مقولات في نصه ووضع الاحتمالات المحدودة ليعزز بها افتراء الاستاذ احمد عصيد ،وكذلك ربط نضرية ماكس فيبر في الفعل الاجتماعي بعناصر تعدد تصوره من الشعور الى الوعي الى الفعل السلوك ..ليستنتج ان الانتماء الى الجماعة وشعورها الديني الرباني يولد وعي وثقافة تكون اذات لسلوك ...
وهذه الاشارات حسب نضري لا تنخرط ضمن المقاربة العلمية الموضوعية التي لا تستند الى شرح ظاهرة الأوبئة في الزمان والمكان وتعداد المتغيرات المتحكمة فيها لأبراز الحلول الممكنة وفق تصور يدلل به المناهج التي هي قابلة لتحديد ،مادام الاستاذ بالجماعة يبدل جهدا لسياقة نضريات ليست في محلها لمعالجة الظاهرة الوبائية كموضوع للنقاش ،لا الجماعة ومصدر قناعاتها المنغمسة في تراث موغل في التاريخ والذي يفتقد الى حلقات اهملت في تصورات الجماعة في حركية التراث والاجتهاد وفق الاقطار والازمنة المتباعدة خصوصية وعوائد ،وهل يمكن من خلال توجه امين عام الجماعة ربط الاوبئة بعقاب رباني للانسانية لتخلص له بدل تقديم حلول عملية مجابهة للمشكل كغاية انسانية اسمى ؟؟
حسب فحوى التوجه لا يمكن ان يختلف الاثنان في انه خجل وتسليم الأمور الى السماء وهي لا تمطر ذهبا ولا فظة هو ما يرمي اليه الخطاب المذكور وطرح اجوبة سهلة كسولة تواسي المجتمعات المتخلفة للمزيد من الركون والارتياح الى ازمتها الفكرية والشعورية ،والاحتماء بالأوهام والتخيلات والأدلة التاريخية شاهدة على ذلك ،في حين وجب الاقتداء ب العلم والعمل الواجب والمنطق الانساني بعد تحرره من كل الخرافات والأساطير المؤولة للكوارث باعتقادات نفسية تبريرية تعتقد في وجود قوى خفيه غيبية غير قاهرة لا حول للانسان ولا قوة له لضبطها او تحديها وكشف اغوارها واتخاد تدابيرها اللازمة من خلال البحث العلمي والمختبر والتجربة .
ولا يفترض الاستاذ الكريم ان اهم اشكاليات الدعوية والاسلاموية الاحتماء وراء نصوص بقيت لعهود جامدة اعتمدها المفسرين الأوائل وفق شروط الاجتهاد في مجتمعاتها القديمة ولا يمكن ان تبقى بالية مفروضة وحملها كحقائق مع تطور الزمان وانتشار علوم كثيرة متخصصة تتجاوز رؤية رجل دين وحده كممثل للعلم الأخروي والدنيوي ..
ان الفقه والتراث المرتبط به اليوم اصبح عائقا وعقما يجدبنا اليه والى الماضي السحيق دون ان يكون في دراية جماعة العدل والاحسان والاسلاموين ان نهجهم هو مجرد مقاومة عاطفية تغلي وتتردد كلما ظهر هذا الذي نسميه بالغرب ينهلون من العقل وقوته وعلومه المتسارعة في الانتاج..
لقد بدل الأستاذ مجهودا جبارا نضريا في مقالته ويبدوا في امكانياته النضرية ،ان مفارقة كبيرة بين الادوات العلمية التي يلجأ اليها في تفسير الظواهر وهنا الفعل الاجتماعي والتفاعل الرمزي عند ماكس فيبر ،وشعوره القديم العتيق في الانخراط في رؤية الوباء بمنضار علمي ولهذا كيف للعقيدة وايمانيتها المذهبية والطائفية المنغلقة ان تتابع تسارع وتراكمات العلوم البنائية .
لا يمكن الركون الى نتائج مقالة استاذنا في جماعة العدل والاحسان للاعتبارات التالية :
*مقالة معنونة بالرد وهذه الصيغة تحيل على الجدل بمعناه السلبي شيطنة الأخر من اجل اعلاء الذات وطرحها .
*ثانيا :مجموعة من الكلمات المشيرة الى اطفاء صفة القدحية على مقالة الاستاذ عصيد مثال ..مغالطات ..الفجة..الفجور..الخ .
*ثالتا ان اعتماد المنطق الرمزي وانتقاء مقولات محددة وقياسها على امكانيات محددة يعزز ان الاستناد الى المنطق غير مؤكد .
*رابعا ،وجود استحضار نضرية ماكس فيبر لها معنى اعتماده على السوسيولوجية الدينية النمودج الألماني ،الذي نقل المجتمع من الكنيسة الكاتوليكية الى البروتيستانت ومساهمة التجديد الديني في الرأسمالية ،وهو ما لم ولن تقبل به جماعة العدل والاحسان وكل الحركات الاسلاموية المتشبتة بالتراث وعدم الرغبة من الانفكاك به ولو جزئيا ..ولو حصل ذلك لكان انتصار وانخراط وتقدم وهو ما ربما يطمح اليه الأستاذ احمد عصيد .
*خامسا،مناقشة الاستاذ عصيد واتهامه باتباع الاله اكوش الأمازيغي ،هذا الأمر يبين بقوة ان الأستاذ هذفه تجيش المغاربة والمعتقدين بالاسلام وخاصة ضعاف التكوين للهجوم على الاستاذ عصيد احمد في شخصه لا في الطرح ومساهماته واستدعاء النوايا والمبررات في العداء للأسلام بالاعتماد على حرب الكتائب الاليكترونية بألفاظ حاطة ومهينة لأخلاقيات الاسلام مصداقا لقوله تعالى ...وجادلهم بالتي هي احسن...وقوله..قل هاتو برهانكم ان كنتم صادقين.. .
وما الحديت عن الالهة الامازيغ والمصرين والتذكير بالمذاهب هي من اجل دعم اطروحاته وتبيان بعض المواقف القوية في الحضارة الأمازيغية ..والاسلام في الاجتهاد يشجع على المعرفة بعوائد الشعوب حتى غدا علم يطلق عليه الأوائل علم العوائد .
واخيرا يبدوا ان مقالة الاستاذ عصيد احمد جاءت مناسبة ويقال لكل مقام مقال ..اي بعبارة اخرى تزامنت المقالة مع وباء والكارثة التي اجتاحت بلدنا والعالم ،وحملت مجموعة من التحديات والأسئلة خلخلت تراثنا وافكار الرجعية والشعور بالاحباط لدى تيارات لها قاعدة من المريدين تحت لواء الجماعات الاسلاموية الممانعة والرافضة لأي تجديد بخطابها وعباراتها ..وهي تعيش وضعا فصاميا خارقا بين تكوينها ومشروعها وارضيتها وادبياتها ..
والاستاذ احمد عصيد رافقته تجربة محاولا ان مقارعة الرؤى مع الاسلامين للخروج من الكمون الى طرح افكارها لنقد وخلق دينامية فكرية تساهم في احدات تحولات ..ومساهمة في بناء فكر متجدد متغير من خلال الأخر ،لكن للأسف الاسلاموين كان ردهم دائما دغدغة المشاعر والطرب على وثر الدين (وهو امر شخصي في دولة المواطنة المؤسسة على القانون والدستور والعقد ..).وتجربة الأستاذ عصيد احمد تثير القلق البير بورديوا في خلخلة دائمة لهذا الكمون والجمود والارتماء في احضان الماضي دون تقدم وزعزعة المقدس الخرافي وفهمه وتفكيكه واعمال الاجتهاد وما توصلت اليه الانسانية من تراكم معرفي وادواتي مهم ،واسئلته حول الافكار الرجعية الاسلاموية اختبار دائم لها في انعدام اي تقدم وتطور فيها الا الوفاء للولاء للجماعة وشيوخها تعنتا وعنادا مهزوما بحجم الفارق بينها وبين شروط العصر وحركة التجديد المتواصلة ،خبرة الاسلامويون والدعاة في مستوى انخارطهم في وباء الكارثة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق