مركزتيفاوت الإعلامي
تيفسابريس
– الأمازيغ ما قاموا ليقسموا المجتمع ولا ليدعوا دعوة العنصرية بل تنادوا للمّ الشّمل وإعادة الاعتبار لهويّة طُمست ولغة هُجرت وحضارة رانَ عليها غبار الإرادة السياسية ورياح التّعريب والتّغريب
– لا مستقبل للأمازيغية في تونس ما لم يقم أبناؤها بواجب الجمع.. أفضل خدمة نقدّمها اليوم للأمازيغية في تونس هي أن نجمع تراثها ونراكم الكتابات والدّراسات والتّجارب..
– ظهر خطاب مقلق أحيانا على صفحات التّواصل الاجتماعي. وهو خطاب يتنزّل في سياق الردّ على مواقف متطرّفة أيضا تنفي أو ترفض وجود الأمازيغية… هذا الخطاب يضر بالمسألة الأمازيغية ..فالتأسيس لا يكون بالصياح والشعارات ورفع الأعلام والمنافحة على صفحات التواصل الاجتماعي بل بالعمل والجدّ والإبداع والدّراسة..
– للأسف الشديد لم يحصل لي التعاون والاستفادة من تجربة الاخوة المغاربة..فلا تقدّم ولا ازدهار للأمازيغية ما لم يحصل هذا التواصل.. وكم يسعدني أن أرى بوادر هذا التعاون والتّكامل في القريب العاجل
تقديم :
الاستاذ فتحي بن معمر من مواليد قرية قلالة وهي إحدى أهم القرى الأمازيغية بجزيرة جربة التي مازالت محافظة على لغتها وهويتها الأمازيغية.
أستاذ لغة عربية ، باحث في اللغات، ماجستير في مقارنة الاديان كاتب وناقد ادبي ومهتم بفنون المسرح ،رئيس شبكة القطب المدني للتنمية وحقوق الانسان (تضم اكثر من 265 جمعية ) رئيس جمعية ” الق ” الثقافية، صدر له كتاب في اللغة الامازيغية بعنوان : ” تَانْفُوسْتْ نَ لْميرازْ، مُقدّمات لدراسة الأمازيغية التونسية المعاصرة ” كتاب صادر في أكتوبر 2013 عن مكتبة تونس وله اصدارات تحت الطبع.
حين تجلس مع الاستاذ فتحي بن معمر تلمس فيه ذلك الباحث الجاد والمثقف الأكاديمي الحصيف صاحب فكر وعلم ، محدثاً رائعاً، يعمل في صمت وصدق، متواضع تواضع اهل جربة الطيبون.
وفي إطار انفتاح الجريدة على فعاليات اكاديمية جادة على صعيد تامازغا التقته واجرت معه الحوار التالي :
أجرى الحوار أحمد أوزال
مرحبا بك الاستاذ فتحي
س : منذ متى بدأ اهتمامكم ووعيكم بالثقافة والهوية الامازيغية ؟
اهلا وسهلا – بدأ الاهتمام بالمسألة منذ سنوات الشباب الأولى ونحن نجلس على مقاعد الدّراسة بالمرحلة الثانوية حيث كنّا نشعر بالتميّز على أقراننا من أبناء القرى غير الناطقة بالأمازيغية. كنّا نشعر أنّ لدينا معطى مختلف ومميّز يدعونا إلى الفخر وكنّا في فترات الرّاحة بين حصص الدّروس نتبارى في استعراض أقصى ما يمكن من الألفاظ الأمازيغية ونوغل في ذكر الغريب والمتروك أو المنسي من المعجم الأمازيغي في ذلك الزمن. وكنت منذ ذلك الزّمن أتسلّى بجمع قوائم للألفاظ الأمازيغية التي وقع تعويضها في الاستعمال اليومي بألفاظ عربية أو فرنسة أو مزجها بها أو بجزء منها. ثمّ تطوّر الأمر إلى بحث متواصل وجمع للموروث وتوثيق للمدوّنة فدراسات لسانية وتاريخية وحضارية قد يصدر بعضها في القريب.
س:يصف الإعلام التونسي الأمازيغ في تونس بالأقلية والبعض الآخر يتهمهم بإحياء النّزعة العرقية العنصرية كيف تردّون ؟
طبعا بالنّسبة للإعلام الذي لم يتعوّد الحديث عن الأمازيغية وعن مثل هذه المسائل التي تمثّل التميّز والاختلاف والتنوّع، لن يكون موقفه إيجابيا. فقد روّجت الآلة الإعلامية التونسية كما أراد لها السّاسة دائما مقولة الأمّة التونسية المتجانسة والموحدّة والمنمّطة ساعية إلى طمس كلّ معالم الهويّات العرقية أو اللّغوية أو الحضارية لبعض الجهات ونكاد نجزم أنّه لم يَدُر حوار حول المسألة الأمازيغية في تونس ما قبل الثّورة باستثناء حوار على أعمدة جريدة الصباح في سنوات السبعين. فطبيعي إذن أن يعتقد البعض أن الأمازيغ أقلية وأن يعتقد البعض أن لا وجود للأمازيغية لغة وعرقا في تونس والحال أنّ التونسيين عن بكرة أبيهم من أصول أمازيغية. وعليه فهؤلاء الأمازيغ الذين تُنكرون عليهم حقّهم في الوجود والتعبير عن هويتهم والحفاظ على لغتهم وموروثهم الحضاري هم أحفاد أجدادكم وهم ما قاموا ليقسموا المجتمع ولا ليدعوا دعوة العنصرية بل تنادوا للمّ الشّمل وإعادة الاعتبار لهويّة طُمست ولغة هُجرت وحضارة رانَ عليها غبار الإرادة السياسية ورياح التّعريب والتّغريب.
س: صدر لكم كتاب في اللغة الأمازيغية كيف تقدمونه للقرّاء؟
هو جزء يسير من المدوّنة التي بدأت بجمعها منذ ما يزيد عن العشرين سنة. اخترت أن أصدرها في هذا الكتاب في أكتوبر 2013 لمّا احتدم النّقاش حول المسألة الأمازيغية في تونس بين مُنكر لوجودها رافض لأهلها ومتحمّس متعصّب انخرط في ردّة فعل في صراع أجوف لا طائل منه. أردت الكتاب ببساطة مدوّنة تؤكّد حضور الهوية الأمازيغية وحياة هذه اللّغة وديناميكيتها وتبرز مدى الثراء الحضاري الذي تضيفه للثقافة التونسية والمغاربية كما أردته أيضا تأكيدا أنّ الأمازيغ والأمازيغية ذوي رحابة صدر وتسامح وتعايش يقتبلون الآخر ويتفاعلون معه ويثرون الحضارات. فلا عنصرية ولا تفرقة فتونس بالأمازيغ قامت وبهم تواصلت وعليهم اعتمدت في مرحل متعدّدة من تاريخها وإليهم تنتسب. الكتاب بعنوان: “تَنْفُسْتْ نَلْمِيرَازْ، مُقدّمات لدراسة الأمازيغية التونسية المعاصرة” فيه مدوّنة لغوية راوحت بين الصوتيات والنحو والصرف والبلاغة والاستعمالات الخاصة وبعض النماذج من الأغاني والأشعار ممّا يدل على حياة هذه اللغة واحتفال أهلها بالحياة.
س:ولماذا انحسرت اللغة في بعض القرى فقط في تونس وما هي وضعيتها اليوم في ظل ندرة التراكم العلمي والادبي والبحث الاكاديمي؟
عملية الانحسار التي نتحدّث عنها تمّت على مراحل وفي فترة زمنية طويلة نسبيا بدأت مع السّياسة الاستعمارية التي كانت تحاول نشر ثقافتها ثمّ تواصلت مع قيام الدّولة الوطنية بدعوى ضرورة توحيد التونسيين وتحقيق مفهوم الأمّة التونسية وخاصة مع نجاعة السياسة التعليمية التي كانت تعتمد بالأساس على العربية والفرنسية فبدأت تدريجيا تتراجع بتراجع المتحدّثين بها من ناحية وبعدم الحاجة إليها في الحياة العامة أي في الأسواق والتجارة أو في الإدارات من ناحية أخرى ثمّ بموت المعاجم المختصة واندثارها بمجرّد زوال حرفة أو مهنة أو التخلي عنها فمعاجم تتصّل مثلا بالفلاحة والصيد وصناعة الخزف اندثرت أو كادت لمّا تراجعت هذه المجالات ولم يبق منها إلاّ النّزر القليل لدى الشّيوخ أو لدى بعض الباحثين فكلّ مسنّ أو عجوز يموت يندثر معه معجم بالإضافة إلى عدم وعي أبناء اللغة الأمازيغية بضرورة حفظها وتوثيقها وأرشفة مدونتها. وفي اعتقادي لا مستقبل للأمازيغية في تونس ما لم يقم أبناؤها بواجب الجمع والمنع، جمع كلّ التفاصيل اللّغوية والحضارية ومنعها من الضياع والتّلف والخلط والذوبان وهذا يحتاج إلى مجهودات جبّارة.
س: سكان جربة يتشابهون مع سكان منطقة سوس في المغرب في كثير من العادات .. ففي جرية هناك مناطق تعربت وأخرى مازالت ناطقة بالأمازيغية ولها خصوصيات خاصة بها كاتباع أهلها للمذهب الإباضي، هل من الممكن أن تشرحوا لنا بعض عادتها؛ موروثها الثقافي خصوصا ” نظام العزابة ” باختصار ؟
الحقيقة يجدر بنا أن نذكّر أنّ جربة كانت كلّها أمازيغ وكانت أيضا إلى سنوات قريبة إباضية المذهب. ولعل أفضل دليل على هذا التماهي بين الأمازيغية والإباضية هو وجود بعض الكتب في العقيدة والفقه كتبت أصلا بالأمازيغية فالشيخ عمر بن جميع يذكر انّه نقل كتاب التوحيد عن أصل باللغة الأمازيغة بل إنّ مدوّنة بن غانم الفقهية احتوت على ألفاظ عديدة بالأمازيغية. فيمكن القول إن الأمازيغ هم الذين ضمنوا تواصل الإباضية وامتدادها ممّا ولّد تزاوجا غريبا أفرز نظما وعادات وتقاليد بل طريقة خاصة في التّعاطي المحلي مع الشأن العام فظهر بجربة نظام العزّابة. وهو نظام استحدثه مشائخ العلم للحفاظ على الهوية والعقيدة والمجتمع الإباضي الأمازيغي. وهو عبارة عن مجلس حكم يرأسه الشيخ الأكثر علما. ويتولى إدار شؤون النّاس والفصل في نوازلهم إلى درجة أنّهم ما كانوا يحتاجون إلى السلط المركزية التونسية في شيء، لقد أحدثوا نظاما خاصا بهم في ذلك العهد الذي هو نظام العزابة والذي مكن في وقت من الاوقات الجربيين من الاستقلال اصلا حتى عن الحكومة المركزية الحُسينية باعتبار ان نظام العزابة هوشكل من اشكال مجلس الرئاسة أو مجلس ادارة شؤؤن الناس يتكون من مجموعة من المشايخ الذين يديرون شؤؤن الناس ويفصلون في القضايا وفي كل شيء الا درجة ان انه في عهد الحسيني ارسل ” الباي ” قاضيا بقي سنتين ولم يفصل في أي قضية فطلب ان يعود الى المدينة باعتبار أن هؤلاء الناس لايوجد بينهم صراعات وهم يفصلون مشاكلهم بطريقة خاصة.
كما يتميز المجتمع الجربي باحترام المراة ولها مكانة خاصة متميزة فلا وجود للخصام ولا تقاليد لدى رجال المنطقة في إهانة المرأة وإذلالها بل هي محل احترام وتقدير وهي أيضا مشاركة فاعلة في الحراك الاقتصادي والفعل الاجتماعي اليومي فهي فلاحة وهي حرفية وهي أيضا صاحبة رأي حصيف وموقف ولذلك قيلت قولة” إنّ المجتمع يخاف من المشائخ العزابة والمشائخ العزابة يخافون من العجائز” وفي تقديري يخافون منهن خوف تقدير واحترام واستئناس برأيهن وخبرتهن وعموما فخلق احترام الكبير وتقديره والأخذ برأيه خليق أصيل لدى أهل جربة فما بالك بالمرأة في مجتمع متديّن ومتخلّق.
س : قلتم لي قبل إجراء الحوار إن هناك أطرفا تنفر الناس من الأمازيغية؛ ”تدافع بحماس زائد وغالبا بالعنف في الخطاب والطرح؛ وأحيانا تمسّ بالدّين وبالآخر وهؤلاء في الغالب لا يملكون شيئا؛ ” كيف؟
الواقع ظهر خطاب مقلق أحيانا على صفحات التّواصل الاجتماعي. وهو خطاب يتنزّل في سياق الردّ على مواقف متطرّفة أيضا تنفي أو ترفض وجود الأمازيغية. وأعتقد أنّ الذين يعتمدون هذا الخطاب يضرّون المسألة الأمازيغية من حيث يريدون نفعها. أعتقد أنّ أفضل خدمة نقدّمها اليوم للأمازيغية في تونس هي أن نجمع تراثها ونراكم الكتابات والدّراسات والتّجارب. فالتأسيس لا يكون بالصياح والشعارات ورفع الأعلام والمنافحة على صفحات التواصل الاجتماعي بل بالعمل والجدّ والإبداع والدّراسة ومراكمة التّجارب.
س: في ظل المشاكل التي تعيشها الأمازيغية والأمازيغ في تونس تجددت الدعوات مؤخرا من بعض النشطاء الى تأسيس ”هيأة عليا ” : تنسيقية؛ فيدرالية؛ أو أي هيكل تنظيمي يمثل أمازيغ تونس وتصدر عنه مواقف من كلّ ما من شانه أن يمس الحراك الامازيغي، ما هو رأيكم؟
في تصوّري المهم ليس إيجاد الهياكل والمنظمات مهما كان نوعها أو اسمها بل المهم هو التّفكير في نجاعة هذه الهياكل وحرفيتها. فما جدوى أن توجد عشرات الجمعيات التي لا تنسّق فيما بينها أو ما الجدوى من وجود هيكل موحّد إذا كان القائمون عليه غير متكوّنين بشكل جيّد أو تعوزهم التجربة في العمل المدني. في تصوّري لا نستطيع أن نكوّن هيكلا ناجعا ما لم نكوّن رجالا ونساء ناجعين مؤمنين بالمشروع الأمازيغي. فلا بدّ من تكوين الفاعلين لكلّ مرحلة ولكلّ هيكل أوّلا.
س-: ماهي مشاريعكم المستقبلية ؟
أواصل العمل بشكل فردي وبالتعاون مع بعض الأصدقاء حول المدوّنة اللّغوية والحضارية الأمازيغية وأطمح إلى تحقيق مشاريع كبرى حول اللّغة الأمازيغية بتونس وفي تامزغا عموما وصدرت لي رواية بعنوان “أزَزْلَفْ”وسيصدر لي كتاب في مقارنة الأديان بعنوان: ” الوصايا العشر وتجلياتها في التوراة والإنجيل والقرآن”
س: هل هناك تعاون أكاديمي بينكم وبين المثقفين المغاربة أو سبق لكم المشاركة في الأنشطة والندوات الأمازيغية بالمغرب ؟
لا للأسف الشديد لم يحصل هذا وأرجو أن يتحقّق ذلك في القريب العاجل. فلا بدّ من تبادل التجارب والاستفادة من تجربة الاخوة المغاربة في هذا المجال.
س : يلاحظ أن هناك تقصير في التواصل بين أبناء تامزغا وانفتاحهم أكثر على المشرق، ألا ترون ضرورة تفعيل التواصل الثقافي بين بلدان تامزغا من خلال إقامة الأنشطة الثقافية والأدبية والتواصل بين المثقفين والقيام بمبادرات ذاتية يقوم بها المثقفون والأدباء والكتاب لتطوير التواصل فيما بينهم وإشراك الجمعيات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني لتبني مشاريع ثقافية مشتركة تجمع بين المثقفين والكتاب والفنانين ؟
جوهر القضية يكمن فيما ذكرته الآن، فلا تقدّم ولا ازدهار للأمازيغية ما لم يحصل هذا التواصل. فلا بدّ من قيام مشاريع بحثية مشتركة وتأسيس مراكز بحث مختصة والاستفادة من التّجارب الرائدة في هذا المجال ووضع خطّة للعمل المشترك على كلّ المستويات وفي كلّ المجالات بين الأفراد وبين الجمعيات وبين مراكز البحث والأرشفة والتوثيق. كم يسعدني أن أرى بوادر هذا التعاون والتّكامل في القريب العاجل.
شخصيا أريد إعادة صياغة كتابي مقدمات لدراسة اللغة الأمازيغية التونسية المعاصرة بحرف بتيفيناغ وفي تقديم مشروع درس إلى الجامعة التونسة وهذا يحتاج منّي تلقي تكوين على أيدي مختصين وأفكر في المغرب بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية مثلا
س: هل من رسالة تودون تبليغها للمسؤولين في البلدان المغاربية؟
للقائمين على الهياكل الحكومية والرسمية المعنية بالثقافة أقول : الحضارات تُبنى على التنوّع والثراء ولا تُبنى على الإقصاء والانتقاء، فلا ترهبوا التنّوع الثقافي والحضاري بين أبناء الشّعب الواحد فذلك دليل حياة ذلك الشّعب وحيويته وحركيته وثراء حضارته. وللناشطين في الحقل الأمازيغي أقول الحماس للمسألة مطلوب لكنّ التأسيس الرّصين والعلمي والأكاديمي مرغوب أكثر ففاقد الشيء لا يعطيه ولا يمكن لأيّ كان أن يفيض على غيره إذا لم يشعر بالامتلاء. فتمثّل المسألة الأمازيغية جيداً تقنع بها من يرفضها دون عناء.
أحمد أوزال awzatlas@gmail.com
هذا الحوار سبق نشره في الجريدة الورقية <<المسار الصحفي >> المغربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق