بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 10 مارس 2016

في ظلال ذكرى تأسيس الجماعة


مركزتيفاوت الإعلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
في ظلال ذكرى
تأسيس الجماعة

المبحث الأول
المؤسس
عاش الإمام البنا رحمه الله تعالى حياة زاخرة بالآمال والآلام.

ان الإمام المجدد حسن البنا كان فردا، لكنه ليس كباقى الأفراد.. كان فى ذاته أمة..

فالناس كما جاء فى الحديث “كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة”..

اجتمع له من الخصائص العبقرية والصفات الفذة ما أهله للقيام بدور من أعظم الأدوار، لا نقول فى تاريخ مصر الحديث ولكن فى تاريخ العرب والمسلمين، بل فى تاريخ البشرية فى هذه الحقبة المهمة من عمر الزمان..

ان من الرجال من يصنعهم الله على عينه.. ومنهم من تصنعه الأحداث وتكشف عنه المواقف.. ومنهم من تتلقفه يد الإعداد والتربية فتهيئه لصناعة التاريخ..

كان الإمام البنا عالما، فقيها، ملهما، عبقريا، مبدعا، قائدا، زعيما، سياسيا، مربيا.. كان هذا كله،

لكنه قبل ذلك وبعده كان ربانيا، فى خواطره وأفكاره وسلوكياته وأخلاقه وتعاملاته وحركاته وسكناته..

أخلص قلبه كله لله.. عاش له ومعه، ركن إلى جنبه، استعان به وتوكل عليه..

فكان الله تعالى له.. كان من الفئة من البشر التي يصنعها الله سبحانه وتعالى على عينه..

من عايشوه واغترفوا من فضله وعلمه وفقهه وروحه.. أحبوه حبا ملك عليهم شغاف قلوبهم..

ولم لا وقد رأوا فيه كل جليل وجميل ونبيل؟

قال أحدهم: لقد أدركنا من خلاله كيف كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وقد حكى لى أحد العلماء الأفاضل ان أحد التابعين قال لواحد من الصحابة: لو كنا مكانكم ما تركنا رسول الله يمشى على الأرض..

ثم استطرد قائلا: كنا حملناه على أعناقنا..

قال عالمنا: وهذا يدل على ان محبة الصحابة لرسول الله كانت أعظم من محبة التابعين له..

قلت: لعلى فهمت العكس..

قال: لا..

قلت: كيف؟

قال: لان الصحابة هم الذين علموا التابعين كيف تكون عظمة المحبة، وجلال المحبة، وروعة المحبة!..

وصفه يوما الحاج عباس السيسى رحمه الله، صاحب ألطف وأرق وأمتع رسالة إخوانية وهى “الذوق سلوك الروح”، فى كلمة، فقال: “الرجل المتوهج”،

لقد أشعل الإمام البنا فى قلوبنا وهج الإيمان، وانار عقولنا وبصائرنا بالفهم الدقيق والعميق للإسلام، وساقنا الله عن طريقه إلى درب الهداية والاستقأمة والرشاد..

يشعر كل أخ ان ولادته بدأت مع فكر الأستاذ الإمام الذى ضمنه مجموعة الرسائل، مذكرات الدعوة والداعية، ومقالاته الثرية، فضلا عن خواطره المتألقة حول معانى القرآن الكريم..

يقول أحدهم:" قرأت بعد ذلك عشرات من أمهات الكتب لأئمة أعلام، فما زادنى ذلك إلا اقتناعا بعظمة الإمام..

قبل ذلك لم تكن هناك حياة بالمعنى الحقيقى للحياة..

كانت عدما، بلا هدف واضح ولا رسالة محددة ولا مضمون له قيمة ولا روح لها نصيب من التوثب أو الترقى..

مع الأستاذ الإمام انتقلت إلى العالم الرحب الفسيح.. إلى الحياة مع الله.. مع الآخرة.. مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.. مع المصطفين الأخيار.. مع الشهداء الأبرار..

استطعت ان أطوى صفحة ضيقة وفارغة من حياتى، لأبدأ صفحة بل صفحات أخرى جديدة، شديدة الاتساع وغاية فى العمق، حياة لها قيمة ومعنى ووزن..

لم يكن الإمام البنا مجرد عالم أو فقيه، أو داعية كبقية الدعاة.. كان روحا وثابة، وجدانا متألقا، ومشاعر فياضة تتسلل فى رقة وعذوبة إلى عقلك وقلبك ووجدانك..

كان وهجا يفتح لك آفاق الدنيا بسهولة وسلاسة ويسر، ويأخذ بيدك فى رفق وحنان وعزم وقوة ليدلك على البداية الحقيقية للسيادة والسعادة.



كان لدى الإمام سحره وجاذبيته وقدرته الفائقة على مخاطبة الجماهير، فلا يمل سامعه، ولو مكث ساعات طويلة، بل يعطيه لبه ومشاعره..

كما كانت إمكاناته هائلة فى صياغة أعظم المعانى بعبارات موجزة وكلمات بسيطة، كان أسلوبه سهلا ممتنعا..

له وصايا عشر موجزة، كل الايجاز، لكنها تعد من أجمل وأروع ما كتب فى الدعوة والتربية والاجتماع والسياسة..

انظر إلى وصيته التى يقول فيها: “ الواجبات أكثر من الأوقات فعاون أخاك على الانتفاع بوقته، وان كانت لك مهمة فأوجز فى قضائها”..

وانظر أيضا إلى هذه الوصية: “لا تكثر من الجدل فى أى شان من الشؤون، فان المراء لا يأتى بخير”..

ثم انظر إلى وصيته: “تعرف على من تلقاه من إخوانك، فان أساس دعوتنا الحب والتعارف”..

وتأمل هذه الوصايا: “قم إلى الصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف”..

“لا تكثر من الضحك فان القلب الموصول بالله ساكن وقور”..

“تجنب غيبة الأشخاص وتجريح الهيئات، ولا تتكلم إلا بخير”..



كان يعرف رحمه الله من أين يبدأ، فى أى طريق يسير، وإلى أى هدف يتجه..

زودته العناية الربانية بطاقة إيمانية هائلة، وهمة عالىة، وإرادة صلبة، وحركة لا تهدأ، وقلب رقيق، وعاطفة جياشة، وحس مرهف، ونفس أبية، وذهن متوقد، وذاكرة مذهلة، وعقل راجح، وحكمة بالغة..

لم يكن ينم سوى ساعتين أو ثلاث على الأكثر فى اليوم والليلة، ثم هو يعمل طول الوقت دون كلل أو ملل، كانه فى سباق مع الزمن.. وهكذا شان العباقرة الأفذاذ دائما..

أتته الشهادة التى كان يرجوها، وهو مازال بعد فى الثانية والأربعين من عمره، وأبى كارهوه والحاقدون عليه ان تكون له جنازة، ولم يقم بتشييعه إلى مثواه الأخير سوى النساء..

رجل واحد فقط هو الذى جاء فى وداعه.. مكرم عبيد!

كان الأستاذ الإمام يعرف كل الإخوان، صغيرهم وكبيرهم، من فى الإسكندرية ومن فى أسوان، من فى المدينة ومن فى القرية.. ثم هو على وعى بكل أوضاعهم وأحوالهم..

من التقاه مرة فى حياته، وان كان من عامة الناس، لم يحتج ولو بعد سنوات ان يسأله عن اسمه أو حاله ومن أين هو.. فى يوم من الأيام علم ان أخا فى إحدى القرى اعتزل إخوانه بسبب مشكلة بينهم..

ذهب إلىه وكان أول ما سأل عنه.. بقرته التى يعتمد عليها، بعد الله تعالى، فى معاشه.. أليس ذلك عجيبا؟



لقد كان رحمه الله لطيفا، لا يجد غضاضة فى مداعبة إخوانه..

حكى الأستاذ محمد حامد أبو النصر رحمه الله، ان الإمام البنا نزل عليه ضيفا فى بيته بمنفلوط..

فى الصباح وبعد ان تناولا الإفطار، سأله الأستاذ أبو النصر: فضيلتكم.. تحب الشاى بمفرده واللبن بمفرده، أم نخلطهما معا؟

رد الإمام باسما ولكن بحسم: اسمع يا سيد محمد.. انا لا أحب الخلط.. الشاى بمفرده واللبن كذلك.



كان الأستاذ الإمام زاهدا، متواضعا، ورعا، تقيا، نقيا، منيبا، عابدا، متبتلا، صواما، قواما، موصولا بالله، مرتبطا بالآخرة..

أسره القرآن واستولى على قلبه وجنانه، فكان ينساب على لسانه كما ينساب الماء رقراقا فى الجداول، وكانت له فيه نظرات وتأملات كانها الفتوحات.

وقد أُشرب الإمام حب أهله ومجتمعه ووطنه وأمته.. شغلته وأهمته قضية الاستقلال، وأقلقته وأرّقته مشكلة النهوض الحضارى للأمة، وأوجعت قلبه وأسالت مدامعه معاناة التعساء والبسطاء من بنى وطنه.

ولم يكن الإمام البنا تصادميا فى أى مرحلة من مراحل حياته، بل كان أهم ما يميزه سلاسته وسهولته ولينه ورقته وانسانيته الرفيعة..

كان محاورا من طراز فريد، محاورا لبقا عميقا مرنا، قوى الحجة، حاضر البديهة واسع الأفق، عالما فقيها، بصيرا بمداخل النفس البشرية ونوازعها.. كان ذا أريحية عإلىة وأدب جم وخلق قويم وذوق رفيع.

كان الإمام منفتحا على الجميع، يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يبشر ولا ينفر، ييسر ولا يعسر، يؤمن بان الإصلاح يأتى من داخل الانظمة، وليس من خارجها، وذلك عن طريق خطوات ومراحل متدرجة تبدأ بالفرد، فالأسرة، فالمجتمع الذى يفرز الحكومة المعبرة بحق وصدق عن إرادته الحرة.

لم يكن الإمام البنا مهتما بتألىف الكتب أو التصانيف، أو عمل الدراسات والبحوث، وهى مهمة وضرورية لاشك، وكان رحمه الله قادرا على ان يبرز فيها، لكن اهتمامه الأول كان منصبا على إيقاظ الشعب وإحياء الأمة من خلال تربية رجال يحملون الأمانة ويقومون بالتبعة عبر فكرة سليمة ومنهج واضح وهدف محدد، ومن هنا كانت عبقرية التأصيل الفكرى والحركة المنهجية والتنظيم الدقيق والتكوين المحكم والبناء الشامخ..

هنا كانت عبقرية التنظيم الهرمى الذى سبق به العالم المتقدم انذاك، على الأقل بخمس عشرة سنة.

وكان الإمام البنا رحمه الله ذا نظرة متوازنة، معتدلة، شاملة، كاملة، لديه فقه رصين بالواقع الذى تحياه الأمة، وما يتطلبه ذلك من تحديد واضح لفقه التوازنات والأولويات والمآلات، واهتمام بالأصول لا الفروع، والكليات لا الجزئيات،

وهكذا.. كان يفقه تلك المقولة الخالدة للصدّيق رضى الله عنه: “واعلموا انه لا تقبل لكم نافلة حتى تؤدوا الفريضة”.

آمن الإمام البنا بان الإسلام هو رسالة الله إلى الناس كافة، وإلى ان يرث الله الأرض ومن عليها، وانه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا، السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وكما انه دين فهو حضارة ينعم فى ظلها الجميع، مسلمين وغير مسلمين، بالعدل والحرية والمساواة والأمن والطمانينة والسلام، وان نهضة شعوبنا ورقيها وتقدمها لن تتحقق إلا من خلال الإسلام.

لقد وضع الإمام البنا القواعد والأصول، من خلال فهمه العميق والدقيق للكتاب والسنة، وسيرة السلف الصالح، والسنن الإلهية، مستفيدا ومستوعبا تجارب الأقدمين والمحدثين، وكان له اجتهاده وفق متطلبات العصر، وفى ظل سياق ومناخ عام معين، محلى وإقليمى ودولى، فى السياسة والاقتصاد والاجتماع..

ومع المتغيرات التى طرأت والمستجدات التى ظهرت، لا بأس ان يكون لنا اجتهادنا فى الفروع، مادام يتم عبر المؤسسات الشورية المعتمدة بشكل صحيح وسليم، ودون إخلال بالقواعد والأصول.

لقد تجلّت عبقرية الأستاذ البنا فى استيعابه مجموعة من الدوائر المتشابكة والمتداخلة والمعقدة، الدائرة العالمية، دائرة العالم العربى والإسلامى، دائرة مصر، ودائرة الإخوان..

وبالرغم من كثرة التفاصيل إلا ان كل دائرة من هذه الدوائر كان لها حظها ونصيبها فى عقل وقلب الإمام..

كانت له رؤيته الثاقبة وثقافته الموسوعية وإحاطته الشاملة بما يجرى على مستوى العالم، وما يموج فيه من تيارات سياسية وفكرية ومذهبية وأيديولوجية وفلسفية وبؤر ساخنة وصراعات دموية..

ينظر إلى العالم أفقيا ورأسيا وكانه يقرأ من كتاب مفتوح..

وهو فى الوقت ذاته مطلع على أحوال العالم العربى والإسلامى بكل ما فيه من مآس وآلام وأحزان، من نحسارات وانكسارات أفقدته ثقته بنفسه، من تخلف علمى وفكرى وجهل ثقافى ومعرفى، من أزمات ومشكلات، وما يواجهه من تحديات ويفرض عليه من تبعات..

ثم هو دارس وملم بكل تفاصيل المجتمع المصرى من حيث مكامن قوته ونقاط ضعفه فى شتى المناحى، وعلى دراية كاملة بكل ما يحدث على ساحاته الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية..

وهو بعد ذلك، أو قبل ذلك، يقوم بهذا العمل الفذ فى تنشئة الإخوان والارتقاء بهم، علميا وفقهيا وروحيا وأخلاقيا، تنظيما وحركة.. إلخ..



لقد كان الإمام البنا متسقاً مع نفسه، وكان مشروع النهضة واضحاً أمامه، وقد وضع أسسه قبل استشهاده، وكان يرى ان الإخوان المسلمين دعوة شاملة ونظام شامل ينتظم شؤون الحياة جميعاً.

ومن أجمل ما قال الامام البنا بهذا الخصوص فى آخر رسالة التعاليم الجامعة عن تلك الواجبات المهمة للأخ ما يلى:

“وأعتقد انك ان عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غاياتك، كان جزاؤك العزة فى الدنيا والخير والرضوان فى الآخرة، وانت منا ونحن منك، وان انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك، وان تصدرت فينا المجالس، وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر، وسيحاسبك الله على قعودك أشد الحساب.

فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق”.

ولذلك فالإسلام كما يرى الإمام البنا دعوة سلفية للعودة إلى الإسلام الصافي من الكتاب والسنة، وطريقة سنية وهى الاتباع الكامل للرسول صلى الله عليه وسلم، وحقيقة صوفية، وهو هيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية وثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية.

كما كان الإمام البنا يرى ان الإسلام في شموله يتناول مظاهر الحياة جميعاً، وهو دولة ووطن أوحكومة وأمة، وهو خلق وقوة أورحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أوعلم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء.

وقد كان رحمه الله حريصا على التقويم المستمر والتصحيح الدائم لخطوات السير طاعة لله وعبادة له أولا ثم للوصول إلى الأكمل والأجدى...

ومن ذلك ما قاله رحمه الله فى صدر رسالة المؤتمر الخامس " ولا بأس ان ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض برنامجنا، ونراجع فهرس أعمالنا، ونستوثق من مراحل طريقنا، ونحدد الغاية والوسيلة، فتتضح الفكرة المبهمة، وتصحح النظرة الخاطئة، وتعلم الخطوة المجهولة، وتتم الحلقة المفقودة، ويعرف الناس الإخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم، من غير لبس ولا غموض"

لا بأس بهذا، ولا بأس بان يتقدم إلىنا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان، برأيه فى غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا، فنأخذ الصالح من رأيه، وننزل على الحق من مشورته؛ فان الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

رحم الله الأستاذ البنا وجمعنا به فى عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

المبحث الثاني

رسالة الإخوان

من ثنايا سفر رسائلالامام المؤسس



عرض لفكر الدعوة من كتابات الإمام الشهيد

دعوتنا

نحب مع هذا ان يعلم قومنا وكل المسلمين قومنا، ان دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية واحتقرت المنافع المادية وخلفت وراءها الأهواء والأغراض ومضت قدما في الطريق التي رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إلىه: " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين"... يوسف:108.

فلسنا نسأل الناس شيئا ولا نقتضيهم مالا ولا نطالبهم بأجر، ولا نستزيد بهم وجاهة ولا نريد منهم جزاء ولا شكورا، ان أجرنا في ذلك إلا على الذي فطرنا.

عاطفة

ونحب ان يعلم قومنا انهم أحب إلىنا من انفسنا وانه حبيب إلى هذه النفوس ان تذهب فداء لعزتهم ان كان فيها الفداء، وان تزهق ثمنا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وامالهم ان كان فيها الغناء

وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا وملكت علينا مشاعرنا فاقضت مضاجعنا وأسالت مدامعنا وانه لعزيز علينا جد عزيز ان نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أونرضى بالهوان أونستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لانفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام.

لله الفضل والمنة

ولسنا نمتن بشيء ولا نرى لانفسنا في ذلك فضلا، وانما نعتقد قول الله تعالى: " بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان ان كنتم صادقين"... الحجرات:17 ... وكم نتمنى لو تنفع المنى، ان تتفتح هذه القلوب على مراى ومسمع من أمتنا، فينظر إخواننا هل يرون فيها إلا حب الخير لهم وإلاشفاق عليهم والتفاني في صالحهم .

وهل يجدون إلا ألما مضنيا من هذا الحال التي وصلنا إلىها، ولكن حسبنا ان الله يعلم ذلك كله، وهو وحده الكفيل بالتاييد الموفق للتسديد، بيده ازمة القلوب ومفاتيحها، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وهو حسبنا ونعم الوكيل، أليس الله بكاف عبده؟

أصناف أربعة

وكل الذي نريده من الناس ان يكونوا امامنا واحدا من أربعة:

مؤمن:

اما شخص امن بدعوتنا وصدق بقولنا واعجب بمبادئنا وراى فيها خيرا اطمانت إلىه نفسه وسكن له فؤاده، فهذا ندعوه ان يبادر بإلانضمام إلىنا والعمل معنا، حتى يكثر به عدد المجاهدين ويعلو بصوته صوت الداعين،

ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها والتضحية في سبيلها

وكذلك كان السابقون الاولون ممن شرح الله صدورهم لهدايته فاتبعوا انبيائه وامنوا برسالاته وجاهدوا فيه حق جهاده

ولهؤلاء من الله اجزل الاجر وان يكون لهم مثل ثواب من اتبعوهم لا ينقص ذلك من اجورهم شيئا.

متردد:

واما شخص لم يستبين وجه الحق ولم يتعرف في قولنا معنى الاخلاص والفائدة، فهذا نتركه لتردده ونوصيه بان يتصل بنا عن كثب ويقرأ عنا من قريب أو بعيد، ويطالع كتاباتنا ويزور انديتنا ويتعرف إلى إخواننا، فسيطمئن بعد ذلك لنا ان شاء الله، وكذلك كان شان المترددين من اتباع الرسل من قبل.

نفعي:

واما شخص لا يريد ان يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة وما يجره هذا البذل له من مغنم

فنقول له: حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله ان اخلصت، والجنة ان علم فيك خيرا

اما نحن فمغمورون جاها فقراء مالا ، شاننا التضحية بما معنا وبذل ما في ايدينا

ورجاؤنا رضوان الله سبحانه وتعالى وهو نعم المولى ونعم النصير

فان كشف الله الغشاوة عن قلبه وازاح كابوس الطمع عن فؤاده، فسيعلم ان ما عند الله خير وابقي وسينضم إلى كتيبة الله ليجود بما معه من عرض الحياة الدنيا، لينال ثواب الله في العقبى " وما عندكم ينفد وما عند الله باق"

وان كانت الاخرى فالله غني عمن لا يرى لله الحق الاول في نفسه وماله ودنياه واخرته وموته وحياته

وكذلك كان شان قوم من اشباهه حين أبوا مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا ان يجعل لهم الأمر من بعده، فما كان جوابه صلى الله عليه وسلم إلا ان اعلمهم ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين



متحامل:

واما شخص اساء فينا ظنه واحاطت بنا شكوكه فهو لا يرانا إلا بالمنظار الاسود القاتم ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك، ويابى إلا ان يلج في غروره ويسدر في شكوكه ويظل مع اوهامه

فهذا ندعو الله لنا وله ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وان يلهمنا واياه الرشد

ندعوه ان قبل الدعاء، ونناديه ان أجاب النداء، وندعو الله فيه وهو أهل الرجاء

ولقد انزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس: ”انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء "... القصص:56

وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلىنا واقتناعه بدعوتنا، وانما شعارنا معه ما أرشدنا إلىه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل: " اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون”.

نحب ان يكون الناس معنا واحدا من هؤلاء، وقد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم ان يدرك غايته ويحدد وجهته ويعمل لهذه الوجهة حتى يصل إلى غايته المنشودة..

اما تلك الغفلة السادرة والخطرات اللاهية والقلوب الساهية والانصياع الاعمى واتباع كل ناعق فما هو من سبيل المؤمنين في شيء.



فناء

ونحب ان يعلم قومنا إلى جانب هذا ان هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها، ووهب لها ما تكلفه إياه من نفسه وماله ووقته وصحته قال تعالى: “قل ان كان اباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إلىكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين"... التوبة:24

فهي دعوة لا تقبل الشركة، إذ ان طبيعتها الوحدة، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المخلفين ويقعد مع القاعدين ويستبدل الله لدعوته به قوما آخرين " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"... المائدة:54

وضوح

نحن ندعو الناس إلى مبدأ واضح محدد مسلم به منهم جميعا، هم جميعا يعرفونه ويؤمنون به ويدينون باحقيته، ويعلمون ان فيه خلاصهم واسعادهم وراحتهم … مبدا أثبتت التجربة وحكم التاريخ صلاحيته للخلود وأهليته لاصلاح الوجود

إيمانان

والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدا... انه عندهم ايمان مخدر نائم في نفوسهم لا يريدون ان ينزلوا علي حكمه ولا ان يعملون بمقتضاه... علي حين انه ايمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين

ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين ان نؤمن بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث إلىهم عنا انها ستحملنا علي نسف الجبال وبذل النفس والمال واحتمال المصاعب ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا، حتى إذا هدأت ثائرة الكلام وانفض نظام الجمع، نسي كل ايمانه وغفل عن فكرته فهو لا يفكر في العمل لها ولا يحدث نفسه بان يجاهد اضعف الجهاد في سبيلها، بل انه قد يبالغ في هذه الغفلة وهذا النسيان حتى يعمل على ضدها وهو يشعر أو لا يشعر..

أو لست تضحك عجبا حين تري رجلا من رجال الفكر والعمل والثقافة في ساعتين اثنتين متجاورتين من ساعات النهار ملحدا مع الملحدين وعابدا مع العابدين

هذا الخور أو النسيان أو الغفلة أو النوم أو قل ما شئت، هو الذي جعلنا نحاول ان نوقظ مبدانا وهو هو المبدا المسلم به من قومنا في نفوس هؤلاء القوم المحبوبين



دعوات

واذن ساعود إلى اول كلمتي فاقول ان دعوة الإخوان المسلمين دعوة مبدأ

وفي الشرق والغرب اليوم دعوات ومبادئ وفكر ومذاهب واراء ومنازع كلها تتقسم عقول الناس وتتنازع البابهم وكل منها يزينه اهله ويقوم بالدعاية له ابناؤه واتباعه وعشاقه ومريدوه ويدعون له المزايا والمحاسن ويبالغون في هذا إلادعاء ما يبرزه للناس جميلا خلابا رائعا



دعاة

والدعاة اليوم غيرهم بالأمس فهم مثقفون مجهزون مدربون اخصائيون – ولا سيما في البلاد الغربية – حيث تختص بكل فكرة كتيبة مدربة توضح غامضها وتكشف عن محاسنها وتبتكر لها وسائل النشر وطرائق الدعاية وتتلمس لها في نفوس الناس أيسر السبل وأهونها وأقربها إلى الاقتناع والاتباع.



وسائل

ووسائل الدعاية الان غيرها بالأمس كذلك فقد كانت دعاية الأمس كلمة تلقى في خطبة أو اجتماع، أو كلمة تكتب في رسالة أو خطاب

اما الان فنشرات ومجلات وجرائد ورسالات ومسارح وخيالات وحاك ومذياع

وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم نساء ورجالا في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم.

لهذا كان من واجب أهل الدعوة ان يحسنوا تلك الوسائل جميعا حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة

ومالي ولهذا الاستطراد ساعود مرة ثانية فاقول ان العالم الان في حال تخمة بالدعوات ما بين سياسية وقومية ووطنية واقتصادية وعسكرية وسلمية، فاين دعوة الإخوان المسلمين من هذا المزيج المركب كله

سيدعوني ذلك ان اتكلم في أمرين:

أولهما هيكل دعوتنا الايجابي المجرد

ثم بعد ذلك موقفها من كل نوع من انواع الدعوات



اسلامنا

اسمع يا اخي: دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به انها اسلامية.

ولهذه الكلمة معنى واسع غير ذلك المعنى الضيق الذي يفهمه الناس

فاننا نعتقد ان الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعا ويفتي في كل شان منها ويضع له نظاما محكما دقيقا

ولا يقف مكتوفا امام المشكلات الحيوية والنظم التي لا بد منها لاصلاح الناس

فهم بعض الناس خطا ان الإسلام مقصور على ضروب من العبادات أو أوضاع من الروحانية وحصروا انفسهم وأفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم المحصور.

ولكنا نفهم الإسلام على غير هذا الوجه فهما فسيحا واسعا ينتظم شؤون الدنيا والآخرة

ولسنا ندعي هذا ادعاء أو نتوسع فيه من انفسنا، وانما هو ما فهمناه من كتاب الله وسيرة المسلمين الاولين

فان شاء القارئ ان يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة اسلامية، فليمسك بمصحفه وليجرد نفسه من الهوى والغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن، فسيرى في ذلك دعوة الإخوان.

أجل: دعوتنا اسلامية بكل ما تحتمل الكلمة من معان، فافهم فيها ما شئت بعد ذلك، وانت في فهمك هذا مقيد بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالحين من المسلمين...

فاما كتاب الله فهو أساس الإسلام ودعامته

واما سنة نبيه فهي مبينة الكتاب وشارحته

واما سيرة السلف الصالح فهم رضوان الله عليهم منفذو اوامره والاخذون بتعاليمه وهم المثل العملية والصورة الماثلة لهذه الاوامر والتعاليم.



موقفنا من الدعوات المختلفة.

وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار، ان نزنها بميزان دعوتنا، فما وافقها فمرحبا به وما خالفها فنحن براء منه، ونحن مؤمنون بان دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءا صالحا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارت إلىه.

الوطنية

افتتن كثير من الناس بدعوة الوطنية تارة والقومية تارة أخرى وبخاصة في الشرق، حيث تشعر الشعوب الشرقية باساءة الغرب إلىها اساءة نالت من عزتها وكرامتها واستقلالها واخذت من مالها ومن دمها، وحيث تتألم هذه الشعوب من هذا النير الغربي الذي فرض عليها فرضا، فهي تحاول الخلاص منه بكل ما في وسعها من قوة ومنعة وجهاد وجلاد، فانطلقت السن الزعماء وسالت انهار الصحف وكتب الكاتبون وخطب الخطباء وهتف الهاتفون باسم الوطنية وجلال القومية.

حسن ذلك وجميل، ولكن من غير الحسن وغير الجميل، انك تحاول افهام الشعوب الشرقية وهي مسلمة ان ذلك في الإسلام بأوفى وأزكى وأسمى وانبل مما هو في أفواه الغربيين وكتابات الاوروبيين

ولكنهم أبوا ذلك عليك ولجوا في تقليدهم يعمهون، وزعموا لك ان الإسلام من ناحية وهذه الفكرة في ناحية اخرى، وظن بعضهم ان ذلك مما يفرق وحدة الأمة ويضعف رابطة الشباب

هذا الوهم الخاطئ كان خطرا على الشعوب الشرقية من كل الوجهات

وفي ظل هذا الوهم أحببت ان أعرض هنا إلى موقف الإخوان المسلمين ودعوتهم من فكرة الوطنية

ذلك الموقف الذي ارتضوه لانفسهم والذي يريدون ويحاولون ان يرضاه الناس معهم

وطنية الحنين

ان كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض والفتها والحنين إلىها والانعطاف حولها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مامور به في الإسلام من جهة اخرى

وان بلالا الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة:

الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بواد وحولي اذ خر وجليل

وهل اردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شأمة وطفيل

ولقد سمع رسول صلي الله عليه وسلم وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنينا إلىها وقال: " يا أصيل دع القلوب تقر”.

وطنية الحرية والعزة

وغن كانوا يريدون ان من الواجب العمل بكل جهد في تحرير الوطن من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس ابنائه، فنحن معهم في ذلك ايضا

وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد فقال تبارك وتعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون".. المنافقون:8.. ويقول: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ".. النساء:141

وطنية المجتمع

وان كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وارشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم، فذلك نوافقهم فيه أيضا ويراه الإسلام فريضة لازمة

فيقول نبيه صلى الله عليه وسلم: "وكونوا عباد الله إخوانا"... ويقول القرآن الكريم: " يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات ان كنتم تعقلون".. ال عمران:118

وطنية الفتح

وان كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض، فقد فرض ذلك الإسلام ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح فذلك قوله تعالى: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله".. البقرة:193”.

وطنية الحزبية

وان كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامي بالتهم ويكيد بعضها لبعض وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والاعراض وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية، والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته ويزيد وقود هذه النار اشتعالا، يفرقهم في الحق ويجمعهم على الباطل، ويحرم عليهم اتصال بعضهم ببعض وتعاون بعضهم مع بعض، ويحل لهم هذه الصلة به والالتفات حوله فلا يقصدون إلا داره ولا يجتمعون إلا زواره... فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس

فها انت ذا قد رايت اننا مع دعاة الوطنية بل مع غلاتهم في كل معانيها الصالحة التي تعود بالخير على البلاد والعباد وقد رأيت مع هذا ان تلك الدعوى الوطنية الصحيحة الطويلة العريضة لم تخرج عن انها جزء من تعاليم الإسلام.

حدود وطنيتنا

اما وجه الخلاف بيننا وبينهم، فهو اننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية

فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وطن عندنا له حرمته وقداسته وحبه والاخلاص له والجهاد في سبيل خيره

وكل المسلمين في هذه الأقطار الجغرافية اهلنا وإخواننا نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم

ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك، فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض

ويظهر ذلك الفارق العملي فيما إذا ارادت أمة من الأمم ان تقوى نفسها على حساب غيرها فنحن لا نرضى ذلك على حساب اي قطر اسلامي وانما نطلب القوة لنا جميعا

ودعاة الوطنية المجردة لا يرون في ذلك بأسا، ومن هنا تتفكك الروابط وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض

غاية وطنيتنا

هذه واحدة والثانية ان الوطنيين فقط جل ما يقصدون إلىه تخليص بلادهم، فإذا ما عملوا لتقويتها بعد ذلك اهتموا بالنواحي المادية كما تفعل أوروبا الان

أما نحن فنعتقد ان المسلم في عنقه أمانة عليه ان يبذل نفسه ودمه وماله في سبيل ادائها، تلك هداية البشر بنور الإسلام ورفع علمه خفاقا في كل ربوع الأرض، لا يبغي بذلك مالا ولا جاها وسلطاننا على أحد، ولا استعبادا لشعب، وانما يبغي وجه الله وحده واسعاد العالم بدينه واعلاء كلمته

وذلك ما حدا بالسلف الصالحين رضوان الله عليهم إلى هذه الفتوح القدسية التي أدهشت الدنيا، واربت على كل ما عرف التاريخ من سرعة وعدل ونبل وفضل..

وحدة:

وأحب ان انبهك إلى سقوط ذلك الزعم القائل ان الابتعاد عن هذا الفهم، يمزق وحدة الأمة التي تتألف من عناصر دينية مختلفة، فان الإسلام وهو دين الوحدة والمساواة كفل هذه الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين على الخير " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إلىهم ان الله يحب المقسطين".. الممتحنة:8

فمن اين ياتي التفريق إذا؟

أفرايت بعد كيف اننا متفقون مع أشد الناس غلوا في الوطنية في حب الخير للبلاد والجهاد في سبيل تخليصها وخيرها وارتقائها، ونعمل ونؤيد كل من يسعى في ذلك باخلاص، بل أحب ان تعلم ان مهمتهم ان كانت تنتهي بتحرير الوطن واسترداد مجده، فان ذلك عند الإخوان المسلمين بعض الطريق فقط أو مرحلة منه واحدة، ويبقي بعد ذلك ان يعملوا لرفع راية الوطن الإسلامي على كل بقاع الأرض ويخفق لواء المصحف في كل مكان..



القومية

والان سأتحدث إليك عن موقفنا من مبدأ القومية:

قومية المجد

ان كان الذين يعتزون بمبدا “القومية” يقصدون بها ان الاخلاف يجب ان ينهجوا نهج الإسلاف في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة، وان تكون لهم بهم في ذلك قدوة حسنة ، وان عظمة الأب مما يعتز به الإبن ويجد لها الحماس والاريحية بدافع الصلة والوراثة، فهو مقصد حسن جميل نشجعه وناخذ به

وهل عدتنا في ايقاظ همة الحاضرين، إلا ان نحدوهم بامجاد الماضين

ولعل الاشارة إلى هذا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"

فها انت ذا ترى ان الإسلام لا يمنع من القومية بهذا المعنى الفاضل النبيل.



قومية الأمة

وإذا قصد بالقومية ان عشيرة الرجل وأمته أولى الناس بخيره وبره، واحقهم بإحسانه وجهاده، فهو حق كذلك

ومن ذا الذي لا يرى اولى الناس بجهوده قومه الذين نشا فيهم ونما بينهم؟

لعمري لرهط المرء خير بقية عليه وان عالوا به كل مركب

وإذا قصد بالقومية، اننا جميعا مبتلون مطالبون بالعمل والجهاد، فعلى كل جماعة ان تحقق الغاية من جهتها حتى تلتقي ان شاء الله في ساحة النصر، فنعم التقسيم هذا،

ومن لنا بمن يحدو الأمم الشرقية، كتائب كل في ميدانها حتى نلتقي جميعا في بحبوحة الحرية والخلاص؟

كل هذا وأشباهه في معنى القومية جميل معجب، لا يأباه الإسلام، وهو مقياسنا بل ينفسح صدرنا له ونحض عليه.



القومية الجاهلية

اما ان يراد بالقومية احياء عادات جاهلية درست، واقأمة ذكريات بائدة خلت، وتعفية حضارة نافعة استقرت، والتحلل من عقيدة الإسلام ورباطه بدعوى القومية والاعتزاز بالجنس كما فعلت بعض الدول في المغالاة بتحطيم مظاهر الإسلام والعروبة حتى الاسماء وحروف الكتابة والفاظ اللغة واحياء ما اندرس من عادات جاهلية،

فذلك في القومية معنى ذميم وخيم العاقبة وسيئ المغبة يؤدي بالشرق إلى خسارة فادحة يضيع معها تراثه وتنحط بها منزلته ويفقد اخص مميزاته واقدس مظاهر شرقه ونبله، ولا يضر ذلك دين الله شيئا: " وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم"... محمد:38



قومية العدوان

واما ان يراد بالقومية الاعتزاز بالجنس إلى درجة تؤدي إلى انتقاص الاجناس الاخرى والعدوان عليها والتضحية بها في سبيل عزة أمة وبقائها، كما تنادي بذلك المانيا وايطاليا مثلا ، بل كما تدعي كل أمة تنادي بانها فوق الجميع.

فهذا معنى ذميم كذلك ليس من الانسانية في شيء ومعناه ان يتناحر الجنس البشري في سبيل وهم من الاوهام لا حقيقة له ولا خير فيه.



دعامتان

الإخوان المسلمون لا يؤمنون بالقومية بهذه المعاني ولا باشباهها، ولا يقولون فرعونية وعربية وفينيقية وسورية ولا شيئا من هذه الالقاب والاسماء التي يتنابز بها الناس...

ولكنهم يؤمنون بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الانسان الكامل بل أكمل معلم علم الانسان الخير: " ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء، الناس لآدم وادم من تراب، لا فضل لعربي على اعجمي إلا بالتقوى".

ما أروع هذا وأجمله وأعدله

الناس لآدم فهم في ذلك اكفاء والناس يتفاضلون بالاعمال فواجبهم التنافس في الخير دعامتان قويمتان لو بنيت عليهما الانسانية لارتفعت بالبشر إلى علياء السموات

الناس لآدم فهم إخوان فعليهم ان يتعاونوا وان يسالم بعضهم بعضا ويرحم بعضهم بعضا ويدل بعضهم بعضا على الخير والتفاضل بالاعمال فعليهم ان يجتهدوا كل من ناحيته حتى ترقى الانسانية

فهل رايت سموا بالانسانية اعلى من هذا السمو أو تربية افضل من هذه التربية؟



قوميتنا وعلى أي أساس ترتكز؟

أيها الاخ تعال نصغ معا إلى صوت العزة الإلهية يدوي في أجواء الأفاق ويملا الأرض والسبع الطباق، ويوحي في نفس كل مؤمن أسمى معاني العزة والفخار حين يسمع هذا النداء الذي تستمع له السموات والأرض ومن فيهن، منذ ان بلغه المبين إلى هذا الوجود إلى حيث لا نهاية إذا كتب له الخلود:

أجل أجل يا أخي: هذا نداء ربك إلىك، فلبيك اللهم لبيك وحمدا وشكرا لك، لا نحصي ثناء عليك، انت ولي المؤمنين ونصير العاملين والمدافع عن المظلومين الذين حوربوا في بيوتهم واخرجوا من ديارهم، عز من لجأ إلىك، وانتصر من احتمى بحماك.

أجل أجل يا أخي: تعال نستمع معا إلى صوت القرآن الكريم ونطرب بتلاوة الآيات البينات ونسجل جمال هذه العزة في صحائف ذلك الكتاب المطهر

إلى إلى يا اخي واسمع قول الله تبارك وتعالى:

" الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"... البقرة:257”

" بل الله مولاكم وهو خير الناصرين"... ال عمران:150

" انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"... المائدة:55”.

" ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"... الاعراف:196”.

" قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون "... التوبة:51”.

" ألا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين امنوا وكانوا يتقون "... يونس:62-63”.

" ذلك بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى لهم"... محمد:11”.

ألست ترى في هذه الايات البينات ان الله تبارك وتعالى ينسبك إلى نفسه ويمنحك فضل ولايته ويفيض عليك من فيض عزته

وفي الحديث الشريف الذي يرويه المختار صلى الله عليه وسلم عن ربه فيما معناه:

" يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة: يا بني آدم جعلت نسبا وجعلتم نسبا، فقلتم فلان ابن فلان وقلت: ” ان أكرمكم عند الله اتقاكم ” فاليوم ارفع نسبى وأضع نسبكم”

لهذا أيها الاخ الكريم فضل السلف الصالح ان يرفعوا نسبتهم إلى الله تبارك وتعالى ويجعلوا أساس صلاتهم ومحور أعمالهم تحقيق هذه النسبة الشريفة فينادي احدهم صأحبه قائلا: لا تدعني الا بيا عبدها فانه اشرف اسمائي

في حين يجيب الآخر من ساله عن أبيه، أتميمي هو أم قيسي: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أوتميم



قوميتنا عالىة النسب

وهناك معنى اخر من معاني السمو الاجتماعي في انتساب الناس إلى الله تبارك وتعالى، ذلك هو تآخي الشعوب وتآزر الجماعات والقضاء على تلك المطامع التي توحي بها العصبية ويؤرث نيرانها بين الأمم، التقاطع والتخاصم، فمن للعالم بان يجتمع بقوة حول راية الله



خواص العروبة:

ولسنا مع هذا ننكر خواص الأمم ومميزاتها الخلقية فنحن نعلم ان لكل شعب مميزاته وقسطه من الفضيلة والخلق

ونعلم ان الشعوب في هذا تتفاوت وتتفاضل

ونعتقد ان العروبة لها من ذلك النصيب الأوفى والأوفر

ولكن ليس معنى هذا، ان تتخذ الشعوب هذه المزايا ذريعة إلى العدوان بل عليها ان تتخذ ذلك وسيلة إلى تحقيق المهمة السابقة التي كلفها كل شعب، تلك هي النهوض بالانسانية

ولعلك لست واجدا في التاريخ من ادرك هذا المعنى من شعوب الأرض كما ادركته تلك الكتيبة العربية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم

هذا استطراد اقتضاه السير في البحث ولا أحب ان اتابعه حتى لا يشط بنا القول ولكن اعود إلى ما نحن بسبيله.



رباط العقيدة

إذا عرفت هذا فاعلم ايدك الله ان الناس في فهم دعوة الإخوان المسلمين قسمين:

قسم اعتقد ما اعتقدوه من دين الله وكتابه وامن ببعثه ورسوله وما جاء به

وهؤلاء تربطنا بهم اقدس الروابط رابطة العقيدة وهي عندنا اقدس من رابطة الدم ورابطة الأرض، فهؤلاء هم قومنا الاقربون الذين نحن إلىهم ونعمل في سبيلهم ونذود عن حماهم ونفتديهم بالنفس والمال في اي ارض كانوا ومن اية سلالة انحدروا



وقوم ليسوا كذلك ولم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط، فهؤلاء نسالمهم ما سالمونا ونحب لهم الخير ما كفوا عدوانهم عنا، ونعتقد ان بيننا وبينهم رابطة هي رابطة الدعوة ،علينا ان ندعوهم إلى ما نحن عليه لانه خير الانسانية كلها، وان نسلك إلى نجاح هذه الدعوة ما حدد لها الدين نفسه من سبل ووسائل، فمن اعتدى علينا منهم رددنا عدوانه بأفضل ما يرد به عدوان المعتدين

اما إذا أردت ذلك من كتاب الله فاسمع:

1- " انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم"... الحجرات:10”.

2- " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إلىهم ان الله يحب المقسطين، انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم...".. الممتحنة:8-9

ولعلي أكون بذلك قد كشفت لك عن هذه الناحية من دعوتنا بما لا يدعها في نفسك ملتبسة أوغامضة، لعلك بعد ذلك عرفت إلى أي قبيل ينتسب الإخوان المسلمون



امام الخلافات الدينية

أتحدث إلىك الان عن دعوتنا أمام الخلافات الدينية والآراء المذهبية.

نجمع ولا نفرق

اعلم فقهك الله اولا:

ان دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى راي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة

وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه وتود ان تتوحد وجهة الانظار والهمم، حتى يكون العمل اجدى والانتاج اعظم واكبر

فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون

وهي مع الحق أينما كان

تحب الاجماع وتكره الشذوذ، وان اعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف، واساس ما انتصروا به الحب والوحدة.

ولن يصلح اخر هذه الأمة الا بما صلح به اولها

هذه قاعدة اساسية وهدف معلوم لكل اخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا نصدر عنها وندعو إلىها.



الخلاف ضروري

ونحن مع هذا نعتقد ان الخلاف في فروع الدين أمر لا بد منه ضرورة ولا يمكن ان نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عدة:

منها اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه، وادراك الدلائل والجهل بها، والغوص على اعماق المعاني، وارتباط الحقائق بعضها ببعض، والدين ايات واحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود اللغة وقوانينها ، والناس في ذلك جد متفاوتين فلا بد من خلاف.

ومنها سعة العلم وضيقه وان هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك، والاخر شانه كذلك، وقد قال الإمام مالك لأبي جعفر:

ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الامصار، وعند كل قوم علم فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة.

ومنها اختلاف البيئات حتى ان التطبيق ليختلف باختلاف كل بيئة، وانك لترى الامام الشافعي رضي الله عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر وهو في كليهما اخذ بما استبان له وما اتضح عنده لا يعدو ان يتحرى الحق في كليهما.

ومنها اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها... فبينما نجد هذا الراوي ثقة عند هذا الامام تطمئن إليه نفسه وتطيب بالاخذ به، تراه مجروحا عند غيره لما علم عن حاله.

ومنها اختلاف تقدير الدلالات فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على خبر الآحاد مثلا، وذاك لا يقول معه به وهكذا..



الاجماع على أمر فرعي متعذر

كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد ان الاجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل بل هو يتنافى مع طبيعة الدين وانما يريد الله لهذا الدين ان يبقي ويخلد ويساير العصور ويماشي الأزمان وهو لهذا سهل مرن هين لين لا جمود فيه ولا تشديد.

نعتذر لمخالفينا:

نعتقد هذا فنلتمس العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات ونرى ان هذا الخلاف لا يكون ابدا حائلا دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير، وان يشملنا واياهم معنى الإسلام السابغ بافضل حدوده واوسع مشتملاته

السنا مسلمين وهم كذلك... والسنا نحب ان ننزل على حكم اطمئنان نفوسنا وهم يحبون ذلك... والسنا مطالبين بان نحب لإخواننا ما نحب لانفسنا...

ففيم الخلاف اذن، ولمإذا لا يكون راينا مجالا للنظر عندهم، كرايهم عندنا ،

ولماذا لا نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك ما يدعو إلى التفاهم؟

هؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الافتاء، فهل اوقع ذلك اختلافا بينهم في القلوب وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم... اللهم لا... وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد.

وإذا كان هؤلاء قد اختلفوا وهم اقرب الناس عهدا بالنبوة واعرفهم بقرائن الاحكام، فما بالنا نتناحر في خلافات تافهة لا خطر لها

وإذا كان الأئمة وهم اعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله، قد اختلف بعضهم مع بعض وناظر بعضهم بعضا، فلم لا يسعنا ما وسعهم

وإذا كان الخلاف قد وقع في أشهر المسائل الفرعية وأوضحها، كالآذان الذي ينادي به خمس مرات في اليوم الواحد، ووردت به النصوص والاثار ، فما بالك في دقائق المسائل التي مرجعها إلى الرأي والاستنباط؟

وثم أمر آخر جدير بالنظر ان الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى الخليفة وشرطه الامامة فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف اما الان فاين الخليفة

وإذا كان الأمر كذلك، فأولى بالمسلمين ان يبحثوا عن القاضي ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فان اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر.

يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرا مع مخالفيهم، ويرون ان مع كل قوم علما وفي كل دعوة حقا وباطلا ، فهم يتحرون الحق وياخذون به ويحاولون في هوادة ورفق اقناع المخالفين بوجهة نظرهم، فان اقتنعوا فذاك وان لم يقتنعوا فإخوان في الدين نسأل الله لنا ولهم الهداية.

ذلك منهاج الإخوان المسلمين امام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله، يمكن ان أجمله لك في ان الإخوان يجيزون الخلاف ويكرهون التعصب للرأي ويحاولون الوصول إلى الحق ويحملون الناس على ذلك بالطف وسائل اللين والحب.

إلى العلاج

يا اخي: اعلم وتعلم ان مثل الأمم في قوتها وضعفها وشبابها وشيخوختها وصحتها وسقمها مثل الافراد سواء بسواء

فالفرد بينما تراه قويا معافى صحيحا سليما، فإذا بك تراه قد انتابته العلل واحاطت به السقام وهدت بنيته القوية الأمراض والآلام، ولا يزال يشكو ويئن حتى تتداركه رحمة الله تبارك وتعالى بطبيب ماهر ونطاسي بارع يعلم موطن العلة ويحسن تشخيصها حتى ويتعرف موضع الداء ويخلص في علاجه، فإذا بك بعد حين ترى هذا المريض وقد عادت إلىه قوته ورجعت إلىه صحته، ربما كان بعد هذا العلاج خيرا من قبله.

قل مثل هذا في الأمم تماما تعترضها حوادث الزمن بما يهدد كيانها ويصدع بنيانها ويسري في مظاهر قوتها سريان الداء ولا يزال يلح عليها ويتشبث بها حتى ينال منها فتبدو هزيلة ضعيفة يطمع فيها الطامعون وينال منها الغاصبون، فلا تقوى على رد غاصب ولا تمنع من مطامح طامح.

وعلاجها انما يكون بامور ثلاثة:

معرفة موطن الداء والصبر على الام العلاج والنطاسي الذي يتولى ذلك حتى يحقق الله على يديه الغاية ويتمم الشفاء والظفر.

الاعراض

وقد علمتنا التجارب وعرفتنا الحوادث ان داء هذه الأمم الشرقية متشعب المناحي كثير الاعراض قد نال من كل مظاهر حياتها

فهي مصابه في ناحيتها السياسية بالاستعمار من جانب اعدائها

والحزبية والخصومة والفرقة والشتات من جانب ابنائها

وفي ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها واستيلاء الشركات الاجنبية على مواردها وخيراتها

وهي مصابة من الناحية الفكرية بالفوضى والمروق، والالحاد يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها

وفي ناحيتها الاجتماعية بالاباحية في عاداتها وأخلاقها، والتحلل من عقدة الفضائل ورثتها عن الغر الميامين من أسلافها وبالتقليد الغربي يسري في مناحي حياتها سريان لعاب الافاعي فيسمم دمائها ويعكر صفو هنائها

وبالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالما ولا تغني يوما من الأيام غناء القوانين السماوية التي وضعها خالق الخلق ومالك الملك ورب النفوس وبارئها

وبفوضى في سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها

وفي ناحيتها النفسية بيأس قاتل وخمول مميت وشح وانانية، تكف الأيدي عن البذل وتقف حجابا دون التضحية، وتخرج الأمة من صفوف المجاهدين إلى اللاهين اللاعبين

ومإذا يرجى من أمة اجتمعت على غزوها كل هذه العوامل بأقوى مظاهرها وأشد اعراضها:

الاستعمار والحزبية والربا والشركات الاجنبية والالحاد والاباحية وفوضى التعليم والتشريع واليأس والشح والخنوثة والجبن والاعجاب بالخصم اعجابا يدعو إلى تقليده في كل ما صدر عنه وبخاصة في سيئات اعماله

ان داء واحدا من هذه الادواء يكفي لقتل امم متظاهرة، فكيف وقد تفشت جميعا في كل أمة على حدة لولا مناعة وحصانة وجلادة وشدة في هذه الأمم الشرقية التي جاذبها خصومها حبل العداء من بعيد، ودأبوا على تلقيحها بجراثيم هذه الأمراض زمنا طويلا، حتى باضت وافرخت ... لولا ذلك لعفت آثارها ولبادت من الوجود ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون

يا اخي:

هذا هو التشخيص الذي يلمسه الإخوان في أمراض هذه الأمة، وهذا هو الذي يعملون في سبيل ان يبرئها منه ويعيد إلىها ما فقدت من صحة وشباب



أمل وشعور

أحب ان تعلم يا اخي اننا لسنا يائسين من انفسنا واننا نامل خيرا كثيرا ، ونعتقد انه لا يحول بيننا وبين النجاح الا هذا اليأس فإذا قوي الامل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير ان شاء الله تعالى، لهذا نحن لسنا يائسين ولا يتطرق إلى قلوبنا والحمد لله، وكل ما حولنا يبشر بالامل رغم تشاؤم المتشائمين..

انك إذا دخلت على مريض فوجدته تدرج من كلام إلى صمت ومن حركة إلى سكون، شعرت بقرب نهايته وعسر شفائه واستفحال دائه

فإذا انعكس الأمر وأخذ يتدرج من صمت إلى كلام ومن همود إلى حركة شعرت بقرب شفائه وتقدمه في طريق الصحة والعافية.

ولقد اتي على هذه الأمم الشرقية حين من الدهر جمدت فيه حتى ملها الجمود وسكنت حتى اعياها السكون، ولكنها الان تغلي غليانا بيقظة شاملة في كل مناحي الحياة وتضطرم اضطراما بالمشاعر الحية القوية والاحاسيس العنيفة.

ولولا ثقل القيود من جهة والفوضى في التوجيه من جهة اخرى، لكان لهذه الىقظة أروع الاثار، ولن تظل هذه القيود قيودا ابد الدهر، فانما الدهر قلب ... وما بين طرفة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال، ولن يظل الحائر حائرا، فانما بعد الحيرة هدى وبعد الفوضى استقرار ولله الأمر من قبل ومن بعد

لهذا لسنا يائسين ابدا وايات الله تبارك وتعالى واحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وسنته تعالى في تربية الأمم وانهاض الشعوب بعد ان تشرف على الفناء وما قصه علينا في كتابه، كل ذلك ينادينا بالامل الواسع ويرشدنا إلى طريق النهوض ولقد علم المسلون لو يتعلمون – وانك لتقرا الآية الكريمة في اول سورة القصص:

“طسم تلك ايات الكتاب المبين نتلو عليك من نبا موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، ان فرعون علا في الأرض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون "... القصص:1-6

تقرا هذه الآية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته ويعتز بقوته ويطمئن إلى جبروته ويغفل عن عين الحق التي ترقبه، حتى إذا فرح بما أوتي اخذه الله اخذ عزيز مقتدر

وابت ارادة الله الا ان تنتصر للمظلومين وتاخذ بناصر المهضومين المستضعفين، فإذا الباطل منهار من اساسه وإذا الحق قائم البنيان متين الاركان، وإذا اهله هم الغالبون، وليس بعد هذه الآية الكريمة وامثالها من ايات كتاب الله عذر في اليأس والقنوط لأمة من امم الإسلام تؤمن بالله ورسوله وكتابه، فمتى يتفقه المسلمون في كتاب الله

لمثل هذا يا اخي وهو كثير في دين الله، لم يياس الإخوان المسلمون من ان ينزل نصر الله على هذه الأمم، رغم ما يبدوا امامها من عقبات ، وعلى ضوء هذا الامل يعملون عمل الامل المجد والله المستعان.



اما الوسيلة التي وعدتك الكلام عليها فهي أركان ثلاثة تدور عليها فكرة الإخوان:

أولها المنهاج الصحيح: وقد وجده الإخوان في كتاب الله وسنة رسوله وأحكام الإسلام حين يفهمها المسلمون على وجهها غضة نقية بعيدة عن الدخائل والمفتريات فعكفوا على دراسة الإسلام على هذا الأساس دراسة سهلة واسعة مستوعبة.

وثانيها العاملون المؤمنون: ولهذا أخذ الإخوان انفسهم بتطبيق ما فهموه من دين الله تطبيقا لا هوادة فيه ولا لين، وهم بحمد الله مؤمنون بفكرتهم مطمئنون لغايتهم واثقون بتاييد الله اياهم ما داموا له يعملون وعلى هدي رسوله يسيرون.

وثالثها القيادة الحازمة الموثوق بها: وقد وجدها الإخوان المسلمون كذلك فهم لها مطيعون وتحت لوائها يعملون.

هذا ما أردت ان اتحدث به إلىك عن دعوتنا وهو تعبير له تعبير وانت يوسف هذه الاحلام، فان راقك ما نحن عليه فيدك مع ايدينا لنعمل سويا في هذا السبيل والله ولي توفيقنا وهو حسبنا ونعم الوكيل فنعم المولى ونعم النصير.



إلى أي شيء ندعو الناس؟

تمهيد

قد تتحدث إلى كثير من الناس في موضوعات مختلفة، فتعتقد انك قد أوضحت كل الايضاح وأبنت كل الإبانة، وانك لم تدع سبيلا للكشف عما في نفسك إلا سلكتها حتى تركت من تحدثهم على المحجة البيضاء، وما اشد دهشتك بعد قيل حين ينكشف لك ان القوم لم يفهموا عنك ولم يدركوا قولك ..

واعتقد ان السر فيه لا يعدوا أحد أمرين:

اما ان الذي يقيس به كل منا وما يسمع عنه مختلف، فيختلف تبعا لذلك الفهم والادراك

واما ان يكون القول في ذاته ملتبسا غامضا وان اعتقد قائله انه واضح مكشوف



المقياس

وانا اريد في هذه الكلمة ان اكشف للناس عن دعوة الإخوان المسلمين وغايتها ومقاصدها وأساليبها ووسائلها في صراحة ووضوح وفي بيان وجلاء .

وأحب اولا ان احدد المقياس الذي نقيس به هذا التوضيح، وساجتهد في ان يكون القول سهلا ميسورا لا يتعذر فهمه على قارئ يحب ان يستفيد .

واظن ان احدا من الأمة الإسلامية جميعا لا يخالفني في ان يكون هذا المقياس هو كتاب الله نستقي من فيضه ونستمد من بحره ونرجع إلى حكمه



يا قومنا

ان القرآن الكريم كتاب جامع، جمع الله فيه اصول العقائد واسس المصالح الاجتماعية وكليات الشرائع الدنيوية

فيه أوامر وفيه نواه ، فهل عمل المسلمون بما في القرآن، فاعتقدوا وايقنوا بما ذكر الله من المعتقدات، وفهموا ما اوضح لهم من الغايات ، وهل طبقوا شرائعه الاجتماعية والحياتية على تصرفاتهم في شؤون حياتهم...

ان انتهينا من بحثنا انهم كذلك فقد وصلنا معا إلى الغاية،

وان تكشف البحث عن بعدهم عن طريق القرآن واهمالهم لتعاليمه وأوامره، فاعلم ان مهمتنا ان نعود بانفسنا وبمن تبعنا إلى هذا السبيل.

غاية الحياة في القرآن

ان القرآن حدد غايات الحياة ومقاصد الناس فيها، فبين ان قوما غايتهم من الحياة الأكل والمتعة فقال تبارك وتعالى: " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم"... محمد:12

وبين ان قوما مهمتهم في الحياة، الزينة والعرض الزائل فقال تبارك وتعالى:“زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن الماب "... آل عمران:14”

وبين ان قوما آخرين شانهم في الحياة إيقاد الفتن وإحياء الشرور، اولئك الذين قال الله فيهم: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"... البقرة:204-205”

تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحياة، نزه الله المؤمنين عنها وبرأهم منها ، وكلفهم مهمة ارقى والقى على عاتقهم واجبا اسمى ذلك الواجب هو:

هداية الناس إلى الحق وارشاد الناس جميعا إلى الخير وانارة العالم كله بشمس الإسلام.. فذلك قوله تبارك وتعالى:

“يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير".. الحج:77-78 ‏



وصاية المسلم تضحية لا استفادة

ثم بين الله تبارك وتعالى ان المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع لله نفسه وماله فليس له فيها شيء، وانما هي وقف على نجاح هذه الدعوة وايصالها إلى قلوب الناس وذلك قوله تعالى:

“ ان الله اشتري من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة ".. التوبة:111”.

ومن ذلك نرى المسلم يجعل دنياه وقفا على دعونه ليكسب آخرته جزاء تضحيته

ومن هنا كان الفاتح المسلم أستاذا يتصف بكل ما يجب ان يتحلى به الاستاذ من نور وهداية ورحمة ورأفة، وكان الفتح الإسلامي فتح تمدين وتحضير وارشاد وتعليم ...

وأين هذا ما يقوم به الاستعمار الغربي الان



أين المسلمون من هذه الغاية؟

فبربك عزيزي: هل فهم المسلمون من كتاب ربهم هذا المعنى، فسمت نفوسهم ورقت أرواحهم، وتحرروا من رق المادة وتطهروا من لذة الشهوات والأهواء، وترفعوا عن سفاسف الامور ودنايا المقاصد، ووجهوا وجوههم للذي فطر السموات والأرض حنفاء يعلون كلمة الله ويجاهدون في سبيله وينشرون دينه ويذودون عن حياض شريعته،

أم هم أسرى الشهوات وعبيد الأهواء والمطامع كل همهم لقمة لينة ومركب فاره وحلة جميلة ونومة مريحة وامراة وضيئة ومظهر كاذب ولقب أجوف... رضوا بالاماني وابتلوا بحظوظهم وخاضوا بحار الجد دعوى، فما ابتلوا ... وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة”



الغاية أصل الاعمال

وبما ان الغاية هي التي تدفع إلى الطريق .. ولما كانت الغاية في أمتنا غامضة مضطربة، كان لابد من ان نوضح ونحدد، واظننا وصلنا إلى كثير من التوضيح، واتفقنا على ان مهمتنا سيادة الدنيا وارشاد الانسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التي بغيرها لن يسعد الانسان

مصادر غايتنا

تلك هي الرسالة التي يريد الإخوان المسلمون ان يبلغوها للناس وان تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم وتهب لانفاذها في عزم وفي مضاء

لم يبتدعها الإخوان ابتداعا ولم يختلقوها من انفسهم، وانما هي الرسالة التي تتجلى في كل آية من آيات القرآن الكريم، وتبدوا في غاية الوضوح في كل حديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وتظهر في كل عمل من أعمال الصدر الاول الذين هم المثل الاعلى لفهم الإسلام وانفاذ تعاليم الإسلام،

فان شاء المسلمون في ان يقبلوا هذه الرسالة كان ذلك دليل الإيمان والإسلام الصحيح،

وان راوا فيها حرجا أوغضاضة فبيننا وبينهم كتاب الله تبارك وتعالى، حكم عدل وقول فصل يحكم بيننا وبين إخواننا ويظهر الحق لنا أو علينا "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين "... الاعراف:89”.

استطراد

يتساءل كثير من إخواننا الذين أحببناهم من كل قلوبنا، ووقفنا لخيرهم والعمل لمصلحتهم الدنيوية والاخروية جهودنا وأموالنا وارواحنا، وفنينا في هذه الغاية.. غاية اسعاد أمتنا وإخواننا .. عن اموالنا وانفسنا.

وكم اتمنى ان يطلع هؤلاء الإخوان المتسائلون على شباب الإخوان المسلمين وقد سهرت عيونهم والناس نيام، وشغلت نفوسهم والخليون هجع، واكب احدهم على مكتبه من العصر إلى منتصف الليل عاملا مجتهدا ومفكرا مجدا، ولا يزال كذلك طول شهره، حتى إذا ما انتهى الشهر جعل مورده موردا لجماعته ونفقته نفقة لدعوته، وماله خادما لغايته، ولسان حاله يقول: " لا اسالكم عليه اجرا ان اجري الا على الله"

ومعاذ الله ان نمن على أمتنا فنحن منها ولها، وانما نتوسل إلىها بهذه التضحية، ان تفقه دعوتنا وتستجيب لندائنا.



من اين المال

يتساءل هؤلاء الإخوان المحبوبون الذين يرمقون الإخوان المسلمين عن بعد ويرقبونهم عن كثب قائلين:

من اين ينفقون، واني لهم المال اللازم لدعوة نجحت وازدهرت كدعوتهم، والوقت عصيب والنفوس شحيحة؟

واني أجيب هؤلاء بان الدعوات الدينية عمادها الإيمان قبل المال، والعقيدة قبل الاعراض الزائلة، وإذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعا، وان في مال الإخوان المسلمين القليل الذي يقتطعونه من نفقاتهم ويقتصدونه من ضرورياتهم ومطالب بيوتهم وأولادهم ويجودون به طيبة نفوسهم سخية به قلوبهم، يود أحدهم لو كان له أضعاف أضعاف فينفقه في سبيل الله، فإذا لم يجد بعضهم شيئا تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.

في هذا المال القليل والإيمان الكبير ولله الحمد والعزة بلاغ لقوم عابدين ونجاح للعاملين الصادقين، وان الله الذي بيده كل شيء ليبارك في القرش الواحد من قروش الإخوان و" يمحق الله الربا ويربي الصدقات".. البقرة:276”.

“وما اتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"... الروم:39



نحن والسياسة

ويقول قوم آخرون، ان الإخوان المسلمين قوم سياسيون ودعوتهم سياسية ولهم من وراء ذلك مآرب أخرى، ولا ندري إلى متى تتقارض أمتنا التهم وتتبادل الظنون وتتنابز بالالقاب، وتترك يقينا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك.

يا قومنا: اننا نناديكم والقرآن في يميننا والسنة في شمالنا وعمل السلف الصالحين من أبناء هذه الأمة قدوتنا، وندعوكم إلى الإسلام وتعاليم الإسلام وأحكام الإسلام

فان كان هذا من السياسة عندكم، فهذه سياستنا

وان كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياسيا، فنحن أعرق الناس والحمد لله في السياسة

وان شئتم ان تسموا ذلك سياسة، فقولوا ما شئتم فلن تضرنا الاسماء متى وضحت المسميات وانكشفت الغايات.

يا قومنا: لا تحجبكم الالفاظ عن الحقائق والاسماء عن الغايات ولا الاعراض عن الجوهر، وان للاسلام لسياسة في طيها سعادة الدنيا وصلاح الاخرة ، وتلك هي سياستنا لا نبغي بها بديلا فسوسوا بها انفسكم واحملوا عليها غيركم تظفروا بالعزة الاخروية ولتعلمن نباه بعد حين.



أعظم مصادر القوة

وفي النسبة إلى الحق تبارك وتعالى معنى اخر يدركه من التحق بهذه النسبة ذلك هو الفيض الاعم من الإيمان والثقة بالنجاح الذي يغمر قلبك فلا تخشى الناس جميعا ولا ترهب العالم كله، ان وقف أمامك يحاول ان ينال عقيدتك أوينتقص من مبدأك:

“الذين قال لهم الناس، ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"... ال عمران:173

ولأمر ما كان الواحد من اولئك القلائل المؤمنين بالله وثقته وتأييده، يقف امام الجحفل اللجب والجيش اللهام فلا يرهب صولته ولا يخشى أذاه، لانه لا يخشى احدا إلا الله ، واي شيء اعظم من تلك القوة التي تنسكب من قلب الرجل المؤمن حين يجيش صدره بقول الله: " ان ينصركم الله فلا غالب لكم "... ال عمران:160



احلام الأمس وحقائق اليوم

هذا كلام طال عهد المسلمين باستماعه فقد يكون غامضا عليهم غير مفهوم لديهم

وقد يقول قائل: ما لهؤلاء الجماعة يكتبون في هذه المعاني التي لا يمكن ان تتحقق وما بالهم يسبحون في جو الخيال والاحلام

على رسلكم أيها الإخوان في الإسلام والملة، فان ما ترونه اليوم غامضا بعيدا، كان عند سلفكم بدهيا قريبا، ولن يثمر جهادكم حتى يكون كذلك عندكم، وصدقوني ان المسلمين الأولين فهموا من القرآن لأول ما قراوه ونزل فيهم ما ندلي به اليوم ونقصه عليكم ..

وأصارحكم بان عقيدة الإخوان المسلمين، يحيون بها ياملون الخير فيها ويموتون عليها ويرون فيها كل ما تصبوا إلىه نفوسهم من متعة وجمال واسعاد وحق: " ألم يان للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون"... الحديد:16

أيها الإخوان: إذا اتفقتم معنا على هذا الاساس، فاعلموا ان انتسابكم إلى الله تبارك وتعالى يفرض عليكم ان تقدروا المهمة التي القاها على عاتقكم وتنشطوا للعمل لها والتضحية في سبيلها فهل انتم فاعلون



مهمة المسلم

ان مهمة المسلم الحق لخصها الله تبارك وتعالى في اية واحدة من كتابه ورددها القرآن الكريم بعد ذلك في عدة ايات، فاما تلك الاية التي اشتملت على مهمة السلمين في الحياة، فهي قول الله تبارك وتعالى: " يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير"... الحج:77-78”.

هذا كلام لا لبس فيه ولا غموض، ووالله ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة ، وانه لواضح كالصبح، ظاهر كالنور يملا الآذان ويدخل على القلوب بغير استئذان، افلم يسمعه المسلمون قبل الان ...

يأمر الله المسلمين ان يركعوا ويسجدوا وان يقيموا الصلاة التي هي لب العبادة وعمود الإسلام واظهر مظاهره ، وان يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وان يفعلوا الخير ما استطاعوا وهو حين يأمرهم بفعل الخير ينهاهم بذلك عن الشر، وان من اول الخير ان تترك الشر، فما اوجز وما ابلغ ورتب لهم على ذلك النجاح والفلاح والفوز وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه ان يقوم بها بنفسه في خلوة أوجماعة



حق الانسانية

ثم أمرهم بعد ذلك ان يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان فان ابوا الا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:

والناس اذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب اجدى على الدنيا من السلم

حراسة الحق بالقوة

وما احكم القائل: القوة اضمن طريق لاحقاق الحق وما أجمل ان تسير القوة والحق جنبا إلى جنب فهذا الجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية فضلا عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام فريضة الله على المسلمين، كما فرض عليهم الصوم والصلاة والحج والزكاة وفعل الخير وترك الشر، والزمهم اياها وندبهم إلىها ، ولم يعذر في ذلك احد فيه قوة واستطاعة وانها لاية زاجرة رادعة وموعظة بالغة زاجرة:“ انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا باموالكم وانفسكم في سبيل الله"... التوبة:41”

وقد كشف الله سر هذا التكليف وحكمة هذه الفريضة التي افترضها على المسلمين بعد هذا الأمر، فبين لهم انه اجتباهم واختارهم واصطفاهم دون الناس ليكونوا سواس خلقه وامناءه على شريعته وخلفاءه في ارضه وورثة رسوله في دعوته

ومهد لهم الدين واحكم التشريع وسهل الاحكام وجعلها من الصلاحية لكل زمان ومكان بحيث يتقبلها العالم وترى فيها الانسانية امنيتها المرجوة واملها المنتظر: " هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس"... الحج:78”

وتلك هي المهمة الاجتماعية التي ندب الله إلىها المسلمين جميعا وان يكونوا صفا واحدا وكتلة وقوة وان يكونوا هم جيش الخلاص الذي ينقذ الانسانية ويهديها سواء السبيل...

رهبان بالليل فرسان بالنهار

ثم اوضح الحق تبارك وتعالى للناس بعد ذلك الرابطة بين التكإلىف من صلاة وصوم بالتكالىف الاجتماعية، وان الاولى وسيلة للثانية، وان العقيدة الصحيحة أساسهما معا حتى لا يكون لاناس مندوحة من القعود عن فرائضهم الفردية بحجة انهم يعملون للمجموع ، وحتى لا يكون لآخرين مندوحة من القعود عن العمل للمجموع بحجة انهم مشغولين بعباداتهم مستغرقون في صلتهم لربهم، فما ادق واحكم، ومن احسن من الله حديثا

ايها المسلمون: عبادة ربكم والجهاد في سبيل التمكين لدينكم واعزاز شريعتكم هي مهمتكم في الحياة، فان اديتموها حق الاداء فانتم الفائزون، وان اديتم بعضها أو اهملتموها جميعا فإلىكم أسوق قول الله تبارك وتعالى: " افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم إلىنا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق"... المؤمنون:115-116

لهذا المعنى جاء أوصاف أصحاب محمد وهم صفوة الله من خلقه والسلف الصالح من عباده: رهبان بالليل فرسان بالنهار ترى احدهم في ليله ماثلا في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري فإذا انفلق الصباح ودوى النفير يدعو المجاهدين رايته رئبالا على صهوة جواده يزأر الزأرة فتدوي لها جنبات الميدان

بالله عليك ما هذا التناسق العجيب والتزاوج بين الغريب والمزيج الفريد بين عمل الدنيا ومهامها وشؤون الاخرة وروحانيتها ولكنه الإسلام الذي جمع من كل شيء احسنه



استعمار الاستاذية والاصلاح

ولهذا المعنى أيها المسلمون نفر المسلمون - بعد ان اختار نبيه صلى الله عليه وسلم الرفيق الاعلى- في أقطار الأرض، قرانه في صدورهم، ومساكنهم على سروجهم، وسيوفهم بايديهم ، حجتهم واضحة على ألسنتهم، يدعون الناس إلى احدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال ... فمن hسلم فهو اخوهم له ما لهم وعليه ما عليهم ... ومن ادي الجزية فهو في ذمتهم وعهدهم يقومون بحقه ويرعون عهده ويوفون له بشرطه... ومن ابى جالدوه حتى يظهرهم الله عليه " ويأبى الله الا ان يتم نوره"... التوبة:32

ما فعلوا ذلك لسلطان... فزهادتهم في الجاه والشهرة معروفة عند الخاص والعام

ولقد قضى دينهم على تلك المظاهر الزائفة التي يستمتع بها أقوام على حساب آخرين، فكان خليفتهم كاحدهم يفرض له من المال والعطاء ما لرجل منهم، ليس بافضلهم ولا ادركهم، ولا يميزه إلا بما افاض الله عليه من جلال الإيمان وهيبة الىقين .... ولم ذلك لمال فحسب احدهم كسرة يرد بها جوعته وجرعة يطفئ بها ظماته والصوم لديهم قربة والجوع أحب عندهم من الشبع وحظ احدهم من الملبس ما يستر به عورته وكتابهم يناديهم بقول الله تعالى: “والذين كفروا يتمتعون وياكلون كما تاكل الانعام والنار مثوى لهم"... محمد:12”

ونبيهم يقول لهم: تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة”

إذا لم يكن مخرجهم من ديارهم لجاه أومال أوسلطة أواستعمار أو استبداد وانما كان لاداء رسالة خاصة هي رسالة نبيهم التي تركها امانة بين ايديهم وأمرهم ان يجاهدوا في سبيلها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله



آن لنا أن نفهم

كان المسلمون يفهمون هذا قديما ويعملون له ويحملهم ايمانهم على التضحية في سبيله اما في هذه الأيام فقد تفرق المسلمون في فهم مهمتهم واتخذوا من التاويل والتعطيل سندا للقعود والكسل فمن قائل يقول لك: مضى وقت الجهاد والعمل واخر يثبط همتك يقول لك بان الوسائل معدومة والأمم الإسلامية مقيدة وثالث رضي من دينه كلمات يلوكها لسانه صباح مساء وقنع من عبادته بركعات يؤديها وقلبه هواء

لا لا ايها الإخوان القرآن يناديكم بوضوح وجلاء:

“انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون"... الحجرات:15

واما في السنة فيقول لكم الرسول: " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتبعوا اذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله ادخل الله تعالى عليهم ذلا لا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم " رواه الامام احمد في مسنده والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمر.

وانتم تقراون في كتب الفقه ما الف منها قديما أوحديثا متى يكون الجهاد فرض كفاية ومتى يكون فرض عين وتعلمون حقائق ذلك ومعناه حق العلم فما هذا الخمول الذي ضرب بجدرانه وما هذا اليأس الذي قبض على القلوب فلا تعي ولا تفيق هذا ايها المسلمون عصر التكوين فكونوا انفسكم وبذلك تتكون امتكم .

ان هذه الفريضة تحتاج إلى منكم نفوسا مؤمنة وقلوبا سليمة فاعملوا على تقوية ايمانكم وسلأمة صدوركم وتحتاج منكم تضحية بالمال والجهود فاستعدوا لذلك فان ما عندكم ينفد وما عند الله باق وان الله اشتري من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم جنة عرضها السموات والأرض



من أين نبدا؟

ان تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الامال ومناصرة المبادئ: تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أوالفئة التي تدعو إلىه على الاقل إلى “قوة نفسية عظيمة” تتمثل في عدة امور:

إرادة قوية لا يتطرق إلىها ضعف

ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر

وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل

ومعرفة بالمبدا وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطا فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره

على هذه الأركان الاولية التي هي من خصائص النفوس وحدها وعلى هذه القوة الروحية الهائلة تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الفتية وتتجدد الحياة فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا.

وكل شعب فقد هذه الصفات الاربعة أوعلى الاقل فقدها قواده ودعاة الاصلاح فيه فهو شعب عابث مسكين لا يصل إلى خير ولا يحقق املا وحسبه ان يعيش في جو من الاحلام والظنون والاوهام: "ان الظن لا يغني من الحق شيئا"... يونس:36

هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا: “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم"... الرعد:11

وهو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه ابو داود: “يوشك الأمم ان تداعي عليكم كما تداعي الاكلة إلى قصعتها .. فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ

قال: بل انتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن

قال: حب الدنيا وكراهية الموت .

أولست تراه قد بين ان سبب ضعف الأمم وذلة الشعوب وهن نفوسها وضعف قلوبها وخلاء افئدتها من الاخلاق الفاضلة وصفات الرجولة الصحيحة ون كثر عددها وزادت خيراتها وثمراتها.

وان الأمة إذا رتعت في النعيم وانست بالترف وغرقت في اعراض المادة وافتتنت بزهرة الحياة الدنيا ونسيت احتمال الشدائد ومقارعة الخطوب والمجاهدة في سبيل الحق فقل على عزتها وامالها العفاء



بين القوتين

يظن كثير من الناس ان الشرق تعوزه القوة المادية من المال والعتاد وآلات الحرب والكفاح لينهض ويسابق الأمم التي سلبت حقه وظلمت أهله ... ذلك صحيح ومهم، ولكن أهم منه والزم:

القوة الروحية من الخلق الفاضل والنفس النبيلة والإيمان والارادة الماضية والتضحية في سبيل الواجب والوفاء الذي تنبني عليه الثقة والوحدة وعنهما تكون القوة .

لو آمن الشرق بحقه وغير من نفسه واعتنى بقوة الروح وعني بتقويم الاخلاق، لأتته وسائل القوة المادية من كل جانب وعند صحائف التاريخ الخبر الىقين.

يعتقد الإخوان المسلمون هذا تمام الاعتقاد وهم لهذا دائبون في تطهير أرواحهم وتقوية نفوسهم وتقوية اخلاقهم، وهم لهذا يجاهدون بدعوتهم ويريدون الناس على مبادئهم ويطالبون الأمة باصلاح النفوس وتقويم الاخلاق

وهم لم يبتدعوا ذلك ابتداعا شانهم في كل ما يقولون، ولكنهم يستمدونه من القاموس الاعظم والبحر الخضم والدستور المحكم والمرجع الاعلى ذلك هو كتاب الله تبارك وتعالى، وقد سمعت من قبل تلك المادة الخالدة من ذلكم القانون:

“ ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم "... الرعد:11

ولقد كشف القرآن عن هذا المعنى في كثير من آياته بل انه ضرب مثلا تطبيقيا خالدا واضحا كل الوضوح صادقا كل الصدق في قصة بني اسرائيل تلك القصة الرائعة التي ترسم لكل أمة يائسة طريق التكوين .



المنهاج واضح

يعتقد الإخوان المسلمون ان الله تبارك وتعالى حين انزل القرآن وأمر عباده ان يتبعوا محمدا ورضي لهم الإسلام دينا ووضع في هذا الدين القويم كل الأصول اللازمة لحياة الأمم ونهضتها واسعادها، مصداقا لقول العليم الخبير:

“ الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"... الاعراف:157”.

ومصداق قول الرسول في الحديث الشريف ما معناه، والله ما تركت من شر الا ونهيتكم عنه

وانت إذا امعنت النظر في تعاليم الإسلام وجدته قد وضع أصح القواعد وانسب النظم وادق القوانين لحياة الفرد رجلا وامراة، وحياة الاسرة في تكوينها وانحلالها، وحياة الأمم في نشوئها وقوتها وانحلالها



لا بد من أن نتبع

وإذا كان الإخوان المسلمون يعتقدون ذلك فهم يطالبون الناس بان يعملوا على ان تكون قواعد الإسلام، الاصول التي تبنى عليها نهضة الشرق الحديث في كل شان من شؤون الحياة، ويعتقدون ان كل مظهر من مظاهر النهضة يتنافى مع قواعد الإسلام ويصطدم باحكام القرآن فهو تجربة فاسدة فاشلة ستخرج منها الأمم بتضحيات كبيرة في غير فائدة، فخير للامم التي تريد النهوض، ان تسلك إلىه أكثر الطرق اختصارا ، باتباعها أحكام الإسلام .

والإخوان المسلمون لا يختصون بهذه الدعوة قطرا دون قطر من الاقطار الإسلامية ولكنهم يرسلونها صيحة يرجون ان تصل إلى آذان القادة والزعماء في كل قطر يدين ابناؤه بدين الإسلام، وانهم لينتهزون لذلك هذه الفرصة التي تتحد فيها الاقطار الإسلامية وتحاول بناء مستقبلها على دعائم ثابتة من اصول الرقي والتقدم والعمران



احذروا الانحراف واصلحوا القانون

ان أكبر ما يخشاه الإخوان المسلمون ان تندفع الشعوب الشرقية الإسلامية في تيار التقليد فترقع نهضاتها بتلك النظم البالىة واثبتت التجربة فسادها وعدم صلاحيتها .

ان لكل أمة من امم الإسلام دستورا عاما، يجب ان تستمد مواده من احكام القرآن الكريم، وان الأمم التي تقول في أول مادة من مواد دستورها: ان دينها الرسمي الإسلام، يجب ان تضع بقية المواد على اساس هذه القاعدة ، وكل مادة لا يسيغها الإسلام ولا تجيزها احكامه يجب ان تحذف، حتى لا يظهر التناقض في القانون الاساسي للدولة .

وفيما وضعه المشرعون المسلمون ما يسد الثغرة ويفي بالحاجة وينقع الغلة ويؤدي إلى افضل النتائج وابرك الثمرات

ان في حدود الله لو نفذت لزاجرا يردع المجرم وان اعتاد الاجرام، ويكف العادي وان تاصل في نفسه العدوان، ويريح الحكومات من عناء التجارب الفاشلة والتجربة تثبت ذلك وتؤيده، واصول التشريع الحديث تنادي به وتدعمه والله تبارك وتعالى يفرضه ويوجبه: “ ومن لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون "... المائدة:44

اصلحوا مظهر الاجتماع

ان في حياة كل أمة، مظاهر من الحياة الاجتماعية تشرف عليها الحكومات وينظمها القانون وتحميها السلطات فعلى كل أمة شرقية اسلامية ان تعمل على ان تكون كل هذه المظاهر مما يتفق واداب الدين ويساير تشريع الإسلام واوامره

ان البغاء الرسمي مثلا لطخة عار في جبين كل أمة تقدر هذه الفضيلة، فما بالك بالأمم الإسلامية التي التي يفرض عليها دينها محاربة البغاء والضرب على يد الزناة بشدة:

“ولا تاخذكم بهما رافة في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"... النور:2”.

ان حانات الخمر في اظهر شوارع المدن وابرز احيائها، وتلك اللوحات الطويلة العريضة عن المشروبات الروحية، وهذه الاعلانات الظاهرة الواضحة عن ام الخبائث، مظاهر يأباها الدين ويجرمها القرآن الكريم أشد التحريم .

حاربوا الاباحية

ان هذه الاباحية المغرية والمتعة الفاتنة واللهو العابث في الشوارع والمجامع والمصايف، يناقض ما اوصى به الإسلام اتباعه من عفة وشهامة واباء وانصراف إلى الجد وابتعاد عن الاسفاف، فإن الله تعالى يحب معالي الامور ويكره سفاسفها ...

فكل هذه المظاهر واشباهها على الأمم الإسلامية، ان تبذل في محاربتها ومناهضتها كل ما في وسع سلطانها وقوانينها من طاقة ومجهود لا تني عن ذلك ولا تتواكل.

نظموا التعليم

إن لكل أمة وشعب اسلامي سياسة في التعليم وتخريج الناشئة وبناء رجال المستقبل الذين تتوقف عليهم حياة الأمة الجديدة، ومن هنا فيجب ان تبنى هذه السياسة على أصول حكيمة تضمن للناشئين مناعة دينية وحصانة خلقية ومعرفة باحكام دينهم واعتدادا بمجده الغابر وحضارته الواسعة .

هذا قليل من كثير من الاصول التي يريد الإخوان المسلمون ان ترعاها الأمم الإسلامية في بناء النهضة الحديثة،

وهم يوجهون دعوتهم هذه إلى كل المسلمين شعوبا وحكومات ...

ووسيلتهم في الوصول إلى تحقيق هذه الغايات الإسلامية السامية وسيلة واحدة:

أن يبينوا ما فيها من مزية واحكام حتى إذا ذكر الناس ذلك واقتنعوا بفائدته انتج ذلك عملهم له ونزولهم على حكمه:

“قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"... يوسف:108



انتفعوا باخاء إخوانكم

ينادي الإسلام ابناءه ومتبعيه فيقول لهم: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته إخوانا"... ال عمران:103”.

ويقول القرآن الكريم في آية اخرى: " إنما المؤمنون اخوة"... الحجرات:10”

وفي آية اخرى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض "... التوبة:71

ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: " وكونوا عباد الله إخوانا "

وكذلك فهم المسلمون الاولون رضوان الله عليهم من الإسلام هذا المعنى الاخوي واملت عليهم عقيدتهم في دين الله اخلد عواطف الحب والتالف وانبل مظاهر الاخوة والتعارف فكانوا رجلا واحدا وقلبا واحدا ويدا واحدة حتى امتن الله بذلك في كتابه فقال تبارك وتعالى:

“والف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم"... الانفال:63”.



تطبيق

وان ذلك المهاجر الذي كان يترك اهله ويفارق ارضه في مكة ويفر بدينه كان يجد امامه ابناء الإسلام من فتيان يثرب ينتظرون وكلهم شوق إلىه وحب له وسرور بمقدمه وما كان لهم سابق معرفة ولا قديم صلة وما ربطهم به وشيجة من صهر أوعمومة وما دفعتهم إلىه غاية أومنفعة، وانما هي عقيدة الإسلام جعلتهم يحنون إلىه ويتصلون به ويعدونه

جزءا من انفسهم وشقيقا لارواحهم وما هو الا ان يصل المسجد حتى يلتف حوله الغر الميامين من الاوس والخزرج كلهم يدعوه إلى بيته ويؤثره على نفسه ويفديه بروحه وعياله ويتشبث بمطلبه هذا حتى يؤول الأمر إلى الاقتراع حتى روى الامام البخاري ما معناه: ما نزل مهاجري على انصاري الا بقرعة

وحتى خلد القرآن للانصار ذلك الفضل ابد الدهر فما زال يبدو غرة مشرقة في جبين السنين في قول الله تبارك وتعالى:

“ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إلىهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون " الحشر:9

وعلى هذا درج ابناء الإسلام وخص الرعيل الاول ممن وجدت بين نفوسهم الاخوة الإيمانية لا فرق بين مهاجرهم وانصارهم ولا بين مكيهم ويمنيهم حتى اثنى الرسول على الاشاعرة من اهل إلىمن بقوله صلى الله عليه وسلم ما معناه ” نعم القوم الاشعريون إذا جهدوا في سفر أوحضر جمعوا ما عندهم فوضعوه في مزادتهم ثم قسموه بينهم بالسوية”.

وانت إذا قرات القرآن الكريم واحاديث النبي العظيم صلى الله عليه وسلم وطالعت سير الغر الميامين من ابناء هذا الدين رايت من ذلك ما يقر عينك ويملا سمعك وقلبك

اخوة تعلن الانسانية

ولقد اثمرت هذه العقيدة ثمرتين لابد لنا من أن نجنيهما ونتحدث إلىك عما فيهما من حلاوة لذة وخير وفائدة

فاما الاولى منها: فقد انتجت هذه العقيدة ان الفاتح الإسلامي لم يشبهه اي فتح في التاريخ ابدا، لا في غايته ولا في مسالكه وادارته ولا في نتائجه وفائدته، فان المستعمر المسلم انما كان يفتح الأرض حين يفتحها ليعلي فيها كلمة الحق وينير افقها بسنة القرآن الكريم،

فإذا اشرقت على نفوس اهلها شمس الهداية المحمدية، فقد زالت الفوارق ومحيت المظالم وشملها العدل والانصاف والحب والاخاء .

ولم يكن هناك فاتح غالب وخصم مغلوب ولكن إخوان متحابون متآلفون، ومن هنا تذوب فكرة القومية، وتنجاب كما ينجاب الثلج سقطت عليه اشعه الشمس قوية مشرقة، امام فكرة الاخوة الإسلامية التي يبثها القرآن في نفوس من يتبعونه جميعا.

ان ذلك الفاتح المسلم قبل ان يغزوا من غزا ويغلب من غلب قد باع اهله وتجرد من عصبيته وقوميته في سبيل الله، فهو لا يغزو لعصبية ولا يغلب لقومية ولا ينتصر لجنسية، ولكنه يعمل لله ، ولله وحده لا شريك له، وان أروع ما أوثر من الاخلاص في الغاية وتجريد النفس من الهوى ما جاء في الحديث الشريف ما معناه أن رجلا جاء إلى النبي فقال له يا رسول الله اني أحب ان اجاهد في سبيل الله وأحب أن يرى موقفي، فسكت النبي ولم يجبه فنزلت الآية الكريمة:

“فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا "... الكهف:110”.

أرايت كيف اعتبر الإسلام تطلع هذا الشخص إلى الثناء والمدح، وهما من طبائع النفوس شركا خفيا، يجب أن يتنزه عنه ويسمو بشرف الغاية النبيلة عنه.

وهل هناك أخلص من أن ينسى الانسان نفسه في سبيل غايته، وهل تظن ان رجلا يشترط عليه دينه، ان يتجرد من نفسه ويكبت عواطفها وميولها واهواءها حتى يكون جهاده خالصا لله وحده، يفكر بعد هذا في أن يجاهد لعصبية أويغزو لجنس أو قومية ... اللهم لا .

ان ذلك المغلوب الذي شاء له القدر ان يسعد بالإسلام ويهتدي به، ما ترك بلده وارضه لاجنبي عنه يتحكم فيها ويسخره تسخير العبد الذليل ويستاثر دونه بخيراتها، ولكنه ترك ما ترك لانه يخلطه بنفسه ويمزجه بروحه ويناديه باخلاص: لك ما لنا وعليك ما علينا... وكتاب الله تبارك وتعالى يفصل بيننا، فكلاهما فني في غايته وضحى في سبيل مبدئه وترك ما ترك ليعم الانسانية نور الله، وتسطع عليها شمس القرآن الكريم وفي ذلك تمام اسعادها وكمال رقيها لو كانوا يعلمون.



افق الوطن الإسلامي

اما الثمرة الثانية: فان الاخوة الإسلامية جعلت كل مسلم يعتقد أن كل شبر من الأرض فيه اخ يدين بدين القرآن الكريم قطعة من الأرض الإسلامية العامة التي يفرض الإسلام علي كل ابنائه ان يعملوا لحمايتها واسعادها، فكان من ذلك ان اتسع افق الوطن الإسلامي وسما عن حدود الوطنية الجغرافية والوطنية الدموية إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد الخالصة الصحيحة والحقائق التي جعلها الله للعالم هدى ونورا...

والإسلام حين يشعر ابناءه بهذا المعنى ويقرره في نفوسهم يفرض عليهم فريضة لازمة لحماية أرض الإسلام من عدوان المعتدين وتخليصها من غصب الغاصبين وتحصينها من مطامع المتعدين



طريق طويلة

أرجو أن تكون هذه الكلمات المتتالىات في بيان دعوة الإخوان المسلمين قد كشفت للقراء عن غايتهم، وأبانت لهم ولو إلى حد ما عن مناهجهم في السير إلى هذه الغاية ..

وقد تحدثت من قبل إلى إخواننا الغيورين على الإسلام ومجده حديثا طويلا، هو اشبه بهذه الكلمات التي رآها القراء تحت عنوان: إلى اي شيء ندعو الناس

ولقد أصغى إلي، من حدثتهم اصغاء مشكورا، وكنا نتفهم القول تباعا أولا بأول، حتى خرجنا من المحادثة مقتنعين تماما بشرف الغاية ونجاح الوسيلة

وكم كانت دهشتي عظيمة حين رأيت منهم شبه اجماع على أن هذه السبيل مع التسليم بنجاحها طويلة، وان التيارات الجارفة الهدامة في البلد قوية مما يجعل اليأس يدب إلى القلوب، والقنوط يستولي على النفوس.

وحتى لا يجد القراء الكرام هذا الشعور الذي وجده اولئك المتحدثون من قبل، أحببت ان تكون هذه الكلمات مفعمة بالامل فياضة بإلىقين في النجاح ان شاء الله، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وسأحصر الموضوع في نظرتين ايجابيتين:



نظرة اجتماعية

يقول علماء الاجتماع إن حقائق اليوم هي أحلام الأمس، واحلام اليوم هي حقائق الغد، وتلك نظرة يؤيدها الواقع ويعززها الدليل والبرهان بل هي محور تقدم الانسانية وتدرجها مدارج الكمال.

فمن ذا الذي كان يصدق أن يصل العلماء إلى ما وصلوا إلىه من المكتشفات والمخترعات قبل حدوثها ببضع سنين، بل ان أساطين العلم انفسهم انكروها لاول عهدهم بها، حتى اثبتها الواقع وايدها البرهان والأمثال على ذلك كثيرة، وهي من البداهة بحيث يكفينا ذلك عن الاطالة بذكرها .



نظرة تاريخية

ان نهضات الأمم جميعا انما بدات على حال من الضعف يخيل للناظر إلىها أن وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال.

ومع هذا الخيال فقد حدثنا التاريخ ان الصبر والثبات والحكمة والاناة وصلت بهذه النهضات الضعيفة النشاة القليلة الوسائل إلى ذروة ما يرجوه القائمون بها من توفيق ونجاح

ومن ذا الذي كان يصدق ان الجزيرة العربية، وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة، تنبت النور والعرفان وتسيطر بنفوذ ابنائها الروحي والسياسي على اعظم دول العالم .

ومن ذا الذي كان يظن ان ابا بكر صاحب القلب الرقيق اللين وقد انتفض الناس عليه وحار انصاره في أمرهم، يستطيع ان يخرج في يوم واحد احد عشر جيشا تقمع العصاة وتقوم المعوج وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين، وتستخلص حق الله في الزكاة من المانعين.

ومن ذا الذي كان يظن ان صلاح الدين الايوبي يقف الاعوام الطوالن فيرد ملوك أوروبا على اعقابهم مدحورين مع توافر عددهم وتظاهر جيوشهم، حتى اجتمع عليه خمسة وعشرون ملكا من ملوكهم الاكابر؟.



هل هناك طريق اخرى؟

وثم نظرتان سلبيتان تحدثان النتيجة بعينها وتوجهان قلب الغيور إلى العمل توجيها صحيحا

اولاهما: ان هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء النهضات بناء صحيحا ...

وثانيتهما: ان العامل يعمل لاداء الواجب اولا ثم للاجر الاخروي ثانيا ثم للافادة ثالثا

وهو إن عمل فقد ادي الواجب وفاز بثواب الله ما في ذلك من شك متى توفرت شروطه، وبقيت الافادة وأمرها إلى الله ... فقد تاتي فرصة لم تكن في حسابه تجعل عمله يأتي بأبرك الثمرات، على حين انه إذا قعد عن العمل فقد لزمه اثم التقصير وضاع منه أجر الجهاد وحرم الافادة قطعا

فاي الفريقين خير مقاما واحسن نديا

وقد اشار القرآن الكريم إلى ذلك في صراحة ووضوح في الآية الكريمة: " وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا، قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون"... الاعراف:164-165”.



هل نحن قوم عمليون؟

قد أجبنا في الرسالة السابقة إلى أي شئ ندعو الناس”عن سؤال يتردد كثيرا علي أفواه كثير من الناس، فهم كانوا يسألون دائما كلما دعاهم داع إلى تشجيع جماعة الإخوان المسلمون، وإلى أي شيء تدعو جماعة الإخوان المسلمون

واحسبني أوضحت مبادئ هذه الدعوة بما يجعل الجواب علي هذا السؤال واضحا لا لبس فيه ولا غموض،

واظنني اجملت لهؤلاء السائلين مبادئ هذه الدعوة في الكلمة الأولى ثم فصلتها في الكلمات التي تلتها فلم يبق عذر للذي يريد أن يتعرف على حقيقة دعوة الإخوان إجمالا وتفصيلا...

سؤال مهم وأصناف سائليه

وبقي سؤال آخر يتردد كثيرا علي أفواه الناس كذلك كلما دعاهم داع إلى تشجيع هذه الجماعة التي تداب علي العمل ليل نهار لا تبتغي من احد جزاء ولا شكورا، ولا تعمل إلا لله وحده، ولا تعتمد في خطواتها، إلا علي تأييده ونصره ، وما النصر إلا من عند الله، وشعار كل عامل من العاملين: ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت وإلىه انيب هذا السؤال الآخر، ان يقول لك ذلك الذي تدعوه في استهانة وإعراض غالبا:

هل هذه الجماعة جماعة عملية وهل أعضاؤها قوم عمليون

وهذا السائل أحد أصناف من الناس …

إما شخص متهكم مستهتر لا يعنيه الا أمر نفسه، ولا يقصد من القاء هذا السؤال، الا ان يهزا بالجماعات والدعوات والمبادئ والمصلحين، لانه لا يدين بغير مصلحته الشخصية، ولا يهمه من أمر الناس إلا الناحية التي يستغلهم منها لفائدتهم فقط.

أو هو شخص غافل عن نفسه وعن الناس جميعا فلا غاية ولا وسيلة ولا فكر ولا عقيدة.

واما شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل والعبارات وارسال الالفاظ فخمة ضخمة، ليقول السامعون إنه عالم، وليظن الناس أنه علي شئ وليس هو علي شئ، وليلقي في روعك أنه يود العمل ولا يقعده عن مزاولته إلا أنه لا يجد الطريق العملي إلىه، وهو يعلم كذب نفسه في هذه الدعوى وانما يتخذها ستارا يغطي به قصوره وخوره وأنانيته واثرته.

واما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذرا للقعود بالعلة للخمول والمكسلة وسببا للانصراف عن العمل للمجموع ...

وآية ذلك عند هؤلاء جميعا، انك إذا فاجاتهم بالطريق العملي واوضحت لهم مناهج العمل المثمر، واخذت بابصارهم واسماعهم وعقولهم وايديهم إلى الطريق المستقيم، لووا رؤوسهم وحاروا في أمرهم، واسقط في ايديهم، وظهر الاضطراب والتردد في الفاظهم وحركاتهم وسكناتهم، واخذوا ينتحلون المعاذير ويرجئونك إلى وقت الفراغ، ويتخلصون منك بمختلف الوسائل، بعد أن يكونوا امضوك اعتراضا واجهدوك نقاشا ومحاوره، ورايتهم بعد ذلك يصدون وهم مستكبرون ...

وانما مثلهم في ذلك كالذي حدثوا أن رجلا اعد سيفا قاطعا ورمحا نافذا وعدة وسلاحا، وأخذ كل ليلة ينظر إلىها ويتحرق اسفا لانه لا يرى خصما امامه، يظهر في نزاله براعته ويؤيد بحربه شجاعته، فأرادت إمراة ان تختبر صدق قوله فايقظته ذات ليلة مع السحر ونادته بلهجة المستغيث: قم ابا فلان فقد طرقتنا الخيل ... فاستيقظ فزعا تعلوه صفرة الجبن، وتهز أوصاله رعدة الخوف، واخذ يردد في ذهول واضطراب: الخيل.. الخيل..

لا يزيد على ذلك ولا يحاول أن يدفع عن نفسه، وأصبح الصبح وقد ذهب عقله خوفا واشفاقا وطار لبه وجلا ورعب،ا وما نازل خصما ولا رأى عدوا، وذلك كما قال القائل:

وإذا ما خلا الجبان بارض طلب الطعن وحده والنزالا

بل كما قال الله تبارك وتعالى:“رقد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلىنا ولا ياتون الباس إلا قليلا ، أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إلىك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد اشحة على الخير، اولئك لم يؤمنوا فأحبط الله اعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا "... الاحزاب:18-19

وليس لنا مع هذا الالوان من الناس قول وليس لهم عندنا جواب غلا ان نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين

وما لهؤلاء كتبنا ولا اياهم خاطبنا، فلقد املنا فيهم الخير طويلا، انخدعنا بمعسول دعاويهم وعذب الفاظهم حينا، ثم تكشف أمرهم عن وقت اضيع ومجهود عقيم وتعويق عن الطريق، وراينا منهم ضروبا والوانا واصنافا واشكالا جعلت النفس لا تركن إلىهم ولا تعتمد في شان من الشؤون مهما كان صغيرا، عليهم .

وهناك صنف آخر من الناس قليل بعدده كثير بجهده، نادر ولكنه مبارك ميمون، يسألك هذا السؤال، إذا دعوته المشاركة والتشجيع بغيرة واخلاص ... إنه غيور تملا الغيرة قلبه، عامل يود لو علم طريق العمل المثمر ليندفع فيها مجاهدا، ولكنه لا يرى الميدان الذي تظهر فيه بطولته ... خبر الناس ودرس الهيئات وتقلب في الجماعات فلم يرى ما يملأ نفسه ويشبع نهمته ويسكن فؤاده ويقر شعوره ويرضي يقظة ضميره، ولو رآه لكان أول الصف ولعد في الميدان بالف، ولكان في حلبة العاملين سابقا مجليا سائل الغرة ممسوح الجبين ....

هذا الصنف هو الحلقة المفقودة والضالة المنشودة ، وإننا على ثقة من أنه إن وقع في اذنه هذا النداء وتلقى فؤاده هذا النجاء لن يكون الا احد الرجلين:

اما عامل مع المجدين

واما عاطف من المحبين

ولن يكون غير ذلك أبدا فهو إن لم يكن للفكرة فلن يكون عليها

ولهذا الصنف نكتب وإياه نخاطب ومعه نتفاهم.

وان الله وحده هو الذي يختار جنده وينتخب صفوة العاملين له: " انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين"... القصص:56

ولعلنا نوفق إلى ما قصدنا إلىه والله يقول الحق وهو يهدى السبيل



للغيورين من أبناء الإسلام

لهذا الصنف الكريم المعادن النفيس الجواهر العالى الهمة النبيل النفس، الذي يود العمل ويتمناه ويقعد به عن تحقيق امنيته قول القائل:

وزهدي في الناس معرفتي بهم وطول اختباري صاحبا بعد صاحب

فلم ترني الأيام خلا تسرني مباديه الا ساءنى في العواقب

نقول: انت الآن امام دعوة جديدة وقوم ناشئين يدعونك إلى العمل معهم والانضمام إلىهم والسعي بجوارهم، إلى الغاية التي هي امل كل مسلم ورجاء كل مؤمن ... ومن حقك أن تسأل عن مدي وسائلهم العملية، ومن واجبك أن تتحرى وتتفقه فيما يدعونك إلىه،

ولقد اعجبني من صديق دعوته إلى جماعتنا، انه كان يراجعني في كل كلمه، ويقف امام كل عبارة، ويناقش كل وسيله، حتى إذا اقتنعت نفسه، قال كلمته، فما زالت مرعية الجانب محققه المعني واضحة الأثر، وما زال هو العامل المجد إلى الان وارجو أن يظل كذلك بحول الله تعالى

ولكنا مع هذا نسوق لمثل هذا الأخ الكريم هذه الملاحظات: –

ألا يرى الأخ معنا أن الأجدر بنا بدل ان نسأل هذا السؤال، أن ندخل ضمن الجماعة ونعمل مع العاملين فيها ونلقى بدلونا بين الدلاء، فان راينا خيرا فذلك، وان كانت الاخرى، فطريق الانفصال واضحة .. ولا سيما إذا كان الباب على مصراعيه لمن يدخل أو يخرج، وكانت اعمال الجماعة جلية على المكشوف كما يقولون لا خفاء بها ولا سر فيها...

ولقد حدثوا ان النحويين اختلفوا فيما بينهم على عدد ابيات الفية ابن مالك، فكان هذا الخلاف مثار جدل عنيف لم يوصلهم إلى شيء، حتى تدخل أحد عقلائهم، فاحضر نسخة منها وقال: ها هي، عدوها واتفقوا …

فكان في ذلك حسم الخلاف

هذه جماعة الإخوان يا عزيزي في كل مكان تنادي الناس وتفتح لهم قلبها وبابها وناديها

فهلم فإن رايت ما تحب فعلى بركة الله، وإن لم تر ذلك، فقل كما قال بشار:

إذا انكرتني بلدة أو نكرتها خرجت مع البازي على سواد

أو لا يرى الأخ معنا، أن الجماعات هي الافراد منضمة، فإذا كان كل فرد يسال هذا السؤال فاين الجماعة اذن، هذه خدعة عقلية يقع فيها كثير من الناس، فانت إذا شئت أن تعرف الكرسي قلت هو جسم يتركب من مقعد ومسند واربع ارجل، ولكن ألست ترى أن هذه خديعة وإن ذلك ليس بصحيح، فهل الجسم غير هذه الثلاثة، وإذا جردت الكرسي من ارجله ومقعده ومسنده، فهل يبقي هناك جسم أو أثر يصح ان تطلق عليه صفة الوجود فضلا عن الصفات الاخرى؟

كذلك يخدع الناس أنفسهم في قضية الجماعات والافراد، فهم يظنون ان الجماعات شيء والافراد شيء، وما الجماعات في الحقيقة إلا أفراد، وما الافراد الا حقائق الجماعات، ولبنات بنائها، فإذا تنافرت هذه اللبنات واخذ كل فرد يسال عن الجماعة… فأين الجماعة إذن، ومن السائل ومن المسئول، وإنما أوقعنا في هذه الورطة، ما عودناه من خلق التواكل الذي جعلنا نترك العبء كله لفرد واحد أو يدفعه كل منا على اخيه، فلا يزال مهملا لا يستقر على حال ولا ينهض به أحد، وها أنا ذا اصارح كل الغيورين من أبناء الإسلام، بأن كل جماعة اسلامية في هذا العصر محتاجة اشد الحاجة إلى الفرد العامل المفكر، إلى العنصر الجريء المنتجن فحرام على كل من آنس من نفسه شيئا من هذا، أن يتأخر عن النفير دقيقة واحدة ...

أو لا يرى أيده الله وأيد به، إن عليه أن يدخل إلى الجماعة التي تدعوه، فإن وجدها عملية كما يحب قرت عينه وفرحت نفسه ... وإن لم يجدها كذلك، حملها بوضوح شخصيته وقوة تاثيره على ما يجب من وسائل العمل، فإن لم تستقم له، كان قد اعذر إلى ربه ونفسه ولعلهم يتقون ...

ولاسيما إذا كان الذين يوجهون إلىه هذه الدعوة، قوم يعلمون أن فوق كل ذي علم عليم، وأن لكل ذي رأى، حقا في إبداء رأيه، وان المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أصح الناس رأيا وأنضجهم فكرا وأكبرهم عقلا، أخذ براي الحباب في بدر، وبرأي سلمان في الخندق... وهم يفرحون بكل من يأخذ بفكرتهم إلى وسائل العمل الصحيح ...

أو لا يرى الأخ كذلك، انه ان كان قد جرب مرة أو مرتين أ وفوق ذلك، فان ذلك لا ييئسه، ومن واجبه ان يعاود الكره مرات حتى يظفر بامنيته ويصادف بغيته، فانه إن قنط ، فاته بذلك خير كثير ... كالذي حدثوا ان صيادا ظفر بسمكه كبيرة، ثم راى في قاع الماء صدفة ظنها لؤلؤه، فترك السمكة واخذ الصدفة، فلما رآها ندم على ما فرط منه... ثم وقع له حوت صغير وعرضت لؤلؤة ظنها صدفة، فاعرض عنها وقنع بحوته، ففاته خير كثير

هذه ملاحظات نتقدم بها إلى الذين يريدون أن يعملوا للاسلام من أبنائه الغيورين وهي جديرة بالنظر فيما نعتقد

وندعوهم بدعوة الإخوان المسلمين، فعليهم أن يجربوا ولا يتواكلوا، ويندمجوا، فان وجدوا صالحا شجعوه، وان وجدوا معوجا أقاموه، ولاتكن تجربتهم حائلا بينهم وبين التقدم، ونامل ان يروا من الإخوان ما تقر به أعينهم، إن شاء الله تعالى..

وإنا موجزون بعض ذلك في الكلمات التالىة.



مؤسسات ومشاريع

يعتقد كثير من إخواننا، ان الجماعة العملية هي التي تقوم بعمل المشروعات العامة النافعة، وتترك في مقرها اثرا خالدا من المؤسسات المفيدة، وسنجاريهم في هذا المقال ونزن “جماعة الإخوان المسلمين ” بهذا الميزان... ولنا في الكلمات التإلىة ان شاء الله تعالى ميزان آخر نزن به جماعتنا، ونقدر به الجهود العملية ... وكلا وعد الله الحسنى

انتشرت فكرة الإخوان المسلمين فيما يزيد علي خمسين بلدا من بلدان القطر المصري وقامت في كل بلد من هذه البلدان تقريبا بمشروع نافع أو مؤسسة مفيدة ... فانت تراها في الاسماعيلية قد اسست مسجد الإخوان المسلمين ونادي الإخوان المسلمين وأنشأت معهد حراء الإسلامي لتعليم البنين ومدرسة ام المؤمنين.

وفي شبراخيت قد اسست كذلك مسجد الإخوان ونادي الإخوان ومعهد حراء، واقامت بجوار هذه العمارة الفخمة، دارا للصناعة يتعلم فيها طلبه المعهد الذين لا يستطيعون اتمام التعليم، وتريد الجمعية ان تهيئ لهم سبيل الحياة العملية بتخريجهم صناعا مثقفين وعمالا مهذبين.

وفي محمودية البحيرة قامت بمثل ذلك، فأنشات منسجا للنسيج والسجاد إلى جوار معهد تحفيظ القرآن بدار نادي الإخوان المسلمين الرحيب

وفي المنزلة دقهلية معهد لتحفيظ القرآن ظهرت ثمرته رغم قصر المدة وها هو يقدم لنا حفاظا متقنين في هذه الفترة الوجيزة التي انشئ فيها.

وقل مثل ذلك أو بعضه ولا لزوم للتكرار في كل شعبة من شعب الإخوان المسلمين المنتشرة في انحاء القطر المصري من ادفو إلى الاسكندرية.

وفي كثير من جمعيات الإخوان المسلمين تجد لجانا تطوعت للمصالحات بين الأفراد والأسر المتخاصمة يجري الله علي يديها خيرا كثيرا ويحل بها من المشاكل ما شغل القضاء مدة طويلة.

وفي كثير منها لجان للصدقات تتفقد البائسين والمعوزين في المواسم والاعياد وغيرها وتحاول بذلك القيام بواجب رعاية هؤلاء من جهة، ورد غائلة ذئاب المبشرين عنهم من ناحية اخري.

وفي كثير منها لجان للوعظ والتذكير في المجتمعات التي لا يظن أن تكون مجامع وعظ كالمقاهي والاندية العامة وحفلات الأفراح والتعزية ونحوها.

وفي كثير منها ولا سيما في النواحي القروية لجان تطوعت للاشراف علي المرافق العامة في القرية من ترميم المساجد وتنظيف الشوارع واضاءة الطرقات والسعي في ايجاد المشافي المتنقلة وما إلى ذلك من كل ما يعود علي القرية بفائدة في دينها ودنياها.

وفي كثير منها لجان لمحاربة العادات الفاسدة والجهالات المنتشرة في البيئات البعيدة عن مناهل العلم كالزار ونحوه

وإلى جانبها لجان لاحياء السنن والفرائض التي نسيها الناس بالعمل لا بالقول: كجمع زكاة الحبوب في مخزن خاص وتوزيعها بمعرفة الجماعة علي المستحقين بدون محاباة ولا تحيز كما فعلت ذلك دائرة الإخوان ببرمبال القديمة مثلا..

وفي القاهرة انشأت “جريدة الإخوان المسلمين ” الاسبوعية ولم تمض فترة وجيزة قليلة حتى وجدت إلى جانبها “مطبعة الإخوان المسلمين ” وكل ذلك في وقت لم يتجاوز عاما..

ولقد كان لجماعة الإخوان المسلمين في حركة التبشير الاخيرة بل في كل وقت عمل جليل في دفع خطر التبشير عن المستضعفين والفقراء وابناء الأمة، فبيوت الإخوان لايوائهم، ودور صناعاتهم مستعدة لتعليمهم، ومدارسهم ترحب بقبولهم ولجانهم تحذر الناس من شرور هؤلاء المضللين الذين يخادعون الناس عن عقائدهم ويستغلون الفقر والمرض في اضلالهم واذلالهم ...

تلك بعض آثار جماعة الإخوان المسلمين العملية، ولا أذكر لك الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات، فلعل هذه في عرف الناس وسائل قولية، وقد قلنا حتى مللنا القول، وتكلمنا حتى سئمنا الكلام، ولم يبق الا ان نعمل ..

ولعلك تعجب حين تعلم أن جماعة الإخوان المسلمين التي قامت بهذه الاعمال العظيمة لم تاخذ اعانة حكومية مرة من المرات ولم تستعن بمال هيئة من الهيئات، اللهم إلا خمسمائة جنيه تبرعت بها شركة قناة السويس للجماعة بمناسبة عمارة المسجد والمدرسة بالاسماعيلية..

وان الناس ليتقولون كثيرا وليظنون وبعض الظن اثم ولينطقون بما ليس لهم به علم وما علينا في ذلك من باس، وحسبنا أن يعلم الله إن ذلك بتوفيقه، وأنها اموال الإخوان الخاصة انفقت باخلاص فاثمرت وبوركت واتت اكلها كل حين باذن ربها، وحسبنا أن نقول لهم في عبارة صريحة واضحة نتحدى بها كل انسان وكل هيئة وكل شخص كائنا من كان:

إن جماعة الإخوان المسلمين لم تستعن في مشروعاتها بغير أعضائها، وهي بذلك جد فخورة تجد لذة التضحية ونشوة الفرح بالإنفاق في سبيل الله

ولعلك تعجب كذلك إذا علمت أن الاشتراك المالي في جماعة الإخوان المسلمين اختياري لا إجباري، وان العضو الذي يتخلف عن دفع الاشتراك لا ينقض ذلك من حقوق اخوته شيئا... ومع أن هذا نص صريح في القانون الاساسي للجماعة، فان الإخوان جزاهم الله خيرا يبادرون إلى التضحية في سبيل الله إذا دعاهم إلىها داعي الواجب، ويأتون في ذلك بالعجب العاجب واسمع احدثك ...

في بناء مسجد الاسماعيلية دعاهم رئيسهم إلى التبرع، فقام احد الاعضاء الصناع بالوعد بالتبرع بجنيه ونصف، وبعد ثلاثة أيام وهو صانع فقير، لم يستطع أن يوفر هذا المبلغ، فأراد ان يقترض ولكن أبت نفسه، وحاول الحصول على هذا المبلغ من غير هذا الباب، فلم يجد السبيل ميسرة.. ولم يبق امامه ، إلا ان يبيع دراجته التي يركبها من محل عمله إلى منزله وبينهما ستة كيلو مترات، وفعلا انفذ الفكرة واحضر المبلغ في نهاية الموعد تماما فجمع بين الوفاء بموعده والقيام بتبرعه..

ولاحظ رئيس الإخوان أنه صار يتاخر عن درس العشاء ولا يدركه إلا بشق النفس، وسأله عن ذلك، فلم يجب، فاجاب عنه صديق عرف سره، واخبر الرئيس انه باع عجلته ليفي بتبرعه، واصبح يعود علي رجليه، فيتاخر عن الدرس

واكبر الرئيس والإخوان هذه الهمة وحيوا فيه هذه الاريحية واقروا تبرعه كما هو واكتتبوا له في دراجة جديدة خير من دراجته لتكون عنده ذكرى الاعجاب بهذا الوفاء

بمثل هذه النفوس التي تمت بصلة إلى نفوس السابقين الأولين من رجال الإسلام الغر الميامين، نهضت فكرة الإخوان المسلمين ونجحت مؤسساتهم وتمت مشروعاتهم... انهم فقراء ولكنهم كرماء... انهم قليلو المال ولكنهم اسخياء النفوس، فهم يجودون بالكثير من هذا القليل، فيكون كثيرا، وتباركه نعمة الله فياتي بالخير العميم

ولعلي بهذه الناحية قد كشفت ناحية غمضت علي بعض الذين رأوا جهود الإخوان، فلم يجدوا لنجاحهم سرا، إلا أن يتهموهم باستجداء الهيئات وخدمة المصالح والاغراض، وهم والحمد لله من ذلك برءاء

وأما بعد، فهي صفحة من صفحات جهاد الإخوان المسلمين العملي، نتقدم بها إلى الذين يريدون ان يزنوا الجماعة بميزان المؤسسات والمشروعات ...

والإخوان دائبون في ان تصبح هذه الصفحة صفحات، يتالف منها ان شاء الله تبارك وتعالى كتاب من اعمال الخير البريئة النزيهة الخالصة لوجه الله تبارك وتعالى...



اعداد الرجال

رايت في السطور السابقة، ان “جماعة الإخوان المسلمين” كانت في طليعة الجمعيات المنتجة من حيث المشروعات العامة والمؤسسات النافعة...ن مساجد ومدارس ولجان خير وبر ودروس ومحاضرات وخطب وعظات واندية يتناوبها القول والفعل.

ولكن الأمم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة وتجتاز دور انتقال خطير وتريد أن تبني حياتها المستقبلية على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهة والهناءة، وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب، في حاجة إلى بناء آخر غير هذه الأبنية …

إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الاخلاق وطبع ابنائها على خلق الرجولة الصحيحة حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا علي ما يعترضهم من مصاعب.

ان الرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها، وان تاريخ الأمم جميعا، انما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الاقوياء النفوس والارادات ...

وان قوة الأمم أو ضعفها، انما تقاس بخصوبتها في انتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة

واني اعتقد والتاريخ يؤيدني، ان الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة، إن صحت رجولته ... وفي وسعه أن يهدمها كذلك، إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء.

وان الأمم تجتاز ادوار من الحياة كتلك الادوار التي يجتازها الافراد علي السواء:

فقد ينشا هذا الفرد بين ابوين مترفين امنين ناعمين فلا يجد من مشاغل الحياة ما يشغل باله ويؤلم نفسه ولا يطالب بما يرهقه أو يضنيه ... وقد ينشا الفرد الاخر في ظروف عصبيه وبين ابوين فقيرين ضعيفين فلا يطلع عليه فجر الحياة حتى تتكدس علي راسه المطالب وتتقاضاه الواجبات من كل جانب وسبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامسة ..

وقد شاءت لنا الظروف ان ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم الأمم فيه بالمناكب، وتتنازع البقاء اشد التنازع، وتكون الغلبة دائما للقوي السابق.

وشاءت لنا الظروف كذلك أن نواجه نتائج أغالىط الماضي ونتجرع مرارتها، وأن يكون راب الصدع وجبر الكسر وانقاذ انفسنا وابنائنا، واسترداد عزتنا ومجدنا، واحياء حضارتنا وتعاليم ديننا،

وشاءت لنا الظروف كذلك ان نخوض لجة عهد الانتقال الاهوج حيث تلعب العواصف الفكرية والتيارات النفسية والأهواء الشخصية بالافراد وبالأمم وبالحكومات وبالهيئات وبالعالم كله، وحيث يتبلل الفكر وتضطرب النفس ويقف الربان في وسط اللجة يتلمس الطريق ويتحسس السبيل وقد اشتبهت عليه الاعلام وانطمست امامه الصور ووقف علي راس كل طريق داع يدعوا إلىه في ليل دامس معتكر، وظلمات بعضها فوق بعض حتى لا تجد كلمة تعبر بها عن نفسية الأمم في مثل هذا العهد أفضل من “الفوضى”.

كذلك شاءت لنا ظروفنا، أن نواجه كل ذلك وأن نعمل على انقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية، وأن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا وتنهض لمهمة كمهمتنا وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها لا ينفعها ان تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالأمال والاماني.

وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد: بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والادعياء المزيفين ...

وان عليها أن تعلم إن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء، وليس مع الجهاد راحه حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى ...

وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والاقدام عند الملمات وبغير ذلك تغلب علي أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.

ومع ان ظروفنا هي ما علمت، فان نفوسنا لا تزال تلك النفوس الرخوة اللينة المترفة الناعمة التي تجرح خديها خطرات النسيم ويدمى بنانها لمس الحرير ...

وفتياتنا وفتياننا هم عدة المستقبل ومعقد الامل لا يزال حظ احدهم أو إحداهن مظهرا فاخرا أو اكلة طيبة أو حلة انيقة أو مركبا فارها أو وظيفة وجيهة أو لقبا اجوف، وان اشتري ذلك بحريته، وان انفق عليه من كرامته، وان اضاع في سبيله حق امته ...

وهل رايت اولئك الشبان الذين تنطق وجوههم بسمات الفتوة وتلوح على محياهم مخايل النشاط ويجرى في قسماتهم ماء الشباب المشرق الرقراق، وهم يتألمون على أبواب رؤساء المصالح والدواوين بأيديهم طلبات الوظائف، وهل رايتهم يتوسلون بالصغير والكبير ويرجون الحقير والامير ويوسطون حتى سعاة المكاتب وحجاب الوزارات في قضايا المارب وقبول الطلبات..

هل تظن يا عزيزي القارئ إن هذا الشباب إذا اسعفه الحظ وتحقق له الامل، التحق بوظيفة من هذه الوظائف الرسمية يفكر يوما من الأيام في تركها أو التخلي عنها في سبيل عزة أو كرامة وان سيم الخسف وسوء العذاب

نفوسنا الحالىة في حاجة إلى علا ج كبير وتقويم شامل واصلاح يتناول الشعور الخامد والخلق الفاسد والشح المقيم

إن الآمال الكبيرة التي تطوف برؤوس المصلحين من رجالات هذه الأمة والظروف العصيبة التي نجتازها تطالبنا بالحاح بتجديد نفوسنا وبناء أرواحنا بناء غير هذا الذي ابلته السنون واخلقته الحوادث، وذهبت الأيام بما كان فيه من مناعة وقوة وبغير هذه التقوية الروحية والتجديد النفسي لا يمكن أن نخطو إلى الامام خطوة.

إذا علمت هذا وكنت معي ان هذا المقياس أصح وادق في نهضات الأمم والشعوب، فاعلم ان الغرض الاول الذي ترمى إلىه جمعيات الإخوان المسلمين التربية الصحيحة: تربية الأمة على النفس الفاضلة والخلق النبيل السامي وايقاظ ذلك الشعور الحي الذي يسوق الأمم إلى الذود على كرامتها والجد في استرداد مجدها وتحمل كل عنت ومشقة في سبيل الوصول إلى الغاية.

ولعلك تسال بعد هذا:

وما الوسائل التي اتخذها الإخوان المسلمين لتجديد نفوسهم وتقويم اخلاقهم؟

وهل جرب الإخوان هذه الوسائل، وإلى أي مدى نجحت تجربتهم ؟...



تحديد الوسيلة واعتماد المبدا

علمت ايها القارئ الكريم، أن الإخوان المسلمين يقصدون اول ما يقصدون إلى تربية النفوس وتجديد الارواح وتقوية الاخلاق وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة

ويعتقدون ان ذلك هو الاساس الاول الذي تبنى عليه نهضات الأمم والشعوب

وقد استعرضوا وسائل ذلك وطرائق الوصول إلىه فلم يجدوا فيها أقرب ولا أجدى من الفكرة الدينية، والاستمساك بأهداب الدين.. الدين الذي يحيى الضمير ويوقظ الشعور وينبه القلوب ويترك مع كل نفس رقيبا لا يغفل وحارسا لا يسهو وشاهدا لا يجامل ولا يحابى ولا يضل ولا ينسى، يصاحبها في الغدوة والروحة والمجتمع والخلوة، ويراقبها في كل زمان ويلاحظها في كل مكان ويدفعها إلى الخيرات دفاعا، ويدعها عن الماثم دعا، ويجنبها طريق الذلل ويبصرها سبيل الخير والشر: " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون" الزخرف:80

الدين: الذي يجمع اشتات الفضائل ويلم اطراف المكارم ويجعل لكل فضيلة جزاء ولكل مكرمة كفاء، ويدعو إلى تزكية النفوس والسمو بها وتطهير الارواح وتصفيتها " قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها" ... الشمس:9-10

الدين: الذي يدعو إلى التضحية في سبيل الحق والفناء في ارشاد الخلق ويضمن لمن فعل ذلك اجزل المثوبة ويد لمن سلك هذا النهج احسن الجزاء ويقدر الحسنة وان صغرت ويزن السيئة وان حقرت ويبدل الفناء في الحق خلودا والموت في الجهاد وجودا “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون "... ال عمران:169

" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين"... الانبياء:47

الدين: الذي يشتري من المرء هذه الاغراض الدنيوية وتلك المظاهر المادية بسعادة تمتلئ بها نفسه ويهنا بها قلبه من فضل الله ورحمته ورضوانه ومحبته " ما عندكم ينفد وما عند الله باق"... النحل:96”

الدين: الذي يجمع كل ذلك ثم هو بعد يصافح الفطرة ويمازج القلوب ويخالط النفوس فيتحد بها وتتحد به ويتخلل ذرات الارواح ويساير العقول فلا يشذ عنها ولا تنبو عنه يهش له الفلاح في حقله ويفرح به الصانع في معمله ويفهمه الصبي في مكتبه ويجد ويجد لذته وحلاوته العالم في بحوثه ويسمو بفكرته الفيلسوف في تاملاته

وهل رايت على نفوس البشر سلطانا أعلى من الدين

وهل رايت في تاريخ البشرية اعظم تاثيرا في حياة الأمم والشعوب منه

وهل رايت للفلاسفة والعلماء ما كان من التاثير البليغ للمرسلين والانبياء.



لا وابيك فانما الدين قبس من روح الله السارية في ذرات هذه النفوس وفطرها يضئ ظلامها وتشرق بنوره وياوي إلىها فتهش له فإذا تمكن منها كان كل شئ له فداء:

“قل ان كان اباؤكم وابناؤكم وإخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إلىكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين"... التوبة:24

الدين: الذي يسمو بقدسيته وجلاله فوق كل نفس ويعلو علي كل راس ويجل عن الاختلاق ويتنزه عن التقليد والمحاكاة فيوحد بذلك بين القلوب ويؤلف بين النفوس ويقطع مادة النزاع ويحسم اصول الخلاف، ويزيد ذلك ثباتا وقوة بتوجيه القلوب إلى الله وحده، وصرف النفوس عن الاغراض والمطامع والشهوات واللذائذ، والسمو بالمقاصد والاعمال إلى مراتب المخلصين الصادقين الذين يبتغون بعملهم وجه الله لا يرجون من ورائه جزاء ولا شكورا " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا إلىك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"... الشورى:13”

الدين: الذي يسمو بالوفاء إلى درجة الشهادة ويعده فريضة يسال بين يدي الله عنها ، وفضيلة يتقرب بها إلى الله بها، ودليلا علي الرجولة الكاملة والعزيمة الصادقة "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ليجزي الله الصادقين بصدقهم"... الاحزاب:23-24

الدين:مجتمع الفكرة الصائبة ومعقد الامال المتشعبة ورمز الاماني الفردية والاجتماعية والقومية والعالمية وذلك تعبير له تعبير " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون "... المنافقون:8

راى قوم ان يصلحوا من اخلاق الأمة عن طريق العلم والثقافة

وراى اخرون ان يصلحوه عن طريق الادب والفن

وراي غيرهم ان يكون هذا الاصلاح عن طريق اسإلىب السياسة وسلك، غير هؤلاء طريق الرياضة

وكل اولئك اصابوا في تحديد معاني هذه الالفاظ أواخطاوا وسددوا أوتباعدوا، وليس هذا مجال النقد والتحديد

ولكن اريد ان اقول ان الإخوان المسلمين راوا أن افعل الوسائل في اصلاح نفوس الأمم: الدين”.

وراوا إلى جانب هذا ان الدين الإسلامي جمع محاسن كل هذه الوسائل وبعد عن مساوئها فاطمانت إلىه نفوسهم وانشرحت به صدورهم وكان اول وسائلهم العملية في تطهير النفوس وتجديد الارواح:

تحديد الوسيلة واختيار المبدا وعلي هذا الاساس وضعت عقيدة الإخوان المسلمين مستخلصة من كتاب الله وسنة رسوله لا تخرج عنهما قيد شعرة

وفرض الإخوان علي انفسهم حفاظها والتزام حدودها وتنفيذ نصوصها والقيام بتعهداتها

واعتقد انها وسيلة عملية في تربية النفوس وتقويم الاخلاق

وبهذه المناسبة اذكر كل اخ مسلم بان من واجبه ان يحفظ عقيدته ويعمل علي انفاذ ما تستلزمه من تعهدات " يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"... التوبة:119”.



منزلة الصلاة

قد علمت اعزك الله ان الإخوان المسلمين راوا في الإسلام افضل الوسائل لتهذيب نفوسهم وتجديد ارواحهم وتزكية اخلاقهم، فاقتبسوا من نوره عقيدتهم واغترفوا من فيضه مشربهم

ان منزلة الصلاة من الإسلام منزلة الراس من الجسد فهي عماده ودعامته وركنه وشعيرته ومظهره الخالد وايته الباقية، وهي مع ذلك قرة العين وراحة الضمير وانس النفس وبهجة القلب والصلة بين العبد والرب والمرفاة تصعد برقيها ارواح المحبين إلى اعلى عليين فتنعم بالانس وترتع في رياض القدس وتجتمع لها اسباب السعادة من عالمي الغيب والشهادة

وهل رايت بربك اعزب واحلى واروع واجلى من مظهر ذلك الخاشع العابد الراكع الساجد القانت اناء الليل يحذر الاخرة ويرجو رحمة ربه وقد نامت العيون وهدات الجفون واطمانت الجنوب في المضاجع وخلا كل حبيب بحبيبه ونادي منادي العارفين من المحبين:

سهر العيون لغير وجهك ضائع بكاؤهن لغير فقدك باطل

اه يا اخي ان موقفا واحدا من هذه المواقف انفع للقلب وافعل في النفس واذكى للروح من الف عظة قولية والف رواية تمثيلية والف محاضرة كلامية، وجرب تر، ولأمر ما كان ذلك في لسان القرآن آية الاحسان " انهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون "... الذريات:16-18

ولأمر ما كان اجر هؤلاء سنيا خفيا " فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون"... السجدة:17

الم يكن عملهم خفيا كذلك وهل تصلح الخلوات في حضرة الرقباء

وهل يلذ لمحب في غير خلوة نجاء

وهل جزاء الاحسان الا الاحسان

ولقد حدثوا ان ابا القاسم الجنيد رؤي بعد وفاته فقيل له: ما فعل الله بك

فقال: طاحت الاشارات وفنيت العبارات وغابت العلوم وضاعت الرسوم وما نفعنا الا ركيعات كنا نركعها في جوف الليل

لا تستغرب ايها القارئ الكريم فما نفع القلب خير من خلوة يدخل بها ميدان فكره

وما تزكت النفس بافضل من ركعات خاشعات تجلو القلوب وتقشع صدا الذنوب وتغسل درن العيوب وتقذف في القلب نور الإيمان وتثلج الصدر ببرد إلىقين

والمسلمون في هذا العصر امام الصلاة طرائق قدد وطوائف بدد:

فمنهم قوم اضاعوها واهملوها وتركوها وجهلوها وإذا ذكرتهم بأمرها أوخضت معهم في شانها لووا رؤوسهم ورايتهم يصدون وهم مستكبرون ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم

ولا أحب ان اقول ان منهم من ينهي عنها ويحقر من اداها ويصفه بالرجعية والتاخر والجمود والتقهقر

وانك لتسمع من هؤلاء واشباههم اذى كثيرا ومزاعم غريبة وكلاما تعجب منه وتندهش له وكانهم لم يسمعوا قول الله تعالى: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون" الماعون:4-5”.

وانه ليزداد عجبك ويتضاعف اندهاشك حين تعلم ان من الذين يعملون لدعوة الإسلام ويتصدرون كراسي الدفاع في القضية الإسلامية من يهمل أمر الصلاة ويصغر من شانها، كأن النبي لم يصرح بانها عماد الدين وفريضة المؤمنين، وكأنهم لم يسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم ليس بين العبد والشرك الا ترك الصلاة، فإذا تركها فقد اشرك

ولسنا نحاول ان نقنع هؤلاء بما هو اوضح من الصبح واجلي من الضوء واظهر من الشمس، ولكنا نسال الله لنا ولهم كمال الهداية وتمام التوفيق

ونحن بعد هؤلاء امام صنفين من المسلمين:

الغالبية العظمي والكثرة الساحقة وهؤلاء يؤدون صلاة إلىة ميكانيكية ورثوها عن ابائهم واعتادوها بمرور الأيام وكر الاعوام، لا يتعرفون اسرارها ولا يستشعرون اثارها

وحسب احدهم ان يلفظ الكلمات وياتي بالحركات ويسرد الهيئات ثم ينصرف معتقدا انه ادي الفريضة واقام الصلاة وخلص من العقوبة ونال الثواب.

هذا وهم لا حقيقة له، وليست هذه الاقوال والافعال من الصلاة الا جسما روحه الفهم وقوامه الخشوع وعماده التاثر

وقد ورد في الحديث انما الصلاة تمسكن وتواضع وتضرع وتاوه.. الخ... ورد من رواية الترمذى والنسائي”.

ولهذا رايت اكثر الناس لا ينتفعون بصلاتهم، ولا ينتهون بها عن الفحشاء والمنكر مع انها لو كملت لاثمرت تزكية النفس وتطهير القلب ولمنعت صاحبها اقتراف الاثام وغشيان المحارم

وصنف ثاني من الناس وهو قليل نادر فهم هذه المعاني من اسرار الصلاة فهو جاد في تحقيقها، عامل علي استكمالها، يصلي بخشوع وتدبر واطمئنان وتفكر

ويخرج من صلاته وقد تذوق حلاوة العبادة وتاثر بمشاعر الطاعة واستنار بنور الله الذي يتجلى به علي من وصلوا نفوسهم بجلال معرفته

وفي الحديث: من صلي صلاة لوقتها واسبغ وضوءها واتم ركوعها وسجودها وخشوعها عرجت وهي بيضاء مصفرة تقول حفظك الله كما حفظتني، ومن صلاها لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها، عرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني، حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه”.

ولهذا تفاوتت درجات الناس واختلفت ثوابهم وان اتحدت الصلاة شكلا ومظهرا وقولا وفعلا

ولهذا كانت عناية السلف الصالحين رضوان الله عليهم عظيمة باحضار قلوبهم في صلواتهم وتمام خشوعهم في عباداتهم، ولهذا كان اول وصف وصف به المؤمنون: " الذين هم في صلاتهم خاشعون"... المؤمنون:2



علم الإخوان المسلمون هذا، فاخذوا انفسهم به وحاولوا ان يدرجوا عليه وكان اهم مظهر من مظاهرهم العملية: ان يحسنوا الصلاة وهم يعتقدون انهم بهذا يسلكون اقرب السبل إلى تجديد النفوس وتطهير الارواح " يا ايها الذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين"... البقرة:153

فيا ايها الاخ المسلم: تفهم ذلك جيدا وكن مثال الاحسان في صلاتك واعتقد ان اول الخطوات العملية فيها بيننا ان نحسن الصلاة والزكاة.

هما فريضتان جعلهما الله سياج الملة ومظهر الشريعة وقرن بينهما في كثير من ايات كتابه الكريم تنبيها علي عظيم فضلهما واظهارالجلالة قدرهما:

هما الصلاة والزكاة

فبالاولي صلاح ما بينك وبين الله وبالثانية صلاح مابينك وبين الخلق

وهل في الوجود الا خالق ومخلوق فإذا صلح شانه معهما فقد بلغت غاية الصلاح ووصلت إلى ذروة السعادة



الزكاة

ولئن كانت الصلاة مطهرة النفس وتصفية الروح، فان الزكاة مطهرة المال وتصفية الكسب: "خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم".... التوبة:103”

ولقد جعل الله تبارك وتعالى الصلاة والزكاة مظهر الإيمان ودليل صحة العقيدة واشار القرآن في الآية الكريمة: " فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فإخوانكم في الدين"... التوبة:11

وهو بمفهومه يدل علي ان من قصر في اداء الصلاة والزكاة فليس من الإخوان في الدين

وكان هذا المعني هو الذي فهمه أبو بكر رضي الله عنه حين قاتل مانعي الزكاة واقره عليه صحابة رسول الله واطلق علي كثير ممن منعوا الزكاة المرتدون:

روي الستة عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي النبي وكفر من كفر من العربن، قال عمر لابي بكر رضي الله عنهما: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله: أمرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه علي الله تعالى”

فقال أبو بكر: والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم علي منعها

قال عمر: فوالله ما هو الا ان رايت ان الله شرح صدر ابي بكر للقتال فعرفت انه الحق



فانظر يا رعاك الله كيف عبر أبو هريرة رضي الله عنه عن مانعي الزكاة بقوله: كفر من كفر

وكيف راي أبو بكر ان منع الزكاة هدم للدين يستوجب قتال مانعها وان شهد ان لا اله الا الله

وكيف اقر عمر راي ابي بكر وعرف انه الحق

ولقد توعد الله ورسوله مانعي الزكاة اشد الوعيد فقال تبارك وتعالى: " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب إلىم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون".... التوبة:34-35

وفي الحديث ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: من اتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ياخذ بلهزمتيه يقول انا كنزك ..

والشجاع الاقرع هو الثعبان الخطر، واللهزمتان هما الشدقان

وفي الحديث كذلك:”ويل للاغنياء من الفقراء يوم القيامة يقولون: ربنا ظلمونا حقوقنا التي جعلت لنا فيقول الله تبارك وتعالى وعزتي وجلإلى لادنينكم ولابعدنهم”.

وانما كان ذلك كذلك لان الزكاة نظام المشروعات، وقوام الاعمال النافعة وتقويم الفطرة الشحيحة، تعود السخاء وتدرب علي القصد وتطبع القلوب علي الحب وتدعو النفوس إلى الالفة وتنزع الاغلال والاحقاد وتدعو إلى التعاون والتساند في الخيرات وتجنب اصول الشرور والمفاسد وتخمد نار الثورات والفتن.

وكل أمرئ يولي الجميل محبب ومن وجد الاحسان قيدا تقيدا



والزكاة مهمة من مهمات الحاكم: عليه القيام بجمعها وتنظيم تحصيلها والاشراف علي انفاقها في مصارفها التي جعل الله لها

ولو ان الحكومات الإسلامية عنيت بشان الزكاة لكانت لها موردا حلالا طيبا يغنيها عن الضرائب الجائرة والمكوس الظالمة ولاحيت بذلك فريضة ضائعة وركنا مهملا من اركان الإسلام

فاما إذا نسيت الحكومات الإسلامية واجبها حيال الزكاة جمعا واعطاء، فان على الافراد ان يقوموا باحياء هذه الشعيرة واعادة هذه الفريضة واخراج حق الله لعيال الله فمن قصر في ذلك فاثمه على نفسه وجريرته على عنقه وجزاؤه إلىم عند ربه

وها انت ترى ان افراد المسلمين تغافلوا عن حق الله في اموالهم ولم يخرجوا نصيب الفقراء من ايرادهم مما قطع العلائق واكثر الجرائم ولوث النفوس وزاد احقادها واضغانها

راى الإخوان المسلمون ذلك فارادوا ان يكونوا كالرعيل الاول يضربون للناس المثل عمليا في احياء هذا الركن ويبدءون بانفسهم فيخرجون زكاة اموالهم طيبة بها نفوسهم فإذا نجحوا في ذلك كانوا حجة على المقصرين ودليلا للراغبين ودعاة للقاعدين

وقد سبقت إلى الخير في هذا الشان برمبال القديمة من اعمال مديرية الدقهلية بالقطر المصري فجمعت الزكاة وصرفتها في مصارفها التي جاءت بها الآية الكريمة:“انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"... التوبة:60”.

ولقد كنت عظيم الاشفاق شديد الخوف من انقسام الوحدة وانصداع الكلمة لان في المسلمين الان خصال تحول دون اجتماعهم على مثل هذا الخير ولا سيما إذا اتصل بالمادة والمال فما بالك إذا كان المشروع من اساسه ماليا كنت اخشى على إخوان برمبال شح الاغنياء وغلهم ايديهم عن الاعطاء.

لقد كان اغنياء برمبال ارفع من ان يمتنعوا عن اداء حق الله اذ داعي الزكاة بهم اهابا.

ولقد كان فقراء برمبال ارفع من ان تمتد اعينهم إلى حقوق إخوانهم فما هو الا ان وصل إلى كل منهم ما قسم له من الزكوات المجموعة حتى سرت نفسه ولهج لسانه بالدعاء للمزكين وللمنظمين

ولقد كان إخوان برمبال احكم واحزم بتوفيق الله تعالى من ان يدعو للتهم مجالا وللظنة شبهة

فتكونت منهم لجنة اولي لعمل الكشوف بالمستحقين اخذ عليها العهد والميثاق الا تحابي ولا تجامل ولا تفشي سرا ولا تظهر عورة

ثم تلتها لجنه اخرى للفحص عن هذه الكشوف ومراجعتها والتثبت من صحتها

ثم لجنه ثالثة لتقدير الانصبة المستحقة لكل من تثبت حاجته واستحقاقه

ثم لجنه رابعة لمراجعة هذا التقدير واقراره ثم لجنه خامسة للقيام بالتوزيع عمليا

وكان هذا النظام الدقيق الموفق مدعاة إلى الاعجاب والفرح من كل من شاهدوه أوعلموا به أوراوا اثاره الرضية في نفوس برمبال وجيران برمبال.

وكان اهل برمبال بعد ذلك اكبر من العادات واسمي من القيود فاتبعوا الرشد واثاروا التعاون وضربوا في ذلك اروع المثل في تحقيق امنية كنا نحلم بها من زمن بعيد

افلست ترى ايها القارئ بعد هذا البيان ان الإخوان المسلمين قوم عمليون … وافلا يري الإخوان المسلمون في ذلك تحقيقا لامالهم فيعملوا علي ان نسمع في القريب عن هذه الخطوات الموفقة في بقية الشعب النشيطة " فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير"... الحج:78”.



الجهاد عزنا

إننا نحب أن نبلغ الناس دعوتنا ونحدد لهم وجهتنا ونكشف عن حقيقتنا، لعلنا نجد منهم اعوانا على الخير وهداة إلى البر، فيتضاعف النفع ويقرب المدى وتدنو الغاية ويتحقق ما نرجو من اصلاح شامل وانقاذ عاجل..

وان كل يوم يمضي لا تعمل فيه الأمة عملا للنهوض من كبوتها يؤخرها امدا طويلا.. وان في دعوة الإخوان لو فقهها الناس لمنقذا وان في منهاجهم لو اتبعته الأمة لنجاحا.. وان في جهودهم لو اعينوا عليها لاملا وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم

وبعد فقد ورد في الصحيح ما معناه ان معاذا رضي الله عنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ان شئت يا معاذ حدثتك براس هذا الأمر وذروة السنام منه

ان راس هذا الأمر لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله

وان قوام هذا الأمر إقامة الصلاة وايتاء الزكاة

وان ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله

انما أمرت ان اقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله

فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم علي الله عز وجل

والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل تبتغي به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله

ولا اثقل ميزان عبد كدابه تنفق اي تموت في سبيل الله أويحمل عليها في سبيل الله”.

ذلك تعريف النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام وهو اعرف الناسبالإسلام

وان الإخوان المسلمين لا يحملون الناس علي غير الإسلام ومبادئ الإسلام ولا ينهجون الا مناهج الإسلام وشعاب الإسلام

وقد حدثتك عنهم في الصلاة والزكاة، وما يريدون من انفسهم ومن الناس حيالها، وهي قوام الأمر ودعامته

فلاتحدث إلىك الآن عن الإخوان المسلمين المجاهدين .

وماذا يريدون من انفسهم ومن الناس حيال الجهاد في سبيل الله وهو من الإسلام ذروة السنام .



من الجهاد في الإسلام ايها الحبيب: عاطفة حيه قويه تفيض حنانا إلى عز الإسلام ومجده وتهفو شوقا إلى سلطانه وقوته وتبكي حزنا علي ما وصل إلىه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة، وتشتعل الما علي هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا يرضي محمدا عليه الصلاة والسلام ولا يرضي نفسا مسلمة وقلبا مؤمنا و”من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" كما ورد في الحديث الصحيح

لمثل هذا يذوب القلب من كمد ان كان في القلب اسلام وايمان

ومن الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب: ان يحملك هذا الهم الدائم والجوى اللاحق علي التفكير الجدي في طريق النجاح وتلمس سبيل الخلاص وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل وتتلمس فيها اوجه الحيل لعلك تجد لامتك منفذا أوتصادف منقذا ونية المرء خير من عمله، والله يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور



ومن الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب: ان تنزل عن بعض وقتك وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين، فان كنت قائدا ففي مطالب القيادة تنفق، وان كنت تابعا ففي مساعدة الداعين تفعل، وفي كل خير، وكلا وعد الله الحسني والله تبارك وتعالى يقول " ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ذلك بانهم لا يصيبهم ظما ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطاون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا الا كتب لهم به عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون"... التوبة:120-121

ومن الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب: ان تأمر بالمعروف وان تنهي عن المنكر وان تنصح لله ورسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم، وان تدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه

وما ترك قوم التناصح الا ذلوا وما اهملوا التامر بالمعروف والتناهي عن المنكر الا خذلوا " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون"... المائدة:78-79

ومن الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب: ان تتنكر لمن تنكر لدينه وان تقاطع من عادي الله ورسوله، فلا يكون بينك وبينه صله ولا معامله ولا مؤاكله ولا مشاربه وفي الحديث: " ان اول ما دخل النقص علي بني اسرائيل، انة كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فانه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو علي حاله فلا يمنعه ذلك ان يكون اكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلو ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض”.

ومن الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب: ان تكون جنديا لله تقف له نفسك ومالك لا تبقي علي ذلك من شئ، فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرأمة الإسلام ودوي نفير النهضه لاستعادة مجد الإسلام كنت اول مجيب للنداء واول متقدم للجهاد " ان الله اشتري من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة"... التوبة:111

وفي الحديث: من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات علي شعبة من النفاق رواه مسلم وابو داود والنسائي

وبذلك يتحقق ما يريد الله من نشر الإسلام حتى يعم الأرض جميعا

ومن الجهاد في سبيل الله ايها الحبيب: ان تعمل علي إقامة ميزان العدل واصلاح شئون الخلق وانصاف المظلوم والضرب علي يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه

وفي الحديث عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر رواه ابو داود والبخاري بمعناه

وعن جابر رضي الله عنه: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى امام جائر فأمره ونهاه فقتله رواه ابن ماجه باسناد صحيح

ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى إن لم توفق إلى شئ من ذلك كله: ان تحب المجاهدين من كل قلبك وتنصح لهم بمحض رايك وقد كتب الله لك بذلك الاجر واخلاك من التبعة

ولا تكن غير ذلك فيطبع علي قلبك ويؤاخذك اشد المؤاخذة: " ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما اتوك لتحملهم قلت لا اجد ما احملكم عليه تولوا واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون انما السبيل على الذين يستاذنونك وهم اغنياء رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون"... التوبة:91-93”.

وبعد فهذه بعض مراتب الجهاد في الإسلام ودرجاته

فاين الإخوان المسلمون من هذه الدرجات ؟

فاما انهم محزونون لما وصل إلىه المسلمون، فعلم الله ان احدهم يجد من ذلك ما يذيب لفائف قلبة وينال من اعماق نفسة ويحز في قرارة فؤادة ويمنعة في كثير من الاحايين الانس باهله وإخوانه والمتعة بكل ما في الوجود من لذة وجمال

واما انهم يفكرون في سبيل الخلاص، فعلم الله انه ما من فكرة تحتل افكارهم وما من خطة تستهوى عواطفهم وما من شان يشغل عقولهم كهذا الشان الذي ملك عليهم رؤوسهم وقلوبهم واستبد منهم بشعورهم وتفكيرهم.

واما انهم يبذلون في هذا السبيل وقتا ومالا، فحسبك ان تزور ناديا من انديتهم لترى عيونا اذبلها السهر ووجوها اشحبها الجلد وجسوما اضناها النصب واخذ منها الاعياء، على انها فتية بايمانها قوية بعقيدتها, وشبابا يقضون ليلهم إلى ما بعد انتصافه، مكبين على المكتب أوعاكفين على المناضد واترابهم في لهوهم وانسهم ومتعتهم وسمرهم، ورب عين ساهرة لعين نائمة وانما نحتسب ذلك عند الله ولا نمتن به " بل الله يمن عليكم ان هداكم للإيمان ان كنتم صادقين" الحجرات:17

فإذا سالت عن المال الذي ينفق علي دعوتهم، فما هو الا مالهم القليل يبذلونه في سخاء ورضاء وراحة وطمانينة وانهم ليحمدون الله اذ ترقت تضحيتهم بالمال من درجة السخاء بكماليات العيش إلى درجة الاقتصاد من ضرورياته وانفاق ما يقتصد في سبيل الدعوة " ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون" الحشر:9

ما اسعدنا ان يقبل الله منا ذلك وهو منه وإلىه

واما انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر: فقد بداوا في ذلك بانفسهم ثم باسرهم وبيوتهم ثم بإخوانهم واصدقائهم وهم يتذرعون في ذلك بالصبر والاناه والحكمة والموعظة

وهل تري جريدتهم هذه الا مظهرا من مظاهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهل تري عظاتهم واقوالهم الا سبيلا في هذه السبيل

واما ما بقي من درجات الجهاد فواجب الجماعة ... فعلي الجماعة ان تجيب، وان الإخوان المسلمين ول لا يدخرون وسعا ولا يحتجزون جهدا وهم يعلمون منزلة ذلك من الإسلام ويعلمون ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله بغير اثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة" رواه الترمذي وابن ماجه وهم يسالون الله ان يوفقهم إلى لقائه وليس بهم ثلمات

وقد قال الله تعالى لنبيه: " لا تكلف الا نفسك وحرض المؤمنين"... النساء:84

وانا لنرجوا ان نكون بذلك قد ابلغنا الجماعة وان يكون هذا الصوت قد وصل إلى نفوسهم فوجد منها خصوبة يزداد بها عدد العاملين وتنتظم معها صفوف المجاهدين "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين"... العنكبوت:69”.

حق القرآن

ما رايت ضائعا اشبه بمحتفظ به ولا مهملا اشبه بمعني بشانه، من القرآن الكريم في أمتنا هذه:

انزل الله القرآن الكريم كتابا محكما ونظاما شاملا وقواما لأمر الدين والدنيا " لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" فصلت:42

واعتقد ان اهم الاغراض التي تجب علي الأمة الإسلامية حيال القرآن الكريم ثلاثة مقاصد:

اولها: الاكثار من تلاوته والتعبد بقراءته والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به.

وثانيها: جعله مصدرا لاحكام الدين وشرائعه منه تؤخذ وتستنبط وتستقي وتتعلم.

وثالثها: جعله اساسا لاحكام الدنيا منه تستمد وعلي مواده الحكيمة تطبق تلك اهم المقاصد والاغراض التي انزل الله لها كتابه وارسل به نبيه وتركه فينا من بعده واعظا مذكرا وحكما عدلا وقسطاسا مستقيما

ولقد فهم السلف رضوان الله عليهم هذه المقاصد فقاموا بتحقيقها خير قيام، فكان منهم من يقرا القرآن في ثلاث، ومنهم من يقراه في سبع، ومنهم من يقراه في اقل من ذلك أوأكثر

ولقد كان بعضهم إذا شغل عن ورده من القرآن نظر في المصحف وقرا بعض الايات الكريمة وقال: حتى لا أكون ممن اتخذوا هذا القرآن مهجورا

فكان القرآن ربيع قلوبهم وورد عباداتهم، يتلونه اناء الليل واطراف النهار ورضي الله عن الخليفة الثالث الذي لم يسل المصحف والحصار علي بابه والسيف علي عنقه

وأنت إذا رجعت إلى سيرهم لم تجد واحدا منهم هجر كتاب الله أوترك تلاوته اسبوعا واحدا فضلا عن شهر كامل فضلا عن السنين والاعوام

ولا أحب ان اطيل عليك بما اشرقت به كتب السير، واستنارت بضوء سناه صحائف كتب التاريخ

وهم حينما ارادوا ان يستنبطوا احكام دين الله، كان القرآن أول المصادر... وما الاول اذن، ان لم يكن كتاب الله

وها انت ترى ان المصطفي صلى الله عليه وسلم قد اقر معاذا حين ساله بم يحكم ... فقال بكتاب الله وبدا به ثم ثنا بالسنة المطهرة.

وقد علمت ان عمر رضي الله عنه حظر علي كثير من الصحابة الكرام ان يحدثوا الناس وهم حديثوا عهد بالإسلام بالاحاديث والوقائع حتى يفقهوهم في كتاب الله اولا ويقفوهم علي حلاله وحرامه ..

وقد علمت كذلك أن الائمة من صدور التابعين وتابعيهم باحسان امثال سعيد بن المسيب، ما كانوا يسمحون للناس بتدوين فتاويهم حذر الانصراف باقوالهم عن كتاب الله

ولقد مزق سعيد الصحيفة من يد من دون افتاءه وقال: تاخذ كلامي وتدع كتاب الله، ثم تذهب تقول قال سعيد قال سعيد، عليك بكتاب الله وسنة رسوله ..

افلست ترى من هذا وغيره ان السلف الصالحين رضوان الله عليهم قد جعلوا كتاب الله تعالى اصل الاصول التي يستنبطون منها دين الله واحكامه

وما كانت احكام الدنيا عندهم الا وفق ما يأمر به ونزولا علي حكمه ...حقوق تؤدي وحدود تقام واحكام تنفذ واوامر تسري لا الغاء ولاتعطيل ولا تعليل ولا تاويل

كذلك كان يوم كان الإسلام غضا طريا وثمر الدين بالغا جنيا ، ويوم فهم المسلمون حكمة وجود القرآن بينهم كما علمهم رب القرآن ونبي القرآن " كتاب انزلناه إلىك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب"... ص:29”.

ثم دالت تلك الدولة وذهب ماكان للقران علي عقول الناس والبابهم من صولة وسرت في السنتهم وعقولهم لوثة العجمة فإذا هم في ناحية والقرآن في ناحية اخرى وبين الناحيتين بعد المشرقين:

سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب

فاما التعبد بتلاوة القرآن وقرائته اناء الليل واطراف النهار... فالنذر اليسير منا من عني بذلك وعمل عليه، واما بقية المتعبدين فلهم فيما وضعوا لانفسهم ووضع لهم شيوخهم من اوراد واحزاب ووظائف وصلوات، ما تركوا به كتاب الله واحلوه محله حفظا واهتماما وتعبدا وتلاوة وترديدا وتكرارا

وما نحرم تلاوة الاوراد الصحيحة ولا نحول بين الناس والادعية والاحزاب التي لا تخالف ظاهر الشريعة ولكن نقول لهم: كتاب الله اولى، اولا رتبوا على انفسكم منه احزابا تصل قلوبكم به وتربط ارواحكم بفيضه واشراقه، ثم اذكروا الله بعد ذلك بما شئتم من الصيغ التي تنطبق علي احكام الدين،

اما ان تهملوا القرآن جملة وتجعلوا عبادتكم كلها مما وضعتم لانفسكم أووضع غيركم لكم فترك لكتاب الله واهمال لحقوقه

واما استنباط الاحكام منه فقد وقع الناس في جهالة بكتاب الله تجعل بينهم وبين ذلك حجابا كثيفا وسدا منيعا مما اضطرهم إلى القناعة بالملخصات والرضا بالتعليقات وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو ارقي من ذلك من الغايات

واما تطبيق احكامه الدنيوية فقد استبدلها القوم بغيرها واحلوا سواها محلها، وجعلوا تشريع الاجانب وما وضع الفرنسيون والرومان اساسا لتشريعهم ومصدرا لاحكامهم

وبذلك تعطلت احكام كتاب الله واصبحت بين المسلمين نسيا منسيا ن وفيها علم الله لهم كل خير لو كانوا يسمعون

واكتفى المسلمون بعد هذا كله من القرآن الكريم بان جعلوه تمائم لأمراضهم وزينة لمجتمعاتهم وسلوة في حفلهم وافراحهم واحزانهم

وليتهم اذ جعلوه كذلك اعطوه حقه، بل تراهم في محله لاهين غافلين لاعبين منصرفين إلى اللغو والحديث واللهو العبث والله تبارك وتعالى يقول: " وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون"... الاعراف:204

كان القرآن فيما مضى زينة الصلوات، فاصبح اليوم زينة الحفلات ... وكان قسطاس العدالة في المحاكم، فصار سلوة العابثين في المواسم ... وكان واسطة العقد في الخطب والعظات، فسار بواسطة العقد في الحلى والتميمات ... افلست محقا حين قلت: ما رايت ضائعا اشبه لمحتفظ به من كتاب الله

تناقض عجيب في هذا الموقف منا امام القرآن: اننا نعظمه ما في ذلك شك،ونذود عنه ما في ذلك شك، ونقترب إلى الله به ما في ذلك شك، ولكن ياقوم: اخطاتم طريق التعظيم، وتنكبتم سبيل الذود عنه، وضللتم عن جادة التقرب إلى الله به

أليس من الاضاعة لكتاب الله ان ترى المراكز التي كان القرآن يعفي منها عددا عظيما من القرعة العسكرية صارت اليوم خلوا ممن يحفظه ويتقدم للمعافاه به

اوليس من الاضاعة لكتاب الله ، ان ترى الطالب يدخل الازهر الشريف وهو يحفظه، لان ذلك شرط دخوله ثم يخرج منه وقد نسيه لان القرآن لم يشترط في اجازته بنهاية مدة تعليمه ... فتراه ان خرج ليكون اماما يصلى بالناس قصر بهم، وان كان واعظا استند إلى فقهاء الريف الحافظين في عظاته ودروسه، وان كان محاميا أوقاضيا لجا إلى المصحف في تصحيح الايات التي يستشهد بها من كتاب الله

إننا حقيقة اضعنا كتاب الله وكانه بيننا كتاب اثري لا يسري مفعوله ولا ينفذ حكمه وهذا في الحقيقه اصل ما اصابنا من بلاء وشر

وإذا علمت هذا ايها القارىء الكريم، فاعلم ان الإخوان المسلمين يحاولون في جد ان يعودوا هم اولا إلى كتاب الله يتعبدون بتلاوته ويستنيرون في تفهم اقوال الائمة الاعلام باياته ويطالبون الناس بانفاذ احكامه ويدعون الناس معهم إلى تحقيق هذا الغاية التي هي انبل غايات المسلم في الحياة ولله الأمر من قبل ومن بعد



منهج الإخوان وميزانهم

انت إذا رجعت تاريخ النهضات في الأمم المختلفة شرقية وغربية قديما وحديثا رايت ان القائمين بكل نهضة موفقة نجحت واثمرت كان لهم منهاج محدود عليه يعملون وهدف محدود إلىه يقصدون

وضعه الداعون إلى النهوض وعملوا على تحقيقه ما امتد بهم الاجل وامكنهم العمل، حتى إذا حيل بينهم وبينه وانتهت بهم تلك الفترة القصيرة فتره الحياة في هذه الدنيا، خلفهم من قومهم غيرهم يعملون على منهاجهم ويبدءون من حيث انتهى اولئك، لا يقطعون ما وصل ولا يهدمون ما بنو، ولا ينقضون ما اسسوا وشادوا، ولا يخربون ما عمروا

فاما زادوا عمل اسلافهم تحسينا أومكنوا نتائجه تمكينا واما تبعوهم على اثارهم ، فزادوا البناء طبقة وساروا بالأمة شوطا إلى الغاية حيث يصلون بها إلى ما تبتغي أوينصرفون راشدين ويخلفهم غيرهم

وهكذا دوالىك حتى تحقق الامال وتصدق الاحلام ويتم النهوض ويثمر الجهاد وتصل الأمة إلى ما إلىه قصدت وله عملت " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره "... الزلزلة:7

راجع تاريخ الهيئات والشعوب تر هذا القول واضحا بينا ..

وان اساس النجاح في كل نهضاتها، منهج محدود وقوم يعملون في حدود هذا المنهج، لا يملون ولا يفترون ولايسامون ولا يمتنون ... ذلك واضح جلي في الخطوات التي سلكتها دعوة الإسلام الاولى، فقد وضع الله لها منهاجا محدودا يسير بالمسلمين الاولين رضوان الله عليهم إلىه.

دعوة في السر .. ثم اعلان بهذه الدعوة ونضال في سبيلها لا يمل ... ثم هجرة إلى حيث القلوب الخصبة والنفوس المستعدة ... فاخاء بين هذه النفوس وتمكين عرى الإيمان في قلوبها... ثم نضال جدي وانتصاف من الباطل للحق

حتى إذا تمت الخطوات في القسم الاول من منهاج الدعوة وهي التي انيطت بالرسول صلى الله عليه وسلم تشريعا وتطبيقا انزل الله قوله: " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"... المائدة:3”.

ثم جاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين من نقلوا هذا النموذج الكامل من جزيرة العرب إلى غيرها من بلدان العالم لتكون كلمة الله هي العليا وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله

وانت إذا رجعت بذاكرتك إلى تاريخ الفرق الإسلامية وإلى الادوار التي سبقت وقارنت قيام الدولة العباسية في الشرق ثم إلى نهضة الدول الحديثة الاوربية من فرنسا وايطاليا وروسيا وتركيا سواء في الدور الاول وهو دور تكوين الوحدات وتاسيس الحكومات أوفي هذا الدور وهو دور تكوين المباديء ومناصرة النظريات لرايت ذلك يخضع إلى مناهج معروفة الخطوات تؤدي إلى النتيجة الحتمية التي تعمل لها الأمة

ان للإخوان المسلمين منهاجا محدودا يتابعون السير عليه ويزنون انفسهم بميزانه ويعرفون بين الفينة والفينة اين هم منه

فإذا سالتهم عن اصول هذا المنهاج النظرية ما هي

فاني اجيبك في صراحة تامة: هو الاصول والقواعد التي جاء بها القرآن فإذا قلت وما وسائلهم وخطواتهم العملية

اقول لك في صراحة كذلك:

هي الوسائل والخطوات التي اثرت عن الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم ولا يصلح اخر هذه الأمة الا بما صلح به اولها.

واما بعد فبهذه الكلمة تنتهي تلك السلسلة المجملة من الحديث عن الإخوان المسلمين العمليين وارجو ان يكون لها اثرها المنشود في نفس قرائنا الكرام فيؤازروا اولئك القوم الذين وقفوا كل شيء في سبيل الله والدعوة وينضموا إلىهم ليساهموا معهم في هذه النهضة الموفقة التي يكسب العامل فيها كل يوم نصرا جديدا ان لم يؤده إلى الفتح فسيؤدي إلىه من بعده بفضل مجهوده ان شاء الله: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون"... التوبة:105



بين الأمس واليوم

رسالة النبي الامين

منذ الف و ثلاثمائة سنة وسبعين عاما نادي محمد بن عبد الله النبي الامي في بطن مكة وعلى راس الصفا: " قل يا ايها الناس اني رسول الله إلىكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ".... الاعراف:158

فكانت تلك الدعوة الجامعة حدا فاصلا في الكون كله بين ماض مظلم ومستقبل باهر مشرق و حاضر زاخر سعيد واعلانا واضحا مبينا لنظام جديد شارعه الله العليم الخبير، ومبلغه محمد البشير النذير وكتابه القرآن الواضح المنير وجنده السابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان ... وليس من وضع الناس ولكنه صبغة الله ومن احسن من الله صبغة: " ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض الا إلى الله تصير الامور"... الشورى:52-53



منهاج القرآن الكريم في الاصلاح الاجتماعي

والقرآن هو الجامع لاصول هذا الاصلاح الاجتماعي الشامل وقد اخذ يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويعلن به المؤمنين بين الان والان بحسب الوقائع والظروف والمناسبات " كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا ياتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا "... الفرقان:32-33

حتى اكتمل به الوحي وحفظ في الصدور والسطور في مدى اثنتين وعشرين سنة ونيفا وقد جمع الله فيه لهذه الأمة تبيان كل شيء واصول الاصلاح الاجتماعي الكامل الذي جاء به تكاد تنحصر في هذه الاصول:

الربانية

التسامي بالنفس الانسانية

تقرير عقيدة الجزاء

اعلان الاخوة بين الناس

النهوض بالرجل والمراة جميعا واعلان التكافل والمساواة بينهما وتحديد مهمة كل منهم تحديدا دقيقا

وتامين المجتمع بتقرير حق الحياة والملك والعمل والصحة والحرية والعلم والامن لكل فرد وتحديد موارد الكسب

ضبط الغريزتين: غريزة حفظ النفس وحفظ النوع وتنظيم مطالب الفم والفرج

الشدة في محاربة الجرائم الاصلية

تاكيد وحدة الأمة والقضاء على كل مظاهر الفرقة واسبابها

الزام الأمة الجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها النظام

اعتبار الدولة ممثلة للفكرة وقائمة على حمايتها ومسؤولة عن تحقيق اهدافها في المجتمع الخاص وابلاغها للناس جميعا



الشعائر العملية لهذا النظام

وقد خالف النظام القرآني غيره من النظم الوضعية والفلسفات النظرية فلم يترك مبادئه وتعاليمه نظريات في النفوس ولا اراء في الكتب ولا كلمات على الافواه والشفاه ولكنه وضع لتركيزها وتثبيتها والانتفاع باثارها ونتائجها مظاهر عملية والزم الأمة التي تؤمن به وتدين له بالحرص على هذه الاعمال وجعلها فرائض عليها لا تقبل في تضييعها هوادة بل يثيب العاملين ويعاقب المقصرين عقوبة قد تخرج بالواحد منهم من حدود هذا المجتمع الإسلامي وتطوح به إلى مكان سحيق واهم هذه الفرائض التي جعلها هذا النظام سياجا لتركيز مبادئه هي:

الصلاة والذكر والتوبة والاستغفار…الخ

الصيام والعفة والتحذير من الترف

الزكاة والصدقة والانفاق في سبيل الله

الحج والسياحة والرحلة والكف والنظر في ملكوت الله

الكسب والعمل وتحريم السؤال

الجهاد والقتال وتجهيز المقاتلين ورعاية اهليهم ومصالحهم من بعدهم

الأمر بالمعروف وبذل النصيحة

النهي عن المنكر ومقاطعة مواطنه وفاعليه

التزود بالعلم والمعرفة لكل مسلم ومسلمة في فنون الحياة المختلفة كل فيما يليق به

حسن المعاملة وكمال التخلق بالاخلاق الفاضلة

الحرص على سلامة البدن والمحافظة على الحواس

التضامن الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم بالرعاية والطاعة معا فالمسلم مطالب باداء هذه الوجبات والنهوض بها كما فصلها النظام القرآني وعليه الا يقصر في شيء منها وقد ورد ذكرها جميعا في القرآن وبينتها بيانا شافيا اعمال النبي واصحابه والذين اتبعوهم باحسان في بساطة ووضوح كل عمل فيها أوعدة اعمال تقوي وتركز أوعدة مبادئ من النظريات السابقة التي جاء هذا النظام لتحقيقها وافادة الناس بنتائجها واثارها



الدولة الإسلامية الاولى

على قواعد هذا النظام الاجتماعي القرآني الفاضل قامت الدولة الإسلامية الاولى تؤمن به إيمانا عميقا وتطبقه تطبيقا دقيقا وتنشره في العالمين حتى كان الخليفة الاول رضي الله عنه يقول: لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله

وحتى انه ليقاتل مانعي الزكاة ويعتبرهم مرتدين بهدمهم هذا الركن من اركان النظام ويقول: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم ما استمسك السيف بيدي

وكانت الوحدة بكل معانيها ومظاهرها شمل هذه الأمة الناشئة فالوحدة الاجتماعية شاملة بتعميم نظام القرآن ولغة القرآن والوحدة السياسية شاملة في ظل امير المؤمنين وتحت لواء الخلافة في العاصمة ولم يحل دونها ان كانت الفكرة الإسلامية

فكرة لا مركزية في الجيوش وفي بيوت المال وفي تصرفات الولاة اذ ان الجميع يعملون بعقيدة واحدة وبتوجيه عام متحد

وقد اتصلت بغيرها من الأمم ونقلت كثيرا من الحضارات ولكنها تغلبت بقوة ايمانها ومتانة نظامها عليها جميعا فعربتها أوكادت واستطاعت ان تصبغها وان تحملها على لغتها ودينها بما فيهما من روعه وحيوية وجمال ولم يمنعها ان تاخذ النافع من هذه الحضارات جميعا من غير ان يؤثر ذلك في وحدتها الاجتماعية أوالسياسية



عوامل التحلل في كيان الدولة الإسلامية

ومع هذه القوة البالغة والسلطان الواسع فان عوامل التحلل فان عوامل التحلل قد اخذت تتسلل إلى كيان هذه الأمة القرآنية وتعظم وتنتشر وتقوى شيئا فشيئا حتى مزقت هذا الكيان وقضت على الدولة الإسلامية المركزية في القرن السادس الهجري بايدي التتار وفي القرن الرابع عشر الهجري مرة ثانية وتركت وراءها في كلتا المرتين امما مبعثرة ودويلات صغيرة تتوق إلى الوحدة وتتوثب للنهوض

وكان اهم هذه العوامل:

الخلافات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه مع التحذير الشديد الذي جاء به الإسلام في ذلك والتزهيد في الامارة ولفت النظر إلى هذه الناحية التي هي سوس الأمم ومحطمة الشعوب والدول: " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين"... الانفال:46

ومع هذه الوصية البالغة بالاخلاص لله وحده في القول والعمل والتنفير من حب الشهرة والمحمدة



الخلافات الدينية والمذهبية والانصراف عن الدين كعقائد واعمال إلى الفاظ ومصطلحات ميتة لا روح فيها ولا حياة واهمال كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والجمود والتعصب للاراء والاقوال والولع بالجدل والمناظرات والمراء وكل ذلك مما حذر منه الإسلام ونهى عنه اشد النهي حتى قال الرسول: ما ضل قوم بعدي على هدى الا اوتوا الجدل



الانغماس في الوان الترف والنعيم والاقبال على المتعة والشهوات حتى اثر عن حكام المسلمين في كثير من العصور ما لم يؤثر عن غيرهم مع انهم يقرءون قول الله تبارك وتعالى:“وإذا اردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "... الاسراء:16



انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب من الفرس تارة والديلم تارة اخرى والمماليك والاتراك وغيرهم ممن لم يتذوقوا طعم الإسلام الصحيح ولم تشرق قلوبهم بانوار القرآن لصعوبة ادراكهم لمعانيه مع انهم يقرءون قول الله تبارك وتعالى:“يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يالونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من افواههم وما تخفي صدورهم اكبر قد بينا لكم الايات ان كنتم تعقلون"... ال عمران:118”.



اهمال العلوم العملية والمعارف الكونية وصرف الاوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيإلىة سقيمة مع ان الإسلام يحثهم على النظر في الكون واكتناه اسرار الخلق والسير في الأرض ويأمرهم ان يتفكروا في ملكوت الله: " قل انظروا مإذا في السماوات والأرض"... يونس:101

وغرور الحكام بسلطانهم والانخداع بقوتهم واهمال النظر في التطور الاجتماعي للامم من غيرهم حتى سبقتهم في الاستعداد والاهبة واخذتهم على غرة وقد أمرهم القرآن بإلىقظة وحذرهم من مغبة الغفلة واعتبر الغافلين كالانعام بل هم اضل:

“ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم إذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون "... الاعراف:179”.

الانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم والاعجاب باعمالهم ومظاهر حياتهم والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع مع النهي الشديد عن التشبه بهم والأمر الصريح بمخالفتهم والمحافظة على مقومات الأمة الإسلامية والتحذير من مغبة هذا التقليد حتى قال القرآن الكريم: " يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين"... ال عمران:100

وقال في آية اخرى: " يا ايها الذين امنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على اعقابكم فتنقلبوا خاسرين"... ال عمران:149



صراع سياسي

محاولات القضاء على الأمة الإسلامية: اخذت هذه العوامل تعمل في كيان الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية عملها وظنت الأمم الموتورة ان قد سنحت الفرصة لتاخذ بثارها وتقضي على هذه الدولة الإسلامية التي فتحت بلادها من قبل وغيرت معالم اوضاعها في كل شؤون الحياة فانحدر التتار كالسيل الدافق على الدولة الإسلامية واخذوا يقطعون اشلاءها جزءا جزءا حتى وصلوا إلى بغداد قلب الخلافة العباسية ووطئوها بنعالهم في شخص الخليفة المستعصم وبذلك تبدد شمل الدولة وانتثر عقد الخلافة لاول مرة وتفرقت الأمم إلى دويلات صغيرة فكل قبيلة فيها امير المؤمنين ومنبر وتنبهت المسيحية في اوربا وجمعت جموعها وقذفت الشرق المسلم في اسيا وافريقيا بكتائبها في تسع حملات صليبية اشتملت على خير ما فيها من فرسان وملوك وعتاد وتمكنت هذه القوات الزاحفة من اقأمة دولة صليبية في بيت المقدس وتهديد امم الإسلام في الشرق والغرب ومهاجمة مصر اقوى هذه الدول اذ ذاك



انتصارات متتالىة: ولكن الله تبارك وتعالى لم ياذن بعد بانتصار الباطل على الحق فاستطاعت مصر ان تجمع حولها فلول بعض هذه الدويلات وتقذف بهم في نحر الصليبيين بقيادة صلاح الدين فتستعيد منهم بيت المقدس وتريهم كيف تكون الهزيمة في حطين ثم تقف في وجه التتار بقيادة الظاهر بيبرس وتردهم على اعقابهم خاسئين في عين جالوت ثم تعيد رسم الخلافة من جديد ويريد الله بعد ذلك ان تقوم للاسلام دولة وارفة الظلال قوية الباس شديدة المراس تجمع كلمة اهله وتضم تحت لوائها معظم اممه وشعوبه ويابى لها علو الهمة الا ان تغزو المسيحية في عقر دارها فتفتح القسطنطينية ويمتد سلطانها في قلب اوربا حتى يصل إلى فيينا تلك هي دولة الاتراك العثمانية



بواكير النهضة في اوربا: اطمانت الدولة الإسلامية تحت لواء العثمانيين إلى سلطانها واستنامت إلىه وغفلت عن كل ما يدور حولها ولكن اوربا التي اتصلت باضواء الإسلام غربا بالاندلس وشرقا بالحملات الصليبية لم تضع الفرصة ولم تغفل عن الاستفادة بهذه الدروس فاخذت تتقوى وتتجمع تحت لواء الفرنجة في بلاد الغال واستطاعت بعد ذلك ان تصد تيار الغزو الإسلامي الغربي وان تبث الدسائس بين صفوف مسلمي الاندلس وان تضرب بعضهم ببعض إلى ان قذفت بهم اخيرا إلى ما وراء البحر أوإلى العدوة الافريقية فقامت مقامهم الدولة الاسبانيولية الفتية وما زالت اوربا تتقوى وتتجمع وتفكر وتتعلم وتجوب البلاد وتكشف الاقطار حتى كان كشف أمريكا عملا من اعمال اسبانيا وكشف طريق الهند عملا من اعمال البرتغال وتوالت فيها صيحات الاصلاح ونبغ بها كثير من المصلحين واقبلت على العلم الكوني والمعرفة المنتجة المثمرة وانتهت بها هذه الثورات الاصلاحية إلى تكوين القوميات وتكوين دولة قوية جعلت هدفها جميعا ان تمزق هذه الدول الإسلامية التي قاسمتها اوربا استاثرت دونها بافريقيا واسيا وتحالفت هذه الدول الفتية على ذلك احلافا رقت بها إلى درجة القداسة في كثير الاحيان



هجوم جديد: وامتدت الايدي الاوربية بحكم الكشف والضرب في الأرض والرحلة إلى اقصى افاقها البعيدة إلى كثير من بلدان الإسلام كالهند وبعض الولايات الإسلامية المجاورة لها واخذت تعمل في جد للوصول إلى تمزيق دولة الإسلام القوية الواسعة واخذت تضع لذلك المشروعات الكثيرة تعبر عنها احيانا بالمسالة الشرقية واخرى باقتسام تركة الرجل المريض واخذت كل دولة تنتهز الفرصة السانحة وتنتحل الاسباب الواهية وتهاجم الدولة الوادعة اللاهية فتنقص بعض اطرافها أوتهد جانبا من كيانها واستمرت هذه المهاجمة امدا طويلا انسلخ فيه عن الدولة العثمانية كثير من الاقطار الإسلامية ووقعت تحت السلطان الاوربي كالمغرب الاقصى وشمال اوربا واستقل فيه كثير من البلاد غير الإسلامية التي كانت تحت سلطان العثمانيين كإلىونان ودول البلقان وكان الدور الختامي في هذا الصراع الحرب العالمية الاولى سنة 1914 1918 م الذي انتهى بهزيمة تركيا وحلفائها وبذلك سنحت الرصة كاملة لاقوى شعوب اوربا انجلترا وفرنسا

وإلى جوارهما ايطاليا فوضعت يدها على هذا الميراث الضخم من امم الإسلام وشعوبه وبسطت سلطانها عليها باسماء مختلفة من احتلال واستعمار ووصاية وانتداب وتقاسمته على هذا النحو:

افريقيا الشمالية مراكش والجزائر وتونس مستعمرات فرنسية تتخللها منطقة نفوذ دولية في طنجة ومستعمرات اسبانية في الريف

طرابلس وبرقة مستعمرة ايطإلىة لم تشا ايطاليا ان تبقي على شيء من اثار الإسلام فيها ففرضت عليها التجنس بالجنسية الايطإلىة واسمتها ايطاليا الجنوبية وقذفتها بالالاف من جياع الاسر وذئاب البشر

مصر والسودان تحت الحماية الانجليزية لا تملك احداهما لنفسها من أمرها شيئا

فلسطين مستعمرة انجليزية اباحت انجلترا لنفسها ان تبيعها لليهود لينشئوا فيها الوطن القومي الصهيوني

سوريا مستعمرة فرنسية

العراق مستعمرة انجليزية

الحجاز حكومة ضعيفة متداعية تنتظر الصدقات وتتشبث بالعهود الزائفة والمواثيق الباطلة

إلىمن حكومة منزوية وشعب فقير مهدد بالغزوفي كل مكان في اي وقت من الاوقات

بقية اقسام الجزيرة العربية امارات صغيرة يعيش امراؤها في كنف القناصل الانجليزية ويقاتلون بفتات موائدهم وتشتعل صدورهم بنيران التحاقد والتباغض هذا مع الوعود المؤكدة والمواثيق المغلظة التي قطعها الحلفاء لعاهل الجزيرة الملك حسين ان يساعدوه على استقلال العرب وتدعيم سلطان الخلافة العربية

ايران والافغان حكومات مضطربة تتوزعها الاطماع من كل مكان فهي تحت كنف هذه الأمة تارة وإلى جانب تلك تارة اخرى

الهند مستعمرة انجليزية

تركستان وما جاورها مستعمرات روسية يذيقها البلاشفة مر العذاب

وفيما عدا ذلك فهناك الاقليات الإسلامية المنثورة في كثير من البلدان لا تعرف دولة تلجا إلى حمايتها أوحكومة مسلحة تحتمي بجنسيتها كالمسلمين في الحبشة والصين والبلقان وبلاد افريقية الوسطى والجنوبية والشرقية والغربية

وبهذا الوضع انتصرت اوربا في هذا الصراع السياسي وتم لها ما ارادت من تمزيق الامبراطورية الإسلامية والذهاب بدولة الإسلام وحذفها سياسيا من دائرة الدول الحية العظيمة

إلى القوة من جديد: ولكن هذا العدوان الصارخ والاستهتار بالعهود والمواثيق احرج الصدور واثار النفوس فهبت هذه الأمم تطالب باستقلالها وتجاهد لاسترداد حريتها ومجدها واشتعلت فيها الثورات لهذا المعنى فثارت تركيا وثارت مصر وثارت العراق وسوريا وتكررت الثورات في فلسطين والريف في بلاد المغرب وعمت إلىقظة في النفوس كل مكان ووصلت شعوب الإسلام بذلك إلى بعض الحقوق فاستقلت تركيا في حدودها الجديدة واعتبرت مصر والعراق دولتين مستقلتين وقامت في الحجاز ونجد دولة السعوديين وحافظت إلىمن وايران وافغانستان على وضعياتها المستقلة وقاربت سوريا ان تسلب الاعتراف باستقلالها ولفتت فلسطين انظار العالم إلىها بكفاحها وخطا المسلمون ولا شك خطوات طيبة وان كانت قليلة وبطيئة نحو الاهداف الكريمة التي قصدوها من استعادة حريتهم واسترداد مجدهم وبناء دولتهم ولئن اتجهت هذه الخطوات إلى المعنى القومي الخاص وطالبت كل أمة بحقها في الحرية كأمة مستقلة وتعمد كثير من العاملين لهذه النهضة ان يغفل فكرة الوحدة فان مصير هذه الخطوات سيكون ولا شك التجمع وعودة الأمة الإسلامية كدولة متحدة تضم شتات شعوب العالم الإسلامي وترفع راية الإسلام وتحمل دعوته فليس في الدنيا أمة يجمعها ما يجمع المسلمون من وحدة اللغة والاشتراك في المصالح المادية والروحية والتشابه في الالام والامال

وحرب جديدة: ولقد خرجت الدول الاوربية من الحرب العالمية وبذور الحقد والبغضاء متاثرة في صدور الكثير منها وجاء مؤتمر الصلح ومعاهداته لطمات قاسية لبعضها وخيبة امل مؤلمة لكثير منها هذا إلى ظهور كثير من الفكر الجديدة المبادئ المتعصبة شديدة التعصب ولابد ان تنتهي هذه الحال بهذه الأمم إلى خلاف جديد وحرب طاحنة ضروس تبدد شملهم وتمزق وحدتهم وتعيدهم إلى رشدهم وتردهم عن ظلمهم وتهب لامم الإسلام فرصة اخرى تسوي فيها صفوفها وتجمع شملها وتستكمل حريتها واستقلالها وتسترد دولتها ووحدتها تحت لواء امير المؤمنين:

“ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض"... القصص:5-6



- صراع اجتماعي

حضارة جديدة: ان الأمم الاوربية التي اتصلت بالإسلام وشعوبه في الشرق بالحروب الصليبية وفي الغرب بمجاورة عرب الاندلس وخالطتهم ولم تستفد من هذا الاتصال مجرد الشعور القوي أوالتجمع والتوحد السياسي ولكنها افادت إلى جانب ذلك يقظة ذهنية وعقلية كبيرة واكتسبت علوما ومعارف جمة وظهرت فيها نهضة ادبية وعلمية واسعة النطاق وقامت الكنيسة تناقض هذه الظاهرة الغريبة وقامت الكنيسة تناقض هذه الظاهرة الغريبة بكل ما اوتيت من قوة وتذيق رجالها من الادباء والعلماء مر العذاب وتعتدي عليهم محاكم التفتيش وتثير ضدهم الدول والشعوب ولكن ذلك كله لم يجدها نفعا ولم تثبت تعاليمها امام حقائق العلم وكشوفه وخرجت النهضة العلمية منتصرة كل الانتصار وتنبهت الدولة بذلك فصارعت الكنيسة هي الاخرى حتى صرعتها وتخلص بذلك المجتمع الاوربي تخلصا تاما من سلطانها وطارد رجالها إلى المعبد والاديرة والزم البابا الاقأمة في الفاتيكان وحصر عمل رجال الدين في نطاق ضيق من شؤون الحياة لا يخرجون عنه ولا يتطلعون إلى سواه ولم تبق اوربا على المسيحية الا كتراث تاريخي وعامل من عوامل تهذيب البسطاء والاغرار من دهماء الشعوب ووسيلة من وسائل التغلب والاستعمار وقضاء المارب السياسية

وامتد امام الاوربيين رواق العلم وانفسح مجال الاختراع والكشف وضعفت الماكينة الانتاج ووجهت الحياة وجهة صناعية وسار ذلك جنبا إلى جنب مع نشاة الدولة القوية وامتداد سلطانها إلى كثير من البلاد والاقطار فاقبلت الدنيا على هذه الأمم الاوربية وجبيت إلىها ثمرات كل شيء وتدفقت عليها الاموال من كل مكان فكان طبيعيا بعد ذلك ان تقوم الحياة الاوربية والحضارة الاوربية على قاعدة اقصاء الدين عن مظاهر الحياة الاجتماعية وبخاصة الدولة والمحكمة والمدرسة وطغيان النظرية المادية وجعلها المقياس في كل شيء …

وتبعا لذلك صارت مظاهر هذه الحضارة مظاهر مادية بحتة تهدم ما جاءت به الاديان السماوية وتناقض كل المناقضة تلك الاصول التي قررها الإسلام الحنيف وجعلها اساسا لحضارته التي جمعت بين الروحانية والمادية جميعها ومن اهم الظواهر التي لازمت المدنية الاوروبية:

- الالحاد والشك في الله وانكار الروح ونسيان الجزاء الاخروي والوقوف عند حدود الكون المادي المحسوس: " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الاخرة هم غافلون "... الروم:7”.

- الاباحية والتهافت على اللذة والتفنن في الاستمتاع واطلاق الغرائز الدنيا من عقالها واشباع شهوتي البطن والفرج وتجهيز المراة بكل صنوف المفاتن والمغريات والاغراق في الموبقات اغراقا يحطم الاجسام والعقول ويقضي على نظام الاسر ويهدم سعادة البيوت: "والذين كفروا يتمتعون وياكلون كما تاكل الانعام والنار مثوى لهم "... محمد:12”.

- الاثرة في الافراد فكل انسان لا يريد الا خير نفسه وفي الطبقات فكل طبقة تتعالى على من سواها وتود ان تحظى بالمغانم دونها وفي الشعوب فكل أمة تتعصب لجنسها وتنتقص غيرها وتحاول ان تلتهم من هي اضعف منها.

- الربا والاعتراف بشرعيته واعتباره قاعدة التعامل والتفنن في صوره وضروبه وتعميمه بين الدول والافراد.

وقد انتجت هذه المظاهر المادية البحتة في المجتمع الاوروبي فساد النفوس وضعف الاخلاق والتراخي في محاربة الجرائم فكثرت المشكلات وظهرت المبادئ الهدامة واشتعلت الثورات المخربة المدمرة واضطربت النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فلم تستقر على حال وتمزقت الدول بالطوائف والاحزاب وتناحرت الشعوب على المطامع والاحقاد واثبتت هذه المدنية الحديثة عجزها التام عن تامين المجتمع الانساني واقرار الطمانينة والسلام فيه وفشلت في اسعاد الناس رغم ما فتحت عليهم من حقائق العلم والمعرفة وما وفرت لهم من اسباب الغنى والثراء وما مكنت لدولها في الأرض من قوة وسلطان ولما يمض عليها قرن كامل من الزمان



- طغيان المادة على بلاد الإسلام

وقد عمل الاوروبيون جاهدين على ان تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة جميع البلاد الإسلامية التي امتدت إلىها ايديهم واوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم مع حرصهم الشديد على ان يحتجزوا دون هذه الأمم عناصر الصلاح والقوة من العلوم والمعارف والصناعات والنظم النافعة وقد احكموا خطة هذا الغزو الاجتماعي احكاما شديدا واستعانوا بدهائهم السياسي وسلطانهم العسكري حتى تم لهم ما ارادوا.

اغروا كبار المسلمين بالاستدانة منهم والتعامل معهم وسهلوا عليهم ذلك وهونوه عليهم واستطاعوا بذلك ان يكتسبوا حق التدخل الاقتصادي وان يغرقوا البلاد برؤوس اموالهم ومصارفهم وشركاتهم وان يديروا دولاب العمل الاقتصادي كما يريدون وان يستاثروا دون الاهلين بالارباح الطائلة والثروات العظيمة وتمكنوا بعد ذلك من ان يغيروا قواعد الحكم والقضاء والتعليم وان يصبغوا النظم السياسية والتشريعية والثقافية بصبغتهم الخالصة في اقوى بلاد الإسلام

وجلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريات وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهيهم وقصصهم وجرائدهم ورواياتهم وخيالاتهم وعبثهم ومجونهم واباحوا فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثة التي تعج بالاثم

وتطفح بالفجور في اعين البسطاء الاغرار من المسلمين الاغنياء وذوي الرأي فيهم واهل المكان والسلطان

ولم يكفهم هذا حتى انشاوا المدارس والمعاهد العلمية والثقافية في عقر ديار الإسلام تقذف في نفوس ابنائه الشك والالحاد وتعلمهم كيف ينتقصون انفسهم ويحتقرون دينهم ووطنهم وينسلخون من تقإلىدهم وعقائدهم ويقدسون كل ما هو غربي ويؤمنون بان ما يصدر عن الاوروبيين وحده هو المثل الاعلى في هذه الحياة.

واحتوت هذه المدارس على الطبقة العليا وحدها وصارت وقفا عليها وابناء هذه الطبقة هم العظماء والحكام ومن سيكون بيدهم بعد قليل مقإلىد الامور في هذه الأمم والشعوب ومن لم يتم نضجه في هذه المعاهد الموضعية فان في البعثات المتلاحقة ما يكفل لهم التمام.

ونجح هذا الغزو الاجتماعي المنظم العنيف اعظم النجاح فهو غزو محبب إلى النفوس لاصق بالقلوب طويل العمر قوي الاثر وهو لهذا اخطر من الغزو السياسي والعسكري باضعاف الاضعاف..

وتغالت بعض الأمم الإسلامية في الاعجاب بهذه الحضارة الاوربية والتبرم بصبغتها الإسلامية حتى اعلنت تركيا انها دولة غير اسلامية وتبعت الاوربيين بعنف قاس في كل ما يصنعون وحاول ذلك امان الله خان ملك الافغان فطاحت تلك المحاولة بعرشه وازدادت في مصر مظاهر هذا التقليد واستفحلت حتى استطاع رجل من ذوي الرأي فيها ان يجهر بانه

لا سبيل الا الترقي الا بان ناخذ بهذه الحضارة خيرها وشرها وحلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب واخذت تنتقل في سرعة وقوة من مصر إلى ما جاورها من البلاد حتى وصلت إلى اقصى المغرب وطوفت بالمشاعر المقدسة في ربوع الحجاز..

ونستطيع ان نقسم البلاد الإسلامية بحسب تاثرها بهذه الحضارة المادية وطغيان مادتها عليها إلى ثلاثة اقسام:

1- بلاد بلغ هذا التاثر مبلغا عظيما يصل إلى القلوب والمشاعر كما غير الاوضاع والمظاهر ومن هذه البلاد تركيا ومصر فقد انحسر ظل الفكرة الإسلاميةفي هذه البلاد عن كل الاوضاع الاجتماعية وطوردت الفكرة الإسلامية لتقبع في المساجد والزوايا والربط والتكايا

2- بلاد تاثرت بهذه الحضارة في اوضاعها ومظاهرها الرسمية ولكنها لم تتغلب فيها على المشاعر القلبية كايران وبلاد المغرب وشمال افريقيا

3- بلاد لم تتاثر بهذه الحضارة فيها الا طبقة خاصة من المثقفين والحكام دون العامة والدهماء كسوريا والعراق والحجاز وكثير من اجزاء الجزيرة العربية وبقية ممالك الإسلام ومع هذا فالموجة تمتد بسرعة البرق لتصل إلى ما لم تصل إلىه بعد من النفوس والطبقات والاوضاع.

ولقد استطاع خصوم الإسلام ان يخدعوا عقلاء المسلمين وان يضعوا ستارا كثيفا امام اعين الغير منهم بتصوير الإسلام نفسه تصويرا قاصرا في ضروب من العقائد والعبادات والاخلاق إلى جانب مجموعة من الطقوس والخرافات والمظاهر الجوفاء واعانهم على هذه الخديعة:

جهل المسلمين بحقيقة دينهم حتى استراح كثير منهم إلى هذا التصوير واطمانوا إلىه ورضوا به وطال عليهم في ذلك الامد حتى صار من العسير ان نفهم احدهم ان الإسلام نظام اجتماعي كامل يتناول كل شؤون الحياة.

نستطيع بعد ذلك ان نقول: ان الحضارة الغربية بمبادئها المادية قد انتصرت في هذا الصراع الاجتماعي على الحضارة الإسلامية بمبادئها القويمة الجامعة للروح والمادة معا في ارض الإسلام نفسه وفي حرب ضروس ميدانها نفوس المسلمين وارواحهم وعقائدهم وعقولهم كما انتصرت في الميدان السياسي والعسكري ولا عجب في هذا فان مظاهر الحياة لا تتجزا والقوة قوة فيها جميعا والضعف ضعف فيها جميعا كذلك: وتلك الأيام نداولها بين الناس ال عمران:140 وان كان مبادئ الإسلام وتعاليمه ظلت قوية في ذاتها فياضة بالخصب والحياة جذابة اخاذة بروعتها وجمالها وستظل كذلك لانها الحق ولن تقوم الحياة الانسانية كاملة فاضلة بغيرها ولانها من صنع الله وفي حياطته: " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون"... الحجر:9... "ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون"... التوبة:32

يقظة: وكما كان لذلك العدوان السياسي اثره في تنبيه المشاعر القومية كان لهذا الطغيان الاجتماعي اثره في انتعاش الفكرة الإسلامية فارتفعت الاصوات من كل مكان تطالب بالرجوع إلى الإسلام وتفهم احكامه وتطبيق نظامه ولابد ان ياتي قريبا ذلك اليوم الذي تندك فيه صروح هذه المدنية المادية على رؤوس اهلها وحينئذ يشعرون بسعير الجوع الروحي تشتعل به قلوبهم وارواحهم ولا يجدون الغذاء والشفاء والدواء الا في تعاليم هذا الكتاب الكريم:

“يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون "... يونس:57-58”.

دعوتنا دعوة للبعث والانقاذ

تركة مثقلة: وهكذا ايها الإخوان اراد الله ان نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات وان يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذه الظلام وان يهيئكم الله لاعلاء كلمته واظهار شريعته واقأمة دولته من جديد: ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز

اهدافنا العامة: مإذا نريد ايها الإخوان انريد جمع المال وهو ظل زائل ام سعة الجاه وهو عرض حائل ام نريد الجبروت في الأرض: " ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الاعراف ونحن نقرا قول الله تبارك وتعإلى تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "...القصص:83

شهد الله اننا لا نريد شيئا من هذا وما لهذا عملنا ولا إلىه دعونا ولكن اذكروا دائما ان لكم هدفين اساسيين:

1- ان يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان اجنبي وذلك حق طبيعي لكل انسان لا ينكره الا ظالم جائر أومستبد قاهر

2- ان تقوم في هذا الوطن الحر دولة اسلامية حرة تعمل باحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس وما لم تقم هذه الدولة فان المسلمين جميعا اثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في اقامتها وقعودهم عن ايجادهم

ومن العقوق للانسانية في هذه الظروف الحائرة ان تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام

نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيل وفي بلاد العروبة وفي كل ارض اسعدها الله بعقيدة الإسلام: دين وجنسية وعقيدة توحد بين جميع المسلمين

اهدافنا الخاصة: ولنا بعد هذين الهدفين اهداف خاصة لا يصير المجتمع اسلاميا كاملا الا بتحقيقها

فاذكروا ايها الإخوان ان اكثر من 60 من المصريينيعيشون اقل من معيشة الحيوان ولا يحصلون علي القوت الا بشق النفس

وان مصر مهددة بمجاعة قاتلة ومعرضة لكثير من المشكلات الاقتصادية التي لا يعلم نتيجتها الا الله

وان مصر بها اكثر من 230 شركة اجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع انحاء البلاد

وان دولاب التجارة والصناعة والمنشات الاقتصادية كلها في ايدي الاجانب المرابين

وان الثروة العقارية تنتقل بسرعة البرق من ايدي الوطنيين إلى ايدي هؤلاء

وان مصر اكثر بلاد العالم المتمدين أمراضا واوبئة وعاهات

وان اكثر من 90 من الشعب المصري مهدد بضعف البنية وفقد الحواس ومختلف العلل والأمراض

وان مصر لا زالت إلى الان جاهلة لم يصل عدد المتعلمين فيها إلى الخمس بما في ذلك اكثر من مائة الف شخص لا يتجاوز تعليمهم برامج مدارس الالزام

وان الجرائم تتضاعف فيمصر وتتكاثر بدرجة هائلة حتى ان السجون لتخرج اكثر مما تخرج المدارس

وان مصر لم تستطع إلى الان ان تجهز فرقة واحدة في الجيش كاملة المعدات

وان هذه المعاني والصور تتراءى في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي

فمن اهدافكم ان تعملوا لاصلاح التعليم ومحاربة الفقر والجهل والمرض والجريمة وتكوين مجتمع نموذجي ان ينتسب إلى شريعة الإسلام.

وسائلنا العامة: كيف نصل إلى هذه الاهداف

ان الخطب والاموال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك وحده لا يجدي نفعا ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الاهداف؛ ولكن للدعوات وسائل لا بد من الاخذ بها والعمل لها والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الامور الثلاثة:

الإيمان العميق ... التكوين الدقيق ... العمل المتواصل

وتلك هي وسائلكم العامة ايها الإخوان فامنوا بفكرتكم وتجمعوا حولها واعملوا لها واثبتوا عليها



وسائل اضافية: وقد تكون إلى جانب هذه الوسائل العامة وسائل اضافية لا بد من الاخذ بها وسلوك سبيلها، منها السلبي ومنها الايجابي، ومنها ما يتفق مع عرف الناس، ومنها ما يخرج علي هذا العرف ويخالفه ويناقضه، ومنها ما فيه لين ومنها ما فيه شدة، ولا بد ان نروض انفسنا علي تحمل ذلك كله والاعداد لهذا كله، حتى نضمن النجاح

قد يطلب إلىنا ان نخالف عادات ومالوفات، وان نخرج علي نظم واوضاع الفها الناس وتعارفوا عليها وليست الدعوة في حقيقة أمرها إلا خروجا علي المالوفات وتغييرا للعادات والاوضاع

فهل انتم مستعدون لذلك ايها الإخوان

وتثبيط: وسيقول كثير من الناس: ومإذا تعني هذه الوسائل وما عساها ان تنفع في بناء أمة وترميم مجتمع

هذه المشكلات المزمنة ومع استقرار الحال علي هذه المفاسد المتعددة

وكيف تعالجون الاقتصاد علي غير اساس الربا

وكيف تصنعون في قضية المراة

وكيف تنالون حقكم بغير قوة

فاعلموا ايها الإخوان ان وساوس الشيطان يلقيها في امنية كل مصلح فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته والله عليم حكيم واذكروا لهؤلاء جميعا ان التاريخ يقص علينا من نبا الأمم الماضية والحاضرة ما فيه عظة وعبرة والأمة التي تصمم علي الحياة لا يمكن ان تموت

العقبات في طريقنا: أحب أن اصارحكم ان دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقي منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية ، وستجدون امامكم كثيرا من المشقات، وسيعترضكم كثير من العقبات

وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بداتم تسلكون سبيل اصحاب الدعوات

اما الان فلا زلتم مجهولين تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد

سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم،

وستجدون من اهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للاسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله

وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان

وستقف في وجهكم كل الحكومات علي السواء

وستحاول كل حكومة ان تجد من نشاطكم وان تضع العراقيل في طريقكم

وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم واطفاء نور دعوتكم

وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والايدي الممتدة إلىهم بالسؤال وإلىكم بالاساءة والعدوان

وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون ان يلصقوا بها كل نقيصة، وان يظهروها للناس في ابشع صورة معتمدين علي قوتهم وسلطانهم ومعتدين باموالهم ونفوذهم: " يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون "... التوبة:32

وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان فتسجنون وتعتقلون وتنقلون وتشردون وتصادر مصالحكم وتعطل اعمالكم وتفتش بيوتكم وقد يطول بكم مدي هذا الامتحان: " احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا امنا وهم لا يفتنون "... العنكبوت:2

ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين " يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب إلىم ……… فايدنا الذين امنوا على عدوهم فاصبحوا ظاهرين"... الصف:10-14

فهل انتم مصرون علي ان تكونوا انصار الله



عوامل النجاح: ومن الحق ايها الإخوان ان نذكر امام هذه العقبات جميعا اننا ندعو بدعوة الله وهي اسمي الدعوات وننادي بفكرة الإسلام وهي اقوي الفكر

ونقدم للناس شريعة القرآن وهي اعدل الشرائع " صبغة الله ومن احسن من الله صبغة" البقرة:138

وان العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة وكل ما فيه يمهد لها ويهيئ سبيلها

واننا بحمد الله برءاء من المطامع الشخصية بعيدون عن المنافع الذاتية، ولا نقصد إلا وجه الله وخير الناس، ولا نعمل الا ابتغاء مرضاته، واننا نترقب تاييد الله ونصره الله فلا غالب له: "ذلك بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى" ... لهم محمد:11

فقوة دعوتنا وحاجة إلىها ونبالة مقصدنا وتاييد الله ايانا هي عوامل النجاح التي لا تثبت امامها عقبة ولا يقف في طريقها عائق: " والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون " يوسف:21



الإخوان فكرة في نفوس اربعة

ايها الإخوان الكرام:

طالعت كثيرا وجربت كثيرا وخالطت اوساطا كثيرة وشهدت حوادث عدة فخرجت من هذه السياحة القصيرة المدى الطويلة المراحل بعقيدة ثابتة لا تتزلزل هي ان:

السعادة التي ينشدها الناس جميعا انما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم ولا تاتيهم من خارج هذه القلوب ابدا وان الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه انما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك وان القرآن الكريم يؤيد هذا المعنى ويوضحه ذلك قول الله تعالى: " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم"... الرعد:11

وما رايت كلاهما اعمق في فلسفة الاجتماع من قول ذلك:

لعمرك ما ضاقت بلاد باهلها ولكن اخلاق الرجال تضيق

اعتقدت هذا واعتقدت إلى جانبه انه ليست هناك نظم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية وتهدي الناس إلى الطرق لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة وليس هنا مجال تفصيل هذه التعاليم هذه التعاليم ولا مجال التدليل على انها تتضمن هذه النتيجة وتكفل سعادة البشرية جميعا فلذلك مجال اخر فضلا عن اننا كلنا فيما اعتقد شركاء في التسليم بصحة هذه النظرية على ان كثيرا من غير المسلمين يقر بها ويعترف بما في الإسلام من جمال وكمال

ولهذا وقفت نفسي منذ نشات على غاية واحدة هي ارشاد الناس إلى الإسلام حقيقة وعملا ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين اسلامية بحتة في غايتها وفي وسائلها لا تتصل بغير الإسلام ي شيء

ظلت هذه الخواطر حديثا نفسانيا ومناجاة روحية بها في نفسي لنفسي وقد افضي بها إلى كثير ممن حولي وقد تظهر في شكل دعة فردية أوخطابة وعظية أودرس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس أوحث لبعض الاصدقاء والعلماء على بذل الهمة ومضاعفة المجهود في انقاذ الناس وارشادهم إلى ما في الإسلاممن خير

ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة الهبت نفسي واهابت كوامن في قلبي ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه والتاسيس بعد التدريس ولا اطيل عليكم بتفصيل حوادث انتهى أمرها وعفت اثارها وفاء إلى الرشد أوبعض الرشد اصحابها

ولقد اخذت افاتح كثيرا من كبار القوم في وجوب النهوض والعمل وسلوك طريق الجد والتكوين فكنت اجد التثبيط احيانا والتشجيع احيانا والتريث احيانا ولكني لم اجد ما اريد من الاهتمام بتنظيم الجهود العملية ومن الوفاء اذكر في هذا المقام المرحوم احمد باشا تيمور افسح الله له في جنته فما رايته الا مثالا للهمة المتوثبة والغيرة المتوقدة وما تحدثت إلىه في شان من شؤون الأمة العامة الا وجدت العقل الكامل والاستعداد التام والالمام الشامل وترقب ساعة العمل فرحمه الله واجزل مثوبته

وليت وجهي شطر الاصدقاء والإخوان ممن جمعني واياهم عهد الطلب وصدق الود والشعور بالواجب فوجدت استعدادا حسنا وكان اسرعهم إلى مشاركتي عبء التفكير واكثرهم اقتناعا بوجوب العمل في اسراع وهمة الإخوان الفضلاء: احمد افندي السكري والاخ المفضال المرحوم الشيخ حامد عسكرية اسكنه الله فسيح جنته والاخ الشيخ احمد عبد الحميد وكثير غيرهم

وكان عهد وكان موثق ان يعمل كل منا لهذه الغاية حتى يتحول العرف العام في الأمة إلى وجهة اسلامية صالحة

ليس يعلم احد الا الله كم من الليإلى كنا نقضيها نستعرض حال الأمة وما وصلت إلىه في مختلف مظاهر حياتها ونحلل العلل والادواء ونفكر في العلاج وحسم الداء ويفيض بنا التاثر لما وصلنا إلىه إلى حد البكاء وكم كنا نعجب اذ نرى انفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليون هاجعون يتسكعون بين المقاهي ويترددون على اندية الفساد والاتلاف فإذا سالت احدهم عما يحمله على هذه الجلسة الفارغة المملة قال لك: اقتل الوقت وما دري هذه المسكين ان من يقتل وقته انما يقتل نفسه فانما



الوقت هو الحياة

كنا نعجب لهؤلاء الناس وكثير منهم من المثقفين ومن هم اولى منا بحمل هذا العبء ثم يقول بعضنا لبعض: أليس هذا داء من ادواء الأمة ولعله اخطرها الا تفكر في مرضها والا تعمل لعلاج نفسها ولهذا وامثاله نعمل ولاصلاح هذا الفساد وقفنا انفسنا فنتعزى ونحمد الله على ان جعلنا من الداعين إلىه العاملين لدينه

وعمل الزمن عمله فتفرقنا نحن الاربعة فكان احمد افندي السكري بالمحمودية وكان المرحوم الشيخ حامد عسكرية بالزقازيق وكان الشيخ احمد عبد الحميد بكفر الدوار وكنت بالاسماعيلية اذكر قول الشاعر:

بالشام اهلي وبغداد الهوى وانا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني

وفي الاسماعيلية ايها الإخوان وضعت اول نواة تكوينية للفكرة وظهرت اول هيئة متواضعة نعمل ونحمل لوائها نعاهد الله على الجندية التأمة في سبيلها تحت اسم الإخوان المسلمون وكان ذلك في ذي القعدة سنة 1347 ه

اسلام الإخوان المسلمين

واسمحوا لي إخواني استخدام هذا التعبير ولست اعني به ان للإخوان المسلمين اسلاما جديدا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه

وانما اعني ان كثيرا من المسلمين في كثير من المسلمين في كثير من العصور خلعوا عن الإسلام نعوتا واوصافا ورسوما من عند انفسهم واستخدموا مرونته وسعته استخداما ضارا، مع انها لم تكن الا للحكمة السامية فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافا وانطبعت للاسلام في نفس ابنائه صور عدة تقرب أوتبعد أوتنطبق على الإسلام الاول الذي مثله رسول الله واصحابه خير تمثيل

فمن الناس من لا يرى الإسلام شيئا غير حدود العبادة الظاهرة، فان اداها أوراى من يؤديها، اطمان إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل إلى لب الإسلام وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين

ومن الناس من يرى الإسلام الا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح والبعد بهما عن ادران المادة الطاغية الظالمة

ومنهم من يقف اسلامه عند حد الاعجاب بهذه المعاني الحيوية العملية في الإسلام فلا يتطلب النظر إلى غيرها ولا يعجبه التفكير في سواها

ومنهم من يرى الإسلام نوع من العقائد الموروثة والاعمال التقليدية التي لا غناء فيها ولا تقدم معها، فهو متبرم بالإسلام وبكل ما يتصل بالإسلام، وتجد هذا المعنى واضحا في نفوس كثير من الذين ثقفوا ثقافة اجنبية ولم تتح لهم فرص حسن الاتصال بالحقائق الإسلامية فهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئا اصلا أوعرفوه صورة مشوهة بمخالطة من لم يحسنوا تمثيله من المسلمين

وتحت هذه الاقسام جميعا تندرج اقسام اخرى يختلف نظر كل منها إلى الإسلام عن نظر الاخر قليلا أوكثيرا وقليل من الناس ادرك الإسلام صورة كاملة واضحة تنتظم هذه المعاني جميعا

هذه الصور المتعددة للاسلام الواحد في نفوس الناس جعلتهم يختلفون اختلافا بينا في فهم الإخوان المسلمون وتصور فكرتهم

فمن الناس من يتصور الإخوان المسلمون جماعة وعظية ارشادية كل همها ان تقدم للناس العظات فتزهدهم في الدنيا وتذكرهم بالاخرة

ومنهم من يتصور الإخوان المسلمين طريقة صوفية تعني بتعليم الناس ضروب الذكر وفنون العبادة وما يتبع ذلك من تجرد وزهادة

ومنهم من يظنهم جماعة نظرية فقهية كل نظرهم ان تقف عند طائفة من الاحكام تجادل فيها وتناضل عنها وتحمل الناس عليها وتخاصم أوتسالم من لم يسلم بها معها

وقليل من الناس خالطوا الإخوان المسلمين وامتزجوا بهم ولم يقفوا عند حدود السماع ولم يخلعوا على الإخوان المسلمين اسلاما يتصورنه هم، فعرفوا حقيقتهم وادركوا كل شيء عن دعوتهم علما وعملا

ولهذا أحببت ان اتحدث لحضراتكم عن معنى الإسلام وصورته الماثلة في نفوس الإخوان المسلمين حتى يكون الاساس الذي ندعو إلىه ونعتز بالانتساب له والاستمداد منه واضحا جليا

1- نحن نعتقد ان احكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا والاخرة وان الذين يظنون ان هذه التعاليم انما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية وعمل ومصحف وسيف

والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصي بالاحسان فيه جميعه وإلى هذا تشير الآية الكريمة:"وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله إلىك "... القصص:77”

وانك لتقرا في القرآن وفي الصلاة ان شئت قول الله تبارك وتعإلى في العقيدة والعبادة: " وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"... البينة:5

وتقرا قوله تعالى في الحكم والقضاء والسياسة: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"... النساء:65”

وتقرا قوله تعالى في الدين والتجارة: " يا ايها الذين امنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا ياب كاتب ان يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فان كان الذي عليه الحق سفيها أوضعيفا أولا يستطيع ان يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامراتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا ولا تساموا ان تكتبوه صغيرا أوكبيرا إلى اجله ذلكم اقسط عند الله واقوم للشهادة وادني الا ترتابوا الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح الا تكتبوها واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد "... البقرة:282”

وتقرا قوله تعالى في الجهاد والقتال والغزو: " وإذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ولياخذوا اسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتات طائفة اخرى لم يصلوا فليصلوا معك ولياخذوا حذرهم واسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر أوكنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم وخذوا حذركم"... النساء:102

وإلى غير ذلك من الايات الكثيرة البارعة في هذه الاغراض نفسها وفي غيرها من الاداب العامة وشؤون الاجتماع

وهكذا اتصل الإخوان بكل بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه ، فايقنوا ان الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل، وانه يجب ان يهيمن على كل شؤون الحياة وان تصطبغ جميعها به، وان تنزل على حكمه وان تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت الأمة تريد ان تكون مسلمة اسلاما صحيحا

اما إذا اسلمت في عباداتها وقلدت غير المسلمين في بقية شؤونها فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهئ الذين قال تعالى فيهم: " افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون"... البقرة:85”



إلى جانب هذا يعتقد الإخوان المسلمون ان اساس التعاليم الإسلامية معينها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اللذان ان تمسكت بهما فلن تضل ابدا، وان كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي اوجدتها والشعوب التي عاصرتها ، ولهذا يجب ان تستقي النظمالإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الاولى، وان نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وان نقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد انفسنا بغير ما يقيدنا الله به ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا.



وإلى جانب هذا ايضا يعتقد الإخوان المسلمون ان الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الاعصار والأزمان، جاء اكمل واسمى من ان يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في الامور الدنيوية البحتة فهو انما يضع القواعد الكلية في كل شان من هذه الشؤون ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها



ولضمان حق الصواب في هذا التطبيق أوتحريهما على الاقل عني الإسلام عناية تامة بعلاج النفس الانسانية وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل فوصف لها من الادوية الناجعة ما يطهرها من الهوى ويغسلها من اضرار الغرض والغاية ويهديها إلى الكمال والفضيلة ويزجرها عن الجور القصور العدوان

وإذا استقامت النفس وصفت فقد اصبحت كل ما يصدر عنها صالحا جميلا، يقولون ان العدل ليس في نص القانون ولكنه في نفس القاضي، وقد تاتي بالقانون الكامل العادل إلى القاضي ذي الهوى والغاية فيطبقه تطبيقا جائرا لا عدل معه، وقد تاتي بالقانون الناقص والجائر إلى القاضي الفاضل العادل البعيد عن الأهواء والغايات فيطبقه تطبيقا فاضلا عادلا فيه كل الخير والبر والرحمة والانصاف.

ومن هنا كانت النفس الانسانية محل عناية كبرى في كتاب الله وكانت النفوس الاولى التي صاغها هذا الإسلام مثال الكمال الانساني ولهذا كله كانت طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم وتتسع لكل الاغراض والمطالب ولهذا ايضا كان الإسلام لا يابى ابدا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية واصوله العامة .

الإخوان فكرة اصلاحية شاملة

كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للاسلام عند الإخوان المسلمين ان شملت فكرتهم كل نواحي الاصلاح في الأمة وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الاصلاحية واصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها امنيته والتقت عندها امال محبي الاصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها وتستطيع ان تقول ولا حرج عليك ان الإخوان المسلمين:

دعوة سلفية: لانهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.

وطريقة سنية: لانهم يحملون انفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا

وحقيقة صوفية: لانهم يعلمون ان اساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة علي العمل والاعراض عن الخلق والحب في الله والارتباط علي الخير

وهيئة سياسية: لانهم يطالبون باصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج وتربية الشعب علي العزة والكرأمة والحرص علي قوميته إلى ابعد حد

وجماعة رياضية: لانهم يعنون بجسومهم ويعلمون ان المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وان النبي صلي الله عليه وسلم يقول: ان لبدنك عليك حقا وان تكإلىف الإسلام كلها لا يمكن ان تؤدي كاملة صحيحة الا بالجسم القوي فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل اعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق ولانهم تبعا لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيرا من الاندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها

ورابطة علمية ثقافية: لان الإسلام يجعل طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة ولان اندية الإخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح

وشركة اقتصادية: لان الإسلام يعني بتدبير المال وكسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلي الله عليه وسلم: نعم المال الصالح للرجل الصالح ويقول: من امسي كالا من عمل يده امسي مغفورا له ان الله يحب المؤمن المحترف”

وفكرة اجتماعية: لانهم يعنون بادواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها



وهكذا نري ان شمول معني الإسلام قد اكسب فكرتنا شمولا لكل مناحي الاصلاح ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إلىها جميعا ويعلمون ان الإسلام يطالبهم بها جميعا

ومن هنا كان كثير من مظاهر اعمال الإخوان يبدو امام الناس متناقضا وما هو بمتناقض

فقد يري الناس الاخ المسلم في المحراب خاشعا متبتلا يبكي ويتذلل وبعد قليل سكون هو بعينه واعظا مدرسا يقرع الإذان بزواخر الوعظ وبعد قليل تراه نفسه رياضيا انيقا يرمي بالكرة أويدرب علي العدو أو يمارس السباحة وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أومعمله يزاول صناعته في امانة وفي اخلاص هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض ولو علموا انها جميعا يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام ومع هذا الشمول فقد اجتنب الإخوان كل ما يؤخذ علي هذه النواحي من الماخذ ومواطن النقد والتقصير.

كما اجتنبوا التعصب للالقاب اذ جمعهم الإسلام الجامع حول لقب واحد هو الإخوان المسلمون.



خصائص دعوة الإخوان

لعل من صنع الله لدعوة الإخوان المسلمين ان تنبت بالاسماعيلية وان يكون ذلك على اثر خلاف فقهي بين الاهلين، وانقسام دام سنوات حول بعض النقاط الفرعية التي اذكى نار الفرقة فيها ذوو المطامع والاغراض، وان تصادف نشاتها عهد الصراع القوي العنيف بين الاجنبي المتعصب والوطني المجاهد فكان من اثر هذه الظروف ان تميزت هذه الدعوة بخصائص خالفت فيها كثيرا من الدعوات التي عاصرتها ومن هذه الخصائص:

البعد عن مواطن الخلاف

البعد عن هيمنة الاعيان والكبراء

البعد عن الاحزاب والهيئات

العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات

ايثار الناحية العملية الانتاجية على الدعاية والاعلانات

وشدة الاقبال من الشباب

وسرعة الانتشار في القرى والمدن



البعد عن مواطن الخلاف

فاما البعد عن مواطن الخلاف الفقهي فلان الإخوان يعتقدون ان الخلاف في الفرعيات أمر ضروري لابد منه

اذ ان اصول الإسلام ايات واحاديث واعمال تختلف في فهمها وتصورها العقول والافهام لهذا كان الخلاف واقعا بين الصحابة انفسهم ومازال كذلك وسيظل إلى يوم القيامة

وما احكم الامام مالك رضي الله عنه حين قال لابي جعفر وقد اراد ان يحمل الناس على الموطا: “ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الامصار وعند كل قوم علم فإذا حملتهم على راي واحد تكون فتنة”

وليس العيب في الخلاف ولكن العيب في التعصب للراي والحجر على عقول الناس وارائهم ه

ذه النظرة إلى الامور الخلافية جمعت القلوب المتفرقة على الفكرة الواحدة، وحسب الناس ان يجتمعوا على ما يصير به المسلم مسلما كما قال زيد رضي الله عنه

وكانت هذه النظرة ضرورية لجماعة تريد ان تنشر فكرة في بلد لم تهدا بعد فيه ثائرة الخلاف على امور لا معنى للجدل ولا للخلاف فيها



البعد عن هيمنة الكبراء والاعيان:

واما البعد عن هيمنة الكبراء والاعيان، فلانصرافهم عن هذه الدعوات الناشئة المجردة من الغايات والأهواء إلى الدعوات القائمة التي تستتبع المغانم وتجر المنافع ولو في ظن الناس لا في حقيقة الحال

ولاننا معشر القائمين بدعوة الإخوان تعمدنا هذا لاول عهد الدعوة بالظهور حتى لا يطمس لونها الصافي لون اخر من الوان الدعوات التي يروج لها هؤلاء الكبراء

وحتى لا يحاول احد منهم ان يستغلها أويوجهها في غير الغاية التي تقصد إلىها

وذلك إلى ان كثير من العظماء ينقصه الكمال الإسلامي الذي يجب ان يتصف به المسلم العادي فضلا عن المسلم العظيم الذي يحمل اسم دعوة اسلامية لارشاد الناس

وعلى هذا فقد ظل هذا الصنف بعيدا عن الإخوان اللهم الا قليلا من الاكرمين الفضلاء، يفهم فكرتهم ويعطف على غايتهم ويشارك في اعمالهم ويتمنى لهم التوفيق والنجاح



البعد عن الهيئات والاحزاب

واما البعد عن الاتصال بالاحزاب والهيئات، فلما كان ولا يزال بين هذه الهيئات من التنافر والتناحر الذي لا يتفق مع اخوة الإسلام ودعوة الإسلام عامة تجمع ولا تفرق ولا ينهض بها ولا يعمل لها الا من تجرد من كل الوانه وصار لله خالصا

وقد كان هذا المعنى من قبل عسيرا على النفوس الطامحة التي تريد ان تصل عن طريق حزبيتها أوجماعتها إلى ما تريد من جاه

ولهذا اثرنا ان نتجنب الجميع وان نصبر على الحرمان من كثير من العناصر الصالحة حتى ينكشف الغطاء ويدرك الناس بعض الحقائق المستورة عنهم فيعودوا إلى الخطة المثلى بعد التجربة وقد امتلات قلوبهم بإلىقين والإيمان

ونحن الان وقد اشتد ساعد الدعوة وصلب عودها واصبحت تستطيع ان توجه ولا توجه وان تؤثر ولا تتاثر، نهيب بالكبراء والاعيان والهيئات والاحزاب ان ينضموا إلىنا وان يسلكوا سبيلنا وان يعملوا معنا، وان يتركوا هذه المظاهر الفارغة التي لا غناء فيها ويتوحدوا تحت لواء القرآن العظيم، يستظلوا براية النبي الكريم ومنهاج الإسلام القويم، فان اجابوا فهو خيرهم وسعادتهم في الدنيا والاخرة وتستطيع الدعوة بهم ان تختصر الوقت والجهود، وان ابوا فلا باس علينا ان ننتظر قليلا ونلتمس المعونة من الله وحده حتى يحاط بهم أويسقط في ايديهم ويضطرون إلى العمل للدعوة اذنابا وقد كانوا يستطيعون ان يكونوا رؤساء " والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون"... يوسف:21”



التدرج في الخطوات

واما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين، فذلك انهم اعتقدوا ان كل دعوة لابد لها من مراحل ثلاث:

مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وايصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب

ثم مرحلة التكوين وتخير الانصار واعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين

ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والانتاج

وكثيرا ما تسير هذه المراحل الثلاث جنبا إلى جنب نظرا لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعا فالداعي يدعو وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك

ولكن لاشك في ان الغاية الاخيرة أوالنتيجة الكاملة لا تظهر الا بعد عموم الدعاية وكثرة الانصار ومتانة التكوين.

في حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ولا تزال تسير

فقد بدانا بالدعوة فوجهناها إلى الأمة في دروس متتالىة وفي رحلات متلاحقة وفي مطبوعات كثيرة وفي حفلات عامة وخاصة وفي جريدة الإخوان المسلمين الاولى ثم في مجلة النذير الاسبوعية ولا زلنا ندعو وسنظل كذلك حتى لا يكون هناك فرد واحد لم تصله دعوة الإخوان المسلمين على حقيقتها الناصعة وعلى وجهها الصحيح ويابى الله الا ان يتم نوره

واظن اننا وصلنا في هذه المرحلة إلى درجة نطمئن عليها وعلى اطراد السير فيها، وصار من الزم واجباتنا ان نخطو الخطوة الثانية خطوة الاختيار والتكوين والتعبئة



خطونا الخطوة الثانية في صور ثلاث:

الكتائب: ويراد بها تقوية الصف بالتعارف وتمازج النفوس والارواح ومقاومة العادات والمالوفات والمران على حسن الصلة بالله تبارك وتعالى واستمداد النصر منه وهذا هو معهد التربية الروحية للإخوان المسلمين.

الفرق للكشافة والجوالة والالعاب الرياضية: ويراد بها تقوية الصف بتنمية جسوم الإخوان وتعويدهم الطاعة والنظام والاخلاق الرياضية الفاضلة واعدادهم للجندية الصحيحة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم وهذا هو معهد التربية الجسمية للإخوان المسلمين.

درس التعاليم في الكتائب أوفي اندية الإخوان المسلمين: ويراد بها تقوية الصف بتنمية افكار الإخوان وعقولهم بدراسة جامعة لاهم ما يلزم الاخ المسلم معرفته لدينه ودنياه، وهذا هو معهد التربية العلمية والفكرية للإخوان المسلمين ..

ذلك إلى مختلف نواحي النشاط الاخرى التي يدرب بها الإخوان على الواجب الذي ينتظرهم كجماعة تعد نفسها لقيادة أمة بل لهداية العالمين.

بعد ان نطمئن على موقفنا من هذه الخطوة نخطو ان شاء الله الخطوة الثالثة وهي الخطوة العملية التي تظهر بعدها الثمار الكاملة لدعوة الإخوان المسلمين



مصارحة

ايها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم:

اسمعوها مني كلمة عإلىة داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع:

ان طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ، ولست مخالفا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بانها اسلم طريق للوصول اجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها

انما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب فمن اراد منكم ان يستعجل ثمرة قبل نضجها أويقتطف زهرة قبل اوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له ان ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات

ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف، فاجره في ذلك علي الله ولن يفوتنا واياه اجر المحسنين: اما النصر والسيادة واما الشهادة والسعادة

ايها الإخوان المسلمون:

الجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وانيروا اشعة العقول بلهب العواطف والزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الحقائق في اضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فانها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد

ايها الإخوان المسلمون

انكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين ولم يكلفكم الله نتائج الاعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ونحن بعد ذلك اما مخطئون فلنا اجر العاملين المجتهدين واما مصيبون فلنا اجر الفائزين المصيبين

علي ان التجارب في الماضي والحاضر قد اثبتت انه لا خير الا طريقكم ولا انتاج الا مع خطتكم ولا صواب الا فيما تعملون فلا تغامروا بجهودكم ولا تقامروا بشعار نجاحكم واعملوا والله معكم ولن يتركم اعمالكم والفوز للعاملين "وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم"... البقرة:143

متي تكون خطوتنا التنفيذية

ايها الإخوان المسلمون:

نحن هنا في مؤتمر اعتبره مؤتمرا عائليا يضم اسرة الإخوان المسلمين واريد ان اكون معكم صريحا للغاية فلم تعد تنفعنا الا المصارحة: ان ميدان القول غير ميدان الخيال وميدان العمل غير ميدان القول وميدان الجهاد غير ميدان العمل وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ

يسهل علي كثير ين ان يتخيلوا ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره اقوالا باللسان، وان كثيرين يستطيعون ان يقولوا ولكن قليلا من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع ان يعمل ولكن قليلا منهم يقدر علي حمل اعباء الجهاد الشاق والعمل المضني

وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الانصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف ان لم تتداركهم عناية الله ، وفي قصة طالوت بيان لما اقول

فاعدوا انفسكم واقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل العمل القوي البغيض لديها الشاق عليها وافطموها عن شهواتها ومالوفاتها وعاداتها

وفي الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا روحيا بالإيمان والعقيدة وفكريا بالعلم والثقافة وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بان اخوض بكم لحج البحار واقتحم بكم عنان السماء واغزو بكم كل عنيد جبار فاني فاعل ان شاء الله وصدق رسول الله القائل: "ولن يغلب اثنا عشر الفا من قلة”.

اني اقدر لذلك وقتا ليس طويلا بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم اذنه ومشيئته ،

وقد تستطيعون انتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم ان تقصروا هذا الاجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم

وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب وتختلف النتائج المترتبة عليه

فاشعروا انفسكم العبء والفوا الكتائب وكونوا الفرق واقبلوا علي الدروس وسارعوا إلى التدريب وانشروا دعوتكم في الجهات التي لم تصل إلىها بعد ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل

وقد يظن من يسمع هذا ان الإخوان المسلمين قليل عددهم أوضعيف مجهودهم، ولست إلى هذا اقصد، وليس هذا هو مفهوم كلامي فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون، وان جماعة يمثلها في هذا الاجتماع الاف من اعضائها كل منهم ينوب عن شعبة كاملة لاكثر من ان يستقل عددها أوينسى مجهودها أويغمط حقها، ولكن اقصد إلى ما ذكرت اولا من ان رجل القول غير رجل العمل ورجل العمل غير رجل الجهاد ورجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي يؤدي إلى اعظم الربح باقل التضحيات



5- ايثار الناحية العملية

واما ايثار الناحية العملية فقد اثارها في نفوس الإخوان ودعا إلىها في منهاجهم امور، منها:

ما جاء في الإسلام خاصا بهذه الناحية بالذات ومخافة ان تشوب هذه الاعمال شوائب الرياء فيسرع إلىها التلف والفساد والموازنة بين هذه النظرة وبين ما ورد في إذاعة الخير والأمر به والمسارعة إلى اعلانه ليتعدى نفسه أمر دقيق قلما يتم الا بتوفيق

ومنها نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس من ورائه عمل وما انتجه في هذه الأمة من اثر سيئ وتضليل كبير وفساد ملموس

ومنها ما كان يخشاه الإخوان من معاجلة الدعوة بخصومة حادة أوصداقة ضارة ينتج عن كليهما تعويق السير أوتعطيل عن الغاية



كل هذه امور وضعها الإخوان في ميزانهم، اثروا ان يسيروا في دعوتهم بجد واسراع وان لم يشعر بهم الا من حولهم وان لم يؤثر ذلك الا في محيطهم

قليل من الناس من يعرف ان الداعية من دعاة الإخوان قد يخرج من عمله المصلحي في عصر الخميس فإذا هو في العشاء بالمنيا يحاضر الناس، وإذا هو في صلاة الجمعة يخطب بمنفلوط فإذا هو في العصر يحاضر باسيوط وبعد العشاء يحاضر بسوهاج ثم يعود ادراجه هادئ النفس مطمئن القلب يحمد الله على ما وفقه إلىه ولا يشعر به الا الذين استمعوه

هذا مجهود لو قام به غير الإخوان لملا الدنيا صياحا ودعاية ولكن الإخوان لما قدمت يؤثرون الا يراهم الناس الا عاملين فمن اقنعه العمل فبها ومن لم يؤثر فيه العمل فلن يرشده القول

قد يقضي الاخ شهرا أوشهرين بعيدا عن اهله وبيته وزوجه وولده يدعو إلى الله هو في الليل محاضر وفي النهار مسافر يوما بحزوى ويوما بالعقيق فيلقي اكثر من ستين محاضرة من شرق القطر إلى غربه وقد تضم الحفلات التي يحاضر فيها الالاف من مختلف الطبقات ثم هو بعد ذلك يوصي الا يكون محل دعاية أواعلان



يعقد الإخوان معسكرا نموذجيا بالاسكندرية قرابة شهر فيكون معسكرا نموذجيا بحق يجمع رياضة الفكر والروح إلى رياضة البدن والجسم وتتمثل فيه بجلاء وضوح المعاني الرياضية والعسكرية الكاملة ويدوم ذلك طول هذه الفترة ويضم تحت خيامه المباركة مائة من الشباب التقي المؤمن فلا يكون لذلك صداه في غير من حضروه من الإخوان المسلمين

يعقد مؤتمر كمؤتمركم هذا وهوفي الواقع اصدق برلمان لمصر اذ مثلت فيه مديرياتها مراكزها وقراها وحواضرها من كل الطبقات اصدق تمثيل وقد حضرتم جميعا لا يحملكم إلى ذلك الا الرغبة الاكيدة في العمل المنتج فنوجه إلىكم الدعوة ويضمكم معشر الإخوان المسلمين هذا المكان المبارك

يقوم الإخوان المسلمون بهذا وبغيره من ضروب الاصلاح التي تنتج احسن الاثار ثم هم بذلك لا يتشدقون ولا يباهون ولا يذكرون حتى الحقيقة فضلا عن المبالغة والاغراق ولو كان بعض هذا النشاط وبعض هذه الاعمال مما يوفق إلىه غير الإخوان من الهيئات لملئوا الدنيا صراخا ولاسمعوا من في المشرق والمغرب وعجب فنحن في عصر الدعايات

وصية

ايها الإخوان المسلمون اسمعوا:

أردت بهذه الكلمات ان اضع فكرتكم امام انظاركم فلعل ساعات عصيبة تنتظرنا يحال فيها بيني وبينكم إلى حين ؛ فلا استطيع ان اتحدث معكم أواكتب إلىكم

فاوصيكم ان تتدبروا هذه الكلمات وان تحفظوها إذا استطعتم وان تجتمعوا عليها وان تحت كل كلمة لمعاني جمة.

ايها الإخوان: انتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضعية لاغراض محدودة المقاصد

ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن

ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله

وصوت داو يعلو مرددا دعوة الرسول صلي الله عليه وسلم

ومن الحق الذي لا غلو فيه ان تشعروا انكم تحملون هذا العبء بعد ان تخلي عنه الناس

إذا قيل الام لكم تدعون …

فقولوا ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلي الله عليه وسلم والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه

فان قيل لكم هذه سياسة

فقولوا هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الاقسام

وان قيل لكم انتم دعاة ثورة

فقولوا نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به فان ثرتم علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد اذن الله ان ندفع عن انفسنا وكنتم الثائرين الظالمين

وان قيل لكم انكم تستعينون بالاشخاص والهيئات

فقولوا: امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين غافر:84

فان لجوا في عدوانهم

فقولوا: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين القصص:55



واجبات

ايها الإخوان.

امنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إلىه فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه وادوا فرائضه واجتنبوا نواهيه

وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات وكونوا اقوياء باخلاقكم اعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرأمة الاتقاء الصالحين

واقبلوا علي القرآن تتدارسونه وعلي السيرة المطهرة تتذاكرونها وكونوا عمليين لا جدليين ؛ فإذا هدي الله قوما الهمهم العمل ؛ وما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه الا اوتوا الجدل.

وتحابوا فيما بينكم واحرصوا كل الحرص علي رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين

واسمعوا واطيعوا لقيادتكم في العسر واليسر والمنشط والمكره فهي رمز فكرتكم وحلقة الاتصال فيما بينكم

وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتاييده والفرصة اتية لا ريب فيها " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "... الروم:4-5

وفقنا الله واياكم لما يحبه ويرضاه وسلك بنا وبكم مسالك الاخيار المهتدين واحيانا حياة الاعزاء السعداء واماتنا موت المجاهدين والشهداء انه نعم المولي ونعم النصير

رسالة المؤتمر الخامس

ايها الإخوان:

كنت اود ان نظل دائما نعمل ولا نتكلم وان نكل الاعمال وحدها الحديث عن الإخوان وخطوات الإخوان وكنت أحب ان تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون من غير هذا الفاصل الذي نحدد به جهاد عشر سنوات مضت لنستانف مرحلة اخرى من مراحل الجهاد الدائب في سبيل تحقيق فكرتنا السامية

ولكنكم أردتم هذا وأحببتم ان تسعدونا بهذا الاجتماع الشامل فشكرا لكم ولا باس ان ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض نتائجنا ونراجع فهرس اعمالنا ونستوثق من مراحل طريقنا ونحدد الغاية والوسيلة فتتضح الفكرة المبهمة وتصحح النظرة الخاطئة وتعلم الخطوة المجهولة وتتم الحلقة المفقودة ويعرف الناس الإخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم من غير لبس ولا غموض

لا باس بهذا ولا باس بان يتقدم إلىنا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أوقرا هذا البيان برايه في غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا فناخذ الصالح من رايه وننزل على الحق من مشورته فان الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم

ايها الإخوان:

اجدني في غنى عن تحيتكم وشكركم وعن وصف ما يغمرني من السعادة بموقفي هذا بينكم ومن السرور والفرح بلقائكم ومن الامل العظيم بمؤازرتكم وتوفيق الله اياكم

اجدني في غنى عن بيان هذا كله بهذا الفيض من العواطف النبيلة الذي يغمر ج هذا الاجتماع فكان كل ما فيه ينطق بالحب العميق والارتباط الوثيق والاخوة الصادقة والتعاون المكين ووفقكم الله لخير ما يحب ويرضى ..

رحم الله إمامنا الشهيد وإخوانه الأطهار وأوتاد هذه الدعوة الذين ندعو الله لهم ولكل أجيال الإخوان:

( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .. الحشر 10

والله اكبر ولله الحمد


ليست هناك تعليقات: