
مركزتيفاوت الإعلامي
مقال إبراهيم غرايبة
يتعرض المواطنون اليوم في معظم الدول العربية لعمليات انتقاميةٍ واسعةٍ وشاملة، تدمر مدنهم وبناهم الاجتماعية، وتشتت فاعليتهم وقدراتهم وفرصهم على التجمع المستقل حول مواردهم ومصالحهم، وتجري هيمنةٌ عابثةٌ على الثقافة والفنون والرياضة والمعابد، تحول بينهم وبين التشكل الاجتماعي والثقافي الملائم، والذي يرقى بحياتهم وسلوكهم ووعيهم، ويجدّد مواردهم ويعظمها. وتتحول المؤسسات التعليمية إلى ورش للتنميط وتفريغ الناس من مواهبهم وقدراتهم على التعلّم والارتقاء. وتتحول الخدمات الصحية إلى عمليات نهبٍ للموارد العامة بلا فائدةٍ تعود على الناس، بل لخدمة جماعاتٍ احتكاريةٍ من المستثمرين وحلفاء وشركاء من القطاع الطبي المهني المفترض أن يكون قطاعاً نبيلاً منذوراً لصحة الناس وحياتهم. وتتحول الرعاية الاجتماعية إلى حفلاتٍ وأنشطةٍ للعلاقات العامة، ونهب للمعونات الدولية والموارد العامة لصالح شلةٍ أنيقةٍ ومتعجرفة.
والأسوأ من ذلك كله أنه يغلب على المجتمعات والمهمشين والمستضعفين عدم الإدراك لمصالحهم، وعزوفهم عن العمل في الاتجاه المفترض أن يؤدي إلى تشكلهم وتنظيمهم حول أولوياتهم،.. وفي ذلك يزداد العمل الإصلاحي صعوبةً، فالحركات السياسية والاجتماعية الإصلاحية لا يُفترض أن تعمل بالنيابة عن المجتمعات، ولا يمكنها أن تقوم بواجباتها ومسؤولياتها، لكن العمل الإصلاحي السياسي والاجتماعي يركّز دائماً، في محتواه وأهدافه، على الارتقاء بالمجتمعات، وبناء قاعدةٍ اجتماعيةٍ واسعةٍ وملائمةٍ للإصلاح. وهكذا، فإن تنظيم المجتمعات وحشدها باتجاه الإصلاح يبدو، اليوم، عملية يائسة،.. وإنه لمن العجب كيف يندفع الناس في بطولةٍ وحماسةٍ إلى المواجهة، بلا خوفٍ من الموت، لكنهم يتقاعسون عن التجمع السلمي والعقلاني لأجل كرامتهم وتحسين حياتهم.. مقال إبراهيم غرايبة في العربي الجديد..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق