
مركزتيفاوت الإعلامي
عديدة هي المعتقلات الرهيبة التي عج بها نظام الملك الراحل الحسن الثاني ( درب مولاي الشريف، الكوربيس، الكاب، و بطبيعة الحال تازمامارت الذي بزها كلها وحشية و قسوة...)..
غير أني أعتبر معتقل تاكونيت أشدها بلاغة في كشف الطبيعة الاستبدادية لذلك النظام..و لا يعود ذلك لبشاعة شروط الاعتقال و قسوتها، فهو في ذلك يتساوى مع بقية المعتقلات السرية الأخرى...
" ميزة " هذا المعتقل عن بقية المعتقلات، أنه في الوقت الذي كانت فيه هذه الأخيرة قبورا لمعارضين سياسيين ( حقيقيين أو وهميين ) ، مما يمكن " تبريره " بظروف الصراع السياسي الذي كانت رحاه دائرة وقتها، فإن معتقل تاكونيت كان سجنا لمجموعة تتكون من 215 معتقل، تتراوح أعمارهم بين 14 سنة و 70 سنة، اعتقلوا في شهر دجنبر 1971...و هم لم يكونوا معارضين و لا انقلابيين و لا حتى نقابيين..كانوا مجموعة من التلاميذ و المستخدمين و المتسولين و المشردين لا تجمع بينهم أي رابطة، تم اعتقالهم بشكل عشوائي من الشارع أو عند الخروج من قاعات السينما بمدينة الدار البيضاء ( و هي تستعد آنذاك لاحتضان مؤتمر القمة الإسلامي ) و رحلوا لهذا المعتقل في أقصى الجنوب الشرقي للمغرب، حيث قضوا 28 شهرا في ظروف رهيبة أودت بحياة خمسة منهم...
هو ذا عسف و اضطهاد سافر، لا تبرره لا حيثيات الصراع السياسي و لا مقتضيات " منطق الدولة "، بل هو الاستبداد إذ يتبدى عاريا، حيث البشر لا يساوون شيئا، يمكن التصرف في حريتهم و حياتهم كما يعن لمزاج المستبد دون رادع ..
أذكر أنني اطلعت على شهادة أحد الناجين من هذا المعتقل، و قد كان تلميذا وقت اعتقاله و هو خارج من قاعة السينما، حيث قال أنه لسنوات عديدة بعد إطلاق سراحه كان سؤال واحد يؤرقه: و هو لماذا تم اعتقاله؟ .. و في الأخير افترض المسكين أن ذلك حدث ربما لأنه كان يتودد لفتاة هي كريمة رجل يشتغل في سلك الشرطة !! إذ لم يستوعب عقله أن الاستبداد الاعتباطي لا يحتاج لمبررات حتى يمارس عسفه .
حتى مبرر الترويع ( أي اختطاف البعض ليعم الخوف الجميع) لا يمكن افتراضه، لأن أغلبية هؤلاء المعتقلين، كانوا مهمشين لا يعبا بغيابهم أحد، و لذلك لم تكن هذه المجموعة معروفة عند الجمعيات الحقوقية، حتى كشفت عنها تحريات هيئة الانصاف و المصالحة...
هي صفحات من تاريخنا الدامي يجب أن لا يطمرها النسيان، يتعين استحضارها دوما و أبدا...
- اللوحة أدناه لغيسيبي سينيوريني ( القرن التاسع عشر )بعنوان " عدالة مغربية "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق