بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 مارس 2016

ترسيم الأمازيغية سياق المطلب وضرورة الإنصاف الفعلي

ترسيم الأمازيغية سياق المطلب وضرورة الإنصاف الفعلي
مركزتيفاوت الإعلامي
رشيد الحاحي
يعد مطلب ترسيم الأمازيغية من أقدم وأبرز مطالب الحركة الأمازيغية في المغرب، وتعود بوادره ومقدماته الأولى إلى الكتابات التحليلية لكل من الأستاذين محمد شفيق وعلي صدقي أزيكو خلال ثمانينات القرن الماضي، ثم إلى ميثاق أكادير سنة 1991 الذي وقعته الجمعيات الأمازيغية الأولى على هامش أشغال الدورة الرابعة للجامعة الصيفية التي تمت بعد رفع الحضر المفروض على دوراتها مند 1982. وما تلاه من ديناميات نضالية ونقاشات وندوات وحوارات حقوقية وسياسية وثقافية وترافع دولي، بل ومضايقات واعتقالات في صفوف الحركة الأمازيغية وأطرها الحقوقية والعلمية والشبابية، بدأ باعتقال صدقي أزيكو سنة1981 وسجنة سنة سجن نافذة على إثر نشره لمقال تصحيحي بعنوان "من أجل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية" في العدد الأول من مجلة أمازيغ التي كان يدير نشرها أوزين أحرضان، ومقتل الباحث اللساني بوجمعة الهباز في ظروف غامضة، ثم اعتقال مناضلي جمعية تليلي سنة 1994 بعد مشاركتهم في احتفالات عيد الشغل بكلميمة ورفع لافتات ومطالب مكتوبة بالأمازيغية وحرفها تيفيناغ، وصولا إلى اعتقال والحكم بالسجن عشر سنوات نافذة على مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية الطالبين حميد أعضوش ومصطفى أوسايا سنة 2007.

وقد تبلور مطلب ترسيم الأمازيغية والإقرار بأمازيغية المغرب بشكل واضح ومعلن كمطلب سياسي وحقوقي خلال نهاية تسعينيات القرن الماضي حيث تحول إلى لازمة مطلبية في كتابات وبيانات إطارات الحركة الأمازيغية التي لم تكن تتصور أي تقدم في معالجة القضية الأمازيغية ودسترتها خاصة بعد حراك 2011، ولا أدنى استجابة للانتظارات المشروعة للحركة دون التنصيص على رسمية اللغة الأمازيغية في الدستور، والإقرار بتعدد مكونات الهوية الوطنية، وإلغاء عبارة المغرب العربي من نص الدستور، وكان هذا أدنى درجات أفق انتظارها النضالي والسياسي والحقوقي التي أدركتها جيدا الدولة وبعض المكونات السياسية والحزبية والحقوقية الفطنة.

هكذا، تحول مطلب ترسيم الأمازيغية، إضافة إلى مطلب إسقاط الفساد والاستبداد، إلى أبرز مطالب أرضية حركة 20 فبراير التي انخرط فيها الشباب الأمازيغي سنة 2011 من أجل التغيير، وهذا يعني بأن بقية المكونات السياسية والحقوقية المنخرطة في هذا السياق والمشروع الديمقراطي التواق إلى التغيير أدركت حجم ومركزية هذا المطلب وعدالته كذلك، وهو ما جعل ثلاثة أحزاب أخرى تدرجه ضمن مذكراتها خلال النقاش الدستوري.

وقد انخرطت الإطارات والجمعيات الأمازيغية بشكل كبير وفاعل خلال نقاش سياق التغيير وتعديل الدستور، وحضرت بقوة من خلال الحراك الاحتجاجي والنقاش العمومي المصاحب له، وكان ترسيم الأمازيغية على رأس المطالب والانتظارات التي رفعتها الحركة، كما ساهم مناضلو وأطر وباحثو الحركة الأمازيغية بشكل بارز وقوي خلال اللقاءات والتجمعات والندوات والمحاضرات التي عرفها السياق، ومن خلال الكتابات التحليلية والنقدية وكتابات الرأي الكثيفة والناضجة التي أنتجوها وحاججوا بها دفاعا وتوضيحا لمركزية المطلب الأمازيغي في أطار الإنصاف الحقوقي والتغيير السياسي المطلوب. وكاتب هذه السطور كمثال تجاوزت مساهماته خلال هذا مدة هذا النقاش والتدافع الذي حسم في أقل من ثلاثة أشهر، أكثر من 32 عرض بمختلف مناطق ومدن المغرب وأكثر من 25 مقال رأي وتحليل بالجرائد والمنابر الإعلامية الوطنية والدولية.

كما عملت الإطارات والجمعيات الأمازيغية وجل مناضليها وباحثيها ومبدعيها بإمكانياتهم الذاتية طيلة قرابة نصف قرن من العمل المدني والنضال الديمقراطي، وتمكنوا من تأكيد وفرض جزء أساسي من مطالبهم وإبراز مشروعيتها الحقوقية والديمقراطية سواء قبل أو خلال سياق التغيير والنقاش الدستوري، وقد تمكنوا من ذلك بشكل يثير عرفان وإعجاب جل الإطارات الحقوقية والديمقراطية النزيهة والتواقة إلى التغيير وبناء المشروع الديمقراطي وإحقاق الحقوق وكرامة الإنسان المغربي. كما أن العديد من هذه الإطارات الأمازيغية هي التي ساهمت من خلال باحثيها وكتابها ومبدعيها وأنشطتها ومنشوراتها وملتقياتها...في إبراز وتطوير اللغة والثقافة الأمازيغية، وما أنتجته كما وكيفا يفوق سواء في مجال اللغة والأدب والفنون أو في البحث والكتابة النقدية والفكرية ما قامت به الدولة بمؤسساتها وقطاعاتها المعنية بما في ذلك وزارة الثقافة. إضافة إلى أن بعض هذه الإطارات عملت أيضا كقوة اقتراحية فاعلة وأنتجت مذكرات ومقترحات قوانين وتصورات حول كيفية تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في مجالات الحياة العامة.

انطلاقا مما سبق يتضح أن ترسيم الأمازيغية والإقرار بتعدد مكونات الهوية الوطنية وبمكانة بقية روافدها بما في ذلك الحساني والإفريقي والعبري والمتوسطي، يعد من أبرز مطالب الحركة الأمازيغية وأهم نتائج نضالها وحضورها البارز في النقاش الديمقراطي والحقوقي والعلمي مند قرابة نصف قرن. فهو لم يكن مفاجأ لها كما يعتقد البعض، بل تحقق موضوعي لنضالها وتضحياتها وعدالتها. ورغم كل أشكال الاحتواء ومحاولات إفراغ المقتضى الدستوري من دلالاته وأبعاده الفعلية، فالمؤكد أنه في حاجة إلى مزيد من المواكبة والعمل النضالي والاقتراحي والعلمي والتربوي من أجل تنزيله وأجرأته على المستوى القانوني والعلمي والتدبيري والمؤسساتي.

كما أن صياغة القوانين والإنتاج المؤسساتي في المجال اللغوي والثقافي والتربوي، وتمكين الأمازيغية من أداء وظائفها باعتبارها لغة رسمية للمغرب، هذا عمل الدولة ومؤسساتها والقطاعات الحكومية المعنية التي تمتلك الصفة والسلطة والخبرة والإمكانات المادية والبشرية الضرورية لذلك، وإن كان من مؤسسة تتحمل المسؤولية في أي قصور في هذا الجانب فهي مؤسسات الدولة إضافة إلى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

وأخير، من خلال أشكال تعاطي الدولة والحكومة مع القانونين التنظيميين الخاصين بتأسيس المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ومحاولة إضفاء أشكال من الغموض والسرية والتعويم على النقاش والإعداد في هذين الملفين الاستراتيجيين، يبدو أننا في حاجة إلى إعادة تعريف الحركة الأمازيغية تجنبا لكل لبس، فنقصد بها تلك الإطارات من جمعيات ومنظمات وتنسيقيات وأفراد الذين يمتلكون الوعي بمكانة الأمازيغية ومختلف أشكال الميز والإقصاء الذي لحقها، ويتملكونها فعلا وناضلوا وعملوا من أجلها بوسائل وإمكانات مختلفة وعلى مستويات متعددة، المدنية والحقوقية والعلمية والثقافية والإبداعية والتربوية...، من أجل إنصافها وتطويرها وتبويئها مكانتها العادلة في سياق بناء وإرساء المشروع الديمقراطي والحقوقي والتنموي الوطني.

ليست هناك تعليقات: