
مركزتيفاوت الإعلامي
أحمد إفزارن
الوزيرة المنتدَبة المكلفة بالبيئة ذكرتْ في بلاغٍ أن «النفايات التي رخّصت باستيرادِها هي نفاياتٌ غيرُ خطِرة»، وأنها «مُكمّلٌ... في مصانع الإسمنت...»..
ـ وتصريحُ الوزيرة يحْمِلُ على تساؤلات:
لِـمَ لا يتمُّ الكشفُ عن الصفقةِ التي عقَدَتْها الوزارةُ مع الجهات الإيطالية المعنية؟ ومع جهةٍ إسْمَنتية مغربية؟ ألا يجبُ أن تُعادَ قراءةُ مضمُون الصّفقة، والتأكُّدُ من الأسماءِ الواردةِ فيها؟ ألا تكونُ الشركاتُ المذكورةُ في الصفقة شركاتٍ وهْميّة؟
إيطاليا نفسُها لا تُخفِي هذا..
ولا تُخفِي أنها قِبْلَةٌ لشُحناتٍ كثيرةٍ، وخاصة في منطقة «نابُولي».. هناك يتمُّ تفريغُها بأراضٍ زراعية من شاحناتٍ تأتي إليها من مُختلفِ الدول الأوربية..
كما لا تُخفي إيطاليا أنّ من يُشْرِفُون على هذه الحمولات هم نُشطاءُ المافيا..
والمافيا الإيطالية تعقدُ صفقاتٍ مع شركات، على العُموم مُستعارة الأسماء، وهذه تتسلّمُ نفاياتٍ خطيرةً وتُمرّرها إلى «شُركاء» في العالمِ الثالث..
فما رأيُ وزارتِنا البيئية؟ أليست على علْم بأن إيطاليا تشتكي منذ عقود من كون أراضيها في نابولي أصبحت مريضة؟ وأن فلاحتَها تُنتِجُ خُضَرًا وفواكهَ غيرَ صالحةٍ للاستهلاك؟ ومواشيها مصابةٌ بأمراضٍ خطيرة؟ وأن الأطفالَ يُولَدون بتشوُّهات خلْقية، وبأمراضٍ قاتلة منها السرطان؟
ألم تسمع وزارةُ البيئة شكاياتِ الدّولةِ الإيطاليةِ نفسِها، ومعها مُجتمعُها المدني؟
كيفَ وقّعَت وزارةُ البيئة على صفقةِ النفايات؟ وكيف سمحت لنفسِها بتحويلِ بلدِنا إلى مطرحٍ للنفايات؟
ــ وتزعُم أن النفاياتِ ليست خطيرة..
ما الدليلُ على أنها ليست خطيرة؟
مُشكلُ النّفاياتِ هو مُشكلٌ دولي..
ومن واجبِ الوزارةِ البيئية أن تُقدّم دلائلَ إثبات، لا مُجرّدَ بلاغ..
المطلوب إحضار خُبراء مغاربة ودوليين، ومن منظمة الصحة العالمية، ووزارة الصحة المغربية، وكلّ الإدارات التي تقتسم ملفّ البيئة الطبيعية، وأطرافٍ أخرى معنية بإشكاليةِ النفاياتِ العابرة للقارات، خاصةً وأنّ أوربا لها سوابق في دفن نفايات نووية وسامّة ببُلدان في القارة الإفريقية..
منذ عقود، والنفاياتُ السامّةُ والنووية تُفْرَغُ إما عشوائيا في سواحلَ إفريقية، أو تُدفَن في الأراضي العارية، بتواطؤٍ مع أنظمةٍ فاسدة، أو مع عصاباتٍ تفرضُ قانونَ الغاب في بُلدانِ الحروب الأهلية..
وإيطاليا الرسمية تكشفُ اليوم عن أن شبكةَ المافيا تقفُ وراء عقدِ صفقات في إيطاليا مع شركات أوربية وأخرى في إفريقيا وغيرِها، لنقلِ جبالٍ من النفاياتِ الصناعية إلى إيطاليا، ومن ثمّة إلى بُلدان العالم الثالث..
ولا يُمكنُ الاقتناع بمجرّدِ بلاغٍ كلاميّ لوزارة البيئة..
المطلوبُ إجراءُ تحقيقٍ وطني ودولي مُحايِد لمعرفة مُحتوياتِ النفايات، والجهاتِ التي تقفُ وراءَها، في الخارج، وعندنا هُنا، داخلَ بلدِنا..
إنّنا على بُعدِ «خُطوات» زمنية من مؤتمر مراكش بشأن التغيُّرات المناخية (كوب 22)، المحدّد في نونبر المقبل.. والتحقيق سوف يقودُنا إلى معرفةِ خلفياتِ اختيارِ المغرب لطمرِ هذه النفايات.. ومعرفةِ طبيعةِ الخُطورة التي تُشكلُها النفايات؟ هل فيها مُركّباتٌ معدنية؟ إشعاعية؟ غازية؟ وغيرُها؟
هل هي مُضرّة بالتُّربة والبحر والجوّ وبالكائناتِ الحيّة؟
هل فيها آثارٌ لنفايات نووية؟
وهل العيبُ آتٍ من سُوءِ التخلُّص من هذه النفايات في الدول التي أنتَجتْها؟
وما علاقةُ كلّ هذا ببَلدِنا؟
وهل المسألة مسألةُ طمرِ هذه النفايات تحت الأرض؟ أم حرقُها؟
وفي الحالتيْن هل رُوعيتْ القواعدُ التأمينية المعمولُ بها دوليا؟
هذا يجبُ أن يتأكّد عبر تحقيقٍ مُحايِد، لا بكلامٍ إنشائي يحملُ اسمَ وزارة البيئة..
إنّنا أمام ظاهرةٍ تدعو للقلق، وهي دخُول المافيا الدولية على خط النفاياتِ الموجَّهةٍ إلى المغرب..
ولم تُعد النفاياتُ الخطيرةُ تُحسبُ بالأطنان.. أصبحت تُحسبُ بالجبال.. فكم جبالاً من النفايات تعتزمُ إيطاليا نقلَها سرًّا أو علَنًا إلى أراضينا الزراعية، وربّما أيضا إلى سواحلِنا؟
وما هو الثمنُ الذي يُمكنُ أن نُؤدّيه بصحّتِنا، وأسماكِنا، وموادِّنا الغذائية؟
وهل نحنُ بعد اليوم مُؤَمَّنُون بيئيًّا؟ أم أصبحنا أرضًا مفتوحةً على المافيا الدولية؟
ـ ها هي «مافيا النفايات» قد حطتْ رحالَها في أراضينا!
ifzahmed66@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق