
مركزتيفاوت الإعلامي
رشيد الحاحي
عبد الله حمودي إنصاف الأمازيغية وتمكينها من الوسائل والمؤسسات المستقبلية شرط لتحقيق نهضة المغرب الشاملة
كثير ما يتساءل الكتاب والباحثون والفاعلين في مجالات الخطابات والإنتاج الفكري والنقاش العمومي عن مدى إمكانية الحديث عن نقاش حقيقي ومجدي في المغرب يصغي خلاله لبعضهم البعض المتحاورون والفاعلون بمختلف انتماءاتهم واختياراتهم ومقارباتهم للقضايا والمواضيع التي تثير اهتمامهم وتناولهم في فضاء المغرب المعاصر. وعندما تستطيع مساحات هذا النقاش سواء عبر الإنتاجات المعرفية والنقدية أو الخطابات الحقوقية وكتابات الرأي أن تقرب بين الرؤى وترأب بعض الصدع بل وأن تساهم في تطوير المقولات والمفاهيم والخطابات وجعلها ذات أثر ومعنى، فذلك من علامات التطور الصحي لقيم الحوار والفكر الحر والديمقراطية في المجتمع.
وفي هذا الإطار، طالما انتابني التساؤل عن أهمية وجدوى النقاشات التي تثار حول الخطاب الأمازيغي وما يرتبط به من قضايا الحقوق والإنصاف وتدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي والهوياتي، خاصة التي تصدر عن الفاعلين الثقافيين والحقوقيين والباحثين في مجالات المعرفة وإنتاج الأفكار والخطاب.
مناسبة هذا القول هو مطالعتي مؤخرا للكتاب الأخير للأنتربولوجي المغربي عبد الله حمودي الموسوم ب"الحداثة والهوية" والذي خصص الدراسات التي تضمنها لمناقشة سؤال الهوية في إطار نظري ومعرفي غني ومجدد، خصص بعض فصوله لخطاب الحركة الأمازيغية وخطاب الإسلام السياسي في المغرب. ومن خلال مضمون هذا التناول التحليلي والنقدي يتأكد أن الإنتاجات الجادة للباحثين والمثقفين وكتاب الرأي والنشطاء الأمازيغ وحضورهم في مجال التداول الفكري وفي النقاش العمومي تستطيع أن تحقق أثرها وتؤتي بعض نتائجها خاصة في صفوف النخبة الفكرية والباحثين النزهاء.
فقد أكد الأنثربولوجي المغربي الكبير عبد الله حمودي، الذي طالما توجس من النقاش الأمازيغيي وعبر عن أراء ملتبسة كما تناولنا بعضها بالرد والتوضيح والنقاش الهادئ حينها – ينظر مثلا الرابط http://www.hespress.com/writers/260328.html- ، أكد خلال كتابه الأخير على "أن المكاسب الثمينة التي تمخضت عن دينامية البحث في الثقافة الأمازيغية، والنضال في سبيل حقوقها هي مكاسب كثيرة يصعب حصرها". وقد تناول بعضها بالتحليل والنقد في إطار نقاشه النظري وأطروحاته في الكتاب، سنعود إليها في مقال لاحق.
فقد انتقد الباحث الأنثربولوجي الكتابات والخطابات المضادة والمشككة في المشروعبة الاجتماعية والعلمية والديمقراطية للمطالب الأمازيغية، حيث أكد على أنه "وبدلا من دق نواقس الخطر، كما يفعل البعض، خاصة فيما يتعلق بالأمازيغية، فإنه يجب الترحيب بالهويات وتنافسها في مجهود الإنتاج المادي والثقافي الوطني، وفي المؤسسات المستقبلية. وقد يكون لهذه النظرة والممارسة الجديدتين في إطار المنافسة الإيجابية، مردوديتهما العظيمة في القيام بالنهضة الشاملة المنشودة".
في هذا المضمار أرى، يقول عبد الله حمودي، أنه سيكون من الضروري تحديد طبيعة هذه المنافسة الايجابية، والوضوح يستلزم التحديد الأتي: إن الوضعية الراهنة هي بالأساس وليدة تاريخ احتلت فيه اللغة العربية مكان الأسبقية والنفوذ. لذلك، لا يعقل أن تنظم المنافسة بين اللغات وكأن الأمازيغية واللغات الأخرى تحتل المكانة نفسها فيما يخص القوة والامتيازات كما الوسائل الإدارية والمالية. كلا! إن المنافسة الإيجابية تعني تصحيح المعادلة أولا، حتى يتم التنافس في إطار متوازن. وهذا يعني بالطبع إعادة ترتيب الأولويات وتصحيح الموقف فيما يخص منح الوسائل الكفيلة بالنهوض باللغات والثقافات المهمشة.
وخلص الكاتب إلى نتيجة هامة فيما يمكن اعتبارها إقرارا علميا وإشارة واضحة لفهم مسار تطور المجتمعات والدول في المستقبل، ومصير أنظمة الاستيعاب والهيمنة إن لم تتعاط بالجدية اللازمة والتدبير الديمقراطي المنصف والفعال مع قضايا التعدد الهوياتي واللغوي والثقافي، كالأمازيغية بالمغرب. فأكد على أن حركة الهويات قوية، سوف لا تنكسر كما يحلم بذلك بعض المفكرين. إنها سوف تنمو وتتقوى في منطقتنا. ولا شك أن هذه الديناميات ستغير وضعية ومكانة المجموعات المستغلة في عدة بلدان حسب مساطر شبيهة بالميز العنصري، واحتكار وسائل السلطة والقرار من طرف الأقليات العربية الحاكمة، وستغير أنظمة تلك الكيانات طال الزمن أو قصر.
وأكد عبد الله حمودي على أن تدبير التعدد والتمازج كمفهوم وممارسة، وكإطار للحياة الاجتماعية والسياسية هو المشروع الذي يرتهن به مستقبل المغرب والمنطقة المغاربية عامة، لكن مشروعا كهذا، يقول الكاتب، يستلزم إعادة النظر في عادات فكرية أصبحت اليوم متجاوزة، إن لم نقل سلبية المفعول. منها مثلا تلك القوالب التي تتصور ديناميات الهويات وتنافسها كشيء سلبي يهدد بتفتيت الكيان. والحال أن العكس هو الصحيح، فبدلا من هذا التصور، يمكن أن تنظم تنافس الهويات على أسس ايجابية مثمرة، وفي أجواء سليمة، داخل الكيان الموحد والمبني على احترام التعددية.
إنه، وفي تقدير الأنتربولوجي الملم والمدرك لعمق البنية الاجتماعية والثقافية ومقومات وأعطاب الفكر والمجتمع والحياة السياسية واختيارات وتدابير الدولة، مشروع المستقبل الذي يرتهن به تحقيق نهضتنا الشاملة، فهل من مجيب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق