ربيع الأوراق المتساقطة: كشف حساب مع الثورة الأخيرة
صدرت للكاتب المغربي عبد الحق نجيب رواية جديدة، عن دار نشر كراس المتوحد، تحت عنوان: "ربيع الأوراق المتساقطة":
صدرت للكاتب والصحافي المغربي عبد الحق نجيب، صاحب برنامج "صدى الإبداع" الذي تبثه القناة المغربية الأولى، رواية جديدة باللغة الفرنسية تحمل عنوان "ربيع الأوراق المتساقطة" عن دار نشر كراس المتوحد، 2016.
يذكر أن رواية"أراضي الله" وهي الرواية الأولى للكاتب التي صدرت عن نفس الدار السنة الماضية، قد لقيت نجاحا كبيرا، ونقاشا نقديا يوازي حجم مواضيعها المثيرة للجدل. يعكس ذلك عدد المقالات النقدية التي كتبت عنها في الصحافة والنقاشات حولها في لقاءات نظمتها مؤسسات ثقافية عديدة، ناهيك عن الطلب المتزايد عليها من جمهور القراء، بحيث بدأت تنفذ طبعتها الأولى من الأسواق. وإن دل ذلك على سيء فإنما يدل على أن القراءة في المغرب ما زالت بخير..

تتميز رواية عبد الحق نجيب "ربيع الأوراق المتساقطة" بنبرتها الثورية وانفتاحها على الشعر في أقصى تجلياته وتوحشه.. تذكرنا في هذا الجانب تحديدا بأعمال محمد خير الدين..تتداخل داخل رواية نجيب "ربيع الأوراق المتساقطة" لغة السرد مع لغة الشعر فتشكلت رواية قصيدة تعبرها سخرية سوداء، تنهر الواقع وتعالجه؛ يسخر طبعا من أوهام الربيع العربي.
يموضع الكاتب شخصيتان رئيسيتان وسط فضاء المدينة القديمة بالدار البيضاء. يضعهما في مكان يشبه الغيتو، معزول عن العالم. وثمة يعيشان اللحظات الأخيرة، التي تقودهم لفصل آخر ما يزال مجهولا.. يتعلق الأمر بصديقين في مقتبل العمر، لا يفترقان أبدا. ينظر كلاهما للمستقبل والمصير وهما يتلاشيان أمامهما. أصبح الأصغر، نعني شخصية خالد، زعيما في حركة 20 فبراير، وبدأ يحلم بتغيير العالم. وفي خلال ذلك توجه سي محمد، الذي يكبره، لقضاء اليوم وهو يمارس السباحة، خلف مسجد الحسن الثاني. كان يرغب كسب التحدي. تذكر الرواية أن السلطات الاسبانية أصدرت مرسوما يستطيع بموجبه كل مغربي أن يحصل على أوراق الإقامة في أوربا إن تمكن من عبور مضيق جبل طارق وقطع المسافة عوما لا غير.. يا للمرسوم الساخر!.. تتوالى الأحداث، فيتقدم فعل السرد بسرعة خاطفة. هكذا يصبح كل فصل من الرواية غوصا أكثر في الرعب النهائي. يستلهم النص تقنيات المسرح العبثي، لذلك لا يأبه بالمألوف. يكتب عبد الحق نجيب عن الخيانات والخيبات، يكتب عن عناد الذاكرة والغموض الجوهري الداخلي، الذي يقودنا حتما نحو الجسارة والتهديدات المستمرة للتاريخ التي تنتهي غالبا بسحق أحلام الجميع. ذلكم ما يفسر حضور تلك الموسيقى الهوجاء بين الفصول: تتوزع الموسيقى كما جرس الإنذار وإعلان الحب. تلك قصة شابين يرفضان التنازل، فيتعاندان حتى آخر الأقاصي. تساعد في نسج هذا الإشكال القدري لعبة تشويق مثيرة، هنا تحديدا تتجاور لغة الرواية بلغة السينما ويظهر ذلك من خلال الحبكة وقوة حضور الشخصيات التي تبدو في الوصف وكأنها ابتكرت انطلاقا من صور.
تجري وقائع النص الأخيرة داخل مقبرة، تعبر عنها كتابة شذرية مفرومة، يغلب عليها طابع السينما. تظل الكتابة رغم ذلك بعيدة عن التوتر والقلق، فمن خلال الدراما المدينية، التي أثاثها المكائد السياسية والإنسانية، نجد رواية موجزة يطغى الشعر ويتحكم في مساراتها. رواية "ربيع الاوراق المتساقطة هي قبل كل شيء حكاية جسارة، وتحد للذات. ومن جهة أخرى، قصة للأحلام المجهضة والآمال المؤجلة. يثيرنا هذا النص من خلال تجاور الحب والخيانة وقوة شخصياته ودقة التقرير وكذا ادراكه لمختلف أشكال التسييس والسياسة والتسلل الإيديولوجي، أصل كل توتر ومواجهة بين الشباب الحالم والفاقد للبوصلة. تبدو الكتابة مثل مشاهد سينمائية صورت للتو. ثمة علاقة بين كتابة الرواية والسينما: يتمازجان داخل نص أدبي لا يخلو من عناصر التشويق والإثارة. وتحتدم الدراما إلى درجة لا تطاق. هكذا نقتحم تجارب الأقاصي وسط لعبة محفوفة بالمخاطر، ثمة حيث الجنون القاتل للإنسان الذي انتشر وأصبح عابرا للحدود. ذلكم ما يجعل "ربيع الأوراق المتساقطة" رواية فلسفية وكونية تكشف وتعري جذور الشر
Le printemps des feuilles qui tombent, roman de Abdelhak Najib, Editions Les Infréquentables,
2016. 132 pages 80 DH
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق